الجزء الاول من تفسير سورة الحشر
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير جزء يس كاملا
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الاول من تفسير سورة الحشر
وكان ابن عباس يقول: سورة بني النضير] .وهي مدنية.
قال سعيد بن منصور: حدثنا هُشَيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال: قلت
لابن عباس: سورة الحشر؟ قال: أنـزلت في بني النضير. ورواه البخاري ومسلم
من وجه آخر، عن هُشَيْم، به .ورواه البخاري من حديث أبي عَوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة الحشر؟ قال: قُل: سورة النَّضير
بسم الله الرحمن الرحيم
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(1)
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ
دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا
أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ
مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ
يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ
فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ(2) وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ(3)
يخبر تعالى أن جميع ما في السموات وما في الأرض من شيء يسبح له ويمجده ويقدسه، ويصلي له ويوحده كقوله: تُسَبِّحُ
لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ
شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ]
[الإسراء : 44] . وقوله: ( وَهُوَ الْعَزِيزُ ) أي: منيع الجناب ( الْحَكِيمُ ) في قدره وشرعه.
وقوله: ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ ) يعني: يهود بني النضير. قاله ابن عباس، ومجاهد، والزهري، وغير
واحد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة هادنهم وأعطاهم عهدًا وذمة، على ألا يقاتلهم ولا يقاتلوه، فنقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه، فأحل الله بهم بأسه الذي لا مَرَدَّ
له، وأنـزل عليهم قضاءه الذي لا يُصَدّ، فأجلاهم النبي صلى الله عليه
وسلم، وأخرجهم من حصونهم الحصينة التي ما طمع فيها المسلمون، وظنوا هم أنها
مانعتهم من بأس الله، فما أغنى عنهم من الله شيئًا، وجاءهم ما لم يكن
ببالهم، وسيّرهم رسول الله وأجلاهم من المدينة، فكان منهم طائفة ذهبوا إلى
أذرعات من أعالي الشام، وهي أرض المحشر والمنشر، ومنهم طائفة ذهبوا إلى
خيبر. وكان قد أنـزلهم منها على أن لهم ما حملت إبلهم، فكانوا يخربون ما في
بيوتهم من المنقولات التي يمكن أن تحمل معهم؛ ولهذا قال: ( يُخْرِبُونَ
بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا
أُولِي الأبْصَارِ ) أي: تفكروا في عاقبة من خالف أمر الله وخالف رسوله،
وكذب كتابه، كيف يحل به من بأسه المخزي له في الدنيا، مع ما يدخره له في
الآخرة من العذاب الأليم.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن داود وسفيان، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا
مَعْمَر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم، أن كفار قريش كتبوا إلى ابن أبي، ومن كان معه يعبد
[معه]
الأوثان من الأوس والخزرج، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بالمدينة
قبل وقعة بدر: إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لنقاتلنه، أو لتخرجنه،
أو لنسيرن إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مُقَاتلتكم ونستبيح نساءكم، فلما بلغ
ذلك عبد الله بن أبي ومن كان معه من عبدة الأوثان، اجتمعوا لقتال النبي صلى
الله عليه وسلم، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لقيهم، فقال: "لقد
بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريد أن تكيدوا به
أنفسكم، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم؟"، فلما سمعوا ذلك من النبي
صلى الله عليه وسلم تفرقوا، فبلغ ذلك كفار قريش، فكتبت كفار قريش بعد وقعة
بدر إلى اليهود: إنكم أهل الحلقة والحصون، وإنكم لتقاتلن مع صاحبنا أو
لنفعلن كذا وكذا، ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء -وهي الخلاخيل -فلما
بلغ كتابهم النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعت بنو النضير بالغدر، فأرسلوا
إلى النبي صلى الله عليه وسلم: اخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك وليخرج
منا ثلاثون حبرًا، حتى نلتقي بمكان المنصف فيسمعوا منك، فإن صدقوك وآمنوا
بك آمنا بك، فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
[بالكتائب]
فحصرهم، قال لهم: "إنكم والله لا تأمنوا عندي إلا بعهد تعاهدوني عليه".
فأبوا أن يعطوه عهدًا، فقاتلهم يومهم ذلك، ثم غدا الغَد على بني قريظة
بالكتائب، وترك بني النضير، ودعاهم إلى أن يعاهدوه، فعاهدوه، فانصرف عنهم.
وغدا إلى بني النضير بالكتائب فقاتلهم، حتى نـزلوا على الجلاء. فجلت بنو
النضير، واحتملوا ما أقلت الإبل من أمتعتهم وأبواب بيوتهم وخشبها، وكان نخل
بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، أعطاه الله أياها وخصه
بها، فقال: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ
يقول: بغير قتال، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها للمهاجرين، قسمها
بينهم، وقسم منها لرجلين من الأنصار وكانا ذوي حاجة، ولم يقسم من الأنصار
غيرهما، وبقي منها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي في أيدي بني فاطمة .
ولنذكر ملخص غزوة بني النضير على وجه الاختصار، وبالله المستعان.
وكان سبب ذلك فيما ذكره أصحاب المغازي والسير: أنه لما قُتِل أصحابُ بئر معونة، من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وكانوا سبعين، وأفلت منهم عمرو بن أمية الضمري، فلما
كان في أثناء الطريق راجعًا إلى المدينة قتل رجلين من بني عامر، وكان معهما
عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمان لم يعلم به عمرو، فلما رجع
أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لقد قتلت رجلين، لأدينَّهما" وكان بين بني النضير وبني عامر حلف وعهد،
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية ذينك
الرجلين، وكان منازل بني النضير ظاهر المدينة على أميال منها شرقيها.
قال محمد بن إسحاق بن يسار في كتابه السيرة: ثم خرج رسول الله إلى بني
النضير، يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر، اللذين قتل
عمرو بن أمية الضمري؛ للجوار الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد
لهما، فيما حدثني يزيد بن رُومان، وكان بين بني النضير وبني عامر عَقد
وحلف. فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية ذينك
القتيلين قالوا: نعم، يا أبا القاسم، نعينك على ما أحببت، مما استعنت بنا
عليه. ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه -ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم-فَمَن
رجل يعلو على هذا البيت، فيلقي عليه صخرة، فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو
بن جحاش بن كعب أحدُهم، فقال: أنا لذلك، فصعَدَ ليلقي عليه صخرة كما قال،
ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه، فيهم أبو بكر وعمر وعلي،
رضي الله عنهم. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما
أراد القوم، فقام وخرج راجعًا إلى المدينة، فلما استلبث النبي صلى الله
عليه وسلم أصحابه قاموا في طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة، فسألوه عنه،
فقال: رأيته داخلا المدينة. فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
انتهوا إليه، فأخبرهم الخبر بما كانت يهود أرادت من الغدر به، وأمر رسولُ
الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم والمسير إليهم. ثم سار حتى نـزل
بهم فتحصنوا منه في الحصون، فأمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخل
والتَّحريق فيها. فنادوه: أن يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على
من صنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها؟
وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج، منهم عبد الله بن أبي [بن] سلول، ووديعة، ومالك بن أبي قوقل
وسُوَيد وداعس، قد بعثوا إلى بني النضير: أن اثبتوا وتَمَنَّعوا فإنا لن
نسلمكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خَرَجنا معكم فتربصوا ذلك من
نصرهم، فلم يفعلوا، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فسألوا رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم
إلا الحلقة، ففعل، فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، فكان الرجل
منهم يهدم بيته عن نجاف بابه، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به. فخرجوا إلى
خيبر، ومنهم من سار إلى الشام، وَخَلّوا الأموال إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فكانت لرسول الله خاصة يضعها حيث شاء،
فقسمها على المهاجرين الأولين دون الأنصار. إلا أن سهل بن حُنَيف وأبا
دُجانة سماك بن خَرشَة ذكرا فَقْرًا، فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
قال: ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان: يامين بن عُمَير بن كعب بن عمرو بن جحاش، وأبو سعد بن وهب أسلما على أموالهما فأحرزاها.
قال: ابن إسحاق: قد حدثني بعض آل يامين: أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال ليامين: "ألم تر ما لقيتُ من ابن عمك، وما هم به من شأني". فجعل
يامين بن عُمَير لرجل جُعل علي أن يقتل عمرو بن جحاش، فقتله فيما يزعمون.
قال ابن إسحاق: ونـزل في بني النضير سورة الحشر بأسرها .
وهكذا روي يونس بن بُكَيْر، عن ابن إسحاق، بنحو ما تقدم .
فقوله: ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ ) يعني: بني النضير ( مِنْ دِيَارِهِمْ لأوَّلِ الْحَشْرِ ) .
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن أبي
سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: من شك في أن أرض المحشر هاهنا -يعني الشام
فَلْيَتْل
هذه الآية: ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأوَّلِ الْحَشْرِ ) قال لهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "اخرجوا". قالوا: إلى أين؟ قال: "إلى أرض المحشر".
وحدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو أسامة، عن عوف، عن الحسن قال: لما
أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير، قال: "هذا أول الحشر، وأنا
على الأثر".
ورواه ابن جرير، عن بُنْدَار، عن ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن، به .
وقوله: ( مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا ) أي: في مدة حصاركم لهم
وقصَرها، وكانت ستة أيام، مع شدة حصونهم ومنعتها؛ ولهذا قال: ( وَظَنُّوا
أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ
مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ) أي: جاءهم من أمر الله ما لم يكن لهم في
بال، كما قال في الآية الأخرى: قَدْ
مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ
الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ
الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ [النحل : 26] .
وقوله: ( وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ) أي: الخوف والهَلَع
والجَزَع، وكيف لا يحصل لهم ذلك وقد حاصرهم الذي نُصر بالرعب مسيرةَ شهر،
صلوات الله وسلامه عليه.
وقوله: ( يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ ) قد تقدم تفسير ابن إسحاق لذلك، وهو نقض ما استحسنوه من سقوفهم وأبوابهم، وتَحملها على الإبل، وكذا قال عروة بن الزبير، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحد.
وقال مقاتل ابن حيان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتلهم، فإذا ظهر على دَرْب أو دار، هدم حيطانها ليتسع المكان للقتال. وكان
اليهود إذا علوا مكانًا أو غلبوا على درب أو دار، نقبوا من أدبارها ثم
حصنوها ودربوها، يقول الله تعالى: ( فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأبْصَارِ )
.
وقوله: ( وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ
لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا ) أي: لولا أن كتب الله عليهم هذا الجلاء،
وهو النفي من ديارهم وأموالهم، لكان لهم عند الله عذاب آخر من القتل
والسبي، ونحو ذلك، قاله الزهري، عن عُرْوَة، والسُّدِّي وابن زيد؛ لأن الله
قد كتب عليهم أنه سيعذبهم في الدار الدنيا مع ما أعد لهم في الآخرة من
العذاب في نار جهنم.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن صالح -كاتب الليث-حدثني
الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير قال: ثم كانت
وقعة بني النضير، وهم طائفة من اليهود، على رأس ستة أشهر من وقعة بدر. وكان
منـزلهم بناحية من المدينة، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
نـزلوا على الجلاء، وأن لهم ما أقَلَّت الإبل من الأموال والأمتعة إلا
الحلقة، وهي السلاح، فأجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الشام. قال:
والجلاء أنه كُتب عليهم في آي من التوراة، وكانوا من سبط لم يصبهم الجلاء
قبل ما سلط عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنـزل الله فيهم: (
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ ) إلى قوله وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ .
وقال عكرمة: الجلاء: القتل. وفي رواية عنه: الفناء.
وقال قتادة: الجلاء: خروج الناس من البلد إلى البلد.
وقال الضحاك: أجلاهم إلى الشام، وأعطى كل ثلاثة بعيرًا وسقاء، فهذا الجلاء.
وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أحمد بن كامل القاضي، حدثنا محمد بن سعيد العوفي، حدثني أبي، عن عمي، حدثني أبي عن جدي، عن ابن عباس قال: كان النبي
صلى الله عليه وسلم قد حاصرهم حتى بلغ منهم كل مَبْلَغ، فأعطوه ما أراد
منهم، فصالحهم على أن يحقن لهم دمائهم، وأن يخرجهم من أرضهم ومن ديارهم
وأوطانهم، وأن يسيرهم إلى أذرعات الشام، وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرًا وسقاء،
والجلاء إخراجهم من أرضهم إلى أرض أخرى
وروي أيضًا من حديث يعقوب بن محمد الزهري، عن إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن
مسلمة، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن مسلمة؛ أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعثه إلى بني النضير، وأمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاث ليال .
وقوله: ( وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ) أي: حتم لازم لا بد لهم منه.
قال سعيد بن منصور: حدثنا هُشَيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال: قلت
لابن عباس: سورة الحشر؟ قال: أنـزلت في بني النضير. ورواه البخاري ومسلم
من وجه آخر، عن هُشَيْم، به .ورواه البخاري من حديث أبي عَوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة الحشر؟ قال: قُل: سورة النَّضير
بسم الله الرحمن الرحيم
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(1)
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ
دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا
أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ
مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ
يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ
فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ(2) وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ(3)
يخبر تعالى أن جميع ما في السموات وما في الأرض من شيء يسبح له ويمجده ويقدسه، ويصلي له ويوحده كقوله: تُسَبِّحُ
لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ
شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ]
[الإسراء : 44] . وقوله: ( وَهُوَ الْعَزِيزُ ) أي: منيع الجناب ( الْحَكِيمُ ) في قدره وشرعه.
وقوله: ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ ) يعني: يهود بني النضير. قاله ابن عباس، ومجاهد، والزهري، وغير
واحد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة هادنهم وأعطاهم عهدًا وذمة، على ألا يقاتلهم ولا يقاتلوه، فنقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه، فأحل الله بهم بأسه الذي لا مَرَدَّ
له، وأنـزل عليهم قضاءه الذي لا يُصَدّ، فأجلاهم النبي صلى الله عليه
وسلم، وأخرجهم من حصونهم الحصينة التي ما طمع فيها المسلمون، وظنوا هم أنها
مانعتهم من بأس الله، فما أغنى عنهم من الله شيئًا، وجاءهم ما لم يكن
ببالهم، وسيّرهم رسول الله وأجلاهم من المدينة، فكان منهم طائفة ذهبوا إلى
أذرعات من أعالي الشام، وهي أرض المحشر والمنشر، ومنهم طائفة ذهبوا إلى
خيبر. وكان قد أنـزلهم منها على أن لهم ما حملت إبلهم، فكانوا يخربون ما في
بيوتهم من المنقولات التي يمكن أن تحمل معهم؛ ولهذا قال: ( يُخْرِبُونَ
بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا
أُولِي الأبْصَارِ ) أي: تفكروا في عاقبة من خالف أمر الله وخالف رسوله،
وكذب كتابه، كيف يحل به من بأسه المخزي له في الدنيا، مع ما يدخره له في
الآخرة من العذاب الأليم.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن داود وسفيان، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا
مَعْمَر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم، أن كفار قريش كتبوا إلى ابن أبي، ومن كان معه يعبد
[معه]
الأوثان من الأوس والخزرج، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بالمدينة
قبل وقعة بدر: إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لنقاتلنه، أو لتخرجنه،
أو لنسيرن إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مُقَاتلتكم ونستبيح نساءكم، فلما بلغ
ذلك عبد الله بن أبي ومن كان معه من عبدة الأوثان، اجتمعوا لقتال النبي صلى
الله عليه وسلم، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لقيهم، فقال: "لقد
بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريد أن تكيدوا به
أنفسكم، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم؟"، فلما سمعوا ذلك من النبي
صلى الله عليه وسلم تفرقوا، فبلغ ذلك كفار قريش، فكتبت كفار قريش بعد وقعة
بدر إلى اليهود: إنكم أهل الحلقة والحصون، وإنكم لتقاتلن مع صاحبنا أو
لنفعلن كذا وكذا، ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء -وهي الخلاخيل -فلما
بلغ كتابهم النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعت بنو النضير بالغدر، فأرسلوا
إلى النبي صلى الله عليه وسلم: اخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك وليخرج
منا ثلاثون حبرًا، حتى نلتقي بمكان المنصف فيسمعوا منك، فإن صدقوك وآمنوا
بك آمنا بك، فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
[بالكتائب]
فحصرهم، قال لهم: "إنكم والله لا تأمنوا عندي إلا بعهد تعاهدوني عليه".
فأبوا أن يعطوه عهدًا، فقاتلهم يومهم ذلك، ثم غدا الغَد على بني قريظة
بالكتائب، وترك بني النضير، ودعاهم إلى أن يعاهدوه، فعاهدوه، فانصرف عنهم.
وغدا إلى بني النضير بالكتائب فقاتلهم، حتى نـزلوا على الجلاء. فجلت بنو
النضير، واحتملوا ما أقلت الإبل من أمتعتهم وأبواب بيوتهم وخشبها، وكان نخل
بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، أعطاه الله أياها وخصه
بها، فقال: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ
يقول: بغير قتال، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها للمهاجرين، قسمها
بينهم، وقسم منها لرجلين من الأنصار وكانا ذوي حاجة، ولم يقسم من الأنصار
غيرهما، وبقي منها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي في أيدي بني فاطمة .
ولنذكر ملخص غزوة بني النضير على وجه الاختصار، وبالله المستعان.
وكان سبب ذلك فيما ذكره أصحاب المغازي والسير: أنه لما قُتِل أصحابُ بئر معونة، من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وكانوا سبعين، وأفلت منهم عمرو بن أمية الضمري، فلما
كان في أثناء الطريق راجعًا إلى المدينة قتل رجلين من بني عامر، وكان معهما
عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمان لم يعلم به عمرو، فلما رجع
أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لقد قتلت رجلين، لأدينَّهما" وكان بين بني النضير وبني عامر حلف وعهد،
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية ذينك
الرجلين، وكان منازل بني النضير ظاهر المدينة على أميال منها شرقيها.
قال محمد بن إسحاق بن يسار في كتابه السيرة: ثم خرج رسول الله إلى بني
النضير، يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر، اللذين قتل
عمرو بن أمية الضمري؛ للجوار الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد
لهما، فيما حدثني يزيد بن رُومان، وكان بين بني النضير وبني عامر عَقد
وحلف. فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية ذينك
القتيلين قالوا: نعم، يا أبا القاسم، نعينك على ما أحببت، مما استعنت بنا
عليه. ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه -ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم-فَمَن
رجل يعلو على هذا البيت، فيلقي عليه صخرة، فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو
بن جحاش بن كعب أحدُهم، فقال: أنا لذلك، فصعَدَ ليلقي عليه صخرة كما قال،
ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه، فيهم أبو بكر وعمر وعلي،
رضي الله عنهم. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما
أراد القوم، فقام وخرج راجعًا إلى المدينة، فلما استلبث النبي صلى الله
عليه وسلم أصحابه قاموا في طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة، فسألوه عنه،
فقال: رأيته داخلا المدينة. فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
انتهوا إليه، فأخبرهم الخبر بما كانت يهود أرادت من الغدر به، وأمر رسولُ
الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم والمسير إليهم. ثم سار حتى نـزل
بهم فتحصنوا منه في الحصون، فأمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخل
والتَّحريق فيها. فنادوه: أن يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على
من صنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها؟
وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج، منهم عبد الله بن أبي [بن] سلول، ووديعة، ومالك بن أبي قوقل
وسُوَيد وداعس، قد بعثوا إلى بني النضير: أن اثبتوا وتَمَنَّعوا فإنا لن
نسلمكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خَرَجنا معكم فتربصوا ذلك من
نصرهم، فلم يفعلوا، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فسألوا رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم
إلا الحلقة، ففعل، فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، فكان الرجل
منهم يهدم بيته عن نجاف بابه، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به. فخرجوا إلى
خيبر، ومنهم من سار إلى الشام، وَخَلّوا الأموال إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فكانت لرسول الله خاصة يضعها حيث شاء،
فقسمها على المهاجرين الأولين دون الأنصار. إلا أن سهل بن حُنَيف وأبا
دُجانة سماك بن خَرشَة ذكرا فَقْرًا، فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
قال: ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان: يامين بن عُمَير بن كعب بن عمرو بن جحاش، وأبو سعد بن وهب أسلما على أموالهما فأحرزاها.
قال: ابن إسحاق: قد حدثني بعض آل يامين: أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال ليامين: "ألم تر ما لقيتُ من ابن عمك، وما هم به من شأني". فجعل
يامين بن عُمَير لرجل جُعل علي أن يقتل عمرو بن جحاش، فقتله فيما يزعمون.
قال ابن إسحاق: ونـزل في بني النضير سورة الحشر بأسرها .
وهكذا روي يونس بن بُكَيْر، عن ابن إسحاق، بنحو ما تقدم .
فقوله: ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ ) يعني: بني النضير ( مِنْ دِيَارِهِمْ لأوَّلِ الْحَشْرِ ) .
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن أبي
سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: من شك في أن أرض المحشر هاهنا -يعني الشام
فَلْيَتْل
هذه الآية: ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأوَّلِ الْحَشْرِ ) قال لهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "اخرجوا". قالوا: إلى أين؟ قال: "إلى أرض المحشر".
وحدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو أسامة، عن عوف، عن الحسن قال: لما
أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير، قال: "هذا أول الحشر، وأنا
على الأثر".
ورواه ابن جرير، عن بُنْدَار، عن ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن، به .
وقوله: ( مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا ) أي: في مدة حصاركم لهم
وقصَرها، وكانت ستة أيام، مع شدة حصونهم ومنعتها؛ ولهذا قال: ( وَظَنُّوا
أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ
مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ) أي: جاءهم من أمر الله ما لم يكن لهم في
بال، كما قال في الآية الأخرى: قَدْ
مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ
الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ
الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ [النحل : 26] .
وقوله: ( وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ) أي: الخوف والهَلَع
والجَزَع، وكيف لا يحصل لهم ذلك وقد حاصرهم الذي نُصر بالرعب مسيرةَ شهر،
صلوات الله وسلامه عليه.
وقوله: ( يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ ) قد تقدم تفسير ابن إسحاق لذلك، وهو نقض ما استحسنوه من سقوفهم وأبوابهم، وتَحملها على الإبل، وكذا قال عروة بن الزبير، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحد.
وقال مقاتل ابن حيان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتلهم، فإذا ظهر على دَرْب أو دار، هدم حيطانها ليتسع المكان للقتال. وكان
اليهود إذا علوا مكانًا أو غلبوا على درب أو دار، نقبوا من أدبارها ثم
حصنوها ودربوها، يقول الله تعالى: ( فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأبْصَارِ )
.
وقوله: ( وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ
لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا ) أي: لولا أن كتب الله عليهم هذا الجلاء،
وهو النفي من ديارهم وأموالهم، لكان لهم عند الله عذاب آخر من القتل
والسبي، ونحو ذلك، قاله الزهري، عن عُرْوَة، والسُّدِّي وابن زيد؛ لأن الله
قد كتب عليهم أنه سيعذبهم في الدار الدنيا مع ما أعد لهم في الآخرة من
العذاب في نار جهنم.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن صالح -كاتب الليث-حدثني
الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير قال: ثم كانت
وقعة بني النضير، وهم طائفة من اليهود، على رأس ستة أشهر من وقعة بدر. وكان
منـزلهم بناحية من المدينة، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
نـزلوا على الجلاء، وأن لهم ما أقَلَّت الإبل من الأموال والأمتعة إلا
الحلقة، وهي السلاح، فأجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الشام. قال:
والجلاء أنه كُتب عليهم في آي من التوراة، وكانوا من سبط لم يصبهم الجلاء
قبل ما سلط عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنـزل الله فيهم: (
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ ) إلى قوله وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ .
وقال عكرمة: الجلاء: القتل. وفي رواية عنه: الفناء.
وقال قتادة: الجلاء: خروج الناس من البلد إلى البلد.
وقال الضحاك: أجلاهم إلى الشام، وأعطى كل ثلاثة بعيرًا وسقاء، فهذا الجلاء.
وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أحمد بن كامل القاضي، حدثنا محمد بن سعيد العوفي، حدثني أبي، عن عمي، حدثني أبي عن جدي، عن ابن عباس قال: كان النبي
صلى الله عليه وسلم قد حاصرهم حتى بلغ منهم كل مَبْلَغ، فأعطوه ما أراد
منهم، فصالحهم على أن يحقن لهم دمائهم، وأن يخرجهم من أرضهم ومن ديارهم
وأوطانهم، وأن يسيرهم إلى أذرعات الشام، وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرًا وسقاء،
والجلاء إخراجهم من أرضهم إلى أرض أخرى
وروي أيضًا من حديث يعقوب بن محمد الزهري، عن إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن
مسلمة، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن مسلمة؛ أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعثه إلى بني النضير، وأمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاث ليال .
وقوله: ( وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ) أي: حتم لازم لا بد لهم منه.
رد: الجزء الاول من تفسير سورة الحشر
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
أبو سليمان- المشرفون
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 3412
تاريخ الميلاد : 03/11/1996
العمر : 28
رد: الجزء الاول من تفسير سورة الحشر
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
رد: الجزء الاول من تفسير سورة الحشر
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الثاني من تفسير سورة الحشر
» الجزء الثالث من تفسير سورة الحشر
» الجزء الرابع والأخير من تفسير سورة الحشر
» الجزء الاول من تفسير سورة سبأ
» تفسير الجزء الاول من سورة نوح
» الجزء الثالث من تفسير سورة الحشر
» الجزء الرابع والأخير من تفسير سورة الحشر
» الجزء الاول من تفسير سورة سبأ
» تفسير الجزء الاول من سورة نوح
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير جزء يس كاملا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى