الجزء الخامس والأربعون من تفسير سورة البقرة
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة البقرة
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الخامس والأربعون من تفسير سورة البقرة
مسألة :
وليس للمخالع أن يراجع المختلعة في العدة بغير رضاها عند
الأئمة الأربعة وجمهور العلماء؛ لأنها قد ملكت نفسها بما بذلت له من العطاء. وروي
عن عبد الله بن أبي أوفى، وماهان الحنفي، وسعيد بن المسيب، والزهري أنهم قالوا: إن
رد إليها الذي أعطاها جاز له
رجعتها في العدة بغير رضاها، وهو اختيار
أبي ثور، رحمه الله. وقال سفيان الثوري: إن كان الخلع بغير لفظ الطلاق فهو فرقة ولا
سبيل له عليها. وإن كان سمى طلاقا فهو
أملك لرجعتها ما دامت في العدة. وبه يقول داود بن علي الظاهري: واتفق الجميع على أن
للمختلع أن يتزوجها في العدة. وحكى الشيخ أبو عمر < 1-621 >
بن عبد
البر، عن فرقة أنه لا يجوز له ذلك، كما لا يجوز لغيره، وهو قول شاذ مردود.
مسألة :
وهل له أن يوقع عليها طلاقا آخر في العدة؟ فيه ثلاثة أقوال للعلماء:
أحدهما : ليس له
ذلك؛ لأنها قد ملكت نفسها وبانت منه. وبه يقول ابن عباس، وابن الزبير، وعكرمة،
وجابر بن زيد، والحسن البصري، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو
ثور.
والثاني : قال مالك: إن أتبع الخلع طلاقا من غير سكوت
بينهما وقع، وإن سكت بينهما لم يقع. قال ابن عبد البر: وهذا يشبه ما روي عن عثمان،
رضي الله عنه.
والثالث : أنه يقع عليها الطلاق بكل حال ما دامت في العدة،
وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، والثوري، والأوزاعي. وبه يقول سعيد بن المسيب، وشريح،
وطاوس، وإبراهيم، والزهري، والحكم وحماد بن أبي سليمان. وروي ذلك عن ابن مسعود، وأبي الدرداء قال ابن عبد البر: وليس ذلك
بثابت عنهما.
وقوله: ( تِلْكَ حُدُودُ
اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ ) أي: هذه الشرائع التي شرعها لكم هي حدوده، فلا تتجاوزوها.
كما ثبت في الحديث الصحيح: "إن الله حد حدودًا فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تضيعوها، وحرم محارم فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة
لكم من غير نسيان، فلا تسألوا عنها" .
وقد يستدل بهذه الآية من ذهب إلى أن جمع الطلقات الثلاث
بكلمة واحدة حرام، كما هو مذهب المالكية ومن وافقهم، وإنما السنة عندهم أن يطلق
واحدة واحدة، لقوله: ( الطَّلاقُ مَرَّتَانِ ) ثم قال:
( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ
حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ويُقَوُّون ذلك بحديث محمود بن لبيد الذي
رواه النسائي في سننه حيث قال: حدثنا سليمان بن داود، أخبرنا ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه، عن محمود بن لبيد قال: أخبر رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا فقام غضبان، ثم
قال: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ؟! " حتى قام رجل فقال يا رسول الله، ألا
أقتله؟ فيه
انقطاع.
وقوله تعالى: ( فَإِنْ طَلَّقَهَا
فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ) أي: أنه إذا
طلق الرجل امرأته طلقة ثالثة بعد ما أرسل عليها الطلاق مرتين، فإنها تحرم عليه حتى
تنكح زوجا غيره، أي: حتى يطأها < 1-622 >
زوج آخر في نكاح صحيح، فلو وطئها واطئ في غير نكاح، ولو في
ملك اليمين لم تحل للأول؛ لأنه ليس بزوج، وهكذا لو تزوجت، ولكن لم يدخل بها الزوج
لم تحل للأول، واشتهر بين كثير من الفقهاء عن سعيد بن المسيب، رحمه الله، أنه يقول:
يحصل المقصود من تحليلها للأول
بمجرد العقد على الثاني. وفي صحته عنه نظر، على أن الشيخ أبا عمر بن عبد البر قد
حكاه عنه في الاستذكار، فالله أعلم.
وقد قال أبو جعفر بن جرير، رحمه الله: حدثنا ابن بشار،
حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سالم بن رزين، عن سالم بن عبد
الله عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، عن النبي
صلى الله عليه وسلم في الرجل يتزوج المرأة فيطلقها قبل أن يدخل بها البتة، فيتزوجها
زوج آخر فيطلقها، قبل أن يدخل بها: أترجع إلى الأول؟ قال: "لا حتى تذوق عسيلته
ويذوق عسيلتها" .
هكذا وقع في رواية ابن جرير، وقد رواه الإمام أحمد
فقال:
حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن علقمة بن مرثد، سمعت
سالم بن رزين يحدث عن سالم بن عبد الله، يعني: ابن عمر، عن سعيد بن المسيب، عن ابن
عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: في الرجل تكون له المرأة فيطلقها، ثم يتزوجها
رجل فيطلقها قبل أن يدخل بها، فترجع إلى زوجها الأول؟ فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "حتى يذوق العسيلة" .
وهكذا رواه النسائي، عن عمرو بن علي الفلاس، وابن ماجه عن
محمد بن بشار بندار كلاهما
عن محمد بن جعفر غندر، عن شعبة، به كذلك . فهذا من رواية سعيد بن المسيب عن ابن عمر مرفوعًا، على
خلاف ما يحكى عنه، فبعيد أن يخالف ما رواه بغير مستند، والله أعلم.
وقد روى أحمد أيضا، والنسائي، وابن جرير هذا الحديث من
طريق سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن رزين بن سليمان الأحمري، عن ابن عمر قال:
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا فيتزوجها آخر، فيغلق
الباب ويرخي الستر ثم يطلقها، قبل أن يدخل بها: هل تحل للأول؟ قال: "لا حتى يذوق
العسيلة" .
وهذا لفظ أحمد، وفي رواية لأحمد: سليمان بن رزين.
حديث آخر : قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا محمد بن
دينار، حدثنا يحيى بن يزيد الهنائي، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم سئل عن رجل كانت تحته امرأة فطلقها ثلاثا فتزوجت بعده رجلا فطلقها قبل أن
يدخل بها: أتحل لزوجها الأول؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حتى يكون
الآخر قد ذاق من عسيلتها وذاقت من عسيلته".
< 1-623 >
ورواه ابن جرير، عن محمد بن إبراهيم الأنماطي، عن هشام بن
عبد الملك، حدثنا محمد بن دينار، فذكره .
قلت: ومحمد بن دينار بن صندل أبو بكر الأزدي ثم الطاحي البصري، ويقال له: ابن أبي الفرات:
اختلفوا فيه، فمنهم من ضعفه، ومنهم من قواه وقبله وحسن له . وقال أبو
داود: أنه تغير قبل موته، فالله أعلم.
حديث آخر : قال ابن جرير: حدثنا عبيد بن آدم بن أبي إياس
العسقلاني، حدثنا أبي، حدثنا شيبان، حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن أبي الحارث الغفاري
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة يطلقها زوجها ثلاثا فتتزوج زوجا غيره،
فيطلقها قبل أن يدخل بها، فيريد الأول أن يراجعها، قال: "لا حتى يذوق الآخر
عسيلتها".
ثم رواه من وجه آخر عن شيبان، وهو ابن عبد الرحمن، به . وأبو الحارث غير معروف.
حديث آخر : قال ابن جرير:
حدثنا ابن مثنى، حدثنا يحيى، عن عبيد الله، حدثنا القاسم،
عن عائشة: أن رجلا طلق امرأته ثلاثا، فتزوجت زوجا فطلقها قبل أن يمسها، فسئل رسول
الله صلى الله عليه وسلم: أتحل للأول؟ فقال: "لا حتى يذوق من عسيلتها كما ذاق
الأول".
أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، من طرق، عن عبيد الله بن
عمر العمري، عن القاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن عمته عائشة، به .
طريق أخرى : قال ابن جرير:
حدثنا عبيد الله بن إسماعيل الهباري، وسفيان بن وكيع، وأبو
هشام الرفاعي قالوا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة
قالت: سئل رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته، فتزوجت رجلا غيره، فدخل بها ثم طلقها قبل أن
يواقعها: أتحل لزوجها الأول؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحل لزوجها
الأول حتى يذوق الآخر عسيلتها وتذوق عسيلته".
وكذا رواه أبو داود عن مسدد، والنسائي عن أبي كريب، كلاهما
عن أبي معاوية، وهو محمد بن حازم الضرير، به .
طريق أخرى : قال مسلم في صحيحه:
< 1-624 >
حدثنا محمد بن العلاء الهمداني، حدثنا أبو أسامة، عن هشام،
عن أبيه، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة يتزوجها الرجل
فيطلقها، فتتزوج رجلا فيطلقها قبل أن يدخل بها: أتحل لزوجها الأول؟ قال: "لا حتى
يذوق عسيلتها".
قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا ابن فضيل:
وحدثنا أبو كريب، حدثنا أبو معاوية جميعا، عن هشام بهذا الإسناد .
وقد رواه البخاري من طريق أبي معاوية محمد بن حازم، عن
هشام به
.
وتفرد به مسلم من الوجهين الآخرين. وهكذا رواه ابن جرير من طريق عبد الله بن
المبارك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مرفوعا بنحوه أو مثله . وهذا إسناد جيد. وكذا رواه ابن جرير
أيضا، من طريق علي بن زيد بن جدعان، عن امرأة أبيه أمينة أم محمد عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله وهذا السياق مختصر من الحديث الذي رواه
البخاري: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى، عن هشام، حدثني أبي، عن عائشة، عن النبي
صلى الله عليه وسلم. وحدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن
أبيه، عن عائشة: أن رفاعة القرظي تزوج امرأة ثم طلقها، فتزوجت آخر فأتت النبي صلى
الله عليه وسلم، فذكرت له أنه لا يأتيها، وأنه ليس معه إلا مثل هدبة الثوب فقال:"لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك "
.
تفرد به من هذين الوجهين.
طريق أخرى : قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الأعلى، عن معمر،
عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: دخلت امرأة رفاعة القرظي -وأنا وأبو بكر عند
النبي صلى الله عليه وسلم -فقالت: إن رفاعة طلقني البتة، وإن عبد الرحمن بن الزبير
تزوجني، وإنما عنده مثل الهدبة، وأخذت هدبة من جلبابها، وخالد بن سعيد بن العاص
بالباب لم يؤذن له، فقال: يا أبا بكر، ألا تنهي هذه عما تجهر به بين يدي رسول الله
صلى الله عليه وسلم! فما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبسم، وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "كأنك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" .
وهكذا رواه البخاري من حديث عبد الله بن المبارك، ومسلم من حديث عبد الرزاق، والنسائي من
حديث يزيد بن زريع، ثلاثتهم عن معمر به . وفي
حديث عبد الرزاق عند مسلم: أن < 1-625 >
رفاعة طلقها آخر ثلاث تطليقات. وقد رواه الجماعة إلا أبا
داود من طريق سفيان بن عيينة، والبخاري من طريق عقيل، ومسلم من طريق يونس بن يزيد
[وعنده ثلاث تطليقات، والنسائي من طريق أيوب بن موسى، ورواه صالح بن أبي الأخضر]
كلهم عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، به
.
وقال مالك عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد
الرحمن بن الزبير: أن رفاعة بن سموال طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثلاثا، فنكحت عبد الرحمن بن الزبير، فاعترض عنها فلم يستطع أن
يمسها، ففارقها، فأراد رفاعة أن ينكحها، وهو زوجها الأول الذي كان طلقها، فذكر ذلك
لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهاه عن تزويجها، وقال: "لا تحل لك حتى تذوق
العسيلة" كذا رواه أصحاب الموطأ عن مالك وفيه انقطاع . وقد رواه إبراهيم بن طَهْمَان، وعبد الله بن وهب، عن مالك،
عن رفاعة، عن الزبير بن عبد الرحمن، عن أبيه، فوصله .
فصل
والمقصود من الزوج الثاني أن يكون راغبا في المرأة، قاصدا
لدوام عشرتها، كما هو المشروع من التزويج، واشترط الإمام مالك مع ذلك أن يطأها
الثاني وطئا مباحًا، فلو وطئها وهي محرمة أو صائمة أو معتكفة أو حائض أو نفساء أو
والزوج صائم أو محرم أو معتكف، لم تحل للأول بهذا الوطء. وكذا لو كان الزوج الثاني
ذميًا لم تحل للمسلم بنكاحه؛ لأن أنكحة الكفار باطلة عنده. واشترط الحسن البصري
فيما حكاه عنه الشيخ أبو عمر بن عبد البر أن ينـزل الزوج الثاني، وكأنه تمسك بما فهمه من قوله عليه السلام: "حتى
تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك"، ويلزم على هذا أن تنـزل المرأة أيضا. وليس المراد
بالعسيلة المني لما رواه الإمام أحمد والنسائي، عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا إن العسيلة الجماع" فأما إذا كان الثاني إنما قصده أن يحلها للأول، فهذا هو
المحلل الذي وردت الأحاديث بذمه ولعنه، ومتى صرح بمقصوده في العقد بطل النكاح عند
جمهور الأئمة .
ذكر الأحاديث الواردة في ذلك الحديث الأول : عن ابن مسعود. قال الإمام أحمد:
< 1-626 >
حدثنا الفضل بن دُكَيْن، حدثنا سفيان، عن أبي قيس، عن
الهذيل، عن عبد الله قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة
والواصلة والمستوصلة، والمحلل والمحلل له، وآكل الربا وموكله .
ثم رواه أحمد، والترمذي، والنسائي من غير وجه، عن سفيان،
وهو الثوري، عن أبي قيس واسمه عبد الرحمن بن ثروان الأودي، عن هزيل بن شرحبيل
الأودي، عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم به. ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. قال: والعمل على هذا
عند أهل العلم من الصحابة، منهم: عمر، وعثمان، وابن عمر. وهو قول الفقهاء من
التابعين، ويروى ذلك عن علي، وابن مسعود، وابن عباس.
طريق أخرى : عن ابن مسعود. قال الإمام أحمد: حدثنا زكريا بن
عدي، حدثنا عبيد الله، عن عبد الكريم، عن أبي الواصل، عن ابن مسعود، عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله المحلل والمحلل له" .
طريق أخرى : روى الإمام أحمد، والنسائي، من حديث الأعمش، عن
عبد الله بن مرة، عن الحارث الأعور، عن عبد الله بن مسعود قال: آكل الربا وموكله،
وشاهداه وكاتبه إذا علموا به، والواصلة، والمستوصلة، ولاوي الصدقة، والمتعدي فيها،
والمرتد على عقبيه إعراضا بعد هجرته، والمحلل والمحلل له، ملعونون على لسان محمد صلى
الله عليه وسلم يوم القيامة .
الحديث الثاني : عن علي رضي الله عنه. قال الإمام أحمد:
حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا سفيان، عن جابر [وهو ابن يزيد
الجعفي] عن
الشعبي، عن الحارث، عن علي قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا
وموكله، وشاهديه وكاتبه، والواشمة والمستوشمة للحُسْن، ومانع الصدقة، والمحلل،
والمحلل له، وكان ينهى عن النوح .
وكذا رواه عن غندر، عن شعبة، عن جابر، وهو ابن يزيد
الجعفي، عن الشعبي عن الحارث، عن علي، به.
وكذا رواه من حديث إسماعيل بن أبي خالد، وحصين بن عبد
الرحمن، ومجالد بن سعيد، وابن عون، عن عامر الشعبي، به.
< 1-627 >
وقد رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه من حديث الشعبي،
به . ثم قال أحمد:
حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن
الحارث، عن علي قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الربا، وآكله، وكاتبه،
وشاهده، والمحلل، والمحلل له .
الحديث الثالث : عن جابر: قال الترمذي:
حدثنا أبو سعيد الأشج، أخبرنا أشعث بن عبد الرحمن بن زبيد
اليامي، حدثنا مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله وعن الحارث، عن علي: أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم لعن المحلل والمحلل له ثم قال: وليس إسناده بالقائم، ومجالد ضعفه غير واحد من أهل
العلم، منهم أحمد بن حنبل. قال: ورواه ابن نمير، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن
عبد الله، عن علي. قال: وهذا وهم من ابن نمير، والحديث الأول أصح.
الحديث الرابع : عن عقبة بن عامر: قال أبو عبد الله محمد بن
يزيد بن ماجه:
حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري، حدثنا أبي، سمعت
الليث بن سعد يقول: قال أبو مصعب مشرح هو: ابن عاهان، قال عقبة بن عامر: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ " قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: "هو المحلِّل، لعن الله المحلل والمحلل له" .
تفرد به ابن ماجه. وكذا رواه إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني،
عن عثمان بن صالح، عن الليث، به، ثم قال: كانوا ينكرون على عثمان في هذا الحديث
إنكارًا شديدًا.
قلت: عثمان هذا أحد الثقات، روى عنه البخاري في صحيحه. ثم
قد تابعه غيره، فرواه جعفر الفريابي عن العباس المعروف بابن فريق عن أبي صالح عبد الله بن صالح، عن الليث
به، فبرئ من عهدته والله أعلم.
الحديث الخامس : عن ابن عباس. قال ابن ماجه:
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عامر، عن زمعة بن صالح، عن
سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم
المحلل والمحلل له .
طريق أخرى : قال الإمام الحافظ خطيب دمشق أبو إسحاق إبراهيم
بن يعقوب الجوزجاني السعدي: حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي
حبيبة عن
داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
نكاح المحلل قال: "لا إلا نكاح < 1-628 >
رغبة، لا نكاح دُلْسَة ولا استهزاء بكتاب الله، ثم يذوق
عسيلتها" .
ويتقوى هذان الإسنادان بما رواه أبو بكر بن أبي شيبة، عن حميد بن عبد الرحمن، عن
موسى بن أبي الفرات، عن عمرو بن دينار، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من هذا
فيتقوى كل من هذا المرسل والذي قبله
بالآخر، والله أعلم.
الحديث السادس : عن أبي هريرة. قال الإمام أحمد:
حدثنا أبو عامر، حدثنا عبد الله، هو ابن جعفر، عن عثمان بن
محمد، المقبري، عن أبي هريرة قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل
له .
وهكذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة، والجوزجاني، والبيهقي، من
طريق عبد الله بن جعفر القرشي . وقد
وثقه أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين وغيرهم. وأخرج له مسلم في
صحيحه، عن عثمان بن محمد الأخنسي -وثقه ابن معين -عن سعيد المقبري، وهو متفق
عليه.
الحديث السابع : عن ابن عمر. قال الحاكم في مستدركه:
حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا أبو غسان
محمد بن مطرف المدني، عن عمر بن نافع، عن أبيه أنه قال: جاء رجل إلى
ابن عمر، فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا، فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه، ليحلها
لأخيه: هل تحل للأول؟ فقال: لا إلا نكاح رغبة، كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه .
وقد رواه الثوري، عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن
عمر، به. وهذه الصيغة مشعرة بالرفع. وهكذا روى أبو بكر بن أبي شيبة، والجوزجاني،
وحرب الكرماني، وأبو بكر الأثرم، من حديث الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن قبيصة بن
جابر، عن عمر أنه قال: لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما .
وروى البيهقي من حديث ابن لهيعة، عن بكير بن الأشج، عن
سليمان بن يسار: أن عثمان بن عفان رفع إليه رجل تزوج امرأة ليحلها لزوجها، ففرق
بينهما. وكذا روي عن علي، وابن عباس، < 1-629 >
وغير واحد من الصحابة، رضي الله عنهم.
وقوله: ( فَإِنْ طَلَّقَهَا
)
أي: الزوج الثاني بعد الدخول بها ( فَلا جُنَاحَ
عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا ) أي: المرأة والزوج الأول ( إِنْ ظَنَّا
أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ) أي: يتعاشرا بالمعروف [وقال مجاهد: إن
ظنا أن نكاحهما على غير دلسة] ( وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ) أي: شرائعه وأحكامه ( يُبَيِّنُهَا ) أي: يوضحها ( لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ )
وقد اختلف الأئمة، رحمهم الله، فيما إذا طلق الرجل امرأته
طلقة أو طلقتين، وتركها حتى انقضت عدتها، ثم تزوجت بآخر فدخل بها، ثم طلقها فانقضت
عدتها، ثم تزوجها الأول: هل تعود إليه بما بقي من الثلاث، كما هو مذهب مالك،
والشافعي، وأحمد بن حنبل، وهو قول طائفة من الصحابة، رضي الله عنهم؟ أو يكون الزوج
الثاني قد هدم ما قبله من الطلاق، فإذا عادت إلى الأول تعود بمجموع الثلاث، كما هو
مذهب أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله؟ وحجتهم أن الزوج الثاني إذا هدم الثلاث فلأن
يهدم ما دونها بطريق الأولى والأحرى، والله أعلم
وليس للمخالع أن يراجع المختلعة في العدة بغير رضاها عند
الأئمة الأربعة وجمهور العلماء؛ لأنها قد ملكت نفسها بما بذلت له من العطاء. وروي
عن عبد الله بن أبي أوفى، وماهان الحنفي، وسعيد بن المسيب، والزهري أنهم قالوا: إن
رد إليها الذي أعطاها جاز له
رجعتها في العدة بغير رضاها، وهو اختيار
أبي ثور، رحمه الله. وقال سفيان الثوري: إن كان الخلع بغير لفظ الطلاق فهو فرقة ولا
سبيل له عليها. وإن كان سمى طلاقا فهو
أملك لرجعتها ما دامت في العدة. وبه يقول داود بن علي الظاهري: واتفق الجميع على أن
للمختلع أن يتزوجها في العدة. وحكى الشيخ أبو عمر < 1-621 >
بن عبد
البر، عن فرقة أنه لا يجوز له ذلك، كما لا يجوز لغيره، وهو قول شاذ مردود.
مسألة :
وهل له أن يوقع عليها طلاقا آخر في العدة؟ فيه ثلاثة أقوال للعلماء:
أحدهما : ليس له
ذلك؛ لأنها قد ملكت نفسها وبانت منه. وبه يقول ابن عباس، وابن الزبير، وعكرمة،
وجابر بن زيد، والحسن البصري، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو
ثور.
والثاني : قال مالك: إن أتبع الخلع طلاقا من غير سكوت
بينهما وقع، وإن سكت بينهما لم يقع. قال ابن عبد البر: وهذا يشبه ما روي عن عثمان،
رضي الله عنه.
والثالث : أنه يقع عليها الطلاق بكل حال ما دامت في العدة،
وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، والثوري، والأوزاعي. وبه يقول سعيد بن المسيب، وشريح،
وطاوس، وإبراهيم، والزهري، والحكم وحماد بن أبي سليمان. وروي ذلك عن ابن مسعود، وأبي الدرداء قال ابن عبد البر: وليس ذلك
بثابت عنهما.
وقوله: ( تِلْكَ حُدُودُ
اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ ) أي: هذه الشرائع التي شرعها لكم هي حدوده، فلا تتجاوزوها.
كما ثبت في الحديث الصحيح: "إن الله حد حدودًا فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تضيعوها، وحرم محارم فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة
لكم من غير نسيان، فلا تسألوا عنها" .
وقد يستدل بهذه الآية من ذهب إلى أن جمع الطلقات الثلاث
بكلمة واحدة حرام، كما هو مذهب المالكية ومن وافقهم، وإنما السنة عندهم أن يطلق
واحدة واحدة، لقوله: ( الطَّلاقُ مَرَّتَانِ ) ثم قال:
( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ
حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ويُقَوُّون ذلك بحديث محمود بن لبيد الذي
رواه النسائي في سننه حيث قال: حدثنا سليمان بن داود، أخبرنا ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه، عن محمود بن لبيد قال: أخبر رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا فقام غضبان، ثم
قال: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ؟! " حتى قام رجل فقال يا رسول الله، ألا
أقتله؟ فيه
انقطاع.
وقوله تعالى: ( فَإِنْ طَلَّقَهَا
فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ) أي: أنه إذا
طلق الرجل امرأته طلقة ثالثة بعد ما أرسل عليها الطلاق مرتين، فإنها تحرم عليه حتى
تنكح زوجا غيره، أي: حتى يطأها < 1-622 >
زوج آخر في نكاح صحيح، فلو وطئها واطئ في غير نكاح، ولو في
ملك اليمين لم تحل للأول؛ لأنه ليس بزوج، وهكذا لو تزوجت، ولكن لم يدخل بها الزوج
لم تحل للأول، واشتهر بين كثير من الفقهاء عن سعيد بن المسيب، رحمه الله، أنه يقول:
يحصل المقصود من تحليلها للأول
بمجرد العقد على الثاني. وفي صحته عنه نظر، على أن الشيخ أبا عمر بن عبد البر قد
حكاه عنه في الاستذكار، فالله أعلم.
وقد قال أبو جعفر بن جرير، رحمه الله: حدثنا ابن بشار،
حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سالم بن رزين، عن سالم بن عبد
الله عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، عن النبي
صلى الله عليه وسلم في الرجل يتزوج المرأة فيطلقها قبل أن يدخل بها البتة، فيتزوجها
زوج آخر فيطلقها، قبل أن يدخل بها: أترجع إلى الأول؟ قال: "لا حتى تذوق عسيلته
ويذوق عسيلتها" .
هكذا وقع في رواية ابن جرير، وقد رواه الإمام أحمد
فقال:
حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن علقمة بن مرثد، سمعت
سالم بن رزين يحدث عن سالم بن عبد الله، يعني: ابن عمر، عن سعيد بن المسيب، عن ابن
عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: في الرجل تكون له المرأة فيطلقها، ثم يتزوجها
رجل فيطلقها قبل أن يدخل بها، فترجع إلى زوجها الأول؟ فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "حتى يذوق العسيلة" .
وهكذا رواه النسائي، عن عمرو بن علي الفلاس، وابن ماجه عن
محمد بن بشار بندار كلاهما
عن محمد بن جعفر غندر، عن شعبة، به كذلك . فهذا من رواية سعيد بن المسيب عن ابن عمر مرفوعًا، على
خلاف ما يحكى عنه، فبعيد أن يخالف ما رواه بغير مستند، والله أعلم.
وقد روى أحمد أيضا، والنسائي، وابن جرير هذا الحديث من
طريق سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن رزين بن سليمان الأحمري، عن ابن عمر قال:
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا فيتزوجها آخر، فيغلق
الباب ويرخي الستر ثم يطلقها، قبل أن يدخل بها: هل تحل للأول؟ قال: "لا حتى يذوق
العسيلة" .
وهذا لفظ أحمد، وفي رواية لأحمد: سليمان بن رزين.
حديث آخر : قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا محمد بن
دينار، حدثنا يحيى بن يزيد الهنائي، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم سئل عن رجل كانت تحته امرأة فطلقها ثلاثا فتزوجت بعده رجلا فطلقها قبل أن
يدخل بها: أتحل لزوجها الأول؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حتى يكون
الآخر قد ذاق من عسيلتها وذاقت من عسيلته".
< 1-623 >
ورواه ابن جرير، عن محمد بن إبراهيم الأنماطي، عن هشام بن
عبد الملك، حدثنا محمد بن دينار، فذكره .
قلت: ومحمد بن دينار بن صندل أبو بكر الأزدي ثم الطاحي البصري، ويقال له: ابن أبي الفرات:
اختلفوا فيه، فمنهم من ضعفه، ومنهم من قواه وقبله وحسن له . وقال أبو
داود: أنه تغير قبل موته، فالله أعلم.
حديث آخر : قال ابن جرير: حدثنا عبيد بن آدم بن أبي إياس
العسقلاني، حدثنا أبي، حدثنا شيبان، حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن أبي الحارث الغفاري
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة يطلقها زوجها ثلاثا فتتزوج زوجا غيره،
فيطلقها قبل أن يدخل بها، فيريد الأول أن يراجعها، قال: "لا حتى يذوق الآخر
عسيلتها".
ثم رواه من وجه آخر عن شيبان، وهو ابن عبد الرحمن، به . وأبو الحارث غير معروف.
حديث آخر : قال ابن جرير:
حدثنا ابن مثنى، حدثنا يحيى، عن عبيد الله، حدثنا القاسم،
عن عائشة: أن رجلا طلق امرأته ثلاثا، فتزوجت زوجا فطلقها قبل أن يمسها، فسئل رسول
الله صلى الله عليه وسلم: أتحل للأول؟ فقال: "لا حتى يذوق من عسيلتها كما ذاق
الأول".
أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، من طرق، عن عبيد الله بن
عمر العمري، عن القاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن عمته عائشة، به .
طريق أخرى : قال ابن جرير:
حدثنا عبيد الله بن إسماعيل الهباري، وسفيان بن وكيع، وأبو
هشام الرفاعي قالوا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة
قالت: سئل رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته، فتزوجت رجلا غيره، فدخل بها ثم طلقها قبل أن
يواقعها: أتحل لزوجها الأول؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحل لزوجها
الأول حتى يذوق الآخر عسيلتها وتذوق عسيلته".
وكذا رواه أبو داود عن مسدد، والنسائي عن أبي كريب، كلاهما
عن أبي معاوية، وهو محمد بن حازم الضرير، به .
طريق أخرى : قال مسلم في صحيحه:
< 1-624 >
حدثنا محمد بن العلاء الهمداني، حدثنا أبو أسامة، عن هشام،
عن أبيه، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة يتزوجها الرجل
فيطلقها، فتتزوج رجلا فيطلقها قبل أن يدخل بها: أتحل لزوجها الأول؟ قال: "لا حتى
يذوق عسيلتها".
قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا ابن فضيل:
وحدثنا أبو كريب، حدثنا أبو معاوية جميعا، عن هشام بهذا الإسناد .
وقد رواه البخاري من طريق أبي معاوية محمد بن حازم، عن
هشام به
.
وتفرد به مسلم من الوجهين الآخرين. وهكذا رواه ابن جرير من طريق عبد الله بن
المبارك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مرفوعا بنحوه أو مثله . وهذا إسناد جيد. وكذا رواه ابن جرير
أيضا، من طريق علي بن زيد بن جدعان، عن امرأة أبيه أمينة أم محمد عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله وهذا السياق مختصر من الحديث الذي رواه
البخاري: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى، عن هشام، حدثني أبي، عن عائشة، عن النبي
صلى الله عليه وسلم. وحدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن
أبيه، عن عائشة: أن رفاعة القرظي تزوج امرأة ثم طلقها، فتزوجت آخر فأتت النبي صلى
الله عليه وسلم، فذكرت له أنه لا يأتيها، وأنه ليس معه إلا مثل هدبة الثوب فقال:"لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك "
.
تفرد به من هذين الوجهين.
طريق أخرى : قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الأعلى، عن معمر،
عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: دخلت امرأة رفاعة القرظي -وأنا وأبو بكر عند
النبي صلى الله عليه وسلم -فقالت: إن رفاعة طلقني البتة، وإن عبد الرحمن بن الزبير
تزوجني، وإنما عنده مثل الهدبة، وأخذت هدبة من جلبابها، وخالد بن سعيد بن العاص
بالباب لم يؤذن له، فقال: يا أبا بكر، ألا تنهي هذه عما تجهر به بين يدي رسول الله
صلى الله عليه وسلم! فما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبسم، وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "كأنك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" .
وهكذا رواه البخاري من حديث عبد الله بن المبارك، ومسلم من حديث عبد الرزاق، والنسائي من
حديث يزيد بن زريع، ثلاثتهم عن معمر به . وفي
حديث عبد الرزاق عند مسلم: أن < 1-625 >
رفاعة طلقها آخر ثلاث تطليقات. وقد رواه الجماعة إلا أبا
داود من طريق سفيان بن عيينة، والبخاري من طريق عقيل، ومسلم من طريق يونس بن يزيد
[وعنده ثلاث تطليقات، والنسائي من طريق أيوب بن موسى، ورواه صالح بن أبي الأخضر]
كلهم عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، به
.
وقال مالك عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد
الرحمن بن الزبير: أن رفاعة بن سموال طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثلاثا، فنكحت عبد الرحمن بن الزبير، فاعترض عنها فلم يستطع أن
يمسها، ففارقها، فأراد رفاعة أن ينكحها، وهو زوجها الأول الذي كان طلقها، فذكر ذلك
لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهاه عن تزويجها، وقال: "لا تحل لك حتى تذوق
العسيلة" كذا رواه أصحاب الموطأ عن مالك وفيه انقطاع . وقد رواه إبراهيم بن طَهْمَان، وعبد الله بن وهب، عن مالك،
عن رفاعة، عن الزبير بن عبد الرحمن، عن أبيه، فوصله .
فصل
والمقصود من الزوج الثاني أن يكون راغبا في المرأة، قاصدا
لدوام عشرتها، كما هو المشروع من التزويج، واشترط الإمام مالك مع ذلك أن يطأها
الثاني وطئا مباحًا، فلو وطئها وهي محرمة أو صائمة أو معتكفة أو حائض أو نفساء أو
والزوج صائم أو محرم أو معتكف، لم تحل للأول بهذا الوطء. وكذا لو كان الزوج الثاني
ذميًا لم تحل للمسلم بنكاحه؛ لأن أنكحة الكفار باطلة عنده. واشترط الحسن البصري
فيما حكاه عنه الشيخ أبو عمر بن عبد البر أن ينـزل الزوج الثاني، وكأنه تمسك بما فهمه من قوله عليه السلام: "حتى
تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك"، ويلزم على هذا أن تنـزل المرأة أيضا. وليس المراد
بالعسيلة المني لما رواه الإمام أحمد والنسائي، عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا إن العسيلة الجماع" فأما إذا كان الثاني إنما قصده أن يحلها للأول، فهذا هو
المحلل الذي وردت الأحاديث بذمه ولعنه، ومتى صرح بمقصوده في العقد بطل النكاح عند
جمهور الأئمة .
ذكر الأحاديث الواردة في ذلك الحديث الأول : عن ابن مسعود. قال الإمام أحمد:
< 1-626 >
حدثنا الفضل بن دُكَيْن، حدثنا سفيان، عن أبي قيس، عن
الهذيل، عن عبد الله قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة
والواصلة والمستوصلة، والمحلل والمحلل له، وآكل الربا وموكله .
ثم رواه أحمد، والترمذي، والنسائي من غير وجه، عن سفيان،
وهو الثوري، عن أبي قيس واسمه عبد الرحمن بن ثروان الأودي، عن هزيل بن شرحبيل
الأودي، عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم به. ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. قال: والعمل على هذا
عند أهل العلم من الصحابة، منهم: عمر، وعثمان، وابن عمر. وهو قول الفقهاء من
التابعين، ويروى ذلك عن علي، وابن مسعود، وابن عباس.
طريق أخرى : عن ابن مسعود. قال الإمام أحمد: حدثنا زكريا بن
عدي، حدثنا عبيد الله، عن عبد الكريم، عن أبي الواصل، عن ابن مسعود، عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله المحلل والمحلل له" .
طريق أخرى : روى الإمام أحمد، والنسائي، من حديث الأعمش، عن
عبد الله بن مرة، عن الحارث الأعور، عن عبد الله بن مسعود قال: آكل الربا وموكله،
وشاهداه وكاتبه إذا علموا به، والواصلة، والمستوصلة، ولاوي الصدقة، والمتعدي فيها،
والمرتد على عقبيه إعراضا بعد هجرته، والمحلل والمحلل له، ملعونون على لسان محمد صلى
الله عليه وسلم يوم القيامة .
الحديث الثاني : عن علي رضي الله عنه. قال الإمام أحمد:
حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا سفيان، عن جابر [وهو ابن يزيد
الجعفي] عن
الشعبي، عن الحارث، عن علي قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا
وموكله، وشاهديه وكاتبه، والواشمة والمستوشمة للحُسْن، ومانع الصدقة، والمحلل،
والمحلل له، وكان ينهى عن النوح .
وكذا رواه عن غندر، عن شعبة، عن جابر، وهو ابن يزيد
الجعفي، عن الشعبي عن الحارث، عن علي، به.
وكذا رواه من حديث إسماعيل بن أبي خالد، وحصين بن عبد
الرحمن، ومجالد بن سعيد، وابن عون، عن عامر الشعبي، به.
< 1-627 >
وقد رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه من حديث الشعبي،
به . ثم قال أحمد:
حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن
الحارث، عن علي قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الربا، وآكله، وكاتبه،
وشاهده، والمحلل، والمحلل له .
الحديث الثالث : عن جابر: قال الترمذي:
حدثنا أبو سعيد الأشج، أخبرنا أشعث بن عبد الرحمن بن زبيد
اليامي، حدثنا مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله وعن الحارث، عن علي: أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم لعن المحلل والمحلل له ثم قال: وليس إسناده بالقائم، ومجالد ضعفه غير واحد من أهل
العلم، منهم أحمد بن حنبل. قال: ورواه ابن نمير، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن
عبد الله، عن علي. قال: وهذا وهم من ابن نمير، والحديث الأول أصح.
الحديث الرابع : عن عقبة بن عامر: قال أبو عبد الله محمد بن
يزيد بن ماجه:
حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري، حدثنا أبي، سمعت
الليث بن سعد يقول: قال أبو مصعب مشرح هو: ابن عاهان، قال عقبة بن عامر: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ " قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: "هو المحلِّل، لعن الله المحلل والمحلل له" .
تفرد به ابن ماجه. وكذا رواه إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني،
عن عثمان بن صالح، عن الليث، به، ثم قال: كانوا ينكرون على عثمان في هذا الحديث
إنكارًا شديدًا.
قلت: عثمان هذا أحد الثقات، روى عنه البخاري في صحيحه. ثم
قد تابعه غيره، فرواه جعفر الفريابي عن العباس المعروف بابن فريق عن أبي صالح عبد الله بن صالح، عن الليث
به، فبرئ من عهدته والله أعلم.
الحديث الخامس : عن ابن عباس. قال ابن ماجه:
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عامر، عن زمعة بن صالح، عن
سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم
المحلل والمحلل له .
طريق أخرى : قال الإمام الحافظ خطيب دمشق أبو إسحاق إبراهيم
بن يعقوب الجوزجاني السعدي: حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي
حبيبة عن
داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
نكاح المحلل قال: "لا إلا نكاح < 1-628 >
رغبة، لا نكاح دُلْسَة ولا استهزاء بكتاب الله، ثم يذوق
عسيلتها" .
ويتقوى هذان الإسنادان بما رواه أبو بكر بن أبي شيبة، عن حميد بن عبد الرحمن، عن
موسى بن أبي الفرات، عن عمرو بن دينار، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من هذا
فيتقوى كل من هذا المرسل والذي قبله
بالآخر، والله أعلم.
الحديث السادس : عن أبي هريرة. قال الإمام أحمد:
حدثنا أبو عامر، حدثنا عبد الله، هو ابن جعفر، عن عثمان بن
محمد، المقبري، عن أبي هريرة قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل
له .
وهكذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة، والجوزجاني، والبيهقي، من
طريق عبد الله بن جعفر القرشي . وقد
وثقه أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين وغيرهم. وأخرج له مسلم في
صحيحه، عن عثمان بن محمد الأخنسي -وثقه ابن معين -عن سعيد المقبري، وهو متفق
عليه.
الحديث السابع : عن ابن عمر. قال الحاكم في مستدركه:
حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا أبو غسان
محمد بن مطرف المدني، عن عمر بن نافع، عن أبيه أنه قال: جاء رجل إلى
ابن عمر، فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا، فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه، ليحلها
لأخيه: هل تحل للأول؟ فقال: لا إلا نكاح رغبة، كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه .
وقد رواه الثوري، عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن
عمر، به. وهذه الصيغة مشعرة بالرفع. وهكذا روى أبو بكر بن أبي شيبة، والجوزجاني،
وحرب الكرماني، وأبو بكر الأثرم، من حديث الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن قبيصة بن
جابر، عن عمر أنه قال: لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما .
وروى البيهقي من حديث ابن لهيعة، عن بكير بن الأشج، عن
سليمان بن يسار: أن عثمان بن عفان رفع إليه رجل تزوج امرأة ليحلها لزوجها، ففرق
بينهما. وكذا روي عن علي، وابن عباس، < 1-629 >
وغير واحد من الصحابة، رضي الله عنهم.
وقوله: ( فَإِنْ طَلَّقَهَا
)
أي: الزوج الثاني بعد الدخول بها ( فَلا جُنَاحَ
عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا ) أي: المرأة والزوج الأول ( إِنْ ظَنَّا
أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ) أي: يتعاشرا بالمعروف [وقال مجاهد: إن
ظنا أن نكاحهما على غير دلسة] ( وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ) أي: شرائعه وأحكامه ( يُبَيِّنُهَا ) أي: يوضحها ( لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ )
وقد اختلف الأئمة، رحمهم الله، فيما إذا طلق الرجل امرأته
طلقة أو طلقتين، وتركها حتى انقضت عدتها، ثم تزوجت بآخر فدخل بها، ثم طلقها فانقضت
عدتها، ثم تزوجها الأول: هل تعود إليه بما بقي من الثلاث، كما هو مذهب مالك،
والشافعي، وأحمد بن حنبل، وهو قول طائفة من الصحابة، رضي الله عنهم؟ أو يكون الزوج
الثاني قد هدم ما قبله من الطلاق، فإذا عادت إلى الأول تعود بمجموع الثلاث، كما هو
مذهب أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله؟ وحجتهم أن الزوج الثاني إذا هدم الثلاث فلأن
يهدم ما دونها بطريق الأولى والأحرى، والله أعلم
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الخامس والأربعون من تفسير سورة البقرة
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الخامس والأربعون من تفسير سورة البقرة
شكرا على الموضوع
أبو سليمان- المشرفون
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 3412
تاريخ الميلاد : 03/11/1996
العمر : 28
رد: الجزء الخامس والأربعون من تفسير سورة البقرة
جزاك الله خيرا
الأمير- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 6081
تاريخ الميلاد : 29/10/1996
العمر : 28
رد: الجزء الخامس والأربعون من تفسير سورة البقرة
جزاك الله خيرا على الموضوع المميز وجعله في ميزان حسناتك
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
رد: الجزء الخامس والأربعون من تفسير سورة البقرة
جزاك الله خيرا على الجهد المميز تقبل مروري
abouwaiil- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 112
تاريخ الميلاد : 25/10/1978
العمر : 46
مواضيع مماثلة
» الجزء الواحد والأربعون من تفسير سورة البقرة
» الجزء الثاني والأربعون من تفسير سورة البقرة
» الجزء الثالث والأربعون من تفسير سورة البقرة
» الجزء الرابع والأربعون من تفسير سورة البقرة
» الجزء السادس والأربعون من تفسير سورة البقرة
» الجزء الثاني والأربعون من تفسير سورة البقرة
» الجزء الثالث والأربعون من تفسير سورة البقرة
» الجزء الرابع والأربعون من تفسير سورة البقرة
» الجزء السادس والأربعون من تفسير سورة البقرة
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة البقرة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى