الجزء الخامس من تفسير سورة هود
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة هود
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الخامس من تفسير سورة هود
وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالا إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى
اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُو
رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ
(29)
وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ
(30)
يقول لقومه: لا أسألكم على نصحي [لكم]
مالا؛ أجرة آخذها منكم، إنما أبتغي الأجر من الله عز وجل، ( وَمَا أَنَا
بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ) كأنهم طلبوا منه أن يطرد المؤمنين عنه،
احتشاما ونفاسة منهم أن يجلسوا معهم، كما سأل أمثالهم خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم أن يطرد عنهم جماعة من الضعفاء ويجلس معهم مجلسا خاصا، فأنـزل الله تعالى:
وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ
[الأنعام: 52]،
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ
وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ
[الكهف: 28]، وقال تعالى:
وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ
بِالشَّاكِرِينَ
الآيات [الأنعام: 53] .
وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ
وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي
أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا
فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ
(31) < 4-318 >
يخبرهم أنه رسول من الله، يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له،
بإذن الله له في ذلك، ولا يسألهم على ذلك أجرا، بل هو يدعو من لقيه من شريف
ووضيع، فمن استجاب له فقد نجا. ويخبرهم
أنه لا يَقدِر على التصرف في خزائن الله، ولا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه
الله عليه، وليس هو بمَلك من الملائكة، بل بشر مرسل، مؤيد بالمعجزات. ولا
أقولُ عن هؤلاء الذين تحتقرونهم وتزدرونهم : إنه
ليس لهم عند الله ثواب على إيمانهم الله أعمل بما في أنفسهم، فإن كانوا
مؤمنين باطنًا، كما هو الظاهر من حالهم، فلهم جزاء الحسنى، ولو قطع لهم أحد
بشر بعد ما آمنوا، لكان ظالما قائلا ما لا علم له به.
قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
(32)
قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ
(33)
وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ
اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
(34)
يقول تعالى مخبرًا عن استعجال قوم نوح نقمة الله وعذابه وسخطه، والبلاء
موكل بالمنطق: ( قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ
جِدَالَنَا ) أي: حاججتنا فأكثرت من ذلك، ونحن لا نتبعك ( فَأْتِنَا بِمَا
تَعِدُنَا ) أي: من النقمة والعذاب، ادع علينا بما شئت، فليأتنا ما تدعو به
( إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ
اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ) أي: إنما الذي يعاقبكم
ويعجلها لكم الله الذي لا يُعجِزُه شيء، ( وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ
أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ
يُغْوِيَكُمْ ) أي: أي شيء يُجدِي عليكم إبلاغي لكم وإنذاري إياكم ونصحي،
إن كان الله يريد إغواءكم ودماركم، ( هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ ) أي: هو مالك أزمة الأمور، والمتصرف الحاكم العادل الذي لا يجور، له الخلق وله الأمر، وهو المبدئ المعيد، مالك الدنيا والآخرة.
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ
(35)
هذا كلام معترض في وسط هذه القصة، مؤكد لها ومقرر بشأنها . يقول تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: أم يقول
هؤلاء الكافرون الجاحدون: افترى هذا وافتعله من عنده ( قُلْ إِنِ
افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي ) أي: فإثم ذلك علي، ( وَأَنَا بَرِيءٌ
مِمَّا تُجْرِمُونَ ) أي: ليس ذلك مفتعلا ولا مفترى ، لأني أعلم ما عند الله من العقوبة لمن كذب عليه. < 4-319 >
وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ
(36)
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ
(37)
يخبر تعالى أنه أوحى إلى نُوح لما استعجل قومُه نقمة الله بهم وعذابه لهم، فدعا عليهم نوحُ دعوته التي قال الله تعالى مخبرًا عنه أنه قال:
رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا
[نوح: 26]،
فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ
[القمر: 10]، فعند ذلك أوحى الله تعالى إليه: ( أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ
مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ ) فلا تحزن عليهم ولا يَهُمَّنك أمرهم.
( وَاصْنَعِ الْفُلْكَ ) يعني: السفينة ( بِأَعْيُنِنَا ) أي: بمرأى
منا، ( وَوَحْيِنَا ) أي: وتعليمنا لك ماذا تصنعه، ( وَلا تُخَاطِبْنِي فِي
الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ) . فقال بعض السلف: أمره الله تعالى أن يغرِز الخشب ويقطِّعه وييبسه، فكان ذلك في مائة سنة، ونَجَرها في مائة سنة أخرى، وقيل: في أربعين سنة، فالله أعلم.
وذكر محمد بن إسحاق عن التوراة: أن الله أمره أن يصنعها من خشب الساج، وأن يجعل طولها ثمانين ذراعا وعرضها خمسين ذراعا.
وأن يطلي باطنها وظاهرها بالقار، وأن يجعل لها جؤجؤا أزور يشق الماء. وقال قتادة: كان طولها ثلاثمائة ذراع، في عرض خمسين.
وعن الحسن: طولها ستمائة ذراع وعرضها ثلاثمائة ذراع.
وعنه مع ابن عباس: طولها ألف ومائتا ذراع، في عرض ستمائة.
وقيل: طولها ألفا ذراع، وعرضها مائة ذراع، فالله أعلم.
قالوا كلهم: وكان ارتفاعها في السماء ثلاثين ذراعا، ثلاث طبقات، كل طبقة
عشرة أذرع، فالسفلى للدواب والوحوش: والوسطى للإنس: والعليا للطيور. وكان
بابها في عرضها، ولها غطاء من فوقها مطبق عليها.
وقد ذكر الإمام أبو جعفر بن جرير أثرا غريبا، من حديث علي بن زيد بن
جُدْعَان، عن يوسف بن مِهْران، عن عبد الله بن عباس؛ أنه قال: قال
الحواريون لعيسى ابن مريم: لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة فحدّثنا عنها.
قال: فانطلق بهم حتى أتى إلى كَثيب من تراب، فأخذ كفا من ذلك التراب بكفه، قال أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا كعب حام بن نوح. قال: وضرب الكثيب بعصاه، قال: قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفُض التراب عن رأسه، قد شاب. قال له < 4-320 >
عيسى، عليه السلام: هكذا هلكت؟ قال: لا. ولكني متّ وأنا شابّ، ولكنني ظننت
أنها الساعة، فمن ثمَّ شبت. قال: حدِّثنا عن سفينة نوح؟ قال: كان طولها
ألف ذراع ومائتي
ذراع، وعرضها ستمائة ذراع، وكانت ثلاث طبقات، فطبقة فيها الدواب والوحوش،
وطبقة فيها الإنس، وطبقة فيها الطير، فلما كثر أرواث الدواب، أوحى الله عز
وجل إلى نوح، عليه السلام، أن اغمز ذَنَب الفيل، فغمزه، فوقع منه خنـزير
وخنـزيرة، فأقبلا على الروث، فلما وقع الفأر بخَرَزِ السفينة يقرضه
وحبالها، أوحى إلى نوح؛ أن اضرب بين عيني الأسد، فخرج من منخره سنَّور
وسنورة، فأقبلا على الفأر. فقال له عيسى، عليه السلام: كيف علم نوح أن
البلاد قد غرقت؟ قال: بعث الغراب يأتيه بالخبر، فوجد جيفة فوقع عليها، فدعا
عليه بالخوف، فلذلك لا يألف البيوت قال: ثم بعث الحمامة، فجاءت بورق زيتون
بمنقارها، وطين برجليها، فعلم أن البلاد قد غَرِقت. قال: فطوّقَها الخضرة
التي في عنقها، ودعا لها أن تكون في أنس وأمان، فمن ثم تألف البيوت. قال:
فقلنا: يا رسول الله، ألا ننطلق به إلى أهلينا فيجلس معنا ويحدثنا؟ قال: كيف يتبعكم من لا رزق له؟ قال: فقال له: عد بإذن الله، فعاد ترابا
رد: الجزء الخامس من تفسير سورة هود
جزاك الله خيرا ونفعك بالعلم
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
M.AYMAN- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 1898
تاريخ الميلاد : 13/10/1985
العمر : 39
رد: الجزء الخامس من تفسير سورة هود
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
رد: الجزء الخامس من تفسير سورة هود
شكرا على الموضوع
لا تبخل علينا
لا تبخل علينا
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الخامس من تفسير سورة ص
» الجزء الخامس من تفسير سورة يس
» الجزء الخامس عشر من تفسير سورة هود
» الجزء الخامس من تفسير سورة سبأ
» الجزء الخامس من تفسير سورة طه
» الجزء الخامس من تفسير سورة يس
» الجزء الخامس عشر من تفسير سورة هود
» الجزء الخامس من تفسير سورة سبأ
» الجزء الخامس من تفسير سورة طه
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة هود
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى