الجزء الرابع من تفسير سورة الأنبياء
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الأنبياء
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الرابع من تفسير سورة الأنبياء
وَإِذَا
رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا
الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ
(36) خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (37) .
يقول تعالى لنبيه، صلوات الله وسلامه عليه، ( وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ
كَفَرُوا ) يعني: كفار قريش كأبي جهل وأشباهه ( إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا
هُزُوًا ) أي: يستهزئون بك وينتقصونك، يقولون: ( أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ
آلِهَتَكُمْ ) يعنون: أهذا الذي يسب آلهتكم ويسفه أحلامكم، قال تعالى: (
وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ ) أي: وهم كافرون بالله، ومع
هذا يستهزئون برسول الله، كما قال في الآية الأخرى: وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا * إِنْ
كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا
وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا [ الفرقان:41، 42] .
وقوله: ( خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) ، كما قال في الآية الأخرى: وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولا [الإسراء:11] أي: في الأمور.
قال مجاهد: خلق الله آدم بعد كل شيء من آخر النهار، من يوم خلق الخلائق فلما أحيا الروح عينيه ولسانه ورأسه، ولم يبلغ أسفله قال: يا رب، استعجل بخلقي قبل غروب الشمس.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سِنَان، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا
محمد بن علقمة بن وقاص الليثي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت فيه الشمس
يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه تقوم
الساعة، وفيه ساعة لا يوافقها مؤمن يصلي -وقبض أصابعه قَلَّلَها
-فسأل الله خيرًا، إلا أعطاه إياه" . قال أبو سلمة: فقال عبد الله بن
سلام: قد عرفت تلك الساعة، وهي آخر ساعات النهار من يوم الجمعة، وهي التي
خلق الله فيها آدم، قال الله تعالى: ( خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ
سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ) .
والحكمة في ذكر عجلة الإنسان هاهنا أنه لما ذكر المستهزئين بالرسول، صلوات الله [وسلامه] عليه، وقع في النفوس سرعة الانتقام منهم واستعجلت
، فقال الله تعالى: ( خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) ؛ لأنه تعالى يملي
للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، يؤجل ثم يعجل، وينظر ثم لا يؤخر؛ ولهذا قال:
( سَأُرِيكُمْ آيَاتِي ) أي: نقمي وحكمي واقتداري على من عصاني، ( فَلا
تَسْتَعْجِلُونِ ) .
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (40) .
يخبر تعالى عن المشركين أنهم يستعجلون أيضًا بوقوع العذاب بهم، تكذيبًا
وجحودًا وكفرًا وعنادًا واستبعادًا، فقال: ( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا
الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )
قال الله تعالى: ( لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا
يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ ) أي: لو
تيقنوا أنها واقعة بهم لا محالة لما استعجلوا، ولو يعلمون حين يغشاهم
العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم، لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ [ الزمر:16]، لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [ الأعراف:41]، وقال في هذه الآية: ( حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ ) وقال: سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ [إبراهيم:50]، فالعذاب محيط بهم من جميع جهاتهم، ( وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ) أي: لا ناصر لهم كما قال: وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ [الرعد:34] .
وقوله: ( بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً ) أي: "تأتيهم النار بغتة" ، أي: فجأة ( فَتَبْهَتُهُمْ ) أي: تذعرهم فيستسلمون لها حائرين، لا
يدرون ما يصنعون، ( فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا ) أي: ليس لهم حيلة في
ذلك، ( وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ) أي: ولا يؤخر عنهم ذلك ساعة واحدة.
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43) .
يقول تعالى مسليًا لرسوله [صلوات الله وسلامه عليه]
عما آذاه به المشركون من الاستهزاء والتكذيب: ( وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ
بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا
بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) يعني: من العذاب الذي كانوا يستبعدون وقوعه، كما
قال تعالى: وَلَقَدْ
كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا
حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ
جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ [الأنعام:34] .
ثم ذكر تعالى نعمته على عبيده في حفظه لهم بالليل والنهار، وكلاءته
وحراسته لهم بعينه التي لا تنام، فقال: ( قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ
بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ ) ؟ أي: بدل الرحمن بمعنى غيره
كما قال الشاعر
أي: لم تذق بدل البقول الفستق.
وقوله تعالى: ( بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ ) أي: لا يعترفون
بنعمه عليهم وإحسانه إليهم، بل يعرضون عن آياته وآلائه، ثم قال ( أَمْ
لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا ) استفهام إنكار وتقريع وتوبيخ،
أي: ألهم آلهة تمنعهم وتكلؤهم غيرنا؟ ليس الأمر كما توهموا ولا كما زعموا؛ ولهذا قال: ( لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ ) أي: هذه [الآلهة] التي استندوا إليها غير الله لا يستطيعون نصر أنفسهم.
وقوله: ( وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ ) قال العوفي، عن ابن عباس: ( وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ ) أي: يجارون وقال قتادة لا يصحبون [من الله] بخير وقال غيره: ( وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ ) يمنعون.
بَلْ
مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ
أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا
أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44) .
يقول تعالى مخبرًا عن المشركين: إنما غرهم وحملهم على ما هم فيه من
الضلال، أنهم مُتّعوا في الحياة الدنيا، ونعموا وطال عليهم العمر فيما هم
فيه، فاعتقدوا أنهم على شيء.
ثم قال واعظًا لهم: ( أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأرْضَ
نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ) اختلف المفسرون في معناه، وقد أسلفناه في
سورة "الرعد" ، وأحسن ما فسر بقوله تعالى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأحقاف:27] .
وقال الحسن البصري: يعني بذلك ظهور الإسلام على الكفر.
والمعنى: أفلا يعتبرون بنصر الله لأوليائه على أعدائه، وإهلاكه الأمم
المكذبة والقرى الظالمة، وإنجائه لعباده المؤمنين؛ ولهذا قال: ( أَفَهُمُ
الْغَالِبُونَ ) يعني: بل هم المغلوبون الأسفلون الأخسرون الأرذلون.
رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا
الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ
(36) خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (37) .
يقول تعالى لنبيه، صلوات الله وسلامه عليه، ( وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ
كَفَرُوا ) يعني: كفار قريش كأبي جهل وأشباهه ( إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا
هُزُوًا ) أي: يستهزئون بك وينتقصونك، يقولون: ( أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ
آلِهَتَكُمْ ) يعنون: أهذا الذي يسب آلهتكم ويسفه أحلامكم، قال تعالى: (
وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ ) أي: وهم كافرون بالله، ومع
هذا يستهزئون برسول الله، كما قال في الآية الأخرى: وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا * إِنْ
كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا
وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا [ الفرقان:41، 42] .
وقوله: ( خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) ، كما قال في الآية الأخرى: وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولا [الإسراء:11] أي: في الأمور.
قال مجاهد: خلق الله آدم بعد كل شيء من آخر النهار، من يوم خلق الخلائق فلما أحيا الروح عينيه ولسانه ورأسه، ولم يبلغ أسفله قال: يا رب، استعجل بخلقي قبل غروب الشمس.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سِنَان، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا
محمد بن علقمة بن وقاص الليثي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت فيه الشمس
يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه تقوم
الساعة، وفيه ساعة لا يوافقها مؤمن يصلي -وقبض أصابعه قَلَّلَها
-فسأل الله خيرًا، إلا أعطاه إياه" . قال أبو سلمة: فقال عبد الله بن
سلام: قد عرفت تلك الساعة، وهي آخر ساعات النهار من يوم الجمعة، وهي التي
خلق الله فيها آدم، قال الله تعالى: ( خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ
سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ) .
والحكمة في ذكر عجلة الإنسان هاهنا أنه لما ذكر المستهزئين بالرسول، صلوات الله [وسلامه] عليه، وقع في النفوس سرعة الانتقام منهم واستعجلت
، فقال الله تعالى: ( خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) ؛ لأنه تعالى يملي
للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، يؤجل ثم يعجل، وينظر ثم لا يؤخر؛ ولهذا قال:
( سَأُرِيكُمْ آيَاتِي ) أي: نقمي وحكمي واقتداري على من عصاني، ( فَلا
تَسْتَعْجِلُونِ ) .
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (40) .
يخبر تعالى عن المشركين أنهم يستعجلون أيضًا بوقوع العذاب بهم، تكذيبًا
وجحودًا وكفرًا وعنادًا واستبعادًا، فقال: ( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا
الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )
قال الله تعالى: ( لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا
يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ ) أي: لو
تيقنوا أنها واقعة بهم لا محالة لما استعجلوا، ولو يعلمون حين يغشاهم
العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم، لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ [ الزمر:16]، لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [ الأعراف:41]، وقال في هذه الآية: ( حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ ) وقال: سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ [إبراهيم:50]، فالعذاب محيط بهم من جميع جهاتهم، ( وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ) أي: لا ناصر لهم كما قال: وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ [الرعد:34] .
وقوله: ( بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً ) أي: "تأتيهم النار بغتة" ، أي: فجأة ( فَتَبْهَتُهُمْ ) أي: تذعرهم فيستسلمون لها حائرين، لا
يدرون ما يصنعون، ( فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا ) أي: ليس لهم حيلة في
ذلك، ( وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ) أي: ولا يؤخر عنهم ذلك ساعة واحدة.
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43) .
يقول تعالى مسليًا لرسوله [صلوات الله وسلامه عليه]
عما آذاه به المشركون من الاستهزاء والتكذيب: ( وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ
بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا
بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) يعني: من العذاب الذي كانوا يستبعدون وقوعه، كما
قال تعالى: وَلَقَدْ
كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا
حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ
جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ [الأنعام:34] .
ثم ذكر تعالى نعمته على عبيده في حفظه لهم بالليل والنهار، وكلاءته
وحراسته لهم بعينه التي لا تنام، فقال: ( قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ
بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ ) ؟ أي: بدل الرحمن بمعنى غيره
كما قال الشاعر
جَاريـــة لَـــمْ تَلْبَس المُرقَّقـــا | وَلَــم تَــذق مـنَ البُقـول الفُسْـتُقا |
وقوله تعالى: ( بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ ) أي: لا يعترفون
بنعمه عليهم وإحسانه إليهم، بل يعرضون عن آياته وآلائه، ثم قال ( أَمْ
لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا ) استفهام إنكار وتقريع وتوبيخ،
أي: ألهم آلهة تمنعهم وتكلؤهم غيرنا؟ ليس الأمر كما توهموا ولا كما زعموا؛ ولهذا قال: ( لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ ) أي: هذه [الآلهة] التي استندوا إليها غير الله لا يستطيعون نصر أنفسهم.
وقوله: ( وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ ) قال العوفي، عن ابن عباس: ( وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ ) أي: يجارون وقال قتادة لا يصحبون [من الله] بخير وقال غيره: ( وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ ) يمنعون.
بَلْ
مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ
أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا
أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44) .
يقول تعالى مخبرًا عن المشركين: إنما غرهم وحملهم على ما هم فيه من
الضلال، أنهم مُتّعوا في الحياة الدنيا، ونعموا وطال عليهم العمر فيما هم
فيه، فاعتقدوا أنهم على شيء.
ثم قال واعظًا لهم: ( أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأرْضَ
نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ) اختلف المفسرون في معناه، وقد أسلفناه في
سورة "الرعد" ، وأحسن ما فسر بقوله تعالى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأحقاف:27] .
وقال الحسن البصري: يعني بذلك ظهور الإسلام على الكفر.
والمعنى: أفلا يعتبرون بنصر الله لأوليائه على أعدائه، وإهلاكه الأمم
المكذبة والقرى الظالمة، وإنجائه لعباده المؤمنين؛ ولهذا قال: ( أَفَهُمُ
الْغَالِبُونَ ) يعني: بل هم المغلوبون الأسفلون الأخسرون الأرذلون.
|
رد: الجزء الرابع من تفسير سورة الأنبياء
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
M.AYMAN- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 1898
تاريخ الميلاد : 13/10/1985
العمر : 39
رد: الجزء الرابع من تفسير سورة الأنبياء
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الرابع من تفسير سورة الأنبياء
جزاك الله خيرا على الموضوع
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
رد: الجزء الرابع من تفسير سورة الأنبياء
بآرك آلله فيكـم ونفع بكـم
اسأل الله العظيم
أن يرزقكم الفردوس الأعلى من الجنان
وأن يثيبكم البارئ على ما طرحتـم / خير الثواب
في انتظار جديدكم المميز
مواضيع مماثلة
» الجزء الأول من تفسير سورة الأنبياء
» الجزء الثاني من تفسير سورة الأنبياء
» الجزء الثالث من تفسير سورة الأنبياء
» الجزء الخامس من تفسير سورة الأنبياء
» الجزء السابع من تفسير سورة الأنبياء
» الجزء الثاني من تفسير سورة الأنبياء
» الجزء الثالث من تفسير سورة الأنبياء
» الجزء الخامس من تفسير سورة الأنبياء
» الجزء السابع من تفسير سورة الأنبياء
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الأنبياء
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى