الجزء الأول من تفسير سورة الملك
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير جزء يس كاملا
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الأول من تفسير سورة الملك
وهي مكية. قال أحمد:
حدثنا حجاج بن محمد وابن جعفر قالا حدثنا شعبة، عن قتادة، عن عباس
الجُشَمي، عن أبي هُرَيرة، عن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن سورة
في القرآن ثلاثين آية شَفَعت لصاحبها حتى غُفر له: ( تَبَارَكَ الَّذِي
بِيَدِهِ الْمُلْكُ ). ورواه أهل السنن الأربعة، من حديث شعبة، به وقال الترمذي: هذا حديث حسن. وقد روى الطبراني والحافظ الضياء المقدسي، من طريق سَلام بن مسكين عن
ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سورة في القرآن
خَاصَمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة: ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ
الْمُلْكُ ) . وقال
الترمذي: حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، حدثنا يحيى بن مالك
النُكري، عن أبيه، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس قال: ضرب بعض أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر، وهو لا يحسب أنه قبر إنسان يقرأ سورة
الملك حتى ختمها، فأتى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله،
ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر، فإذا إنسان يقرأ سورة الملك "
تَبَارَكَ "حتى ختمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي المانعة، هي
المنجية، تنجيه من عذاب القبر" ثم
قال: "هذا حديث غريب من هذا الوجه. وفي الباب عن أبي هريرة. ثم روى
الترمذي أيضا من طريق ليث بن أبي سليم، عن أبي الزبير، عن جابر: أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ ( الم * تَنْزِيلُ ) [سورة
السجدة] ، و ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ) . وقال ليث عن طاوس:
يفضلان كل سورة في القرآن بسبعين حسنة . وقال الطبراني: حدثنا محمد بن الحسين بن عجلان الأصبهاني،
حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان، عن أبيه، عن عكرمة،
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لوددت أنها في قلب كل
إنسان من أمتي" يعني: ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ) . < 8-175 > هذا حديث غريب، وإبراهيم ضعيف، وقد تقدم مثله في سورة "يس" وقد روى هذا الحديث عبد بن حُمَيد في مسنده بأبسط من هذا، فقال: حدثنا
إبراهيم بن الحكم، عن أبيه، عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال لرجل: ألا أتحفك
بحديث تفرح به؟ قال: بلى. قال اقرأ: ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ
الْمُلْكُ ) وعلمها أهلك وجميع ولدك وصبيان بيتك وجيرانك، فإنها المنجية
والمجادلة، تجادل -أو تخاصم-يوم القيامة عند ربها لقارئها، وتطلب له أن
[ينجيه] من عذاب النار، وينجي بها صاحبها من عذاب القبر؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لوددتُ أنها في قلب كل إنسان من أمتي" . وقد
روى الحافظ ابن عساكر في تاريخه، في ترجمة أحمد بن نصر بن زياد، أبي عبد
الله القرشي النيسابوري المقرئ الزاهد الفقيه، أحد الثقات الذين روى عنهم
البخاري ومسلم، ولكن في غير الصحيحين، وروى عنه الترمذي وابن ماجة وابن
خزيمة. وعليه تفقه في مذهب أبي عُبَيد بن حَرْبَويه، وخلق سواهم، ساق بسنده
من حديثه عن فرات بن السائب، عن الزهري، عن أنس بن مالك قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "إن رجلا ممن كان قبلكم مات، وليس معه شيء من
كتاب الله إلا ( تَبَارَكَ ) ، فلما وضع في حفرته أتاه المَلَك فثارت
السورة في وجهه، فقال لها: إنك من كتاب الله، وأنا أكره مساءتك، وإني لا
أملك لك ولا له ولا لنفسي ضرا ولا نفعا، فإن أردت هذا به فانطلقي إلى الرب
تبارك وتعالى فاشفعي له. فتنطلق إلى الرب فتقول: يا رب، إن فلانًا عَمَد
إليَّ من بين كتابك فتَعَلَّمني وتلاني أفتحرقه أنت
بالنار وتعذبه وأنا في جوفه؟ فإن كنت فاعلا ذاك به فامحني من كتابك.
فيقول: ألا أراك غضبت؟ فتقول: وحُقّ لي أن أغضب. فيقول: اذهبي فقد وهبته
لك، وشَفّعتك فيه. قال: فتجيء فيخرج الملك، فيخرج كاسف البال لم يَحْلَ منه
بشيء. قال: فتجيء فتضع فاها على فيه، فتقول مرحبا بهذا الفم، فربما تلاني،
ومرحبا بهذا الصدر، فربما وعاني، ومرحبا بهاتين القدمين، فربما قامتا بي.
وتؤنسه في قبره مخافة الوحشة عليه". قال: فلما حَدّث بهذا رسولُ الله صلى
الله عليه وسلم لم يبق صغير ولا كبير ولا حُرّ ولا عبد، إلا تعلمها، وسماها
رسول الله صلى الله عليه وسلم المنجية . قلت:
وهذا حديث منكر جدا، وفرات بن السائب هذا ضعفه الإمام أحمد، ويحيى بن
معين، والبخاري، وأبو حاتم، والدارقطني وغير واحد. وقد ذكره ابن عساكر من
وجه آخر، عن الزهري، من قوله مختصرا. وروى البيهقي في كتاب "إثبات عذاب
القبر" عن ابن مسعود موقوفًا ومرفوعًا ما يشهد لهذا وقد كتبناه في كتاب الجنائز من الأحكام الكبرى، ولله الحمد . < 8-176 > بسم الله الرحمن الرحيم
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ
الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا
رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) يمجد
تعالى نفسه الكريمة، ويخبر أنه بيده الملك، أي: هو المتصرف في جميع
المخلوقات بما يشاء لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل لقهره وحكمته وعدله.
ولهذا قال: (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ثم قال: (الَّذِي
خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ) واستدل بهذه الآية من قال: إن الموت أمر
وجودي لأنه مخلوق. ومعنى الآية: أنه أوجد الخلائق من العدم، ليبلوهم
ويختبرهم أيهم أحسن عملا؟ كما قال: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ [البقرة: 28] فسمى الحال الأول -وهو العدم-موتًا، وسمى هذه النشأة حياة. ولهذا قال: ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [البقرة: 28] . وقال
ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا صفوان، حدثنا الوليد، حدثنا
خُلَيْد، عن قتادة في قوله: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ) قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله أذل بني آدم بالموت،
وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء". ورواه مَعْمَر، عن قتادة . وقوله: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ) أي: خير عملا كما قال محمد بن عَجْلان: ولم يقل أكثر عملا. ثم
قال: (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) أي: هو العزيز العظيم المنيع
الجناب، وهو مع ذلك غفور لمن تاب إليه وأناب، بعدما عصاه وخالف أمره، وإن
كان تعالى عزيزا، هو مع ذلك يغفر ويرحم ويصفح ويتجاوز. ثم قال:
(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ) أي: طبقة بعد طبقة، وهل هن
متواصلات بمعنى أنهن علويات بعضهم على بعض، أو متفاصلات بينهن خلاء؟ فيه
قولان، أصحهما الثاني، كما دل على ذلك حديث الإسراء وغيره. < 8-177 > وقوله:
(مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ) أي: بل هو مصطحب
مستو، ليس فيه اختلاف ولا تنافر ولا مخالفة، ولا نقص ولا عيب ولا خلل؛
ولهذا قال: (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) أي: انظر إلى
السماء فتأملها، هل ترى فيها عيبًا أو نقصًا أو خللا؛ أو فطورًا؟. قال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، والثوري، وغيرهم في قوله: (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) أي: شقوق. وقال السدي: (هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) أي: من خُروق. وقال ابن عباس في رواية: (مِنْ فُطُورٍ ) أي: من وُهِيّ وقال قتادة: (هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) أي: هل ترى خَلَلا يا ابن آدم؟. وقوله:
(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ) قال: مرتين. (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ
الْبَصَرُ خَاسِئًا ) قال ابن عباس: ذليلا؟ وقال مجاهد، وقتادة: صاغرًا. (وَهُوَ حَسِيرٌ ) قال ابن عباس: يعني: وهو كليل. وقال مجاهد، وقتادة، والسدي: الحسير: المنقطع من الإعياء. ومعنى
الآية: إنك لو كررت البصر، مهما كررت، لانقلب إليك، أي: لرجع إليك البصر،
(خَاسِئًا ) عن أن يرى عيبًا أو خللا (وَهُوَ حَسِيرٌ ) أي: كليل قد انقطع
من الإعياء من كثرة التكرر، ولا يرى نقصًا. ولما نفى عنها في خلقها
النقص بين كمالها وزينتها فقال: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ
الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ) وهي الكواكب التي وضعت فيها من السيارات
والثوابت. وقوله: (وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ) عاد
الضمير في قوله: (وَجَعَلْنَاهَا ) على جنس المصابيح لا على عينها؛ لأنه لا
يرمي بالكواكب التي في السماء، بل بشهب من دونها، وقد تكون مستمدة منها،
والله أعلم. وقوله: (وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ ) أي: جعلنا للشياطين هذا الخزي في الدنيا، وأعتدنا لهم عذاب السعير في الأخرى، كما قال: في أول الصافات: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ [الصافات: 6 -10] . قال
قتادة: إنما خلقت هذه النجوم لثلاث خصال: خلقها الله زينة للسماء، ورجوما
للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ
حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم. < 8-178 > وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (
قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ
اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) يقول
تعالى: (وَ ) أعتدنا (لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ
وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) أي: بئس المآل والمنقلب. (إِذَا أُلْقُوا فِيهَا
سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا ) قال ابن جرير: يعني الصياح. (وَهِيَ تَفُورُ ) قال الثوري: تغلي بهم كما يغلي الحَبّ القليل في الماء الكثير. وقوله:
(تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ) أي: يكاد ينفصل بعضها من بعض، من شدة
غيظها عليهم وحنقها بهم، (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ
خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا
نَذِيرٌ * فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نـزلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ
أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ ) يذكر تعالى عدله في خلقه، وأنه لا يعذب
أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه وإرسال الرسول إليه، كما قال: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا [الإسراء: 15] وقال تعالى: حَتَّى
إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ
يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ
وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ
حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ
[الزمر: 71] . وهكذا عادوا على أنفسهم بالملامة، وندموا حيث لا تنفعهم
الندامة، فقالوا: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي
أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) أي: لو كانت لنا عقول ننتفع بها أو نسمع ما أنـزله
الله من الحق، لما كنا على ما كنا عليه من الكفر بالله والاغترار به، ولكن
لم يكن لنا فهم نعي به ما جاءت به الرسل، ولا كان لنا عقل يرشدنا إلى
اتباعهم، قال الله تعالى: (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأصْحَابِ
السَّعِيرِ ) قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة،
عن عمرو بن مُرَّة، عن أبي البَخْتَريّ الطائي قال: أخبرني من سمعه من رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لن يهلك الناس حتى يُعذِروا من أنفسهم"
وفي حديث آخر: "لا يدخل أحد النار، إلا وهو يعلم أن النار أولى به من الجنة" . إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) يقول
تعالى مخبرًا عمن يخاف مقام ربه فيما بينه وبينه إذا كان غائبًا عن الناس،
فينكف عن المعاصي ويقوم بالطاعات، حيث لا يراه أحد إلا الله، بأنه له
مغفرة وأجر كبير، أي: يكفر عنه ذنوبه، ويجازى بالثواب الجزيل، كما ثبت في
الصحيحين: "سبعة يظلهم الله تعالى في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله"، فذكر
منهم: "رجلا دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجلا تصدق
بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" . وقال
الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا طالوت بن عباد، حدثنا الحارث بن
عبيد، عن ثابت، عن أنس قال: قالوا: يا رسول الله، إنا نكون عندك على حال،
فإذا فارقناك كنا على غيره؟ قال: "كيف أنتم وربكم؟" قالوا: الله ربنا في
السر والعلانية. قال: "ليس ذلكم النفاق" . لم يروه عن ثابت إلا الحارث بن عُبَيد فيما نعلمه.
حدثنا حجاج بن محمد وابن جعفر قالا حدثنا شعبة، عن قتادة، عن عباس
الجُشَمي، عن أبي هُرَيرة، عن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن سورة
في القرآن ثلاثين آية شَفَعت لصاحبها حتى غُفر له: ( تَبَارَكَ الَّذِي
بِيَدِهِ الْمُلْكُ ). ورواه أهل السنن الأربعة، من حديث شعبة، به وقال الترمذي: هذا حديث حسن. وقد روى الطبراني والحافظ الضياء المقدسي، من طريق سَلام بن مسكين عن
ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سورة في القرآن
خَاصَمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة: ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ
الْمُلْكُ ) . وقال
الترمذي: حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، حدثنا يحيى بن مالك
النُكري، عن أبيه، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس قال: ضرب بعض أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر، وهو لا يحسب أنه قبر إنسان يقرأ سورة
الملك حتى ختمها، فأتى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله،
ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر، فإذا إنسان يقرأ سورة الملك "
تَبَارَكَ "حتى ختمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي المانعة، هي
المنجية، تنجيه من عذاب القبر" ثم
قال: "هذا حديث غريب من هذا الوجه. وفي الباب عن أبي هريرة. ثم روى
الترمذي أيضا من طريق ليث بن أبي سليم، عن أبي الزبير، عن جابر: أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ ( الم * تَنْزِيلُ ) [سورة
السجدة] ، و ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ) . وقال ليث عن طاوس:
يفضلان كل سورة في القرآن بسبعين حسنة . وقال الطبراني: حدثنا محمد بن الحسين بن عجلان الأصبهاني،
حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان، عن أبيه، عن عكرمة،
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لوددت أنها في قلب كل
إنسان من أمتي" يعني: ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ) . < 8-175 > هذا حديث غريب، وإبراهيم ضعيف، وقد تقدم مثله في سورة "يس" وقد روى هذا الحديث عبد بن حُمَيد في مسنده بأبسط من هذا، فقال: حدثنا
إبراهيم بن الحكم، عن أبيه، عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال لرجل: ألا أتحفك
بحديث تفرح به؟ قال: بلى. قال اقرأ: ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ
الْمُلْكُ ) وعلمها أهلك وجميع ولدك وصبيان بيتك وجيرانك، فإنها المنجية
والمجادلة، تجادل -أو تخاصم-يوم القيامة عند ربها لقارئها، وتطلب له أن
[ينجيه] من عذاب النار، وينجي بها صاحبها من عذاب القبر؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لوددتُ أنها في قلب كل إنسان من أمتي" . وقد
روى الحافظ ابن عساكر في تاريخه، في ترجمة أحمد بن نصر بن زياد، أبي عبد
الله القرشي النيسابوري المقرئ الزاهد الفقيه، أحد الثقات الذين روى عنهم
البخاري ومسلم، ولكن في غير الصحيحين، وروى عنه الترمذي وابن ماجة وابن
خزيمة. وعليه تفقه في مذهب أبي عُبَيد بن حَرْبَويه، وخلق سواهم، ساق بسنده
من حديثه عن فرات بن السائب، عن الزهري، عن أنس بن مالك قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "إن رجلا ممن كان قبلكم مات، وليس معه شيء من
كتاب الله إلا ( تَبَارَكَ ) ، فلما وضع في حفرته أتاه المَلَك فثارت
السورة في وجهه، فقال لها: إنك من كتاب الله، وأنا أكره مساءتك، وإني لا
أملك لك ولا له ولا لنفسي ضرا ولا نفعا، فإن أردت هذا به فانطلقي إلى الرب
تبارك وتعالى فاشفعي له. فتنطلق إلى الرب فتقول: يا رب، إن فلانًا عَمَد
إليَّ من بين كتابك فتَعَلَّمني وتلاني أفتحرقه أنت
بالنار وتعذبه وأنا في جوفه؟ فإن كنت فاعلا ذاك به فامحني من كتابك.
فيقول: ألا أراك غضبت؟ فتقول: وحُقّ لي أن أغضب. فيقول: اذهبي فقد وهبته
لك، وشَفّعتك فيه. قال: فتجيء فيخرج الملك، فيخرج كاسف البال لم يَحْلَ منه
بشيء. قال: فتجيء فتضع فاها على فيه، فتقول مرحبا بهذا الفم، فربما تلاني،
ومرحبا بهذا الصدر، فربما وعاني، ومرحبا بهاتين القدمين، فربما قامتا بي.
وتؤنسه في قبره مخافة الوحشة عليه". قال: فلما حَدّث بهذا رسولُ الله صلى
الله عليه وسلم لم يبق صغير ولا كبير ولا حُرّ ولا عبد، إلا تعلمها، وسماها
رسول الله صلى الله عليه وسلم المنجية . قلت:
وهذا حديث منكر جدا، وفرات بن السائب هذا ضعفه الإمام أحمد، ويحيى بن
معين، والبخاري، وأبو حاتم، والدارقطني وغير واحد. وقد ذكره ابن عساكر من
وجه آخر، عن الزهري، من قوله مختصرا. وروى البيهقي في كتاب "إثبات عذاب
القبر" عن ابن مسعود موقوفًا ومرفوعًا ما يشهد لهذا وقد كتبناه في كتاب الجنائز من الأحكام الكبرى، ولله الحمد . < 8-176 > بسم الله الرحمن الرحيم
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ
الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا
رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) يمجد
تعالى نفسه الكريمة، ويخبر أنه بيده الملك، أي: هو المتصرف في جميع
المخلوقات بما يشاء لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل لقهره وحكمته وعدله.
ولهذا قال: (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ثم قال: (الَّذِي
خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ) واستدل بهذه الآية من قال: إن الموت أمر
وجودي لأنه مخلوق. ومعنى الآية: أنه أوجد الخلائق من العدم، ليبلوهم
ويختبرهم أيهم أحسن عملا؟ كما قال: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ [البقرة: 28] فسمى الحال الأول -وهو العدم-موتًا، وسمى هذه النشأة حياة. ولهذا قال: ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [البقرة: 28] . وقال
ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا صفوان، حدثنا الوليد، حدثنا
خُلَيْد، عن قتادة في قوله: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ) قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله أذل بني آدم بالموت،
وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء". ورواه مَعْمَر، عن قتادة . وقوله: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ) أي: خير عملا كما قال محمد بن عَجْلان: ولم يقل أكثر عملا. ثم
قال: (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) أي: هو العزيز العظيم المنيع
الجناب، وهو مع ذلك غفور لمن تاب إليه وأناب، بعدما عصاه وخالف أمره، وإن
كان تعالى عزيزا، هو مع ذلك يغفر ويرحم ويصفح ويتجاوز. ثم قال:
(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ) أي: طبقة بعد طبقة، وهل هن
متواصلات بمعنى أنهن علويات بعضهم على بعض، أو متفاصلات بينهن خلاء؟ فيه
قولان، أصحهما الثاني، كما دل على ذلك حديث الإسراء وغيره. < 8-177 > وقوله:
(مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ) أي: بل هو مصطحب
مستو، ليس فيه اختلاف ولا تنافر ولا مخالفة، ولا نقص ولا عيب ولا خلل؛
ولهذا قال: (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) أي: انظر إلى
السماء فتأملها، هل ترى فيها عيبًا أو نقصًا أو خللا؛ أو فطورًا؟. قال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، والثوري، وغيرهم في قوله: (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) أي: شقوق. وقال السدي: (هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) أي: من خُروق. وقال ابن عباس في رواية: (مِنْ فُطُورٍ ) أي: من وُهِيّ وقال قتادة: (هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) أي: هل ترى خَلَلا يا ابن آدم؟. وقوله:
(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ) قال: مرتين. (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ
الْبَصَرُ خَاسِئًا ) قال ابن عباس: ذليلا؟ وقال مجاهد، وقتادة: صاغرًا. (وَهُوَ حَسِيرٌ ) قال ابن عباس: يعني: وهو كليل. وقال مجاهد، وقتادة، والسدي: الحسير: المنقطع من الإعياء. ومعنى
الآية: إنك لو كررت البصر، مهما كررت، لانقلب إليك، أي: لرجع إليك البصر،
(خَاسِئًا ) عن أن يرى عيبًا أو خللا (وَهُوَ حَسِيرٌ ) أي: كليل قد انقطع
من الإعياء من كثرة التكرر، ولا يرى نقصًا. ولما نفى عنها في خلقها
النقص بين كمالها وزينتها فقال: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ
الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ) وهي الكواكب التي وضعت فيها من السيارات
والثوابت. وقوله: (وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ) عاد
الضمير في قوله: (وَجَعَلْنَاهَا ) على جنس المصابيح لا على عينها؛ لأنه لا
يرمي بالكواكب التي في السماء، بل بشهب من دونها، وقد تكون مستمدة منها،
والله أعلم. وقوله: (وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ ) أي: جعلنا للشياطين هذا الخزي في الدنيا، وأعتدنا لهم عذاب السعير في الأخرى، كما قال: في أول الصافات: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ [الصافات: 6 -10] . قال
قتادة: إنما خلقت هذه النجوم لثلاث خصال: خلقها الله زينة للسماء، ورجوما
للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ
حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم. < 8-178 > وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (
قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ
اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) يقول
تعالى: (وَ ) أعتدنا (لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ
وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) أي: بئس المآل والمنقلب. (إِذَا أُلْقُوا فِيهَا
سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا ) قال ابن جرير: يعني الصياح. (وَهِيَ تَفُورُ ) قال الثوري: تغلي بهم كما يغلي الحَبّ القليل في الماء الكثير. وقوله:
(تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ) أي: يكاد ينفصل بعضها من بعض، من شدة
غيظها عليهم وحنقها بهم، (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ
خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا
نَذِيرٌ * فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نـزلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ
أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ ) يذكر تعالى عدله في خلقه، وأنه لا يعذب
أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه وإرسال الرسول إليه، كما قال: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا [الإسراء: 15] وقال تعالى: حَتَّى
إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ
يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ
وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ
حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ
[الزمر: 71] . وهكذا عادوا على أنفسهم بالملامة، وندموا حيث لا تنفعهم
الندامة، فقالوا: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي
أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) أي: لو كانت لنا عقول ننتفع بها أو نسمع ما أنـزله
الله من الحق، لما كنا على ما كنا عليه من الكفر بالله والاغترار به، ولكن
لم يكن لنا فهم نعي به ما جاءت به الرسل، ولا كان لنا عقل يرشدنا إلى
اتباعهم، قال الله تعالى: (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأصْحَابِ
السَّعِيرِ ) قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة،
عن عمرو بن مُرَّة، عن أبي البَخْتَريّ الطائي قال: أخبرني من سمعه من رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لن يهلك الناس حتى يُعذِروا من أنفسهم"
وفي حديث آخر: "لا يدخل أحد النار، إلا وهو يعلم أن النار أولى به من الجنة" . إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) يقول
تعالى مخبرًا عمن يخاف مقام ربه فيما بينه وبينه إذا كان غائبًا عن الناس،
فينكف عن المعاصي ويقوم بالطاعات، حيث لا يراه أحد إلا الله، بأنه له
مغفرة وأجر كبير، أي: يكفر عنه ذنوبه، ويجازى بالثواب الجزيل، كما ثبت في
الصحيحين: "سبعة يظلهم الله تعالى في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله"، فذكر
منهم: "رجلا دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجلا تصدق
بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" . وقال
الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا طالوت بن عباد، حدثنا الحارث بن
عبيد، عن ثابت، عن أنس قال: قالوا: يا رسول الله، إنا نكون عندك على حال،
فإذا فارقناك كنا على غيره؟ قال: "كيف أنتم وربكم؟" قالوا: الله ربنا في
السر والعلانية. قال: "ليس ذلكم النفاق" . لم يروه عن ثابت إلا الحارث بن عُبَيد فيما نعلمه.
رد: الجزء الأول من تفسير سورة الملك
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
أبو سليمان- المشرفون
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 3412
تاريخ الميلاد : 03/11/1996
العمر : 28
رد: الجزء الأول من تفسير سورة الملك
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
رد: الجزء الأول من تفسير سورة الملك
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الثالث من تفسير سورة الملك
» الجزء الثاني والأخير من تفسير سورة الملك
» الجزء الأول من تفسير سورة ص
» الجزء الأول من تفسير سورة يس
» الجزء الأول من تفسير سورة ق
» الجزء الثاني والأخير من تفسير سورة الملك
» الجزء الأول من تفسير سورة ص
» الجزء الأول من تفسير سورة يس
» الجزء الأول من تفسير سورة ق
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير جزء يس كاملا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى