الجزء الثالث من تفسير سورة الذاريات
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير جزء يس كاملا
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الثالث من تفسير سورة الذاريات
قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (37) < 7-422 > قال الله مخبرا عن إبراهيم، عليه السلام: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ * يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ [ هود: 74 -76 ] .وقال هاهنا: ( قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ ) أي: ما شأنكم وفيم جئتم؟. ( قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ ) يعنون قوم لوط. ( لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ* مُسَوَّمَةً ) أي: معلمة (
عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ ) أي: مكتتبة عنده بأسمائهم، كل حجر عليه
اسم صاحبه، فقال في سورة العنكبوت: قَالَ
إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا
لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ [ العنكبوت: 32] .وقال هاهنا: ( فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) ، وهم لوط وأهل بيته إلا امرأته. ( فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) احتج بهذه [الآية]
من ذهب إلى رأي المعتزلة، ممن لا يفرق بين مسمى الإيمان والإسلام؛ لأنه
أطلق عليهم المؤمنين والمسلمين. وهذا الاستدلال ضعيف؛ لأن هؤلاء كانوا قوما
مؤمنين، وعندنا أن كل مؤمن مسلم لا ينعكس، فاتفق الاسمان هاهنا لخصوصية
الحال، ولا يلزم ذلك في كل حال. وقوله: ( وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً
لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الألِيمَ ) أي: جعلناها عبرة، لما
أنـزلنا بهم من العذاب والنكال وحجارة السجيل، وجعلنا محلتهم بحيرة منتنة خبيثة، ففي ذلك عبرة للمؤمنين، ( لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الألِيمَ ) وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46) يقول تعالى: ( وَفِي مُوسَى ) [آية]
( إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ) أي: بدليل
باهر وحجة قاطعة، ( فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ ) أي: فأعرض فرعون عما جاءه به موسى من الحق المبين، استكبارا < 7-423 > وعنادا.وقال
مجاهد: تعزز بأصحابه. وقال قتادة: غلب عدُو الله على قومه. وقال ابن زيد: (
فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ ) أي: بجموعه التي معه، ثم قرأ: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ [ هود: 80 ] .والمعنى الأول قوي كقوله: ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
[ الحج: 9 ] أي: معرض عن الحق مستكبر، ( وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ )
أي: لا يخلو أمرك فيما جئتني به من أن تكون ساحرا، أو مجنونا. قال
الله تعالى: ( فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ ) أي: ألقيناهم
في اليم، وهو البحر، ( وَهُوَ مُلِيمٌ ) أي: وهو ملوم كافر جاحد فاجر
معاند. ثم قال: ( وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ
الْعَقِيمَ ) أي: المفسدة التي لا تنتج شيئا. قاله الضحاك، وقتادة،
وغيرهما. ولهذا قال: ( مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ )
أي: مما تفسده الريح ( إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ) أي: كالشيء الهالك
البالي.وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبيد الله بن أخي ابن وهب، حدثنا عمي عبد الله بن وهب، حدثني عبد الله -يعني: ابن عياش
-القتباني، حدثني عبد الله بن سليمان، عن دراج، عن عيسى بن هلال
الصَّدَفِي، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الريح مسخرة من الثانية -يعني من الأرض الثانية-فلما أراد الله أن يهلك
عادًا أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحا تهلك عادا، قال: أي رَبَ، أرسل
عليهم [من] الريح قدر منخر الثور؟ قال له الجبار: لا إذًا تكفأ الأرض ومن عليها، ولكن أرسل [عليهم] بقدر خاتم. فهي التي يقول الله في كتابه: ( مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ) هذا الحديث رفعه منكر ، والأقرب أن يكون موقوفا على عبد الله بن عمرو، من زاملتيه اللتين أصابهما يوم اليرموك، والله أعلم.قال
سعيد بن المسيب وغيره في قوله: ( إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ
الْعَقِيمَ ) قالوا: هي الجنوب. وقد ثبت في الصحيح من رواية شعبة، عن
الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"نصرت بالصّبا، وأهلكت عاد بالدبور" . ( وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ ) قال ابن جرير: يعني إلى وقت فناء آجالكم. < 7-424 > .والظاهر أن هذه كقوله: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ [ فصلت: 17 ] .وهكذا
قال هاهنا: ( وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ *
فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ
يَنْظُرُونَ ) ، وذلك أنهم انتظروا العذاب ثلاثة أيام وجاءهم في صبيحة
اليوم الرابع بُكْرَة النهار ( فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ ) أي: من
هَرَبٍ ولا نهوض، ( وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ ) أي: ولا يقدرون على أن
ينتصروا مما هم فيه. وقوله: ( وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ ) أي:
وأهلكنا قوم نوح من قبل هؤلاء ( إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ )
وكل هذه القصص قد تقدمت مبسوطة في أماكن كثيرة، من سور متعددة. وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) يقول تعالى منبها على خلق العالم العلوي والسفلي: ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا ) أي: جعلناها سقفا [محفوظا]
رفيعا ( بأيد ) أي: بقوة. قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والثوري، وغير
واحد، ( وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) ، أي: قد وسعنا أرجاءها ورفعناها بغير
عمد، حتى استقلت كما هي. ( وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا ) أي: جعلناها فراشًا للمخلوقات، ( فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ) أي: وجعلناها مهدا لأهلها. ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ) أي: جميع المخلوقات أزواج:
سماء وأرض، وليل ونهار، وشمس وقمر، وبر وبحر، وضياء وظلام، وإيمان وكفر،
وموت وحياة، وشقاء وسعادة، وجنة ونار، حتى الحيوانات [جن وإنس، ذكور وإناث]
والنباتات، ولهذا قال: ( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) أي: لتعلموا أن الخالق واحدٌ لا شريك له. ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ) أي: الجئوا إليه، واعتمدوا في أموركم عليه، ( إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) . ( وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ) أي: [و] لا تشركوا به شيئا، ( إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) .
عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ ) أي: مكتتبة عنده بأسمائهم، كل حجر عليه
اسم صاحبه، فقال في سورة العنكبوت: قَالَ
إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا
لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ [ العنكبوت: 32] .وقال هاهنا: ( فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) ، وهم لوط وأهل بيته إلا امرأته. ( فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) احتج بهذه [الآية]
من ذهب إلى رأي المعتزلة، ممن لا يفرق بين مسمى الإيمان والإسلام؛ لأنه
أطلق عليهم المؤمنين والمسلمين. وهذا الاستدلال ضعيف؛ لأن هؤلاء كانوا قوما
مؤمنين، وعندنا أن كل مؤمن مسلم لا ينعكس، فاتفق الاسمان هاهنا لخصوصية
الحال، ولا يلزم ذلك في كل حال. وقوله: ( وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً
لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الألِيمَ ) أي: جعلناها عبرة، لما
أنـزلنا بهم من العذاب والنكال وحجارة السجيل، وجعلنا محلتهم بحيرة منتنة خبيثة، ففي ذلك عبرة للمؤمنين، ( لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الألِيمَ ) وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46) يقول تعالى: ( وَفِي مُوسَى ) [آية]
( إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ) أي: بدليل
باهر وحجة قاطعة، ( فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ ) أي: فأعرض فرعون عما جاءه به موسى من الحق المبين، استكبارا < 7-423 > وعنادا.وقال
مجاهد: تعزز بأصحابه. وقال قتادة: غلب عدُو الله على قومه. وقال ابن زيد: (
فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ ) أي: بجموعه التي معه، ثم قرأ: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ [ هود: 80 ] .والمعنى الأول قوي كقوله: ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
[ الحج: 9 ] أي: معرض عن الحق مستكبر، ( وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ )
أي: لا يخلو أمرك فيما جئتني به من أن تكون ساحرا، أو مجنونا. قال
الله تعالى: ( فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ ) أي: ألقيناهم
في اليم، وهو البحر، ( وَهُوَ مُلِيمٌ ) أي: وهو ملوم كافر جاحد فاجر
معاند. ثم قال: ( وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ
الْعَقِيمَ ) أي: المفسدة التي لا تنتج شيئا. قاله الضحاك، وقتادة،
وغيرهما. ولهذا قال: ( مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ )
أي: مما تفسده الريح ( إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ) أي: كالشيء الهالك
البالي.وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبيد الله بن أخي ابن وهب، حدثنا عمي عبد الله بن وهب، حدثني عبد الله -يعني: ابن عياش
-القتباني، حدثني عبد الله بن سليمان، عن دراج، عن عيسى بن هلال
الصَّدَفِي، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الريح مسخرة من الثانية -يعني من الأرض الثانية-فلما أراد الله أن يهلك
عادًا أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحا تهلك عادا، قال: أي رَبَ، أرسل
عليهم [من] الريح قدر منخر الثور؟ قال له الجبار: لا إذًا تكفأ الأرض ومن عليها، ولكن أرسل [عليهم] بقدر خاتم. فهي التي يقول الله في كتابه: ( مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ) هذا الحديث رفعه منكر ، والأقرب أن يكون موقوفا على عبد الله بن عمرو، من زاملتيه اللتين أصابهما يوم اليرموك، والله أعلم.قال
سعيد بن المسيب وغيره في قوله: ( إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ
الْعَقِيمَ ) قالوا: هي الجنوب. وقد ثبت في الصحيح من رواية شعبة، عن
الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"نصرت بالصّبا، وأهلكت عاد بالدبور" . ( وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ ) قال ابن جرير: يعني إلى وقت فناء آجالكم. < 7-424 > .والظاهر أن هذه كقوله: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ [ فصلت: 17 ] .وهكذا
قال هاهنا: ( وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ *
فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ
يَنْظُرُونَ ) ، وذلك أنهم انتظروا العذاب ثلاثة أيام وجاءهم في صبيحة
اليوم الرابع بُكْرَة النهار ( فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ ) أي: من
هَرَبٍ ولا نهوض، ( وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ ) أي: ولا يقدرون على أن
ينتصروا مما هم فيه. وقوله: ( وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ ) أي:
وأهلكنا قوم نوح من قبل هؤلاء ( إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ )
وكل هذه القصص قد تقدمت مبسوطة في أماكن كثيرة، من سور متعددة. وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) يقول تعالى منبها على خلق العالم العلوي والسفلي: ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا ) أي: جعلناها سقفا [محفوظا]
رفيعا ( بأيد ) أي: بقوة. قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والثوري، وغير
واحد، ( وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) ، أي: قد وسعنا أرجاءها ورفعناها بغير
عمد، حتى استقلت كما هي. ( وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا ) أي: جعلناها فراشًا للمخلوقات، ( فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ) أي: وجعلناها مهدا لأهلها. ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ) أي: جميع المخلوقات أزواج:
سماء وأرض، وليل ونهار، وشمس وقمر، وبر وبحر، وضياء وظلام، وإيمان وكفر،
وموت وحياة، وشقاء وسعادة، وجنة ونار، حتى الحيوانات [جن وإنس، ذكور وإناث]
والنباتات، ولهذا قال: ( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) أي: لتعلموا أن الخالق واحدٌ لا شريك له. ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ) أي: الجئوا إليه، واعتمدوا في أموركم عليه، ( إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) . ( وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ) أي: [و] لا تشركوا به شيئا، ( إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) .
رد: الجزء الثالث من تفسير سورة الذاريات
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الثالث من تفسير سورة الذاريات
شكرا على الموضوع
أبو سليمان- المشرفون
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 3412
تاريخ الميلاد : 03/11/1996
العمر : 28
رد: الجزء الثالث من تفسير سورة الذاريات
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الأول من تفسير سورة الذاريات
» الجزء الثاني من تفسير سورة الذاريات
» الجزء الرابع والأخير من تفسير سورة الذاريات
» الجزء الثالث من تفسير سورة يس
» الجزء الثالث من تفسير سورة سبأ
» الجزء الثاني من تفسير سورة الذاريات
» الجزء الرابع والأخير من تفسير سورة الذاريات
» الجزء الثالث من تفسير سورة يس
» الجزء الثالث من تفسير سورة سبأ
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير جزء يس كاملا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى