الجزء السابع من تفسير سورة الأعراف
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الاعراف
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء السابع من تفسير سورة الأعراف
وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
(52)
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ
الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ
فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ
غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ
عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ
(53)
يقول تعالى مخبرًا عن إعذاره إلى المشركين بإرسال الرسول إليهم بالكتاب الذي جاء به الرسول، وأنه كتاب مفصل مبين، كما قال تعالى:
الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ [ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ]
الآية [ هود:1 ].
وقوله: ( فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ ) أي: على علم منا بما فصلناه به، كما قال تعالى:
أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ
[ النساء:166 ]
قال ابن جرير: وهذه الآية مردودة على قوله:
كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ [ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ]
[ الأعراف:2 ] ( وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ [ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ ] ) الآية.
وهذا الذي قاله فيه نظر، فإنه قد طال الفصل، ولا دليل على ذلك، وإنما
لما أخبر عما صاروا إليه من الخسار في الدار الآخرة، ذكر أنه قد أزاح عللهم
في الدار الدنيا، بإرسال الرسل، وإنـزال الكتب، كقوله:
وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا
[ الإسراء:15 ] ؛ ولهذا قال: ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا تَأْوِيلَهُ ) أي:
ما وُعِدَ من العذاب والنكال والجنة والنار. قاله مجاهد وغير واحد.
وقال مالك: ثوابه. وقال الربيع: لا يزال يجيء تأويله أمر، حتى يتم يوم
الحساب، حتى يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، فيتم تأويله يومئذ.
( يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ) أي: يوم القيامة، قاله ابن عباس - (
يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ ) أي: تركوا العمل به، وتناسوه في
الدار الدنيا: ( قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا
مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا ) أي: في < 3-426 >
خلاصنا مما نحن فيه، ( أَوْ نُرَدُّ ) إلى الدار الدنيا ( فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ) كما قال تعالى:
وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا
نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
[ الأنعام:27 ، 28 ] كما قال هاهنا: ( قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) أي: [قد]
خسروا أنفسهم بدخولهم النار وخلودهم فيها، ( وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا
يَفْتَرُونَ ) أي: ذهب عنهم ما كانوا يعبدونهم من دون الله فلا ينصرونهم،
ولا يشفعون لهم ولا ينقذونهم مما هم فيه.
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي
سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ
النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ
مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ
رَبُّ الْعَالَمِينَ
(54)
يخبر تعالى بأنه خلق هذا العالم: سماواته وأرضه، وما بين ذلك في ستة
أيام، كما أخبر بذلك في غير ما آية من القرآن، والستة أيام هي: الأحد،
والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة -وفيه اجتمع الخلق كله،
وفيه خلق آدم، عليه السلام. واختلفوا في هذه الأيام: هل كل يوم منها كهذه
الأيام كما هو المتبادر إلى الأذهان
؟ أو كل يوم كألف سنة، كما نص على ذلك مجاهد، والإمام أحمد بن حنبل، ويروى
ذلك من رواية الضحاك عن ابن عباس؟ فأما يوم السبت فلم يقع فيه خلق؛ لأنه
اليوم السابع، ومنه سمي السبت، وهو القطع.
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال: حدثنا حجاج،
حدثنا ابن جُرَيْج، أخبرني إسماعيل بن أُمَيَّة، عن أيوب بن خالد، عن عبد
الله بن رافع -مولى أم سلمة -عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله
عليه وسلم بيدي فقال: "خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم
الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق
النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم
الجمعة آخر الخلق، في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل".
فقد رواه مسلم بن الحجاج في صحيحه والنسائي من غير وجه، عن حجاج -وهو ابن محمد الأعور -عن ابن جريج به
وفيه استيعاب الأيام السبعة، والله تعالى قد قال في ستة أيام؛ ولهذا تكلم
البخاري وغير واحد من الحفاظ في هذا الحديث، وجعلوه من رواية أبي هريرة، عن
كعب الأحبار، ليس مرفوعا، والله أعلم.
وأما قوله تعالى: ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) فللناس في هذا
المقام مقالات كثيرة جدا، ليس هذا موضع بسطها، وإنما يُسلك في هذا المقام
مذهب السلف الصالح: مالك، والأوزاعي، والثوري، < 3-427 >
والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وغيرهم، من
أئمة المسلمين قديما وحديثا، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه
ولا تعطيل. والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله، فإن الله لا
يشبهه شيء من خلقه، و
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
[ الشورى:11 ] بل الأمر كما قال الأئمة -منهم نُعَيْم بن حماد الخزاعي شيخ
البخاري -: "من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد
كفر". وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت لله تعالى ما
وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة، على الوجه الذي يليق بجلال الله
تعالى، ونفى عن الله تعالى النقائص، فقد سلك سبيل الهدى.
وقوله تعالى: ( يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا )
أي: يذهب ظلام هذا بضياء هذا، وضياء هذا بظلام هذا، وكل منهما يطلب الآخر
طلبًا حثيثًا، أي: سريعًا لا يتأخر عنه، بل إذا ذهب هذا جاء هذا، وإذا جاء
هذا ذهب هذا، كما قال تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
[ يس:37-40] فقوله:
وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ
أي: لا يفوته بوقت يتأخر عنه، بل هو في أثره لا واسطة بينهما؛ ولهذا قال: (
يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ
بِأَمْرِهِ ) -منهم من نصب، ومنهم من رفع، وكلاهما قريب المعنى، أي: الجميع
تحت قهره وتسخيره ومشيئته؛ ولهذا قال منَبِّها: ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ
وَالأمْرُ ) ؟ أي: له الملك والتصرف، ( تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ
الْعَالَمِينَ ) كما قال [تعالى]
تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا [ وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا ]
[ الفرقان : 61 ] .
وقال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثنا إسحاق، حدثنا هشام أبو عبد الرحمن،
حدثنا بَقِيِّة بن الوليد، حدثنا عبد الغفار بن عبد العزيز الأنصاري، عن
عبد العزيز الشامي، عن أبيه -وكانت له صحبة -قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "من لم يحمد الله على ما عمل من عمل صالح، وحمد نفسه، فقد كفر
وحبط عمله. ومن زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئا، فقد كفر بما أنـزل
الله على أنبيائه؛ لقوله: ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ
اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )
وفي الدعاء المأثور، عن أبي الدرداء -وروي مرفوعا -: "اللهم لك الملك
كله، ولك الحمد كله، وإليك يرجع الأمر كله، أسألك من الخير كله، وأعوذ بك
من الشر كله"
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ
(55)
وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ
(56)
أرشد [سبحانه و] تعالى عباده إلى دعائه، الذي هو صلاحهم في دنياهم وأخراهم، فقال تعالى:
< 3-428 >
( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ) [قيل] معناه: تذللا واستكانة، و ( خُفْيَة ) كما قال:
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ [ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ
مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ]
[ الأعراف:205 ] وفي الصحيحين، عن أبي موسى الأشعري [رضي الله عنه]
قال: رفع الناس أصواتهم بالدعاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أيها الناس، ارْبَعُوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، إن
الذي تدعونه سميع قريب" الحديث.
وقال ابن جُرَيْج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس في قوله: ( تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ) قال: السر.
وقال ابن جرير: ( تَضَرُّعًا ) تذللا واستكانة لطاعته. ( وَخُفْيَة )
يقول: بخشوع قلوبكم، وصحة اليقين بوحدانيته وربوبيته فيما بينكم وبينه، لا
جهارا ومراءاة.
وقال عبد الله بن المبارك، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: إنْ
كانَ الرجل لقد جمع القرآن، وما يشعر به الناس. وإن كان الرجل لقد فقُه
الفقه الكثير، وما يشعر به الناس. وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في
بيته وعنده الزُّوَّر وما يشعرون به. ولقد أدركنا أقوامًا ما كان على الأرض
من عمل يقدرون أن يعملوه في السر، فيكون علانية أبدا. ولقد كان المسلمون
يجتهدون في الدعاء، وما يُسمع لهم صوت، إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم،
وذلك أن الله تعالى يقول: ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً [
إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ] ) وذلك أن الله ذكر عبدًا صالحا رَضِي فعله فقال:
إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا
[ مريم:3 ]
وقال ابن جُرَيْج: يكره رفع الصوت والنداء والصياحُ في الدعاء، ويؤمر
بالتضرع والاستكانة، ثم روي عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس في قوله: (
إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) في الدعاء ولا في غيره.
وقال أبو مِجْلِز: ( إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) لا يسأل منازل الأنبياء.
وقال الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله: حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِي، حدثنا شعبة، عن زياد بن مِخْراق، سمعت أبا نعامة
عن مولى لسعد؛ أن سعدًا سمع ابنا له يدعو وهو يقول: اللهم، إني أسألك
الجنة ونعيمها وإستبرقها ونحوا من هذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها
وأغلالها. فقال: لقد سألت الله خيرًا كثيرًا، وتعوذت بالله من شر كثير،
وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنه سيكون قوم يعتدون في
الدعاء". وقرأ هذه الآية: ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً [
إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ] ) < 3-429 >
وإن بحسبك أن تقول: "اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل"
ورواه أبو داود، من حديث شعبة، عن زياد بن مخراق، عن أبي نَعَامة، عن ابن لسعد، عن سعد، فذكره والله أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفَّان، حدثنا حَمَّاد بن سلمة، أخبرنا الجريري، عن أبي نَعَامة: أن عبد الله بن مغفل
سمع ابنه يقول: اللهم، إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها.
فقال: يا بني، سل الله الجنة، وعذ به من النار؛ فإني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: "يكون قوم يعتدون في الدعاء والطَّهُور".
وهكذا رواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عفان به. وأخرجه أبو
داود، عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن سعيد بن إياس الجريري، عن
أبي نَعَامة -واسمه: قيس بن عباية الحنفي البصري -وهو إسناد حسن لا بأس به، والله أعلم.
وقوله تعالى: ( وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ) ينهى
تعالى عن الإفساد في الأرض، وما أضره بعد الإصلاح! فإنه إذا كانت الأمور
ماشية على السداد، ثم وقع الإفساد بعد ذلك، كان أضر ما يكون على العباد.
فنهى [الله]
تعالى عن ذلك، وأمر بعبادته ودعائه والتضرع إليه والتذلل لديه، فقال: (
وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ) أي: خوفا مما عنده من وبيل العقاب، وطمعًا
فيما عنده من جزيل الثواب.
ثم قال: ( إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) أي:
إن رحمته مُرْصَدة للمحسنين، الذين يتبعون أوامره ويتركون زواجره، كما قال
تعالى:
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ
[ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ ]
[الأعراف: 156 ، 157].
وقال: ( قَرِيبٌ ) ولم يقل: "قريبة"؛ لأنه ضمن الرحمة معنى الثواب، أو لأنها مضافة إلى الله، فلهذا قال: قريب من المحسنين.
وقال مطر الوراق: تَنَجَّزوا موعود الله بطاعته، فإنه قضى أن رحمته قريب من المحسنين، رواه ابن أبي حاتم.
< 3-430 >
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ
حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ
فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ
كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
(57)
لما ذكر تعالى أنه خالق
السماوات والأرض، وأنه المتصرف الحاكم المدبِّر المسخِّر، وأرشد إلى
دعائه؛ لأنه على ما يشاء قادر -نبه تعالى على أنه الرزّاق، وأنه يعيد
الموتى يوم القيامة فقال: " وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ نشْرًا "
أي: ناشرة بين يدي السحاب الحامل للمطر، ومنهم من قرأ ( بُشْرًا ) كقوله
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ
[ الروم:46 ]
وقوله: ( بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ) أي: بين يدي المطر، كما قال:
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ
[ الشورى:28 ] وقال
فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ
[ الروم:50 ]
وقوله: ( حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا ) أي: حملت الرياح
سحابًا ثقالا أي: من كثرة ما فيها من الماء، تكون ثقيلة قريبة من الأرض
مدلهمة، كما قال زيد بن عمرو بن نفيل، رحمه الله.
وأســلمتُ وجْــهِي لمـنْ أسْـلَمَتْ | | لَــهُ المُــزْنُ تَحْــمل عَذْبـا زُلالا |
وأســلَمْتُ وَجْـهي لمـن أسـلَـمَتْ | | لــه الأرض تحـملُ صَخـرًا ثقـالا |
وقوله: ( سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ ) أي: إلى أرض ميتة، مجدبة لا نبات فيها، كما قال تعالى:
وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا [ وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ]
[ يس:33 ] ؛ ولهذا قال: ( فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ
كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى ) أي: كما أحيينا هذه الأرض بعد موتها، كذلك
نحيي الأجساد بعد صيرورتها رَمِيمًا يوم القيامة، ينـزل الله، سبحانه
وتعالى، ماء من السماء، فتمطر الأرض أربعين يوما، فتنبت منه الأجساد في
قبورها كما ينبت الحب في الأرض. وهذا المعنى كثير في القرآن، يضرب الله
مثلا للقيامة بإحياء الأرض بعد موتها؛ ولهذا قال: ( لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ )
|
رد: الجزء السابع من تفسير سورة الأعراف
جميل جدا ونشاط مميز شكرا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء السابع من تفسير سورة الأعراف
شكرا على الموضوع
لا تبخل علينا
لا تبخل علينا
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء السابع عشر من تفسير سورة الأعراف
» الجزء الرابع من تفسير سورة الأعراف
» الجزء العشرون من تفسير سورة الأعراف
» الجزء الخامس من تفسير سورة الأعراف
» الجزء السادس من تفسير سورة الأعراف
» الجزء الرابع من تفسير سورة الأعراف
» الجزء العشرون من تفسير سورة الأعراف
» الجزء الخامس من تفسير سورة الأعراف
» الجزء السادس من تفسير سورة الأعراف
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الاعراف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى