الجزء الرابع من تفسير سورة الزخرف
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير جزء يس كاملا
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الرابع من تفسير سورة الزخرف
وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)
( وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا )
أي: أغلاقا على أبوابهم ( وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ ) ، أي: جميع
ذلك يكون فضة، ( وزخرفا ) ، أي: وذهبا. قاله ابن عباس، وقتادة، والسدي،
وابن زيد.
ثم قال: ( وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )
أي: إنما ذلك من الدنيا الفانية الزائلة الحقيرة عند الله [تعالى] أي: يعجل لهم بحسناتهم التي يعملونها في الدنيا مآكل ومشارب، ليوافوا الآخرة وليس لهم عند الله حسنة يجزيهم بها، كما ورد به الحديث الصحيح . [وقد]
ورد في حديث آخر: "لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة، ما سقى منها
كافرا شربة ماء"، أسنده البغوي من رواية زكريا بن منظور، عن أبى حازم، عن
سهل بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره
ورواه الطبراني من طريق زمعة بن صالح، عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن النبي
صلى الله عليه وسلم: "لو عدلت الدنيا جناح بعوضة، ما أعطى كافرا منها
شيئا" .
ثم قال: ( وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ) أي: هي لهم خاصة لا يشاركهم: فيها [أحد] غيرهم ولهذا لما قال عمر بن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين صعد إليه في تلك المشربه لما آلى من نسائه، فرآه [عمر] على رمال حصير قد أثر بجنبه
فابتدرت عيناه بالبكاء وقال: يا رسول الله هذا كسرى وقيصر فيما هما فيه
وأنت صفوة الله من خلقه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس
وقال: "أوَ في
شك أنت يا ابن الخطاب؟" ثم قال: "أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم
الدنيا" وفي رواية: "أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟"
وفي الصحيحين أيضا وغيرهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا
تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا
ولنا في الآخرة". وإنما خولهم الله تعالى في الدنيا لحقارتها، كما روى
الترمذي وابن ماجه، من طريق أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة، ما سقى منها
كافرا شربة ماء أبدا"، قال الترمذي: حسن صحيح .
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (40) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)
يقول تعالى: ( وَمَنْ يَعْشُ ) أي: يتعامى ويتغافل ويعرض، ( عَنْ ذِكْرِ
الرَّحْمَنِ ) والعشا في العين: ضعف بصرها. والمراد هاهنا: عشا البصيرة، (
نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) كقوله: وَمَنْ
يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى
وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى
وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء: 115]، وكقوله: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف: 5]، وكقوله: وَقَيَّضْنَا
لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا
خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ
[فصلت:25]؛ ولهذا قال هاهنا: ( وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ
السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا )
أي: هذا الذي تغافل عن الهدى نقيض له من الشياطين من يضله، ويهديه إلى
صراط الجحيم. فإذا وافى الله يوم القيامة يتبرم بالشيطان الذي وكل به، (
قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ
الْقَرِينُ ) [أي: فبئس القرين كنت لي في الدنيا] وقرأ بعضهم: "حتى إذا جاءانا" يعني: القرين والمقارن.
قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن سعيد الجُرَيري قال: بلغنا أن الكافر
إذا بعث من قبره يوم القيامة سَفَع بيده شيطان فلم يفارقه، حتى يصيرهما
الله تعالى إلى النار، فذلك حين يقول: ( يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ
بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ )
والمراد بالمشرقين هنا هو ما بين المشرق والمغرب. وإنما استعمل هاهنا تغليبا، كما يقال القمران، والعمران، والأبوان، [والعسران] . قاله ابن جرير وغيره.
( وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا )
أي: أغلاقا على أبوابهم ( وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ ) ، أي: جميع
ذلك يكون فضة، ( وزخرفا ) ، أي: وذهبا. قاله ابن عباس، وقتادة، والسدي،
وابن زيد.
ثم قال: ( وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )
أي: إنما ذلك من الدنيا الفانية الزائلة الحقيرة عند الله [تعالى] أي: يعجل لهم بحسناتهم التي يعملونها في الدنيا مآكل ومشارب، ليوافوا الآخرة وليس لهم عند الله حسنة يجزيهم بها، كما ورد به الحديث الصحيح . [وقد]
ورد في حديث آخر: "لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة، ما سقى منها
كافرا شربة ماء"، أسنده البغوي من رواية زكريا بن منظور، عن أبى حازم، عن
سهل بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره
ورواه الطبراني من طريق زمعة بن صالح، عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن النبي
صلى الله عليه وسلم: "لو عدلت الدنيا جناح بعوضة، ما أعطى كافرا منها
شيئا" .
ثم قال: ( وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ) أي: هي لهم خاصة لا يشاركهم: فيها [أحد] غيرهم ولهذا لما قال عمر بن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين صعد إليه في تلك المشربه لما آلى من نسائه، فرآه [عمر] على رمال حصير قد أثر بجنبه
فابتدرت عيناه بالبكاء وقال: يا رسول الله هذا كسرى وقيصر فيما هما فيه
وأنت صفوة الله من خلقه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس
وقال: "أوَ في
شك أنت يا ابن الخطاب؟" ثم قال: "أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم
الدنيا" وفي رواية: "أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟"
وفي الصحيحين أيضا وغيرهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا
تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا
ولنا في الآخرة". وإنما خولهم الله تعالى في الدنيا لحقارتها، كما روى
الترمذي وابن ماجه، من طريق أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة، ما سقى منها
كافرا شربة ماء أبدا"، قال الترمذي: حسن صحيح .
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (40) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)
يقول تعالى: ( وَمَنْ يَعْشُ ) أي: يتعامى ويتغافل ويعرض، ( عَنْ ذِكْرِ
الرَّحْمَنِ ) والعشا في العين: ضعف بصرها. والمراد هاهنا: عشا البصيرة، (
نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) كقوله: وَمَنْ
يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى
وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى
وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء: 115]، وكقوله: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف: 5]، وكقوله: وَقَيَّضْنَا
لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا
خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ
[فصلت:25]؛ ولهذا قال هاهنا: ( وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ
السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا )
أي: هذا الذي تغافل عن الهدى نقيض له من الشياطين من يضله، ويهديه إلى
صراط الجحيم. فإذا وافى الله يوم القيامة يتبرم بالشيطان الذي وكل به، (
قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ
الْقَرِينُ ) [أي: فبئس القرين كنت لي في الدنيا] وقرأ بعضهم: "حتى إذا جاءانا" يعني: القرين والمقارن.
قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن سعيد الجُرَيري قال: بلغنا أن الكافر
إذا بعث من قبره يوم القيامة سَفَع بيده شيطان فلم يفارقه، حتى يصيرهما
الله تعالى إلى النار، فذلك حين يقول: ( يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ
بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ )
والمراد بالمشرقين هنا هو ما بين المشرق والمغرب. وإنما استعمل هاهنا تغليبا، كما يقال القمران، والعمران، والأبوان، [والعسران] . قاله ابن جرير وغيره.