الجزء العاشر من تفسير سورة الاحزاب
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الأحزاب
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء العاشر من تفسير سورة الاحزاب
من ذلك : في صلاة العيد: قال إسماعيل القاضي : حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا هشام الدَّسْتَوَائي، حدثنا حَمَّاد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة: أن ابن مسعود وأبا موسى وحذيفة خرج عليهم الوليد بن عقبة يوما قبل العيد ، فقال لهم: إن هذا العيد قد دنا، فكيف التكبير فيه؟ قال عبد الله: تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة، وتحمد ربك وتصلي على النبي
صلى الله عليه وسلم ثم تدعو، وتكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك،
ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تقرأ، ثم تكبر وتركع، ثم تقوم فتقرأ وتحمد ربك
وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو وتكبر، وتفعل مثل ذلك، ثم
تركع. فقال حذيفة وأبو موسى: صدق أبو عبد الرحمن. إسناد صحيح
ومن ذلك: أنه يُستَحَبّ ختم الدعاء بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم قال الترمذي:
حدثنا أبو داود، أخبرنا النضر بن شميل ، عن أبي قُرّة الأسدي، عن سعيد بن المسيَّب، عن عمر بن الخطاب قال: الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد حتى تصلي على نبيك .
وهكذا رواه أيوب بن موسى، عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب، قوله.
ورواه معاذ بن الحارث، عن أبي قرة، عن سعيد بن المسيب، عن عمر مرفوعا . وكذا رواه رَزِين بن معاوية
في كتابه مرفوعا، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدعاء موقوف بين
السماء والأرض، لا يصعد حتى يصلى علي، فلا تجعلوني كَغُمَر الراكب، صلوا
علي أول الدعاء وأوسطه وآخره" .
وهذه الزيادة إنما تروى من رواية جابر بن عبد الله في مسند الإمام عبد بن حُميد الكَشي [حيث]
قال: حدثنا جعفر بن عون، أخبرنا موسى بن عُبَيدة، عن إبراهيم بن محمد بن
إبراهيم، عن أبيه قال: قال جابر: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تجعلوني كقدح الراكب، إذا علق تعاليقه أخذ قدحه فملأه من الماء، فإن
كان له حاجة في الوضوء توضأ، وإن كان له حاجة في الشرب شرب وإلا أهراق ما
فيه، اجعلوني في أول الدعاء، وفي، وسط الدعاء، وفي آخر الدعاء". فهذا حديث
غريب، وموسى بن عبيدة ضعيف الحديث .
ومن [آكد] ذلك: دعاء القنوت: لما رواه الإمام أحمد وأهل السنن، وابن خزيمة ، وابن حبَّان، والحاكم، من حديث أبي الحورَاء
، عن الحسن بن علي، رضي الله عنهما، قال: علَّمَني رسول الله صلى الله
عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن
عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يَذِلّ من واليت تباركت [ربنا] وتعاليت" .
وزاد النسائي في سننه بعد هذا: وصلى الله على النبي محمد.
ومن ذلك: أنه يستحب الإكثار من الصلاة عليه [في] يوم الجمعة وليلة الجمعة: قال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن علي الجَعْفِي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الصنعاني
، عن أوس بن أوس الثقفي، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة،
وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي". قالوا:
يا رسول الله، وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمتْ؟ -يعني: وقد بليت -قال: "إن
الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء".
ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، من حديث حسين بن علي الجعفي . وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني، والنووي في الأذكار.
حديث آخر: قال أبو عبد الله بن ماجه: حدثنا عمرو بن سَوَّاد المصري ، حدثنا عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أيمن
، عن عُبَادة بن نُسَيّ، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة؛ فإنه مشهود تشهده الملائكة. وإن
أحدا لا يصلي علي إلا عُرضت عَلَيّ صلاته حتى يفرغ منها". قال: قلت: وبعد
الموت؟ قال: "[وبعد الموت] ، إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" [فنبي الله حي يرزق] .
هذا حديث غريب من هذا الوجه، وفيه انقطاع بين عُبادة بن نَسي وأبي الدرداء، فإنه لم يدركه ، والله أعلم.
وقد روى البيهقي من حديث أبي أمامة وأبي مسعود، عن النبي صلى الله عليه
وسلم في الأمر بالإكثار من الصلاة عليه ليلة الجمعة ويوم الجمعة ، ولكن في إسنادهما ضعف، والله أعلم. وروي مرسلا عن الحسن البصري، فقال إسماعيل القاضي:
حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا جرير بن حازم، سمعت الحسن -هو البصري -يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تأكل الأرض جَسَدَ من كَلّمه روح القدس". مرسل حسن .
وقال الشافعي: أخبرنا إبراهيم بن محمد، أخبرنا صفوان بن سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة، فأكثروا الصلاة علي". هذا مرسل .
وهكذا يجب على الخطيب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر في الخطبتين، ولا تصح الخطبتان إلا بذلك؛ لأنها عبادة، وذكر الله فيها شرط ، فوجب ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فيها كالأذان والصلاة. هذا مذهب الشافعي وأحمد، رحمهما الله.
ومن ذلك: أنه يستحب الصلاة والسلام عليه عند زيارة قبره، صلوات الله وسلامه عليه: قال أبو داود:
حدثنا ابن عوف -هو محمد -حدثنا
المقري، حدثنا حَيْوَة، عن أبي صخر حميد بن زياد، عن يزيد بن عبد الله بن
قسيط، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أحد يسلم علي إلا رَدّ الله علي روحي، حتى أرد عليه السلام".
تفرد به أبو داود، وصححه النووي في الأذكار . ثم قال أبو داود:
حدثنا أحمد بن صالح قال: قرأت على عبد الله بن نافع، أخبرني ابن أبي
ذئب، عن سعيد المَقْبُرِي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم قُبُورًا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي، فإن
صلاتكم تبلغني حيثما كنتم".
تفرد به أبو داود أيضا . وقد رواه الإمام أحمد عن سُرَيْج، عن عبد الله بن نافع -وهو الصائغ -به . وصححه النووي أيضا. وقد روي من وجه آخر عن علي، رضي الله عنه. قال القاضي إسماعيل بن إسحاق في كتابه "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم":
حدثنا إسماعيل بن أبي أُوَيْس، حدثنا جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب [عمن أخبره] من أهل بيته، عن علي بن الحسين بن علي: أن رجلا كان يأتي كل غداة
فيزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي عليه، ويصنع من ذلك ما اشتهر
عليه علي بن الحسين، فقال له علي بن الحسين: ما يحملك على هذا؟ قال: أحب
السلام على النبي صلى الله عليه وسلم. فقال له علي بن الحسين: هل لك أن
أحدثك حديثا عن أبي؟ قال: نعم. فقال له علي بن الحسين: أخبرني أبي، عن جدي
أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا قبري عيدا، ولا
تجعلوا بيوتكم قبورا، وصلوا علي وسلموا حيثما كنتم فتبلغني صلاتكم وسلامكم".
في إسناده رجل مبهم لم يُسَمَّ
وقد رُوي من وجه آخر مرسلا قال عبد الرزاق في مصنفه، عن الثوري، عن ابن
عجلان، عن رجل -يقال له: سهيل -عن الحسن بن الحسن بن علي؛ أنه رأى قوما عند
القبر فنهاهم، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا قبري
عيدا، ولا تتخذوا بيوتكم قبورا، وصلوا علي حيثما كنتم؛ فإن صلاتكم تبلغني" . فلعله رآهم يسيئون الأدب برفع أصواتهم [فوق الحاجة] ، فنهاهم.
وقد روي أنه رأى رجلا ينتاب القبر فقال: يا هذا، ما أنت ورجل بالأندلس
منه إلا سواء، أي: الجميع يبلغه، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم
الدين.
وقال الطبراني في معجمه الكبير: حدثنا أحمد بن رِشْدين المصري، حدثنا
سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن جعفر، أخبرني حميد بن أبي زينب، عن حسن بن
حسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، عن أبيه؛ أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: "صلوا علي حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني" .
ثم قال الطبراني: حدثنا العباس بن حمدان الأصبهاني، حدثنا شعيب بن عبد الحميد الطحان، أخبرنا يزيد بن هارون عن شيبان، عن الحكم بن عبد الله بن خطاف
، عن أم أنيس بنت الحسن بن علي، عن أبيها قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "أرأيت قول الله، عز وجل: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي ) ؟" فقال: "إن هذا هو المكتوم، ولولا أنكم
سألتموني عنه لما أخبرتكم، إن الله وكل بي ملكين لا أُذْكَرُ عند عبد مسلم
فيصلي علي إلا قال ذانك الملكان: "غفر الله لك". وقال الله وملائكته جوابا
لذينك الملكين: "آمين". ولا يصلي أحد إلا قال ذانك الملكان: "غفر الله لك".
ويقول الله وملائكته جوابا لذينك الملكين: "آمين".
غريب جدا، وإسناده فيه ضعف شديد
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا وَكِيع، عن سفيان، عن عبد الله بن السائب،
عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: "إن لله ملائكة سياحين في الأرض، يبلغوني من أمتي السلام".
وهكذا رواه النسائي من حديث سفيان الثوري وسليمان بن مِهْرَان الأعمش، كلاهما عن عبد الله بن السائب، به
فأما الحديث الآخر: "مَنْ صلى عَلَيّ عند قبري سمعته، ومَنْ صلى علي من
بعيد بُلغته" -ففي إسناده نظر، تفرد به محمد بن مروان السدي الصغير، وهو
متروك، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعا .
قال أصحابنا: ويستحب للمحرم إذا لبى وفرغ من تلبيته أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم: لما روي
عن الشافعي والدارقطني من رواية صالح بن محمد بن زائدة، عن القاسم بن محمد
بن أبي بكر الصديق قال: كان يُؤمر الرجل إذا فرغ من تلبيته أن يصلي على
النبي صلى الله عليه وسلم على كل حال .
وقال إسماعيل القاضي: حدثنا عارم بن الفضل، حدثنا عبد الله بن المبارك،
حدثنا زكريا، عن الشعبي، عن وهب بن الأجدع قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول:
إذا قدمتم فطوفوا بالبيت سبعا، وصلوا عند المقام ركعتين، ثم ائتوا الصفا
فقوموا عليه من حيث ترون البيت، فكبروا سبع تكبيرات، تكبيرًا بين حمد لله
وثناء عليه، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومسألة لنفسك، وعلى
المروة مثل ذلك .
إسناد جيد حسن قوي.
وقالوا: ويستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مع ذكر الله عند الذبح: واستأنسوا بقوله تعالى: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ
[الشرح: 4]، قال بعض المفسرين: يقول الله تعالى: "لا أذكر إلا ذكرت معي".
وخالفهم في ذلك الجمهور، وقالوا: هذا موطن يفرد فيه ذكر الرب تعالى، كما
عند الأكل، والدخول، والوقاع وغير ذلك، مما لم ترد فيه السنة بالصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم.
حديث آخر: قال إسماعيل القاضي: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا
عمر بن هارون، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن ثابت، عن أبي هريرة؛ أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلوا على أنبياء الله ورسله؛ فإن الله بعثهم
كما بعثني".
في إسناده ضعيفان، وهما عمر بن هارون وشيخه ، والله أعلم. وقد رواه عبد الرزاق، عن الثوري، عن موسى بن عبيدة الربذي، به .
ومن ذلك: أنه يستحب الصلاة عليه عند طنين الأذن، إن صح الخبر في ذلك،
على أن الإمام أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة قد رواه في صحيحه فقال:
حدثنا زياد بن يحيى، حدثنا مَعْمَر بن محمد بن عبيد الله، عن أبيه محمد ، عن أبيه أبي رافع
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني
وليصل علي، وَلْيَقُل: ذَكَر الله مَن ذكرني بخير". إسناده غريب، وفي ثبوته
نظر والله أعلم.
[وهاهنا مسألة] :
وقد استحب أهل الكتابة أن يكرر الكاتب الصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم كلما كتبه، وقد ورد في الحديث من طريق كادح بن رحمة، عن نَهْشَل، عن
الضحاك، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليّ
في كتاب، لم تزل الصلاة جارية له ما دام اسمي في ذلك الكتاب" .
وليس هذا الحديث بصحيح من وجوه كثيرة، وقد رُوي من حديث أبي هريرة، ولا يصح أيضا ، قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي شيخُنا: أحسبه موضوعا. وقد رُوي نَحوُه عن أبي بكر، وابن عباس. ولا يصح من ذلك شيء ، والله أعلم. وقد ذكر الخطيب البغدادي في كتابه: "الجامع لآداب الراوي والسامع
، قال: رأيت بخط الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله: كثيرا ما يكتب اسم النبي
صلى الله عليه وسلم من غير ذكر الصلاة عليه كتابة، قال: وبلغني أنه كان
يصلي عليه لفظا .
[فصل]
وأما الصلاة على غير الأنبياء، فإن كانت
على سبيل التبعية كما تقدم في الحديث: "اللهم، صل على محمد وآله وأزواجه
وذريته"، فهذا جائز بالإجماع، وإنما وقع النـزاع فيما إذا أفرد غير
الأنبياء بالصلاة عليهم:
فقال قائلون: يجوز ذلك، واحتجوا بقوله: ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ) ، وبقوله أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ [البقرة: 157]، وبقوله تعالى خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ
[التوبة: 103]، وبحديث عبد الله بن أبي أوْفَى قال: كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: "اللهم صل عليهم". وأتاه أبي
بصدقته فقال: "اللهم صل على آل أبي أوفى". أخرجاه في الصحيحين. وبحديث
جابر: أن امرأته قالت: يا رسول الله، صل عَلَيَّ وعلى زوجي. فقال: "صلى
الله عليكِ وعلى زوجك" .
وقال الجمهور من العلماء: لا يجوز إفراد غير الأنبياء بالصلاة؛ لأن هذا
قد صار شعارا للأنبياء إذا ذكروا، فلا يلحق بهم غيرهم، فلا يقال: "قال أبو
بكر صلى الله عليه". أو: "قال علي صلى الله عليه". وإن كان المعنى صحيحا،
كما لا يقال: "قال محمد، عز وجل"، وإن كان عزيزا جليلا؛ لأن هذا من شعار
ذكر الله، عز وجل. وحملوا ما ورد في ذلك من الكتاب والسنة على الدعاء لهم؛
ولهذا لم يثبت شعارا لآل أبي أوفى، ولا لجابر وامرأته. وهذا مسلك حسن.
وقال آخرون: لا يجوز ذلك؛ لأن الصلاة على غير الأنبياء قد صارت من شعار
أهل الأهواء، يصلون على من يعتقدون فيهم، فلا يقتدى بهم في ذلك، والله
أعلم.
ثم اختلف المانعون من ذلك: هل هو من باب التحريم، أو الكراهة
التنـزيهية، أو خلاف الأولى؟ على ثلاثة أقوال، حكاه الشيخ أبو زكريا النووي
في كتاب الأذكار. ثم قال: والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة
تنـزيه؛ لأنه شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم، والمكروه هو ما ورد فيه
نهي مقصود. قال أصحابنا: والمعتمد في ذلك أن الصلاة صارت مخصوصة في اللسان
بالأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، كما أن قولنا: "عز وجل"، مخصوص بالله
سبحانه وتعالى، فكما لا يقال: "محمد عز وجل"، وإن كان عزيزا جليلا لا
يقال: "أبو بكر -أو: علي -صلى الله عليه". هذا لفظه بحروفه. قال: وأما
السلام فقال الشيخ أبو محمد الجُوَيني من أصحابنا: هو في معنى الصلاة، فلا
يستعمل في الغائب، ولا يفرد به غير الأنبياء، فلا يقال: "علي عليه السلام"،
وسواء في هذا الأحياء والأموات، وأما الحاضر فيخاطب به، فيقال: سلام
عليكم، أو سلام عليك، أو السلام عليك أو عليكم. وهذا مجمع عليه. انتهى ما
ذكره .
قلت: وقد غلب هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب، أن يفرد علي، رضي الله
عنه، بأن يقال: "عليه السلام"، من دون سائر الصحابة، أو: "كرم الله وجهه"
وهذا وإن كان معناه صحيحا، لكن ينبغي أن يُسَاوى بين الصحابة في ذلك؛ فإن هذا من باب التعظيم والتكريم، فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان [بن عفان] أولى بذلك منه، رضي الله عنهم أجمعين.
قال إسماعيل القاضي: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا عبد الواحد بن
زياد، حدثني عثمان بن حكيم بن عَبَّاد بن حُنَيف، عن عكرمة، عن ابن عباس
أنه قال: لا تصح الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالمغفرة .
وقال أيضا: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا حسين بن علي، عن جعفر بن
بَرْقان قال: كتب عمر بن عبد العزيز، رحمه الله: أما بعد، فإن أناسا من
الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإن ناسا من القصاص قد أحدثوا في
الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدْلَ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم،
فإذا جاءك كتابي هذا فمُرْهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم للمسلمين
عامة، ويدعوا ما سوى ذلك. أثر حسن .
قال إسماعيل القاضي: حدثنا معاذ بن أسد، حدثنا عبد الله بن المبارك،
حدثنا ابن لَهِيعة، حدثني خالد بن يَزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن نُبَيه
بن وهب؛ أن كعبا دخل على عائشة، رضي الله عنها، فذكروا رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال كعب: ما من فجر يطلع إلا نـزل سبعون ألفا من الملائكة حتى
يحفوا بالقبر يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، سبعون
ألفا بالليل، وسبعون ألفا بالنهار، حتى إذا انشقت عنه الأرض خرج في سبعين
ألفا من الملائكة يزفونه .
[فرع] :
قال النووي: إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فليجمع بين الصلاة
والتسليم، فلا يقتصر على أحدهما فلا يقول: "صلى الله عليه فقط"، ولا "عليه
السلام" فقط، وهذا الذي قاله منتزع من هذه الآية الكريمة، وهي قوله: ( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) ،
فالأولى أن يقال: صلى الله عليه وسلم تسليما.
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ
يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا
فَقَـدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْـمًا مُبِينًا (58)
يقول تعالى: متهددا ومتوعدا مَنْ آذاه، بمخالفة أوامره وارتكاب زواجره
وإصراره على ذلك، وأذَى رسوله بعيب أو تنقص، عياذا بالله من ذلك.
قال عِكْرِمة في قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) : نـزلت في المصوّرين.
وفي الصحيحين، من حديث سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيَّب،
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله، عز وجل:
يؤذيني ابن آدم، يَسُبّ الدهر، وأنا الدهر، أقلب ليله ونهاره" .
ومعنى هذا: أن الجاهلية كانوا يقولون: يا خيبة الدهر، فعل بنا كذا وكذا.
فيسندون أفعال الله تعالى إلى الدهر، ويسبونه، وإنما الفاعل لذلك هو الله،
عز وجل، فنهى عن ذلك. هكذا قرره الشافعي وأبو عبيد وغيرهما من العلماء،
رحمهم الله.
وقال العَوْفي، عن ابن عباس في قوله: ( يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) : نـزلت في الذين طعنوا [على النبي صلى الله عليه وسلم] في تزويجه صفية بنت حُيَي بن أخطب.
والظاهر أن الآية عامة في كل من آذاه بشيء، ومن آذاه فقد آذى الله، ومن أطاعه فقد أطاع الله، كما قال الإمام أحمد:
حدثنا يونس، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن عَبيدة بن أبي رائطة الحذاء التميمي، عن عبد الرحمن [بن زياد]
، عن عبد الله بن المغفل المزني قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الله
الله في أصحابي، لا تتخذوهم غَرَضا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن
أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن
آذى الله يوشك أن يأخذه".
وقد رواه الترمذي من حديث عَبيدة بن أبي رائطة، عن عبد الرحمن بن زياد،
عن عبد الله بن المغفل، به. ثم قال: وهذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا
الوجه .
وقوله: ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ) أي: ينسبون إليهم ما هم بُرَآء منه لم يعملوه
ولم يفعلوه، ( فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) وهذا هو
البهت البين أن يحكى أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه، على
سبيل العيب والتنقص لهم، ومَنْ أكثر مَنْ يدخل في هذا الوعيد الكفرةُ بالله ورسوله
، ثم الرافضة الذين يتنقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد بَرَّأهم الله منه،
ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم؛ فإن الله، عز وجل، قد أخبر أنه قد رضي
عن المهاجرين والأنصار ومدحهم، وهؤلاء الجهلة الأغبياء يسبونهم ويتنقصونهم ، ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبدا، فهم في الحقيقة منكوسو القلوب يذمون الممدوحين، ويمدحون المذمومين.
وقال
أبو داود: حدثنا القَعْنَبِيّ، حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد -عن
العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، أنه قيل: يا رسول الله، ما الغيبة؟ قال:
"ذكرُكَ أخاك بما يكره". قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان
فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه".
وهكذا رواه الترمذي، عن قتيبة، عن الدراوردي، به. قال: حسن صحيح .
وقد قال
ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سلمة، حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا معاوية بن
هشام، عن عمار بن أنس، عن ابن أبي مُلَيْكَة، عن عائشة، قالت: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "أيُّ الربا أربى عند الله؟" قالوا: الله
ورسوله أعلم. قال: "أربى الربا عند الله استحلالُ عرض امرئ مسلم"، ثم قرأ:
( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا
اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) .
يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ
الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى
أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) لَئِنْ
لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا
يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا (62) .
يقول تعالى آمرا رسوله، صلى الله عليه وسلم تسليما، أن يأمر النساء
المؤمنات -خاصة أزواجه وبناته لشرفهن -بأن يدنين عليهن من جلابيبهن،
ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء. والجلباب هو: الرداء فوق
الخمار. قاله ابن مسعود، وعبيدة، وقتادة، والحسن البصري، وسعيد بن جبير،
وإبراهيم النخعي، وعطاء الخراساني، وغير واحد. وهو بمنـزلة الإزار اليوم.
قاله الجوهري: الجلباب: الملحفة، قالت امرأة من هذيل ترثي قتيلا لها:
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينًا واحدة.
وقال محمد بن سيرين: سألت عَبيدةَ السّلماني عن قول الله تعالى: (
يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ) ، فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه
اليسرى.
وقال عكرمة: تغطي ثُغْرَة نحرها بجلبابها تدنيه عليها.
وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبو عبد الله الظَّهراني
فيما كتب إليّ، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا مَعْمَر، عن ابن خُثَيْم، عن
صفية بنت شيبة، عن أم سلمة قالت: لما نـزلت هذه الآية: ( يُدْنِينَ
عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ) ، خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن
الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها .
وقال ابن أبي حاتم، حدثنا أبي، حدثنا أبو صالح، حدثني الليث، حدثنا يونس بن يزيد قال: وسألناه
يعني: الزهري -: هل على الوليدة خمار متزوجة أو غير متزوجة؟ قال: عليها
الخمار إن كانت متزوجة، وتنهى عن الجلباب لأنه يكره لهن أن يتشبهن بالحرائر
إلا محصنات
. وقد قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ
وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ
جَلابِيبِهِنَّ ) .
وروي عن سفيان الثوري أنه قال: لا بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة،
إنما ينهى عن ذلك لخوف الفتنة؛ لا لحرمتهن، واستدل بقوله تعالى: (
وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ) .
وقوله: ( ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ) أي: إذا
فعلن ذلك عُرِفْنَ أنَّهن حرائر، لسن بإماء ولا عواهر، قال السدي في قوله
تعالى: ( [ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ] قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ
وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ
ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ )
قال: كان ناس من فساق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلط الظلام إلى طرق
المدينة، يتعرضون للنساء، وكانت مساكن أهل المدينة ضَيِّقة، فإذا كان
الليل خرج النساء إلى الطرق يقضين حاجتهن، فكان أولئك الفساق يبتغون ذلك
منهن، فإذا رأوا امرأة عليها جلباب قالوا: هذه حرة، كفوا عنها. وإذا رأوا
المرأة ليس عليها جلباب، قالوا: هذه أمة. فوثبوا إليها .
وقال مجاهد: يتجلببن فيعلم أنهن حرائر، فلا يتعرض لهن فاسق بأذى ولا ريبة.
وقوله: ( وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) أي: لما سلف في أيام الجاهلية حيث لم يكن عندهن علم بذلك.
ثم قال تعالى متوعدًا للمنافقين، وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون
الكفر: ( وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) قال عكرمة وغيره: هم الزناة
هاهنا ( وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ ) يعني: الذين يقولون: "جاء الأعداء"
و"جاءت الحروب"، وهو كذب وافتراء، لئن لم ينتهوا عن ذلك ويرجعوا إلى الحق (
لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ) قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أي:
لنسلطنَّك عليهم. وقال قتادة، رحمه الله: لنحرّشَنَّك بهم. وقال السدي:
لنعلمنك بهم.
( ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا ) أي: في المدينة ( إِلا قَلِيلا *
مَلْعُونِينَ ) حال منهم في مدة إقامتهم في المدينة مدة قريبة مطرودين
مبعدين، ( أَيْنَمَا ثُقِفُوا ) أي: وجدوا، ( أُخِذُوا ) لذلتهم وقلتهم، (
وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا ) .
ثم قال: ( سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ) أي: هذه
سنته في المنافقين إذا تمردوا على نفاقهم وكفرهم ولم يرجعوا عما هم فيه،
أن أهل الإيمان يسلطون عليهم ويقهرونهم، ( وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ
تَبْدِيلا ) أي: وسنة الله في ذلك لا تبدل ولا تغير
صلى الله عليه وسلم ثم تدعو، وتكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك،
ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تقرأ، ثم تكبر وتركع، ثم تقوم فتقرأ وتحمد ربك
وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو وتكبر، وتفعل مثل ذلك، ثم
تركع. فقال حذيفة وأبو موسى: صدق أبو عبد الرحمن. إسناد صحيح
ومن ذلك: أنه يُستَحَبّ ختم الدعاء بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم قال الترمذي:
حدثنا أبو داود، أخبرنا النضر بن شميل ، عن أبي قُرّة الأسدي، عن سعيد بن المسيَّب، عن عمر بن الخطاب قال: الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد حتى تصلي على نبيك .
وهكذا رواه أيوب بن موسى، عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب، قوله.
ورواه معاذ بن الحارث، عن أبي قرة، عن سعيد بن المسيب، عن عمر مرفوعا . وكذا رواه رَزِين بن معاوية
في كتابه مرفوعا، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدعاء موقوف بين
السماء والأرض، لا يصعد حتى يصلى علي، فلا تجعلوني كَغُمَر الراكب، صلوا
علي أول الدعاء وأوسطه وآخره" .
وهذه الزيادة إنما تروى من رواية جابر بن عبد الله في مسند الإمام عبد بن حُميد الكَشي [حيث]
قال: حدثنا جعفر بن عون، أخبرنا موسى بن عُبَيدة، عن إبراهيم بن محمد بن
إبراهيم، عن أبيه قال: قال جابر: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تجعلوني كقدح الراكب، إذا علق تعاليقه أخذ قدحه فملأه من الماء، فإن
كان له حاجة في الوضوء توضأ، وإن كان له حاجة في الشرب شرب وإلا أهراق ما
فيه، اجعلوني في أول الدعاء، وفي، وسط الدعاء، وفي آخر الدعاء". فهذا حديث
غريب، وموسى بن عبيدة ضعيف الحديث .
ومن [آكد] ذلك: دعاء القنوت: لما رواه الإمام أحمد وأهل السنن، وابن خزيمة ، وابن حبَّان، والحاكم، من حديث أبي الحورَاء
، عن الحسن بن علي، رضي الله عنهما، قال: علَّمَني رسول الله صلى الله
عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن
عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يَذِلّ من واليت تباركت [ربنا] وتعاليت" .
وزاد النسائي في سننه بعد هذا: وصلى الله على النبي محمد.
ومن ذلك: أنه يستحب الإكثار من الصلاة عليه [في] يوم الجمعة وليلة الجمعة: قال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن علي الجَعْفِي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الصنعاني
، عن أوس بن أوس الثقفي، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة،
وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي". قالوا:
يا رسول الله، وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمتْ؟ -يعني: وقد بليت -قال: "إن
الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء".
ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، من حديث حسين بن علي الجعفي . وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني، والنووي في الأذكار.
حديث آخر: قال أبو عبد الله بن ماجه: حدثنا عمرو بن سَوَّاد المصري ، حدثنا عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أيمن
، عن عُبَادة بن نُسَيّ، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة؛ فإنه مشهود تشهده الملائكة. وإن
أحدا لا يصلي علي إلا عُرضت عَلَيّ صلاته حتى يفرغ منها". قال: قلت: وبعد
الموت؟ قال: "[وبعد الموت] ، إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" [فنبي الله حي يرزق] .
هذا حديث غريب من هذا الوجه، وفيه انقطاع بين عُبادة بن نَسي وأبي الدرداء، فإنه لم يدركه ، والله أعلم.
وقد روى البيهقي من حديث أبي أمامة وأبي مسعود، عن النبي صلى الله عليه
وسلم في الأمر بالإكثار من الصلاة عليه ليلة الجمعة ويوم الجمعة ، ولكن في إسنادهما ضعف، والله أعلم. وروي مرسلا عن الحسن البصري، فقال إسماعيل القاضي:
حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا جرير بن حازم، سمعت الحسن -هو البصري -يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تأكل الأرض جَسَدَ من كَلّمه روح القدس". مرسل حسن .
وقال الشافعي: أخبرنا إبراهيم بن محمد، أخبرنا صفوان بن سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة، فأكثروا الصلاة علي". هذا مرسل .
وهكذا يجب على الخطيب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر في الخطبتين، ولا تصح الخطبتان إلا بذلك؛ لأنها عبادة، وذكر الله فيها شرط ، فوجب ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فيها كالأذان والصلاة. هذا مذهب الشافعي وأحمد، رحمهما الله.
ومن ذلك: أنه يستحب الصلاة والسلام عليه عند زيارة قبره، صلوات الله وسلامه عليه: قال أبو داود:
حدثنا ابن عوف -هو محمد -حدثنا
المقري، حدثنا حَيْوَة، عن أبي صخر حميد بن زياد، عن يزيد بن عبد الله بن
قسيط، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أحد يسلم علي إلا رَدّ الله علي روحي، حتى أرد عليه السلام".
تفرد به أبو داود، وصححه النووي في الأذكار . ثم قال أبو داود:
حدثنا أحمد بن صالح قال: قرأت على عبد الله بن نافع، أخبرني ابن أبي
ذئب، عن سعيد المَقْبُرِي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم قُبُورًا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي، فإن
صلاتكم تبلغني حيثما كنتم".
تفرد به أبو داود أيضا . وقد رواه الإمام أحمد عن سُرَيْج، عن عبد الله بن نافع -وهو الصائغ -به . وصححه النووي أيضا. وقد روي من وجه آخر عن علي، رضي الله عنه. قال القاضي إسماعيل بن إسحاق في كتابه "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم":
حدثنا إسماعيل بن أبي أُوَيْس، حدثنا جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب [عمن أخبره] من أهل بيته، عن علي بن الحسين بن علي: أن رجلا كان يأتي كل غداة
فيزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي عليه، ويصنع من ذلك ما اشتهر
عليه علي بن الحسين، فقال له علي بن الحسين: ما يحملك على هذا؟ قال: أحب
السلام على النبي صلى الله عليه وسلم. فقال له علي بن الحسين: هل لك أن
أحدثك حديثا عن أبي؟ قال: نعم. فقال له علي بن الحسين: أخبرني أبي، عن جدي
أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا قبري عيدا، ولا
تجعلوا بيوتكم قبورا، وصلوا علي وسلموا حيثما كنتم فتبلغني صلاتكم وسلامكم".
في إسناده رجل مبهم لم يُسَمَّ
وقد رُوي من وجه آخر مرسلا قال عبد الرزاق في مصنفه، عن الثوري، عن ابن
عجلان، عن رجل -يقال له: سهيل -عن الحسن بن الحسن بن علي؛ أنه رأى قوما عند
القبر فنهاهم، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا قبري
عيدا، ولا تتخذوا بيوتكم قبورا، وصلوا علي حيثما كنتم؛ فإن صلاتكم تبلغني" . فلعله رآهم يسيئون الأدب برفع أصواتهم [فوق الحاجة] ، فنهاهم.
وقد روي أنه رأى رجلا ينتاب القبر فقال: يا هذا، ما أنت ورجل بالأندلس
منه إلا سواء، أي: الجميع يبلغه، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم
الدين.
وقال الطبراني في معجمه الكبير: حدثنا أحمد بن رِشْدين المصري، حدثنا
سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن جعفر، أخبرني حميد بن أبي زينب، عن حسن بن
حسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، عن أبيه؛ أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: "صلوا علي حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني" .
ثم قال الطبراني: حدثنا العباس بن حمدان الأصبهاني، حدثنا شعيب بن عبد الحميد الطحان، أخبرنا يزيد بن هارون عن شيبان، عن الحكم بن عبد الله بن خطاف
، عن أم أنيس بنت الحسن بن علي، عن أبيها قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "أرأيت قول الله، عز وجل: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي ) ؟" فقال: "إن هذا هو المكتوم، ولولا أنكم
سألتموني عنه لما أخبرتكم، إن الله وكل بي ملكين لا أُذْكَرُ عند عبد مسلم
فيصلي علي إلا قال ذانك الملكان: "غفر الله لك". وقال الله وملائكته جوابا
لذينك الملكين: "آمين". ولا يصلي أحد إلا قال ذانك الملكان: "غفر الله لك".
ويقول الله وملائكته جوابا لذينك الملكين: "آمين".
غريب جدا، وإسناده فيه ضعف شديد
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا وَكِيع، عن سفيان، عن عبد الله بن السائب،
عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: "إن لله ملائكة سياحين في الأرض، يبلغوني من أمتي السلام".
وهكذا رواه النسائي من حديث سفيان الثوري وسليمان بن مِهْرَان الأعمش، كلاهما عن عبد الله بن السائب، به
فأما الحديث الآخر: "مَنْ صلى عَلَيّ عند قبري سمعته، ومَنْ صلى علي من
بعيد بُلغته" -ففي إسناده نظر، تفرد به محمد بن مروان السدي الصغير، وهو
متروك، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعا .
قال أصحابنا: ويستحب للمحرم إذا لبى وفرغ من تلبيته أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم: لما روي
عن الشافعي والدارقطني من رواية صالح بن محمد بن زائدة، عن القاسم بن محمد
بن أبي بكر الصديق قال: كان يُؤمر الرجل إذا فرغ من تلبيته أن يصلي على
النبي صلى الله عليه وسلم على كل حال .
وقال إسماعيل القاضي: حدثنا عارم بن الفضل، حدثنا عبد الله بن المبارك،
حدثنا زكريا، عن الشعبي، عن وهب بن الأجدع قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول:
إذا قدمتم فطوفوا بالبيت سبعا، وصلوا عند المقام ركعتين، ثم ائتوا الصفا
فقوموا عليه من حيث ترون البيت، فكبروا سبع تكبيرات، تكبيرًا بين حمد لله
وثناء عليه، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومسألة لنفسك، وعلى
المروة مثل ذلك .
إسناد جيد حسن قوي.
وقالوا: ويستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مع ذكر الله عند الذبح: واستأنسوا بقوله تعالى: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ
[الشرح: 4]، قال بعض المفسرين: يقول الله تعالى: "لا أذكر إلا ذكرت معي".
وخالفهم في ذلك الجمهور، وقالوا: هذا موطن يفرد فيه ذكر الرب تعالى، كما
عند الأكل، والدخول، والوقاع وغير ذلك، مما لم ترد فيه السنة بالصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم.
حديث آخر: قال إسماعيل القاضي: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا
عمر بن هارون، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن ثابت، عن أبي هريرة؛ أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلوا على أنبياء الله ورسله؛ فإن الله بعثهم
كما بعثني".
في إسناده ضعيفان، وهما عمر بن هارون وشيخه ، والله أعلم. وقد رواه عبد الرزاق، عن الثوري، عن موسى بن عبيدة الربذي، به .
ومن ذلك: أنه يستحب الصلاة عليه عند طنين الأذن، إن صح الخبر في ذلك،
على أن الإمام أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة قد رواه في صحيحه فقال:
حدثنا زياد بن يحيى، حدثنا مَعْمَر بن محمد بن عبيد الله، عن أبيه محمد ، عن أبيه أبي رافع
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني
وليصل علي، وَلْيَقُل: ذَكَر الله مَن ذكرني بخير". إسناده غريب، وفي ثبوته
نظر والله أعلم.
[وهاهنا مسألة] :
وقد استحب أهل الكتابة أن يكرر الكاتب الصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم كلما كتبه، وقد ورد في الحديث من طريق كادح بن رحمة، عن نَهْشَل، عن
الضحاك، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليّ
في كتاب، لم تزل الصلاة جارية له ما دام اسمي في ذلك الكتاب" .
وليس هذا الحديث بصحيح من وجوه كثيرة، وقد رُوي من حديث أبي هريرة، ولا يصح أيضا ، قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي شيخُنا: أحسبه موضوعا. وقد رُوي نَحوُه عن أبي بكر، وابن عباس. ولا يصح من ذلك شيء ، والله أعلم. وقد ذكر الخطيب البغدادي في كتابه: "الجامع لآداب الراوي والسامع
، قال: رأيت بخط الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله: كثيرا ما يكتب اسم النبي
صلى الله عليه وسلم من غير ذكر الصلاة عليه كتابة، قال: وبلغني أنه كان
يصلي عليه لفظا .
[فصل]
وأما الصلاة على غير الأنبياء، فإن كانت
على سبيل التبعية كما تقدم في الحديث: "اللهم، صل على محمد وآله وأزواجه
وذريته"، فهذا جائز بالإجماع، وإنما وقع النـزاع فيما إذا أفرد غير
الأنبياء بالصلاة عليهم:
فقال قائلون: يجوز ذلك، واحتجوا بقوله: ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ) ، وبقوله أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ [البقرة: 157]، وبقوله تعالى خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ
[التوبة: 103]، وبحديث عبد الله بن أبي أوْفَى قال: كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: "اللهم صل عليهم". وأتاه أبي
بصدقته فقال: "اللهم صل على آل أبي أوفى". أخرجاه في الصحيحين. وبحديث
جابر: أن امرأته قالت: يا رسول الله، صل عَلَيَّ وعلى زوجي. فقال: "صلى
الله عليكِ وعلى زوجك" .
وقال الجمهور من العلماء: لا يجوز إفراد غير الأنبياء بالصلاة؛ لأن هذا
قد صار شعارا للأنبياء إذا ذكروا، فلا يلحق بهم غيرهم، فلا يقال: "قال أبو
بكر صلى الله عليه". أو: "قال علي صلى الله عليه". وإن كان المعنى صحيحا،
كما لا يقال: "قال محمد، عز وجل"، وإن كان عزيزا جليلا؛ لأن هذا من شعار
ذكر الله، عز وجل. وحملوا ما ورد في ذلك من الكتاب والسنة على الدعاء لهم؛
ولهذا لم يثبت شعارا لآل أبي أوفى، ولا لجابر وامرأته. وهذا مسلك حسن.
وقال آخرون: لا يجوز ذلك؛ لأن الصلاة على غير الأنبياء قد صارت من شعار
أهل الأهواء، يصلون على من يعتقدون فيهم، فلا يقتدى بهم في ذلك، والله
أعلم.
ثم اختلف المانعون من ذلك: هل هو من باب التحريم، أو الكراهة
التنـزيهية، أو خلاف الأولى؟ على ثلاثة أقوال، حكاه الشيخ أبو زكريا النووي
في كتاب الأذكار. ثم قال: والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة
تنـزيه؛ لأنه شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم، والمكروه هو ما ورد فيه
نهي مقصود. قال أصحابنا: والمعتمد في ذلك أن الصلاة صارت مخصوصة في اللسان
بالأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، كما أن قولنا: "عز وجل"، مخصوص بالله
سبحانه وتعالى، فكما لا يقال: "محمد عز وجل"، وإن كان عزيزا جليلا لا
يقال: "أبو بكر -أو: علي -صلى الله عليه". هذا لفظه بحروفه. قال: وأما
السلام فقال الشيخ أبو محمد الجُوَيني من أصحابنا: هو في معنى الصلاة، فلا
يستعمل في الغائب، ولا يفرد به غير الأنبياء، فلا يقال: "علي عليه السلام"،
وسواء في هذا الأحياء والأموات، وأما الحاضر فيخاطب به، فيقال: سلام
عليكم، أو سلام عليك، أو السلام عليك أو عليكم. وهذا مجمع عليه. انتهى ما
ذكره .
قلت: وقد غلب هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب، أن يفرد علي، رضي الله
عنه، بأن يقال: "عليه السلام"، من دون سائر الصحابة، أو: "كرم الله وجهه"
وهذا وإن كان معناه صحيحا، لكن ينبغي أن يُسَاوى بين الصحابة في ذلك؛ فإن هذا من باب التعظيم والتكريم، فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان [بن عفان] أولى بذلك منه، رضي الله عنهم أجمعين.
قال إسماعيل القاضي: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا عبد الواحد بن
زياد، حدثني عثمان بن حكيم بن عَبَّاد بن حُنَيف، عن عكرمة، عن ابن عباس
أنه قال: لا تصح الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالمغفرة .
وقال أيضا: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا حسين بن علي، عن جعفر بن
بَرْقان قال: كتب عمر بن عبد العزيز، رحمه الله: أما بعد، فإن أناسا من
الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإن ناسا من القصاص قد أحدثوا في
الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدْلَ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم،
فإذا جاءك كتابي هذا فمُرْهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم للمسلمين
عامة، ويدعوا ما سوى ذلك. أثر حسن .
قال إسماعيل القاضي: حدثنا معاذ بن أسد، حدثنا عبد الله بن المبارك،
حدثنا ابن لَهِيعة، حدثني خالد بن يَزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن نُبَيه
بن وهب؛ أن كعبا دخل على عائشة، رضي الله عنها، فذكروا رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال كعب: ما من فجر يطلع إلا نـزل سبعون ألفا من الملائكة حتى
يحفوا بالقبر يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، سبعون
ألفا بالليل، وسبعون ألفا بالنهار، حتى إذا انشقت عنه الأرض خرج في سبعين
ألفا من الملائكة يزفونه .
[فرع] :
قال النووي: إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فليجمع بين الصلاة
والتسليم، فلا يقتصر على أحدهما فلا يقول: "صلى الله عليه فقط"، ولا "عليه
السلام" فقط، وهذا الذي قاله منتزع من هذه الآية الكريمة، وهي قوله: ( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) ،
فالأولى أن يقال: صلى الله عليه وسلم تسليما.
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ
يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا
فَقَـدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْـمًا مُبِينًا (58)
يقول تعالى: متهددا ومتوعدا مَنْ آذاه، بمخالفة أوامره وارتكاب زواجره
وإصراره على ذلك، وأذَى رسوله بعيب أو تنقص، عياذا بالله من ذلك.
قال عِكْرِمة في قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) : نـزلت في المصوّرين.
وفي الصحيحين، من حديث سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيَّب،
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله، عز وجل:
يؤذيني ابن آدم، يَسُبّ الدهر، وأنا الدهر، أقلب ليله ونهاره" .
ومعنى هذا: أن الجاهلية كانوا يقولون: يا خيبة الدهر، فعل بنا كذا وكذا.
فيسندون أفعال الله تعالى إلى الدهر، ويسبونه، وإنما الفاعل لذلك هو الله،
عز وجل، فنهى عن ذلك. هكذا قرره الشافعي وأبو عبيد وغيرهما من العلماء،
رحمهم الله.
وقال العَوْفي، عن ابن عباس في قوله: ( يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) : نـزلت في الذين طعنوا [على النبي صلى الله عليه وسلم] في تزويجه صفية بنت حُيَي بن أخطب.
والظاهر أن الآية عامة في كل من آذاه بشيء، ومن آذاه فقد آذى الله، ومن أطاعه فقد أطاع الله، كما قال الإمام أحمد:
حدثنا يونس، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن عَبيدة بن أبي رائطة الحذاء التميمي، عن عبد الرحمن [بن زياد]
، عن عبد الله بن المغفل المزني قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الله
الله في أصحابي، لا تتخذوهم غَرَضا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن
أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن
آذى الله يوشك أن يأخذه".
وقد رواه الترمذي من حديث عَبيدة بن أبي رائطة، عن عبد الرحمن بن زياد،
عن عبد الله بن المغفل، به. ثم قال: وهذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا
الوجه .
وقوله: ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ) أي: ينسبون إليهم ما هم بُرَآء منه لم يعملوه
ولم يفعلوه، ( فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) وهذا هو
البهت البين أن يحكى أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه، على
سبيل العيب والتنقص لهم، ومَنْ أكثر مَنْ يدخل في هذا الوعيد الكفرةُ بالله ورسوله
، ثم الرافضة الذين يتنقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد بَرَّأهم الله منه،
ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم؛ فإن الله، عز وجل، قد أخبر أنه قد رضي
عن المهاجرين والأنصار ومدحهم، وهؤلاء الجهلة الأغبياء يسبونهم ويتنقصونهم ، ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبدا، فهم في الحقيقة منكوسو القلوب يذمون الممدوحين، ويمدحون المذمومين.
وقال
أبو داود: حدثنا القَعْنَبِيّ، حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد -عن
العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، أنه قيل: يا رسول الله، ما الغيبة؟ قال:
"ذكرُكَ أخاك بما يكره". قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان
فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه".
وهكذا رواه الترمذي، عن قتيبة، عن الدراوردي، به. قال: حسن صحيح .
وقد قال
ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سلمة، حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا معاوية بن
هشام، عن عمار بن أنس، عن ابن أبي مُلَيْكَة، عن عائشة، قالت: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "أيُّ الربا أربى عند الله؟" قالوا: الله
ورسوله أعلم. قال: "أربى الربا عند الله استحلالُ عرض امرئ مسلم"، ثم قرأ:
( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا
اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) .
يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ
الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى
أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) لَئِنْ
لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا
يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا (62) .
يقول تعالى آمرا رسوله، صلى الله عليه وسلم تسليما، أن يأمر النساء
المؤمنات -خاصة أزواجه وبناته لشرفهن -بأن يدنين عليهن من جلابيبهن،
ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء. والجلباب هو: الرداء فوق
الخمار. قاله ابن مسعود، وعبيدة، وقتادة، والحسن البصري، وسعيد بن جبير،
وإبراهيم النخعي، وعطاء الخراساني، وغير واحد. وهو بمنـزلة الإزار اليوم.
قاله الجوهري: الجلباب: الملحفة، قالت امرأة من هذيل ترثي قتيلا لها:
تَمْشـي النُّسـور إليـه وَهْـيَ لاهيـةٌ | مَشْــيَ العَـذَارى عَلَيْهِـنَّ الجَـلابيبُ |
وقال محمد بن سيرين: سألت عَبيدةَ السّلماني عن قول الله تعالى: (
يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ) ، فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه
اليسرى.
وقال عكرمة: تغطي ثُغْرَة نحرها بجلبابها تدنيه عليها.
وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبو عبد الله الظَّهراني
فيما كتب إليّ، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا مَعْمَر، عن ابن خُثَيْم، عن
صفية بنت شيبة، عن أم سلمة قالت: لما نـزلت هذه الآية: ( يُدْنِينَ
عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ) ، خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن
الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها .
وقال ابن أبي حاتم، حدثنا أبي، حدثنا أبو صالح، حدثني الليث، حدثنا يونس بن يزيد قال: وسألناه
يعني: الزهري -: هل على الوليدة خمار متزوجة أو غير متزوجة؟ قال: عليها
الخمار إن كانت متزوجة، وتنهى عن الجلباب لأنه يكره لهن أن يتشبهن بالحرائر
إلا محصنات
. وقد قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ
وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ
جَلابِيبِهِنَّ ) .
وروي عن سفيان الثوري أنه قال: لا بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة،
إنما ينهى عن ذلك لخوف الفتنة؛ لا لحرمتهن، واستدل بقوله تعالى: (
وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ) .
وقوله: ( ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ) أي: إذا
فعلن ذلك عُرِفْنَ أنَّهن حرائر، لسن بإماء ولا عواهر، قال السدي في قوله
تعالى: ( [ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ] قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ
وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ
ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ )
قال: كان ناس من فساق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلط الظلام إلى طرق
المدينة، يتعرضون للنساء، وكانت مساكن أهل المدينة ضَيِّقة، فإذا كان
الليل خرج النساء إلى الطرق يقضين حاجتهن، فكان أولئك الفساق يبتغون ذلك
منهن، فإذا رأوا امرأة عليها جلباب قالوا: هذه حرة، كفوا عنها. وإذا رأوا
المرأة ليس عليها جلباب، قالوا: هذه أمة. فوثبوا إليها .
وقال مجاهد: يتجلببن فيعلم أنهن حرائر، فلا يتعرض لهن فاسق بأذى ولا ريبة.
وقوله: ( وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) أي: لما سلف في أيام الجاهلية حيث لم يكن عندهن علم بذلك.
ثم قال تعالى متوعدًا للمنافقين، وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون
الكفر: ( وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) قال عكرمة وغيره: هم الزناة
هاهنا ( وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ ) يعني: الذين يقولون: "جاء الأعداء"
و"جاءت الحروب"، وهو كذب وافتراء، لئن لم ينتهوا عن ذلك ويرجعوا إلى الحق (
لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ) قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أي:
لنسلطنَّك عليهم. وقال قتادة، رحمه الله: لنحرّشَنَّك بهم. وقال السدي:
لنعلمنك بهم.
( ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا ) أي: في المدينة ( إِلا قَلِيلا *
مَلْعُونِينَ ) حال منهم في مدة إقامتهم في المدينة مدة قريبة مطرودين
مبعدين، ( أَيْنَمَا ثُقِفُوا ) أي: وجدوا، ( أُخِذُوا ) لذلتهم وقلتهم، (
وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا ) .
ثم قال: ( سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ) أي: هذه
سنته في المنافقين إذا تمردوا على نفاقهم وكفرهم ولم يرجعوا عما هم فيه،
أن أهل الإيمان يسلطون عليهم ويقهرونهم، ( وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ
تَبْدِيلا ) أي: وسنة الله في ذلك لا تبدل ولا تغير
رد: الجزء العاشر من تفسير سورة الاحزاب
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء العاشر من تفسير سورة الاحزاب
جزاك الله خيرا على الموضوع
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء التاسع من تفسير سورة الاحزاب
» الجزء السادس من تفسير سورة الاحزاب
» الجزء السايع من تفسير سورة الاحزاب
» الجزء الثامن من تفسير سورة الاحزاب
» الجزء الحادي عشر والأخير من تفسير سورة الاحزاب
» الجزء السادس من تفسير سورة الاحزاب
» الجزء السايع من تفسير سورة الاحزاب
» الجزء الثامن من تفسير سورة الاحزاب
» الجزء الحادي عشر والأخير من تفسير سورة الاحزاب
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الأحزاب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى