الجزء الرابع من تفسير سورة ص
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير جزء يس كاملا
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الرابع من تفسير سورة ص
وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) ولهذا
قال تعالى : ( وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً
مِنَّا وَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ ) قال الحسن وقتادة: أحياهم الله تعالى
له بأعيانهم وزادهم مثلهم معهم. وقوله: ( رَحْمَةً مِنَّا ) أي:
به على صبره وثباته وإنابته وتواضعه واستكانته ( وَذِكْرَى لأولِي
الألْبَابِ ) أي: لذوي العقول ليعلموا أن عاقبةَ الصبر الفرجُ والمخرجُ
والراحة . < 7-76 > وقوله:
( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ ) وذلك أن أيوب
عليه السلام كان قد غضب على زوجته ووجد عليها في أمر فعلته. قيل: [إنها] باعت ضفيرتها
بخبز فأطعمته إياه فلامها على ذلك وحلف إن شفاه الله ليضربنها مائة جلدة.
وقيل: لغير ذلك من الأسباب. فلما شفاه الله وعافاه ما كان جزاؤها مع هذه
الخدمة التامة والرحمة والشفقة والإحسان أن تقابل بالضرب فأفتاه الله عز
وجل أن يأخذ ضغثًا -وهو: الشِّمراخ-فيه مائة قضيب فيضربها به ضربة واحدة
وقد بَرّت يمينه وخرج من حنثه ووفى بنذره وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى
الله وأناب إليه ولهذا قال تعالى: ( إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ
الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) أثنى الله تعالى عليه ومدحه بأنه ( نِعْمَ
الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) أي: رَجَّاع منيب ولهذا قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [ الطلاق : 2 ، 3 ] وقد استدل كثير من الفقهاء بهذه الآية الكريمة على مسائل في الأيمان وغيرها وأخذوها
بمقتضاها [ومنعت طائفة أخرى من الفقهاء من ذلك، وقالوا: لم يثبت أن
الكفارة كانت مشروعة في شرع أيوب، عليه السلام، فلذلك رخص له في ذلك، وقد
أغنى الله هذه الأمة بالكفارة] وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الأَخْيَارِ (48) هَذَا ذِكْرٌ يقول
تعالى مخبرا عن فضائل عباده المرسلين وأنبيائه العابدين: ( وَاذْكُرْ
عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأيْدِي
وَالأبْصَارِ ) يعني بذلك: العمل الصالح والعلم النافع والقوة في العبادة
والبصيرة النافذة. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: ( أُولِي الأيْدِي ) يقول: أولي القوة ( وَالأبْصَارِ ) يقول: الفقه في الدين. وقال مجاهد: ( أُولِي الأيْدِي ) يعني: القوة في طاعة الله ( وَالأبْصَارِ ) يعني: البصر في الحق. وقال قتادة والسدي: أعطُوا قوة في العبادة وبَصرًا في الدين. [وقوله]
( إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ) قال مجاهد: أي
جعلناهم يعملون للآخرة ليس لهم هَمّ غيرها. وكذا قال السدي: ذكرهم للآخرة
وعملهم لها. وقال مالك بن دينار: نـزع الله من قلوبهم حب الدنيا وذكرها وأخلصهم بحب الآخرة وذكرها. وكذا قال عطاء الخراساني. < 7-77 > وقال سعيد بن جُبَيْر: يعني بالدار الجنة يقول: أخلصناها لهم بذكرهم لها وقال في رواية أخرى: ( ذِكْرَى الدَّارِ ) عقبى الدار. وقال قتادة: كانوا يذَكّرون الناس الدار الآخرة والعمل لها. وقال ابن زيد: جعل لهم خاصة أفضل شيء في الدار الآخرة. وقوله: ( وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأخْيَارِ ) أي: لمن المختارين المجتبين الأخيار فهم أخيار مختارون. وقوله:
( وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ
الأخْيَارِ ) قد تقدم الكلام على قصصهم وأخبارهم مستقصاة في سورة
"الأنبياء" بما أغنى عن إعادته هاهنا. وقوله: ( هَذَا ذِكْرٌ ) أي: هذا فصل فيه ذكر لمن يتذكر. وقال السدي: يعني القرآن. وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54) يخبر تعالى عن عباده المؤمنين السعداء أن لهم في [الدار] الآخرة ( لَحُسْنَ مَآبٍ ) وهو: المرجع والمنقلب. ثم فسره بقوله: ( جَنَّاتِ عَدْنٍ ) أي: جنات إقامة مفتحة لهم الأبواب. والألف واللام هنا بمعنى الإضافة كأنه يقول: "مفتحة لهم أبوابها" أي: إذا جاءوها فتحت لهم أبوابها. قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن ثواب الهَبَّاري حدثنا عبد الله بن نُمَيْر، حدثنا عبد الله بن مسلم -يعني: ابن هرمز-عن ابن سابط عن عبد الله بن عمرو [رضي الله عنهما]
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة قصرا يقال له: "عدن"
حوله البروج والمروج له خمسة آلاف باب عند كل باب خمسة آلاف حبَرَة لا
يدخله -أو: لا يسكنه-إلا نبي أو صديق أو شهيد أو إمام عدل". وقد ورد في [ذكر] أبواب الجنة الثمانية أحاديث كثيرة من وجوه عديدة . وقوله: ( مُتَّكِئِينَ فِيهَا ) قيل: متربعين فيها على سرر تحت الحجال ( يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ) < 7-78 > أي: مهما طلبوا وجدوا وحضر كما أرادوا. ( وَشَرَابٍ ) أي: من أي أنواعه شاءوا أتتهم به الخدام بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ [ الواقعة : 18 ] ( وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ) أي: عن غير أزواجهن فلا يلتفتن إلى
غير بعولتهن ( أَتْرَابٌ ) أي: متساويات في السن والعمر. هذا معنى قول ابن
عباس، ومجاهد وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب والسّدّي . ( هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ ) أي: هذا الذي ذكرنا من صفة الجنة التي وعدها لعباده المتقين التي يصيرون إليها بعد نشورهم وقيامهم من قبورهم وسلامتهم من النار. ثم
أخبر عن الجنة أنه لا فراغ لها ولا انقضاء ولا زوال ولا انتهاء فقال: (
إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ ) كقوله تعالى: مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [ النحل : 96 ] وكقوله عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [ هود : 108 ] وكقوله لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [ فصلت : 8 ] أي: غير مقطوع وكقوله: أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ [ الرعد : 35 ] والآيات في هذا كثيرة جدا . هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61) لما
ذكر تعالى مآل السعداء ثَنّى بذكر حال الأشقياء ومرجعهم ومآبهم في دار
معادهم وحسابهم فقال: ( هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ ) وهم: الخارجون عن
طاعة الله المخالفون لرسل الله ( لَشَرَّ مَآبٍ ) أي: لسوء منقلب ومرجع. ثم
فسره بقوله: ( جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ) أي: يدخلونها فتغمرهم من جميع
جوانبهم ( فَبِئْسَ الْمِهَادُ * هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ )
أما الحميم فهو: الحار الذي قد انتهى حره وأما الغَسَّاق فهو: ضده، وهو
البارد الذي لا يستطاع من شدة برده المؤلم ولهذا قال: ( وَآخَرُ مِنْ
شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ) أي: وأشياء من هذا القبيل، الشيء وضده يعاقبون بها. قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى حدثنا ابن لَهِيعة حدثنا دَرّاج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو أن دَلْوًا من غَسَّاق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا" < 7-79 > ورواه
الترمذي عن سُوَيْد بن نصر عن ابن المبارك عن رِشْدين بن سعد عن عمرو بن
الحارث عن دَرّاج به. ثم قال: "لا نعرفه إلا من حديث رشدين" كذا قال: وقد تقدم من غير حديثه ورواه ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث به وقال
كعب الأحبار: غساق: عين في جهنم يسيل إليها حُمَة كل ذات حُمَة من حية
وعقرب وغير ذلك فيستنقع فيؤتى بالآدمي فيغمس فيها غمسة واحدة فيخرج وقد سقط
جلده ولحمه عن العظام ويتعلق جلده ولحمه في كعبيه وعقبيه ويُجَر لحمه كما
يَجُر الرجل ثوبه. رواه ابن أبي حاتم. وقال الحسن البصري في قوله: ( وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ) ألوان من العذاب. وقال غيره: كالزمهرير والسموم وشرب الحميم وأكل الزقوم والصعود والهوى إلى غير ذلك من الأشياء المختلفة والمتضادة والجميع مما يعذبون به ويهانون بسببه. وقوله:
( هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ
صَالُوا النَّارِ ) هذا إخبار عن قيل أهل النار بعضهم لبعض كما قال تعالى: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا [ الأعراف : 38 ] يعني بدل السلام يتلاعنون ويتكاذبون
ويكفر بعضهم ببعض فتقول الطائفة التي تدخل قبل الأخرى إذا أقبلت التي
بعدها مع الخزنة من الزبانية: ( هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ ) أي: داخل معكم (
لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ ) [أي] لأنهم من أهل جهنم
( قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ ) أي: فيقول لهم الداخلون: (
بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا ) أي:
أنتم دعوتمونا إلى ما أفضى بنا إلى هذا المصير ( فَبِئْسَ الْقَرَارُ ) أي:
فبئس المنـزل والمستقر والمصير. ( قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا
هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ ) كما قال عز وجل قَالَتْ
أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا
ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ [ الأعراف : 38 ] أي: لكل منكم عذاب بحسبه .
قال تعالى : ( وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً
مِنَّا وَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ ) قال الحسن وقتادة: أحياهم الله تعالى
له بأعيانهم وزادهم مثلهم معهم. وقوله: ( رَحْمَةً مِنَّا ) أي:
به على صبره وثباته وإنابته وتواضعه واستكانته ( وَذِكْرَى لأولِي
الألْبَابِ ) أي: لذوي العقول ليعلموا أن عاقبةَ الصبر الفرجُ والمخرجُ
والراحة . < 7-76 > وقوله:
( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ ) وذلك أن أيوب
عليه السلام كان قد غضب على زوجته ووجد عليها في أمر فعلته. قيل: [إنها] باعت ضفيرتها
بخبز فأطعمته إياه فلامها على ذلك وحلف إن شفاه الله ليضربنها مائة جلدة.
وقيل: لغير ذلك من الأسباب. فلما شفاه الله وعافاه ما كان جزاؤها مع هذه
الخدمة التامة والرحمة والشفقة والإحسان أن تقابل بالضرب فأفتاه الله عز
وجل أن يأخذ ضغثًا -وهو: الشِّمراخ-فيه مائة قضيب فيضربها به ضربة واحدة
وقد بَرّت يمينه وخرج من حنثه ووفى بنذره وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى
الله وأناب إليه ولهذا قال تعالى: ( إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ
الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) أثنى الله تعالى عليه ومدحه بأنه ( نِعْمَ
الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) أي: رَجَّاع منيب ولهذا قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [ الطلاق : 2 ، 3 ] وقد استدل كثير من الفقهاء بهذه الآية الكريمة على مسائل في الأيمان وغيرها وأخذوها
بمقتضاها [ومنعت طائفة أخرى من الفقهاء من ذلك، وقالوا: لم يثبت أن
الكفارة كانت مشروعة في شرع أيوب، عليه السلام، فلذلك رخص له في ذلك، وقد
أغنى الله هذه الأمة بالكفارة] وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الأَخْيَارِ (48) هَذَا ذِكْرٌ يقول
تعالى مخبرا عن فضائل عباده المرسلين وأنبيائه العابدين: ( وَاذْكُرْ
عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأيْدِي
وَالأبْصَارِ ) يعني بذلك: العمل الصالح والعلم النافع والقوة في العبادة
والبصيرة النافذة. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: ( أُولِي الأيْدِي ) يقول: أولي القوة ( وَالأبْصَارِ ) يقول: الفقه في الدين. وقال مجاهد: ( أُولِي الأيْدِي ) يعني: القوة في طاعة الله ( وَالأبْصَارِ ) يعني: البصر في الحق. وقال قتادة والسدي: أعطُوا قوة في العبادة وبَصرًا في الدين. [وقوله]
( إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ) قال مجاهد: أي
جعلناهم يعملون للآخرة ليس لهم هَمّ غيرها. وكذا قال السدي: ذكرهم للآخرة
وعملهم لها. وقال مالك بن دينار: نـزع الله من قلوبهم حب الدنيا وذكرها وأخلصهم بحب الآخرة وذكرها. وكذا قال عطاء الخراساني. < 7-77 > وقال سعيد بن جُبَيْر: يعني بالدار الجنة يقول: أخلصناها لهم بذكرهم لها وقال في رواية أخرى: ( ذِكْرَى الدَّارِ ) عقبى الدار. وقال قتادة: كانوا يذَكّرون الناس الدار الآخرة والعمل لها. وقال ابن زيد: جعل لهم خاصة أفضل شيء في الدار الآخرة. وقوله: ( وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأخْيَارِ ) أي: لمن المختارين المجتبين الأخيار فهم أخيار مختارون. وقوله:
( وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ
الأخْيَارِ ) قد تقدم الكلام على قصصهم وأخبارهم مستقصاة في سورة
"الأنبياء" بما أغنى عن إعادته هاهنا. وقوله: ( هَذَا ذِكْرٌ ) أي: هذا فصل فيه ذكر لمن يتذكر. وقال السدي: يعني القرآن. وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54) يخبر تعالى عن عباده المؤمنين السعداء أن لهم في [الدار] الآخرة ( لَحُسْنَ مَآبٍ ) وهو: المرجع والمنقلب. ثم فسره بقوله: ( جَنَّاتِ عَدْنٍ ) أي: جنات إقامة مفتحة لهم الأبواب. والألف واللام هنا بمعنى الإضافة كأنه يقول: "مفتحة لهم أبوابها" أي: إذا جاءوها فتحت لهم أبوابها. قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن ثواب الهَبَّاري حدثنا عبد الله بن نُمَيْر، حدثنا عبد الله بن مسلم -يعني: ابن هرمز-عن ابن سابط عن عبد الله بن عمرو [رضي الله عنهما]
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة قصرا يقال له: "عدن"
حوله البروج والمروج له خمسة آلاف باب عند كل باب خمسة آلاف حبَرَة لا
يدخله -أو: لا يسكنه-إلا نبي أو صديق أو شهيد أو إمام عدل". وقد ورد في [ذكر] أبواب الجنة الثمانية أحاديث كثيرة من وجوه عديدة . وقوله: ( مُتَّكِئِينَ فِيهَا ) قيل: متربعين فيها على سرر تحت الحجال ( يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ) < 7-78 > أي: مهما طلبوا وجدوا وحضر كما أرادوا. ( وَشَرَابٍ ) أي: من أي أنواعه شاءوا أتتهم به الخدام بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ [ الواقعة : 18 ] ( وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ) أي: عن غير أزواجهن فلا يلتفتن إلى
غير بعولتهن ( أَتْرَابٌ ) أي: متساويات في السن والعمر. هذا معنى قول ابن
عباس، ومجاهد وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب والسّدّي . ( هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ ) أي: هذا الذي ذكرنا من صفة الجنة التي وعدها لعباده المتقين التي يصيرون إليها بعد نشورهم وقيامهم من قبورهم وسلامتهم من النار. ثم
أخبر عن الجنة أنه لا فراغ لها ولا انقضاء ولا زوال ولا انتهاء فقال: (
إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ ) كقوله تعالى: مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [ النحل : 96 ] وكقوله عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [ هود : 108 ] وكقوله لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [ فصلت : 8 ] أي: غير مقطوع وكقوله: أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ [ الرعد : 35 ] والآيات في هذا كثيرة جدا . هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61) لما
ذكر تعالى مآل السعداء ثَنّى بذكر حال الأشقياء ومرجعهم ومآبهم في دار
معادهم وحسابهم فقال: ( هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ ) وهم: الخارجون عن
طاعة الله المخالفون لرسل الله ( لَشَرَّ مَآبٍ ) أي: لسوء منقلب ومرجع. ثم
فسره بقوله: ( جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ) أي: يدخلونها فتغمرهم من جميع
جوانبهم ( فَبِئْسَ الْمِهَادُ * هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ )
أما الحميم فهو: الحار الذي قد انتهى حره وأما الغَسَّاق فهو: ضده، وهو
البارد الذي لا يستطاع من شدة برده المؤلم ولهذا قال: ( وَآخَرُ مِنْ
شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ) أي: وأشياء من هذا القبيل، الشيء وضده يعاقبون بها. قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى حدثنا ابن لَهِيعة حدثنا دَرّاج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو أن دَلْوًا من غَسَّاق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا" < 7-79 > ورواه
الترمذي عن سُوَيْد بن نصر عن ابن المبارك عن رِشْدين بن سعد عن عمرو بن
الحارث عن دَرّاج به. ثم قال: "لا نعرفه إلا من حديث رشدين" كذا قال: وقد تقدم من غير حديثه ورواه ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث به وقال
كعب الأحبار: غساق: عين في جهنم يسيل إليها حُمَة كل ذات حُمَة من حية
وعقرب وغير ذلك فيستنقع فيؤتى بالآدمي فيغمس فيها غمسة واحدة فيخرج وقد سقط
جلده ولحمه عن العظام ويتعلق جلده ولحمه في كعبيه وعقبيه ويُجَر لحمه كما
يَجُر الرجل ثوبه. رواه ابن أبي حاتم. وقال الحسن البصري في قوله: ( وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ) ألوان من العذاب. وقال غيره: كالزمهرير والسموم وشرب الحميم وأكل الزقوم والصعود والهوى إلى غير ذلك من الأشياء المختلفة والمتضادة والجميع مما يعذبون به ويهانون بسببه. وقوله:
( هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ
صَالُوا النَّارِ ) هذا إخبار عن قيل أهل النار بعضهم لبعض كما قال تعالى: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا [ الأعراف : 38 ] يعني بدل السلام يتلاعنون ويتكاذبون
ويكفر بعضهم ببعض فتقول الطائفة التي تدخل قبل الأخرى إذا أقبلت التي
بعدها مع الخزنة من الزبانية: ( هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ ) أي: داخل معكم (
لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ ) [أي] لأنهم من أهل جهنم
( قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ ) أي: فيقول لهم الداخلون: (
بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا ) أي:
أنتم دعوتمونا إلى ما أفضى بنا إلى هذا المصير ( فَبِئْسَ الْقَرَارُ ) أي:
فبئس المنـزل والمستقر والمصير. ( قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا
هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ ) كما قال عز وجل قَالَتْ
أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا
ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ [ الأعراف : 38 ] أي: لكل منكم عذاب بحسبه .
رد: الجزء الرابع من تفسير سورة ص
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
أبو سليمان- المشرفون
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 3412
تاريخ الميلاد : 03/11/1996
العمر : 28
رد: الجزء الرابع من تفسير سورة ص
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
رد: الجزء الرابع من تفسير سورة ص
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الرابع من تفسير سورة الزخرف
» الجزء الرابع من تفسير سورة طه
» الجزء الرابع عشر من تفسير سورة هود
» الجزء الرابع من تفسير سورة يس
» الجزء الرابع من تفسير سورة سبأ
» الجزء الرابع من تفسير سورة طه
» الجزء الرابع عشر من تفسير سورة هود
» الجزء الرابع من تفسير سورة يس
» الجزء الرابع من تفسير سورة سبأ
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير جزء يس كاملا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى