الجزء الخامس عشر والأخير من تفسير سورة النحل
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة النحل
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الخامس عشر والأخير من تفسير سورة النحل
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ
تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا
لَغَفُورٌ رَحِيمٌ
(119)
ثم أخبر تعالى تكرمًا وامتنانًا في حق العصاة المؤمنين: أن من تاب منهم
إليه تاب عليه، فقال: ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ
بِجَهَالَةٍ ) قال بعض السلف: كل من عصى الله فهو جاهل.
( ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا ) أي: أقلعوا عما
كانوا فيه من المعاصي، وأقبلوا على فعل الطاعات، ( إِنَّ رَبَّكَ مِنْ
بَعْدِهَا ) أي: تلك الفعلة والذلة ( لَغَفُورٌ رَحِيمٌ )
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
(120)
شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
(121)
وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ
(122)
ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
(123)
يمدح [تبارك و]
تعالى عبده ورسوله وخليله إبراهيم، إمام الحنفاء ووالد الأنبياء، ويبرئه
من المشركين، ومن اليهودية والنصرانية فقال: ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ
أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا ) فأما "الأمة" ، فهو < 4-611 >
الإمام الذي يقتدى به. والقانت: هو الخاشع المطيع. والحنيف: المنحرف قصدًا
عن الشرك إلى التوحيد؛ ولهذا قال: ( وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )
قال سفيان الثوري، عن سلمة بن كُهَيْل، عن مسلم البَطِين، عن أبي
العبيدين: أنه سأل عبد الله بن مسعود عن الأمة القانت، فقال: الأمة: معلم
الخير، والقانت: المطيع لله ورسوله.
وعن مالك قال: قال ابن عمر: الأمة الذي يعلم الناس دينهم.
وقال الأعمش، [عن الحكم]
عن يحيى بن الجزار، عن أبي العُبَيدين؛ أنه جاء إلى عبد الله فقال: مَنْ
نسأل إذا لم نسألك؟ فكأن ابن مسعود رقَّ له، فقال: أخبرني عن الأمة فقال: الذي يعلم الناس الخير.
وقال الشعبي: حدثني فروَة بن نوفل الأشجعي قال: قال ابن مسعود: إن
معاذًا كان أمة قانتا لله حنيفا، فقلت في نفسي: غلط أبو عبد الرحمن، إنما
قال الله: ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ) فقال: أتدري ما الأمة وما
القانت؟ قلت: الله [ورسوله] أعلم. قال: الأمة الذي يعلم [الناس] الخير. والقانت: المطيع لله ورسوله. وكذلك كان معاذ معلم الخير. وكان مطيعا لله ورسوله.
وقد روي من غير وجه، عن ابن مسعود؛ حرره ابن جرير .
وقال مجاهد: ( أُمَّةً ) أي: أمة وحده، والقانت: المطيع. وقال مجاهد
أيضًا: كان إبراهيم أمة، أي: مؤمنا وحده، والناس كلهم إذ ذاك كفار.
وقال قتادة: كان إمام هُدى، والقانت: المطيع لله.
وقوله: ( شَاكِرًا لأنْعُمِهِ ) أي: قائما بشكر نعم الله عليه، كما قال:
وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى
[النجم : 37] ، أي: قام بجميع ما أمره الله تعالى به.
وقوله: ( اجْتَبَاهُ ) أي: اختاره واصطفاه، كما قال:
وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ
[الأنبياء : 51] .
ثم قال: ( وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) وهو عبادة الله وحده لا شريك له على شرع مرضي.
وقوله: ( وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ) أي: جمعنا له خير
الدنيا من جميع ما يحتاج المؤمن إليه في إكمال حياته الطيبة، ( وَإِنَّهُ
فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ )
وقال مجاهد في قوله: ( وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ) أي: لسان صدق. < 4-612 >
وقوله: ( ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ) أي: ومن كماله وعظمته وصحة توحيده وطريقه، أنا
أوحينا إليك يا خاتم الرسل وسيد الأنبياء: ( أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) كما قال: في
"الأنعام":
قُلْ
إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا
مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
[الأنعام : 161] ، ثم قال تعالى منكرا على اليهود.
إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ
رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ
يَخْتَلِفُونَ
(124)
لا شك أن الله تعالى شرَع في كل ملة يوما من الأسبوع، يجتمع الناس فيه
للعبادة، فشرع تعالى لهذه الأمة يوم الجمعة؛ لأنه اليوم السادس الذي أكمل
الله فيه الخليقة، واجتمعت [الناس]
فيه وتمت النعمة على عباده. ويقال: إنه تعالى شرع ذلك لبني إسرائيل على
لسان موسى، فعدلوا عنه واختاروا السبت؛ لأنه اليوم الذي لم يخلق فيه الرب
شيئًا من المخلوقات الذي كمل خلقها يوم الجمعة، فألزمهم
تعالى به في شريعة التوراة، ووصاهم أن يتمسكوا به وأن يحافظوا عليه، مع
أمره إياهم بمتابعة محمد صلى الله عليه وسلم إذا بعثه. وأخذه مواثيقهم وعهودهم على ذلك؛ ولهذا قال تعالى: ( إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ )
قال مجاهد: اتبعوه وتركوا الجمعة.
ثم إنهم لم يزالوا متمسكين به، حتى بعث الله عيسى ابن مريم، فيقال: إنه حوَّلهم إلى يوم الأحد. ويقال إنه: لم [يترك شريعة التوراة إلا ما نسخ من بعض أحكامها وإنه لم]
يزل محافظًا على السبت حتى رفع، وإن النصارى بعده في زمن قسطنطين هم الذين
تحولوا إلى يوم الأحد، مخالفة لليهود، وتحولوا إلى الصلاة شرقا عن الصخرة،
والله أعلم.
وقد ثبت في الصحيحين، من حديث عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن همام، عن أبي
هريرة، رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نحن
الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا
يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه
تبع، اليهود غدا، والنصارى بعد غد". لفظ البخاري .
وعن أبي هريرة، وحذيفة، رضي الله عنهما، قالا قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان
للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم < 4-613 >
الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن
الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة، والمقضي بينهم قبل الخلائق".
رواه مسلم [والله أعلم] .
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ
ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
(125)
يقول تعالى آمرًا رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يدعو الخلق إلى الله ( بِالْحِكْمَةِ )
قال ابن جرير: وهو ما أنـزله عليه من الكتاب والسنة ( وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) أي: بما فيه من الزواجر والوقائع بالناس ذكرهم بها، ليحذروا بأس الله تعالى.
وقوله: ( وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) أي: من احتاج منهم
إلى مناظرة وجدال، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب، كما قال:
وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
[العنكبوت : 46] فأمره تعالى بلين الجانب، كما أمر موسى وهارون، عليهما السلام، حين بعثهما إلى فرعون فقال:
فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى
[طه : 44] .
وقوله: ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ
وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) أي: قدم علم الشقي منهم والسعيد، وكتب
ذلك عنده وفرغ منه، فادعهم إلى الله، ولا تذهب نفسك على من ضل منهم حسرات، فإنه ليس عليك هداهم إنما أنت نذير، عليك البلاغ، وعلينا الحساب،
إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ
[القصص : 56]، و ( لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ) [البقرة : 272] .
وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ
(126)
وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ
(127)
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ
(128)
يأمر تعالى بالعدل في الاقتصاص والمماثلة في استيفاء الحق، كما قال عبد
الرزاق، عن الثوري، عن خالد، عن ابن سيرين: أنه قال في قوله تعالى: (
فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ) إن أخذ منكم رجل شيئًا، فخذوا
منه مثله.
وكذا قال مجاهد، وإبراهيم، والحسن البصري، وغيرهم. واختاره ابن جرير.
وقال ابن زيد: كانوا قد أمروا بالصفح عن المشركين، فأسلم رجال ذوو منعةٍ، فقالوا: يا رسول < 4-614 >
الله، لو أذن الله لنا لانتصرنا من هؤلاء الكلاب! فنـزلت هذه الآية، ثم نسخ ذلك بالجهاد.
وقال محمد بن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يَسَار قال: نـزلت سورة
"النحل" كلها بمكة، وهي مكية إلا ثلاث آيات من آخرها نـزلت بالمدينة بعد
أحد، حيث قتل حمزة، رضي الله عنه، ومثل به فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بثلاثين رجلا منهم" فلما سمع المسلمون ذلك
قالوا: والله لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد
قط. فأنـزل الله: ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا
عُوقِبْتُمْ بِهِ ) إلى آخر السورة .
وهذا مرسل، وفيه [رجل] مبهم لم يسم، وقد روي هذا من وجه آخر متصل، فقال الحافظ أبو بكر البزار:
حدثنا الحسن بن يحيى، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا صالح المري
، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن أبي هريرة، رضي الله عنه؛ أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة بن عبد المطلب، رضي الله عنه، حين
استشهد، فنظر إلى منظر لم ينظر أوجع للقلب منه. أو قال: لقلبه [منه] فنظر
إليه وقد مُثِّل به فقال: "رحمة الله عليك، إن كنت -لما علمتُ-لوصولا
للرحم، فعولا للخيرات، والله لولا حزن من بعدك عليك، لسرني أن أتركك حتى
يحشرك الله من بطون السباع -أو كلمة نحوها-أما والله على ذلك، لأمثلن
بسبعين كمثلتك" . فنـزل جبريل، عليه السلام، على محمد صلى الله عليه وسلم بهذه السورة
وقرأ: ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ )
إلى آخر الآية، فكفر رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني: عن يمينه-وأمسك
عن ذلك .
وهذا إسناد فيه ضعف؛ لأن صالحا -هو ابن بشير المري-ضعيف عند الأئمة، وقال البخاري: هو منكر الحديث.
وقال الشعبي وابن جُرَيْج: نـزلت في قول المسلمين يوم أحد فيمن مثل بهم: لنمثلن بهم. فأنـزل الله فيهم ذلك.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه: حدثنا هدِيَّة
بن عبد الوهاب المروزي، حدثنا الفضل بن موسى، حدثنا عيسى بن عبيد، عن
الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب قال: لما كان يوم أحد، قتل
من الأنصار ستون رجلا ومن المهاجرين ستة، فقال أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم: لئن كان لنا يوم مثل هذا من المشركين لَنُرْبِيَنَّ عليهم. فلما
كان يوم الفتح قال رجل: لا < 4-615 >
تعرف
قريش بعد اليوم. فنادى مناد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن الأسود
والأبيض إلا فلانا وفلانا -ناسا سماهم-فأنـزل الله تبارك وتعالى: ( وَإِنْ
عَاقَبْتُمْ [فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ
صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ] ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نصبر ولا نعاقب" .
وهذه الآية الكريمة لها أمثال في القرآن، فإنها مشتملة على مشروعية العدل والندب إلى الفضل، كما في قوله:
وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا
ثُمَّ قَالَ
فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ
[الشورى : 40]. وقال
وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ
ثُمَّ قَالَ
فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ
[المائدة : 45]، وقال في هذه الآية الكريمة: ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ
فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ) ثُمَّ قَالَ ( وَلَئِنْ
صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ )
وقوله: ( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ ) تأكيد للأمر
بالصبر، وإخبار بأن ذلك إنما ينال بمشيئة الله وإعانته، وحوله وقوته.
ثم قال تعالى: ( وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ) أي: على من خالفك، لا تحزن
عليهم؛ فإن الله قدر ذلك، ( وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ ) أي: غم ( مِمَّا
يَمْكُرُونَ ) أي: مما يجهدون [أنفسهم] في عداوتك وإيصال الشر إليك، فإن الله كافيك وناصرك، ومؤيدك، ومظهرك ومظفرك بهم.
وقوله: ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ
مُحْسِنُونَ ) أي: معهم بتأييده ونصره ومعونته وهذه معية خاصة، كقوله:
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا
[الأنفال : 12] ، وقوله لموسى وهارون:
لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى
[ طه : 46]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم للصديق وهما في الغار:
لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا
[التوبة : 40] وأما المعية العامة فبالسمع والبصر والعلم، كقوله تعالى:
وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
[الحديد : 4]، وكقوله تعالى:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا
خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ
إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا
[المجادلة : 7]، وكما قال تعالى:
وَمَا
تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ
مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا
يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي
السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ
مُبِينٍ
[يونس : 61] .
ومعنى: ( الَّذِينَ اتَّقَوْا ) أي: تركوا المحرمات، ( وَالَّذِينَ
هُمْ مُحْسِنُونَ ) أي: فعلوا الطاعات، فهؤلاء الله يحفظهم ويكلؤهم،
وينصرهم ويؤيدهم، ويظفرهم على أعدائهم ومخالفيهم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا < 4-616 >
مِسْعر، عن ابن عون، عن محمد بن حاطب قال: كان عثمان، رضي الله عنه، من الذين آمنوا، والذين اتقوا، والذين هم محسنون.
[آخر تفسير سورة النحل ولله الحمد أجمعه والمنة، وبه المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل]
رد: الجزء الخامس عشر والأخير من تفسير سورة النحل
جزاك الله خيرا ونفعك بالعلم
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الخامس عشر والأخير من تفسير سورة النحل
يعطيك العافبة
M.AYMAN- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 1898
تاريخ الميلاد : 13/10/1985
العمر : 39
رد: الجزء الخامس عشر والأخير من تفسير سورة النحل
شكرا على الموضوع
لا تبخل علينا
لا تبخل علينا
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الخامس من تفسير سورة النحل
» الجزء الثامن من تفسير سورة النحل
» الجزء التاسع من تفسير سورة النحل
» الجزء العاشر من تفسير سورة النحل
» الجزء الحادي عشر من تفسير سورة النحل
» الجزء الثامن من تفسير سورة النحل
» الجزء التاسع من تفسير سورة النحل
» الجزء العاشر من تفسير سورة النحل
» الجزء الحادي عشر من تفسير سورة النحل
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة النحل
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى