الجزء الرابع من تفسير سورة النحل
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة النحل
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الرابع من تفسير سورة النحل
ثُمَّ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ
كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ
الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27)
وهكذا هؤلاء، يظهر للناس ما كانوا يسرونه من المكر، ويخزيهم الله على
رءوس الخلائق، ويقول لهم الرب تبارك وتعالى مقرعا لهم وموبخا: ( أَيْنَ
شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ ) تحاربون وتعادون في
سبيلهم، [أي] : أين هم عن نصركم وخلاصكم هاهنا؟ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ [الشعراء : 93] ، فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ [الطارق : 10] . فإذا توجهت عليهم الحجة، وقامت عليهم الدلالة، وحقت عليهم الكلمة، وأسكتوا عن الاعتذار حين لا فرار
( قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) -وهم السادة في الدنيا والآخرة،
والمخبرون عن الحق في الدنيا والآخرة، فيقولون حينئذ: ( إِنَّ الْخِزْيَ
الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ ) أي: الفضيحة والعذاب اليوم
[محيط] بمن كفر بالله، وأشرك به ما لا يضره ولا ينفعه.
الَّذِينَ
تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا
السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ
بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)
يخبر تعالى عن حال المشركين الظالمي أنفسهم عند احتضارهم ومجيء الملائكة
إليهم لقبض أرواحهم: ( فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ) أي: أظهروا السمع والطاعة
والانقياد قائلين: ( مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ ) كما يقولون يوم
المعاد: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام: 23] يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ [المجادلة: 18].
قال الله مكذبا لهم في قيلهم ذلك: ( بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا
فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ) أي: بئس المقيل والمقام والمكان من دار هوان، لمن كان متكبرًا عن آيات الله واتباع رسله.
وهم يدخلون جهنم من يوم مماتهم بأرواحهم، ويأتي أجسادهم في قبورها من حرِّها وسمومها، فإذا كان يوم القيامة سلكت أرواحهم في أجسادهم، وخلدت في نار جهنم، لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا [فاطر: 36]، كما قال الله تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر: 46].
وَقِيلَ
لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ
خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ
عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا
مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)
هذا خبر عن السعداء، بخلاف ما أخبر به عن الأشقياء، فإن أولئك قيل لهم: ( مَاذَا أَنـزلَ رَبُّكُمْ ) فقالوا معرضين عن الجواب: لم ينـزل شيئًا، إنما هذا أساطير الأولين. وهؤلاء ( قَالُوا خَيْرًا ) أي: أنـزل خيرا، أي: رحمة وبركة وحسنًا لمن اتبعه وآمن به.
ثم أخبروا عما وعد الله [به]
عباده فيما أنـزله على رسله فقالوا: ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ
الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ ) كما قال تعالى: مَنْ
عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ
بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97] ، أي: من أحسن عمله في الدنيا أحسن الله إليه في الدنيا والآخرة.
ثم أخبروا بأن دار الآخرة خير، أي: من الحياة الدنيا، والجزاء فيها أتم من الجزاء في الدنيا، كما قال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ [القصص: 80] وقال تعالى: وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ [آل عمران: 198] وقال تعالى وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الأعلى: 17] ، وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم : وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى [الضحى: 4] .
ثم وصفوا الدار الآخرة فقالوا : ( وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ )
وقوله: ( جَنَّاتُ عَدْنٍ ) بدل من [قوله] : ( دَارُ الْمُتَّقِينَ ) أي: لهم في [الدار] الآخرة ( جَنَّاتُ عَدْنٍ ) أي: إقامة يدخلونها ( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ) أي: بين أشجارها وقصورها، ( لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ ) كما قال تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف: 71] ، وفي الحديث: "إن السحابة لتمر بالملأ من أهل الجنة وهم جلوس على شرابهم ، فلا يشتهي أحد منهم شيئًا إلا أمطرته عليهم، حتى إن منهم لمن يقول: أمطرينا كواعب أترابًا، فيكون ذلك " .
( كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ) أي: كذلك يجزي الله كل من آمن به واتقاه وأحسن عمله.
ثم أخبر تعالى عن حالهم عند الاحتضار، أنهم طيبون، أي: مخلصون من الشرك والدنس وكل سوء، وأن الملائكة تسلم عليهم وتبشرهم بالجنة، كما قال تعالى: إِنَّ
الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ
عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا
بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ
أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ
فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت: 30 -32] .
وقد قدمنا الأحاديث الواردة في قبض روح المؤمن وروح الكافر عند قوله تعالى: يُثَبِّتُ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ
اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم: 27] .
هَلْ
يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ
رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ
اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34)
يقول تعالى متهددًا للمشركين على تماديهم في الباطل واغترارهم بالدنيا:
هل ينتظر هؤلاء إلا الملائكة أن تأتيهم بقبض أرواحهم، قاله قتادة.
( أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ ) أي: يوم القيامة وما يعاينونه من الأهوال.
وقوله: ( كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) أي: هكذا تمادى في شركهم أسلافهم ونظراؤهم وأشباههم من المشركين حتى
ذاقوا بأس الله، وحلوا فيما هم فيه من العذاب والنكال. ( وَمَا ظَلَمَهُمُ
اللَّهُ ) ؛ لأنه تعالى أعذر إليهم، وأقام حججه عليهم بإرسال رسله وإنـزال
كتبه، ( وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) أي: بمخالفة الرسل
والتكذيب بما جاءوا به، فلهذا أصابتهم
عقوبة الله على ذلك، ( وَحَاقَ بِهِمْ ) أي: أحاط بهم من العذاب الأليم (
مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) أي: يَسْخَرون من الرسل إذا توعدوهم
بعقاب الله؛ فلهذا يقال يوم القيامة: هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ [الطور: 14] .
يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ
كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ
الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27)
وهكذا هؤلاء، يظهر للناس ما كانوا يسرونه من المكر، ويخزيهم الله على
رءوس الخلائق، ويقول لهم الرب تبارك وتعالى مقرعا لهم وموبخا: ( أَيْنَ
شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ ) تحاربون وتعادون في
سبيلهم، [أي] : أين هم عن نصركم وخلاصكم هاهنا؟ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ [الشعراء : 93] ، فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ [الطارق : 10] . فإذا توجهت عليهم الحجة، وقامت عليهم الدلالة، وحقت عليهم الكلمة، وأسكتوا عن الاعتذار حين لا فرار
( قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) -وهم السادة في الدنيا والآخرة،
والمخبرون عن الحق في الدنيا والآخرة، فيقولون حينئذ: ( إِنَّ الْخِزْيَ
الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ ) أي: الفضيحة والعذاب اليوم
[محيط] بمن كفر بالله، وأشرك به ما لا يضره ولا ينفعه.
الَّذِينَ
تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا
السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ
بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)
يخبر تعالى عن حال المشركين الظالمي أنفسهم عند احتضارهم ومجيء الملائكة
إليهم لقبض أرواحهم: ( فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ) أي: أظهروا السمع والطاعة
والانقياد قائلين: ( مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ ) كما يقولون يوم
المعاد: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام: 23] يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ [المجادلة: 18].
قال الله مكذبا لهم في قيلهم ذلك: ( بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا
فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ) أي: بئس المقيل والمقام والمكان من دار هوان، لمن كان متكبرًا عن آيات الله واتباع رسله.
وهم يدخلون جهنم من يوم مماتهم بأرواحهم، ويأتي أجسادهم في قبورها من حرِّها وسمومها، فإذا كان يوم القيامة سلكت أرواحهم في أجسادهم، وخلدت في نار جهنم، لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا [فاطر: 36]، كما قال الله تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر: 46].
وَقِيلَ
لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ
خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ
عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا
مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)
هذا خبر عن السعداء، بخلاف ما أخبر به عن الأشقياء، فإن أولئك قيل لهم: ( مَاذَا أَنـزلَ رَبُّكُمْ ) فقالوا معرضين عن الجواب: لم ينـزل شيئًا، إنما هذا أساطير الأولين. وهؤلاء ( قَالُوا خَيْرًا ) أي: أنـزل خيرا، أي: رحمة وبركة وحسنًا لمن اتبعه وآمن به.
ثم أخبروا عما وعد الله [به]
عباده فيما أنـزله على رسله فقالوا: ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ
الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ ) كما قال تعالى: مَنْ
عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ
بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97] ، أي: من أحسن عمله في الدنيا أحسن الله إليه في الدنيا والآخرة.
ثم أخبروا بأن دار الآخرة خير، أي: من الحياة الدنيا، والجزاء فيها أتم من الجزاء في الدنيا، كما قال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ [القصص: 80] وقال تعالى: وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ [آل عمران: 198] وقال تعالى وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الأعلى: 17] ، وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم : وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى [الضحى: 4] .
ثم وصفوا الدار الآخرة فقالوا : ( وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ )
وقوله: ( جَنَّاتُ عَدْنٍ ) بدل من [قوله] : ( دَارُ الْمُتَّقِينَ ) أي: لهم في [الدار] الآخرة ( جَنَّاتُ عَدْنٍ ) أي: إقامة يدخلونها ( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ) أي: بين أشجارها وقصورها، ( لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ ) كما قال تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف: 71] ، وفي الحديث: "إن السحابة لتمر بالملأ من أهل الجنة وهم جلوس على شرابهم ، فلا يشتهي أحد منهم شيئًا إلا أمطرته عليهم، حتى إن منهم لمن يقول: أمطرينا كواعب أترابًا، فيكون ذلك " .
( كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ) أي: كذلك يجزي الله كل من آمن به واتقاه وأحسن عمله.
ثم أخبر تعالى عن حالهم عند الاحتضار، أنهم طيبون، أي: مخلصون من الشرك والدنس وكل سوء، وأن الملائكة تسلم عليهم وتبشرهم بالجنة، كما قال تعالى: إِنَّ
الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ
عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا
بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ
أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ
فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت: 30 -32] .
وقد قدمنا الأحاديث الواردة في قبض روح المؤمن وروح الكافر عند قوله تعالى: يُثَبِّتُ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ
اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم: 27] .
هَلْ
يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ
رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ
اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34)
يقول تعالى متهددًا للمشركين على تماديهم في الباطل واغترارهم بالدنيا:
هل ينتظر هؤلاء إلا الملائكة أن تأتيهم بقبض أرواحهم، قاله قتادة.
( أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ ) أي: يوم القيامة وما يعاينونه من الأهوال.
وقوله: ( كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) أي: هكذا تمادى في شركهم أسلافهم ونظراؤهم وأشباههم من المشركين حتى
ذاقوا بأس الله، وحلوا فيما هم فيه من العذاب والنكال. ( وَمَا ظَلَمَهُمُ
اللَّهُ ) ؛ لأنه تعالى أعذر إليهم، وأقام حججه عليهم بإرسال رسله وإنـزال
كتبه، ( وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) أي: بمخالفة الرسل
والتكذيب بما جاءوا به، فلهذا أصابتهم
عقوبة الله على ذلك، ( وَحَاقَ بِهِمْ ) أي: أحاط بهم من العذاب الأليم (
مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) أي: يَسْخَرون من الرسل إذا توعدوهم
بعقاب الله؛ فلهذا يقال يوم القيامة: هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ [الطور: 14] .
|
رد: الجزء الرابع من تفسير سورة النحل
جزاك الله خيرا ونفعك بالعلم
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
M.AYMAN- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 1898
تاريخ الميلاد : 13/10/1985
العمر : 39
رد: الجزء الرابع من تفسير سورة النحل
شكرا على الموضوع
لا تبخل علينا
لا تبخل علينا
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الرابع عشر من تفسير سورة النحل
» الجزء السادس من تفسير سورة النحل
» الجزء السابع من تفسير سورة النحل
» الجزء الثامن من تفسير سورة النحل
» الجزء التاسع من تفسير سورة النحل
» الجزء السادس من تفسير سورة النحل
» الجزء السابع من تفسير سورة النحل
» الجزء الثامن من تفسير سورة النحل
» الجزء التاسع من تفسير سورة النحل
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة النحل
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى