الجزء الثاني من تفسير سورة الأنبياء
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الأنبياء
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الثاني من تفسير سورة الأنبياء
وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15) .
وقوله: ( وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً ) هذه صيغة تكثير، كما قال وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ [ الإسراء: 17] .
وقال تعالى: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ [ الحج:45] . وقوله: ( وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ) أي: أمة أخرى بعدهم.
( فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا ) أي: تيقنوا أن العذاب واقع بهم، كما وعدهم نبيهم، ( إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ ) أي: يفرون هاربين.
( لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ
وَمَسَاكِنِكُمْ ) هذا تهكم بهم قدرًا أي: قيل لهم قدرًا: لا تركضوا هاربين
من نـزول العذاب، وارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعمة والسرور، والعيشة
والمساكن الطيبة.
قال قتادة: استهزاء بهم.
( لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ) أي: عما كنتم فيه من أداء شكر النعمة.
( قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ) اعترفوا بذنوبهم
حين لا ينفعهم ذلك، ( فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى
جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ) أي: ما زالت تلك المقالة، وهي الاعتراف بالظلم، هِجيراهم حتى حصدناهم حصدًا وخمدت حركاتهم وأصواتهم خمودًا.
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ (20) .
يخبر تعالى أنه خلق السماوات والأرض بالحق، أي: بالعدل والقسط، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [ النجم :31]، وأنه لم يخلق ذلك عبثًا ولا لعبًا، كما قال: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ ص:27]
وقوله تعالى: ( لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ
مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ ) قال ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد: (
لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا )
يعني: من عندنا، يقول: وما خلقنا جنة ولا نارًا، ولا موتًا، ولا بعثًا، ولا
حسابًا.
وقال الحسن، وقتادة، وغيرهما: ( لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا ) اللهو: المرأة بلسان أهل اليمن.
وقال إبراهيم النَّخعِي: ( لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ ) من الحور العين.
وقال عكرمة والسدي: المراد باللهو هاهنا: الولد.
وهذا والذي قبله متلازمان، وهو كقوله تعالى: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ [الزمر:4]، فنـزه نفسه عن اتخاذ الولد مطلقًا، لا سيما عما يقولون من الإفك والباطل، من اتخاذ عيسى، أو العزير أو الملائكة، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا [ الإسراء:43] .
وقوله: ( إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ ) قال قتادة، والسدي، وإبراهيم النخعي، ومغيرة بن مِقْسَم، أي: ما كنا فاعلين.
وقال مجاهد: كل شيء في القرآن "إن" فهو إنكار.
وقوله: ( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ ) أي: نبين الحق
فيدحض الباطل؛ ولهذا قال: ( فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ) أي: ذاهب
مضمحل، ( وَلَكُمُ الْوَيْلُ ) أي: أيها القائلون: لله ولد، ( مِمَّا
تَصِفُونَ ) أي: تقولون وتفترون.
ثم أخبر تعالى عن عبودية الملائكة له، ودأبهم في طاعته ليلا ونهارًا ،
فقال: ( وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ ) يعني:
الملائكة، ( لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ ) أي: لا يستنكفون عنها،
كما قال: لَنْ
يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ
الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ
فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا [ النساء :172] .
وقوله: ( وَلا يَسْتَحْسِرُونَ ) أي: لا يتعبون ولا يَملُّون.
( يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ ) فهم دائبون في
العمل ليلا ونهارًا، مطيعون قصدًا وعملا قادرون عليه، كما قال تعالى: لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [ التحريم:6].
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن أبي دُلامة البغدادي، أنبأنا عبد
الوهاب بن عطاء، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن صفوان بن مُحرِز، عن حكيم بن
حِزَام قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، إذ قال لهم:
"هل تسمعون ما أسمع؟" قالوا: ما نسمع من شيء. فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "إني لأسمع أطيط السماء، وما تلام أن تئط، وما فيها موضع شِبْر إلا
وعليه ملك ساجد أو قائم". غريب ولم يخرجوه .
ثم رواه ابن أبي حاتم من طريق يزيد بن زُرَيْع، عن سعيد، عن قتادة مرسلا.
وقال أبو إسحاق ، عن حسان بن مخارق، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: جلست إلى كعب الأحبار وأنا غلام، فقلت له: أرأيت قول الله [للملائكة] ( يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ ) أما
يشغلهم عن التسبيح الكلام والرسالة والعمل؟. فقال: فمن هذا الغلام؟
فقالوا: من بني عبد المطلب، قال: فقبل رأسي، ثم قال لي: يا بني، إنه جعل
لهم التسبيح، كما جعل لكم النفس، أليس تتكلم وأنت تتنفس وتمشي وأنت تتنفس؟.
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)
ينكر
تعالى على من اتخذ من دونه آلهة، فقال: بل ( اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ
الأرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ ) أي: أهم يحيون الموتى وينشرونهم من الأرض؟ أي:
لا يقدرون على شيء من ذلك. فكيف جعلوها لله ندًا وعبدوها معه.
ثم أخبر تعالى أنه لو كان في الوجود آلهة غيره لفسدت السماوات الأرض،
فقال ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ ) أي: في السماء والأرض، ( لَفَسَدَتَا
) ، كقوله تعالى: مَا
اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا
لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ
سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ
[ المؤمنون:91]، وقال هاهنا: ( فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ
عَمَّا يَصِفُونَ ) أي: عما يقولون إن له ولدًا أو شريكًا، سبحانه وتعالى
وتقدس وتنـزه عن الذي يفترون ويأفكون علوًا كبيرًا.
وقوله: ( لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) أي: هو
الحاكم الذي لا معقب لحكمه، ولا يعترض عليه أحد، لعظمته وجلاله وكبريائه،
وعلوه وحكمته وعدله ولطفه، ( وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) أي: وهو سائل خلقه عما
يعملون، كقوله: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ الحجر:92، 93] وهذا كقوله تعالى: وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ [ المؤمنون:88] .
أَمِ
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ
مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ
الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)
يقول تعالى: بل ( اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ ) يا محمد: (
هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ) أي: دليلكم على ما تقولون، ( هَذَا ذِكْرُ مَنْ
مَعِيَ ) يعني: القرآن، ( وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي ) يعني: الكتب المتقدمة
على خلاف ما تقولون وتزعمون، فكل كتاب أنـزل على كل نبي أرسل، ناطق بأنه لا
إله إلا الله، ولكن أنتم أيها المشركون لا تعلمون الحق، فأنتم معرضون عنه؛
وقوله: ( وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً ) هذه صيغة تكثير، كما قال وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ [ الإسراء: 17] .
وقال تعالى: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ [ الحج:45] . وقوله: ( وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ) أي: أمة أخرى بعدهم.
( فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا ) أي: تيقنوا أن العذاب واقع بهم، كما وعدهم نبيهم، ( إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ ) أي: يفرون هاربين.
( لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ
وَمَسَاكِنِكُمْ ) هذا تهكم بهم قدرًا أي: قيل لهم قدرًا: لا تركضوا هاربين
من نـزول العذاب، وارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعمة والسرور، والعيشة
والمساكن الطيبة.
قال قتادة: استهزاء بهم.
( لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ) أي: عما كنتم فيه من أداء شكر النعمة.
( قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ) اعترفوا بذنوبهم
حين لا ينفعهم ذلك، ( فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى
جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ) أي: ما زالت تلك المقالة، وهي الاعتراف بالظلم، هِجيراهم حتى حصدناهم حصدًا وخمدت حركاتهم وأصواتهم خمودًا.
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ (20) .
يخبر تعالى أنه خلق السماوات والأرض بالحق، أي: بالعدل والقسط، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [ النجم :31]، وأنه لم يخلق ذلك عبثًا ولا لعبًا، كما قال: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ ص:27]
وقوله تعالى: ( لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ
مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ ) قال ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد: (
لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا )
يعني: من عندنا، يقول: وما خلقنا جنة ولا نارًا، ولا موتًا، ولا بعثًا، ولا
حسابًا.
وقال الحسن، وقتادة، وغيرهما: ( لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا ) اللهو: المرأة بلسان أهل اليمن.
وقال إبراهيم النَّخعِي: ( لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ ) من الحور العين.
وقال عكرمة والسدي: المراد باللهو هاهنا: الولد.
وهذا والذي قبله متلازمان، وهو كقوله تعالى: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ [الزمر:4]، فنـزه نفسه عن اتخاذ الولد مطلقًا، لا سيما عما يقولون من الإفك والباطل، من اتخاذ عيسى، أو العزير أو الملائكة، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا [ الإسراء:43] .
وقوله: ( إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ ) قال قتادة، والسدي، وإبراهيم النخعي، ومغيرة بن مِقْسَم، أي: ما كنا فاعلين.
وقال مجاهد: كل شيء في القرآن "إن" فهو إنكار.
وقوله: ( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ ) أي: نبين الحق
فيدحض الباطل؛ ولهذا قال: ( فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ) أي: ذاهب
مضمحل، ( وَلَكُمُ الْوَيْلُ ) أي: أيها القائلون: لله ولد، ( مِمَّا
تَصِفُونَ ) أي: تقولون وتفترون.
ثم أخبر تعالى عن عبودية الملائكة له، ودأبهم في طاعته ليلا ونهارًا ،
فقال: ( وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ ) يعني:
الملائكة، ( لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ ) أي: لا يستنكفون عنها،
كما قال: لَنْ
يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ
الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ
فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا [ النساء :172] .
وقوله: ( وَلا يَسْتَحْسِرُونَ ) أي: لا يتعبون ولا يَملُّون.
( يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ ) فهم دائبون في
العمل ليلا ونهارًا، مطيعون قصدًا وعملا قادرون عليه، كما قال تعالى: لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [ التحريم:6].
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن أبي دُلامة البغدادي، أنبأنا عبد
الوهاب بن عطاء، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن صفوان بن مُحرِز، عن حكيم بن
حِزَام قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، إذ قال لهم:
"هل تسمعون ما أسمع؟" قالوا: ما نسمع من شيء. فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "إني لأسمع أطيط السماء، وما تلام أن تئط، وما فيها موضع شِبْر إلا
وعليه ملك ساجد أو قائم". غريب ولم يخرجوه .
ثم رواه ابن أبي حاتم من طريق يزيد بن زُرَيْع، عن سعيد، عن قتادة مرسلا.
وقال أبو إسحاق ، عن حسان بن مخارق، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: جلست إلى كعب الأحبار وأنا غلام، فقلت له: أرأيت قول الله [للملائكة] ( يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ ) أما
يشغلهم عن التسبيح الكلام والرسالة والعمل؟. فقال: فمن هذا الغلام؟
فقالوا: من بني عبد المطلب، قال: فقبل رأسي، ثم قال لي: يا بني، إنه جعل
لهم التسبيح، كما جعل لكم النفس، أليس تتكلم وأنت تتنفس وتمشي وأنت تتنفس؟.
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)
ينكر
تعالى على من اتخذ من دونه آلهة، فقال: بل ( اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ
الأرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ ) أي: أهم يحيون الموتى وينشرونهم من الأرض؟ أي:
لا يقدرون على شيء من ذلك. فكيف جعلوها لله ندًا وعبدوها معه.
ثم أخبر تعالى أنه لو كان في الوجود آلهة غيره لفسدت السماوات الأرض،
فقال ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ ) أي: في السماء والأرض، ( لَفَسَدَتَا
) ، كقوله تعالى: مَا
اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا
لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ
سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ
[ المؤمنون:91]، وقال هاهنا: ( فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ
عَمَّا يَصِفُونَ ) أي: عما يقولون إن له ولدًا أو شريكًا، سبحانه وتعالى
وتقدس وتنـزه عن الذي يفترون ويأفكون علوًا كبيرًا.
وقوله: ( لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) أي: هو
الحاكم الذي لا معقب لحكمه، ولا يعترض عليه أحد، لعظمته وجلاله وكبريائه،
وعلوه وحكمته وعدله ولطفه، ( وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) أي: وهو سائل خلقه عما
يعملون، كقوله: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ الحجر:92، 93] وهذا كقوله تعالى: وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ [ المؤمنون:88] .
أَمِ
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ
مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ
الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)
يقول تعالى: بل ( اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ ) يا محمد: (
هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ) أي: دليلكم على ما تقولون، ( هَذَا ذِكْرُ مَنْ
مَعِيَ ) يعني: القرآن، ( وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي ) يعني: الكتب المتقدمة
على خلاف ما تقولون وتزعمون، فكل كتاب أنـزل على كل نبي أرسل، ناطق بأنه لا
إله إلا الله، ولكن أنتم أيها المشركون لا تعلمون الحق، فأنتم معرضون عنه؛
رد: الجزء الثاني من تفسير سورة الأنبياء
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
M.AYMAN- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 1898
تاريخ الميلاد : 13/10/1985
العمر : 39
رد: الجزء الثاني من تفسير سورة الأنبياء
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الثاني من تفسير سورة الأنبياء
شكرا على الموضووع جميل كثير
M.AYMAN- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 1898
تاريخ الميلاد : 13/10/1985
العمر : 39
رد: الجزء الثاني من تفسير سورة الأنبياء
جزاك الله خيرا على الموضوع
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الأول من تفسير سورة الأنبياء
» الجزء الثالث من تفسير سورة الأنبياء
» الجزء الرابع من تفسير سورة الأنبياء
» الجزء الخامس من تفسير سورة الأنبياء
» الجزء السابع من تفسير سورة الأنبياء
» الجزء الثالث من تفسير سورة الأنبياء
» الجزء الرابع من تفسير سورة الأنبياء
» الجزء الخامس من تفسير سورة الأنبياء
» الجزء السابع من تفسير سورة الأنبياء
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الأنبياء
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى