تاريخ شيشنق وتربعه على عرش الفراعنة
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
تاريخ شيشنق وتربعه على عرش الفراعنة
عصفت ببلاد النيل أيام حكم الأسرة الواحدة والعشرين أزمات معقدة ، منها الأزمات الداخلية التي ساعدت على التفكك والاٍنقسام نتيجة ٍارهاق كاهل الرعية بالضرائب ، وهو ما أدى بفراعنتها إٍلى إجراء مهادنة مع إسرائيل التي كانت في بداية عنفوانها أيام حكم النبي داوود ، لهذا أجبر فراعنة هذه الأسرة اٍلى مهادنتها تحت طائلة صلح مهين ، كانت جميع شروطه وبنوده مهينة لمصر ولصالح الاٍسرائليين .
وكانت القبائل الأمازيغية المعروفة بالمشواش رابضة فيما يعرف حاليا ببلاد ليبيا وتونس ، تتأهب تدريجيا لزحف سلمي أحيانا ، وحربي أخرى ، منذ حكم الأسرة التاسعة عشرة ، وكانت هذه القبائل ترغب في الإستقرار بمصر هروبا من الجفاف والقحط الذي أصاب بلادهم ، وهو ما يفسر استمرار الزحف دون توقف ، ولم ينجح الفراعنة في كبح جماحه .
واستمر الزحف لسنوات تمكن خلاله الأمازيغ من الاستقرار في مناطق كثيرة من بلاد النيل ، ووظفوا كجند مرتزقة ، مقابل اقتطاعات أرضية أهلتهم فيما بعد لاكتساب المواطنة والنفوذ في جيش الدولة الفرعونية ، كجنود ثم ضباط استخدموا في كبت الصراعات الداخلية المتعاظمة ، وهو مافعله الفراعنة عندما وظفوا جيش الأمازيغ في إخضاع كهنة طيبة المصريين ، وبذلك ازدادت الطموحات في الحصول على أفضل المراتب ، وكانت الفرصة سانحة لذلك ،فتمكنوا من الحصول على اقتطاعات إضافية ونماء في المكانة والجاه، وتعاظم في المراتب ،ومصاهرة مع آخر فراعنة الأسرة الواحدة والعشرين ، وهي نفس الأساليب التي وظفت في غزوات هلال وسليم للشمال الأفريقي خلال القرن الحادي عشر للميلاد ، لكن في اتجاه عكسي مغاير من حيث الٍاتجاه والأساليب .
**ظهور شيشنق الأول على مسرح الأحداث :
تزايد نفوذ الأمازيغ في مصر الفرعونية أواخر حكم الأسرة الواحدة والعشرين ، وتمكن أحدهم وهو شيشنق الأول الاٍستيلاء على السلطة سلميا ، مدشنا حكم أسرة أمازيغية لمصر الفرعونية ، دامت أزيد من قرنين من الزمان ، ونقلوا عاصمة البلاد اٍلى ( تانيس) إنها الأسرة المعروفة في التاريخ الفرعوني بالأسرة الثانية والعشرين .
**شيشنق أشهر فراعنة الأسرة 22 . ( 950/926 ق.م)
أولهم شيشنق(سوساكوس بالإغر يقية) تولى مقاليد الحكم الفرعوني في 950 ق.م وهو من أصول ليبية من قبيلة المشواش ، أسس دولة عظيمة ،باٍدارة محكمة وجيش قوي ، مكنه من فرض هيمنته على بلاد الجوار خاصة اليهود في الشام ، وبلاد السودان ومصر وليبيا .
تعتبر حادثة وصول شيشنق إلى عرش الفراعنة بداية للتقويم الأمازيغي ، الذي لايزال حيا ٍالى يومنا هذا ، والذي تحول بفعل فاعل إلى تقويم فلاحي ( نحن الآن في6029) وتعتبر انجازاته العسكرية ذات أهمية كبيرة لفائدة مصر ، اذ تمكن من توحيد البلاد وكسب ود الشعب المصري بالحفاظ على موروثهم الحضاري ومعتقدهم الديني ، وتمكن تغيير الكثير من مناحي الحياة أيام حكمه .
**كيف وطد الحكم ؟
زوّج ابنه ( اوسركون) من الأميرة ( ماكار) ابنة بزوسينيس الثاني( آخر فراعنة الأسرة21 ) لكسب شرعية الحكم ، ووضع ابنه الثاني على رأس قساوسة معبد أمون بطيبة ، وأسس عاصمة جديدة له هي ( تانيس) . وحرص على الاحتفاظ بتميزه الأمازيغي في مظهره بترك اللحية ، و الاحتفاظ باللباس الأمازيغي ، والتزين بالريش، وجعل ذيول الحيوانات أحزمة ، ووطدا حكمه بسلطة ثيوقراطية تجمع بين السلطتين الدينية والزمنية مثل الفراعنة .
وكان فراعنة الأسرة الأمازيغية حريصون على استعمال لغتهم الأصلية ( الأمازيغية) في معاملاتهم الأسرية داخل البلاط الفرعوني ،تماما كما فعل الأمبراطور سبتيم سيفروس ألذي تربع بدوره على عرش الأمبراطورية الرومانية، واثنين آخرين هما كراكلا ،وماكرين ( مقران بالأمازيغية ) من بعده ، خلال العقدين الأول والثاني من القرن الثاني قبل الميلاد .
**أهم انجزاته :
*مصدر هذه الاٍنجازات والمعلومات مستمدة غالبا من نقوش معبد سرابيوم بمنف ، الذي اكتشفه المنقب ( أوجست ماريت سنة 1850) و ضمن محتوياته لوح حجري منقوش منسوب اٍلى الكاهن حاربسون ضمنه الكثير من أخبار الأسرة 22.
* جدارية معبد الكرنك التي تتضمن أخبار انتصارات شيشنق على أهالي الشام ، وحفرت رسوم هذه الانتصارات على الحائط الجنوبي ، وغطت عن قصد المناظر العسكرية الخاصة بانتصارات رمسيس الثاني على أمازيغ ليبيا ، وترصد تلك النقوش ما كانت تقدمه البلدان الخاضعة من ضرائب وجزية بالتفاصيل الدقيقة وهو ما يؤكد فرضية التمكن والهيمنة .
* البوابة الضحمة التي تعرف الآن باسم بوابة شيشنق ،كانت تعرف في عهده ببوابة النصر ، وهي امتداد للجدار الجنوبي لبهو الأعمدة ، وقد سجل على هذه البوابة أخبار انتصاراته في فلسطين وتاريخ الكهنة من أبناء أسرته .
**في الداخل /
*تثبيت السلطة المركزية ، وفرض النفوذ على الاٍقطاعيات التي ألزمت بتقديم ولاء الطاعة ، والمساهمة العسكرية عند الحاجة ،مقابل إطلاق اليد لها في التصرف الداخلي داخل حيز الاٍقطاعية ، وقسمت البلاد ٍالى ثلا ث وحدات إدارية تسهيلا للاٍتصال والجباية .
*ضمان الدعم الديني بتنصب ابنه أوبوت كاهنا أعلى على معابد طيبة ، وبذلك شتت شمل المعارضة الدينية ، ومهد لظهور حكم ثيوقراطي .
*هذه الاٍصلاحات الجوهرية زادت من قناعة المصريين بترشد الحكم ، الذي وفر الأمن والاستقرار ،وهما أمران ساعدا بالايجاب على محك التعامل الخارجي .
**في الخارج/
* أعاد للدولة هيبتها ، وأوقف الاٍنحدار المهدد لها أيام حكم الأسرة 21.
*سعى إلى استرجاع ممتلكات مصر السابقة في النوبة والسودان وليبيا و الشام ، وحرص على تأمين القوافل التجارية ، وأنشأ محطات لتوقفها .
*عين ولاة وقادة جدد، لهم كفاءة مشهودة يخضعون لسلطته المباشرة ، لضمان الموارد المالية والجند الكفيلان باٍحداث رجة ووثبة سيكولوجية باتجاه الخارج ، قصد استرداد ماضاع في عهود سابقة .
* وأهم انجاز تحقق في عهده هي الانتصارات العسكرية المحققة على مملكة اسرائيل بفلسطين سنة 930 ق.م ،وهوما سنفرد له حيزا معتبرا لأهميته التاريخية .
شيشنق قاهر اليهود :
اشتهر النبي دوود بالشدة والصرامة في تسيير دواليب مملكة اسرائيل ، وكان سياسة خليفته سليمان مخالفة له ، ارتكزت بالأساس على سياسة حسن الجوار، وربط أواصر القربى بالمصاهرة والمداهنة ، وأخطأ باغتيال أحسن قواده (أواب) وتزوج بابنة شيشنق تقربا من فراعنة مصر ، ونال مساعدة شيشنق له في إخماد ثورات كنعانية مضادة له .
أدت كثرة الضرائب التي كان يفرضها النبي سليمان على التمرد والانقسام ،وهو ما أدى إلى ظهور ثورة مناهضة لسياسته بقيادة ( يربعام بن نباط) الذي طمع في الحكم عن طريق الاستعانة بالفرعون شيشنق الأمازيغي الذي رحب بالعرض ، .انقسمت مملكة اٍسرئيل بعد النبي سليمان ، وأفل مجدهم خاصة بعد الإنتصارات التي حققها عليهم شيشنق..
كان اليهود في وقت سابق يسخرون من المصريين ويناوشونهم باستمرار ، وفي عهد شيشنق تغيرت الظروف وانقلبت لصالح مصر بفضل إصلاحاته ، وهو ما يثبت مقولة المكانة الخارجية تصنعها قوة الداخل بأوجهها المختلفة ، وأراد أن يرد الكيل كيلين لبني إسرائيل ، فجهز جيشا قويا مؤلفا من قبائل (التحنو، والمشواش، والليبو )وهي كلها قبائل أمازيغية ذائعة الصيت في القتال ، وزحف نحو سيناء ، ثم فلسطين ، واصطدم بقوة اليهود بقيادة ( أحاب) خليفة سليمان ودارت معركة عنيفة لم يشهد اليهود مثيلا لها في تاريخهم العسكري المليء بالانتصارات ، وتمكن خيالة شيشنق من إحداث الفارق وكسب النصر، بتبديد قوة اليهود وتفريق شملهم ، وانسحب ( أحاب) نحو شمال شرق البلاد ،وهوما سمح لشيشنق فرض حصار على أورشليم ( القدس) ، الذي ورد ذكره في التورات ( ملوك أول 14/25-28)[ وفي السنة الخامسة للملك رحبعام، صعد شيشنق ملك مصر اٍلى أورشليم ،26 وأخذ خزائن بيت الرب ، وخزائن بيت الملك ،وأخذ كل شيء ، وأخذ جميع أتراس الذهب التي عملها سليمان .]، كما دمر عشرات المدن اليهودية في شمال الأردن وهاجم المملكة الشمالية ، وعرفت مصر في عهد فراعنة الأمازيغ ازدهارا منقطع النظير ،في شتى مجالات الحياة على مدار قرنين من الزمان . ودونت أخبار هذه الاٍنتصارات على جدار معبد الكرنك الشهير .
**أشهر فراعنة الأمازيغ من الأسرة 22.
اٍن تاريخ الحقبة الأمازيغية الفرعونية غارقة في الغموض ، لا يمكن حصر عدد فراعنة هذه الأسرة ، ولا إدراك منجزاتهم ، كل ما يمكن قوله أن أسماء هؤلاء الحكام كانت تسميات أجنبية دخيلة وليست مصرية ، وتشير الدراسات الأثرية المصرية أن مالا يقل عن خمسة منهم حملوا إسم شيشنق ، وأربعة أوسركون ، وثلاثة إسم تاكلوت . وكانت عاصمة هذه الأسرة الوافدة في تانيس ، وبوباستيس ، في الشمال المعروف بالوجه البحري .
استنتاجات يجب أن تقال ....؟
1) الأحداث التي عرفتها مصر الفرعونية ، وأساليب وصول قبائل المشواش الأمازيغية اٍلى سدة الحكم ، والانتصارات المحققة في عهد شيشنق الأول ، تشير بوضوح إلى القدرة المتيزة للعنصر الأمازيغي في التأقلم مع الأمم الأخرى ، وهم في ذلك لا يتنكرون لأصولهم وعاداتهم ، وهما مافعله حكام الأسرة الثانية والعشرون ، حفاظا على لغتهم الأصلية وعاداتهم ، اٍلا أنهم لم يفرضوا ذلك قسرا على ألأهلي ، ويمكن القول أنهم اندمجوا بيسر وسهولة في المجتمع المصري وتفانوا في خدمته في الداخل والخارج ، وحققوا منجزات لا تقل شأنا عن منجزات رمسيس الثاني ، وهو الشيء ذاته تكرر في روما بعد ثمانية قرون من ذلك تقريبا باعتلاء سبتيم سيفروس سدة الحكم في روما كأمبراطور لأعتى دولة في العصر القديم ، وحقق كذلك منجزات ذات أهمية بالغة في تاريخ الأمبراطورية، دون نسيان لبدة الليبية موطنه الأصلي التي أولاها عناية خاصة ( ولا زال آثاره وتمثاله يشهدان ).
2) منجزات شيشنق تحسب لصالح مصر والمصريين أم أنها تحسب لصالح الأمازيغ ؟ ، في اعتقادي أن المنجزات المحققة والشخصيات الحاكمة اندمجت في المجتمع المحلي المصري ، وما تحقق يحسب لفائدة مصر ،لأنه تحقق في بلادهم وبمجهودهم المادي والمعنوي ، أي أن الأسرة الثانية والعشرين واٍن كانت ذات أصول أمازيغية ، اٍلا أنها أصبحت بحكم موقعها مصرية ، ومنجزاتها مصرية .
3) في الغالب الهجرات وحركات التوسع في تاريخ الشمال الإفريقي تتجه من الشرق إلى الغرب ، اٍلا أن الأمر الشاذ وقع مرتين، الأولى هجرات قبائل المشواش الأمازيغية شرقا باتجاه بلاد الخصب والحضارة مصر الكنانة، والثانية زحف قبائل كتامة بأمرة الدولة الفاطمية وما تبعه من تأسيس للأزهرالشريف ، والتوسع على بلاد الشام والحجاز . وقد يكون ما كان من غزو هلال وسليم للشمال الإفريقى رد للجميل الذي سبقه..؟
4) الأحداث التاريخية لا ترحم ، وما ذكرناه قد يثير حقيقة التواجد اليهودي في أرض كنعان منذ القديم، وهم من العراقة والقدم ما يضاهي الفراعنة والأمازيغ ، وهي حقيقة قد تُغيّب أحيانا في تاريخنا وأساطيرنا ، دون أن يعلم القوم العلاقة الحميمية بين الأخوين إسماعيل وإسحاق الإبراهيميين .
5) الأقوام المهاجرة والنازحة تحت تأثير شتى العوامل ، هل تندمج في الأمة المستقبلة ؟ أم أنها تسعى إلى إدماج الأصيل في الوافد ، أو بتعبير آخر هل تندمج قبائل المشواش الأمازيغية في المجتمع المصري ، أم العكس هو الصحيح ؟أي أن المجتمع المصري يتخلى عن هويته لفائدة هوية أمازيغية وافدة من الغرب بحكم أجنبية الحاكمين لها ؟ وقياسا يمكن الحكم على ما وقع للشمال الاٍفريقي من سلب لهويته على حساب هويات دخيلة، على مدار حقب التاريخ المتتالية . أين المثاقفة ؟ ، وأين ألاٍيثار والتسامح ؟،وأين احترام الضيف للمضيف ؟
6) قد يقول قائل بأن الأمم العسكرية تخوض مغامرات دائمة الاٍ نتصار ، إلا أنها سرعان ما تذوب في الأقوام المحتلة ، لأنها لا تملك رصيدا حضاريا يقيها من الذوبان . هل هذا ما وقع فعلا لشمالنا الإفريقي ؟
هذا القول قد يصدق عند الأمم الأخرى ، أما عندنا فلم يصدق لأننا ذبنا في الوافد القادم إلينا ثقافيا ولسانيا بفعل التراكمات الدينية ، فتقمصنا هوية الغير من حيث لا ندري ، تحت طائلة المقدس لسذاجة أو جهل ، فكنا سرابا في سراب ، فالماضي مهما كان قد صاغه الخصوم والأنداد ، وشعارنا في ذلك (فليكن الماضي ما كان ، فإنه لا يهُمنا ). على خلاف الوافد التي استغل السذاجة وغياب الإهتمام فدق أسفينه في ذاتيتنا وخصوصيتنا على مدار آلاف السنين . فتنكرنا بفعل ذلك لذواتنا وتاريخنا وثقافتنا ولغتنا المحلية ، بإرادتنا وغير إرادتنا، فأصبحنا قرطاجيين أكثر من الفنيقيين،ورومانا أكثر من الرومان ، و عربا أكثر من أعراب الربع الخالي ، ومسلمين أكثر من مسلمي بلاد الحرمين ، وأتراك أكثر من أتاتورك ، وفرنسيين أكثر من فرساجيتوريكس ؟ إٍنها مازوخية متجذرة في مجتمعنا الأمازيغي، الذي يتطلب وثبة تفردية تقيه من الذوبان المعهود .
خاتمة :
إن أحداث ووقائع تاريخنا القديم تشير إلى وجودة أمة أمازيغية متفردة ومتميزة ، لها من الانجازات والمآثر ما يفوق الأنداد والخصوم ، عيبهم أنهم لم يدونوا مآثرهم ، ولم يحفظوها من آفة النسيان كما فعل غيرهم ، لسذاجة أو غفلة ، وفسحوا المجال واسعا للوافدين بإظهار نرجسيتهم على حسابنا ، فزورا تاريخنا وأمجادنا ومآثرنا ونسبوها إليهم ظلما وزورا ، وما أكثر ما قالوا ونحن سكوت ، سكوت ، سكوت ...... وبسكوتنا تحولنا إلى أمة عسكرية مقاومة تابعة للشرق مرة ، وللغرب أخرى .
وكانت القبائل الأمازيغية المعروفة بالمشواش رابضة فيما يعرف حاليا ببلاد ليبيا وتونس ، تتأهب تدريجيا لزحف سلمي أحيانا ، وحربي أخرى ، منذ حكم الأسرة التاسعة عشرة ، وكانت هذه القبائل ترغب في الإستقرار بمصر هروبا من الجفاف والقحط الذي أصاب بلادهم ، وهو ما يفسر استمرار الزحف دون توقف ، ولم ينجح الفراعنة في كبح جماحه .
واستمر الزحف لسنوات تمكن خلاله الأمازيغ من الاستقرار في مناطق كثيرة من بلاد النيل ، ووظفوا كجند مرتزقة ، مقابل اقتطاعات أرضية أهلتهم فيما بعد لاكتساب المواطنة والنفوذ في جيش الدولة الفرعونية ، كجنود ثم ضباط استخدموا في كبت الصراعات الداخلية المتعاظمة ، وهو مافعله الفراعنة عندما وظفوا جيش الأمازيغ في إخضاع كهنة طيبة المصريين ، وبذلك ازدادت الطموحات في الحصول على أفضل المراتب ، وكانت الفرصة سانحة لذلك ،فتمكنوا من الحصول على اقتطاعات إضافية ونماء في المكانة والجاه، وتعاظم في المراتب ،ومصاهرة مع آخر فراعنة الأسرة الواحدة والعشرين ، وهي نفس الأساليب التي وظفت في غزوات هلال وسليم للشمال الأفريقي خلال القرن الحادي عشر للميلاد ، لكن في اتجاه عكسي مغاير من حيث الٍاتجاه والأساليب .
**ظهور شيشنق الأول على مسرح الأحداث :
تزايد نفوذ الأمازيغ في مصر الفرعونية أواخر حكم الأسرة الواحدة والعشرين ، وتمكن أحدهم وهو شيشنق الأول الاٍستيلاء على السلطة سلميا ، مدشنا حكم أسرة أمازيغية لمصر الفرعونية ، دامت أزيد من قرنين من الزمان ، ونقلوا عاصمة البلاد اٍلى ( تانيس) إنها الأسرة المعروفة في التاريخ الفرعوني بالأسرة الثانية والعشرين .
**شيشنق أشهر فراعنة الأسرة 22 . ( 950/926 ق.م)
أولهم شيشنق(سوساكوس بالإغر يقية) تولى مقاليد الحكم الفرعوني في 950 ق.م وهو من أصول ليبية من قبيلة المشواش ، أسس دولة عظيمة ،باٍدارة محكمة وجيش قوي ، مكنه من فرض هيمنته على بلاد الجوار خاصة اليهود في الشام ، وبلاد السودان ومصر وليبيا .
تعتبر حادثة وصول شيشنق إلى عرش الفراعنة بداية للتقويم الأمازيغي ، الذي لايزال حيا ٍالى يومنا هذا ، والذي تحول بفعل فاعل إلى تقويم فلاحي ( نحن الآن في6029) وتعتبر انجازاته العسكرية ذات أهمية كبيرة لفائدة مصر ، اذ تمكن من توحيد البلاد وكسب ود الشعب المصري بالحفاظ على موروثهم الحضاري ومعتقدهم الديني ، وتمكن تغيير الكثير من مناحي الحياة أيام حكمه .
**كيف وطد الحكم ؟
زوّج ابنه ( اوسركون) من الأميرة ( ماكار) ابنة بزوسينيس الثاني( آخر فراعنة الأسرة21 ) لكسب شرعية الحكم ، ووضع ابنه الثاني على رأس قساوسة معبد أمون بطيبة ، وأسس عاصمة جديدة له هي ( تانيس) . وحرص على الاحتفاظ بتميزه الأمازيغي في مظهره بترك اللحية ، و الاحتفاظ باللباس الأمازيغي ، والتزين بالريش، وجعل ذيول الحيوانات أحزمة ، ووطدا حكمه بسلطة ثيوقراطية تجمع بين السلطتين الدينية والزمنية مثل الفراعنة .
وكان فراعنة الأسرة الأمازيغية حريصون على استعمال لغتهم الأصلية ( الأمازيغية) في معاملاتهم الأسرية داخل البلاط الفرعوني ،تماما كما فعل الأمبراطور سبتيم سيفروس ألذي تربع بدوره على عرش الأمبراطورية الرومانية، واثنين آخرين هما كراكلا ،وماكرين ( مقران بالأمازيغية ) من بعده ، خلال العقدين الأول والثاني من القرن الثاني قبل الميلاد .
**أهم انجزاته :
*مصدر هذه الاٍنجازات والمعلومات مستمدة غالبا من نقوش معبد سرابيوم بمنف ، الذي اكتشفه المنقب ( أوجست ماريت سنة 1850) و ضمن محتوياته لوح حجري منقوش منسوب اٍلى الكاهن حاربسون ضمنه الكثير من أخبار الأسرة 22.
* جدارية معبد الكرنك التي تتضمن أخبار انتصارات شيشنق على أهالي الشام ، وحفرت رسوم هذه الانتصارات على الحائط الجنوبي ، وغطت عن قصد المناظر العسكرية الخاصة بانتصارات رمسيس الثاني على أمازيغ ليبيا ، وترصد تلك النقوش ما كانت تقدمه البلدان الخاضعة من ضرائب وجزية بالتفاصيل الدقيقة وهو ما يؤكد فرضية التمكن والهيمنة .
* البوابة الضحمة التي تعرف الآن باسم بوابة شيشنق ،كانت تعرف في عهده ببوابة النصر ، وهي امتداد للجدار الجنوبي لبهو الأعمدة ، وقد سجل على هذه البوابة أخبار انتصاراته في فلسطين وتاريخ الكهنة من أبناء أسرته .
**في الداخل /
*تثبيت السلطة المركزية ، وفرض النفوذ على الاٍقطاعيات التي ألزمت بتقديم ولاء الطاعة ، والمساهمة العسكرية عند الحاجة ،مقابل إطلاق اليد لها في التصرف الداخلي داخل حيز الاٍقطاعية ، وقسمت البلاد ٍالى ثلا ث وحدات إدارية تسهيلا للاٍتصال والجباية .
*ضمان الدعم الديني بتنصب ابنه أوبوت كاهنا أعلى على معابد طيبة ، وبذلك شتت شمل المعارضة الدينية ، ومهد لظهور حكم ثيوقراطي .
*هذه الاٍصلاحات الجوهرية زادت من قناعة المصريين بترشد الحكم ، الذي وفر الأمن والاستقرار ،وهما أمران ساعدا بالايجاب على محك التعامل الخارجي .
**في الخارج/
* أعاد للدولة هيبتها ، وأوقف الاٍنحدار المهدد لها أيام حكم الأسرة 21.
*سعى إلى استرجاع ممتلكات مصر السابقة في النوبة والسودان وليبيا و الشام ، وحرص على تأمين القوافل التجارية ، وأنشأ محطات لتوقفها .
*عين ولاة وقادة جدد، لهم كفاءة مشهودة يخضعون لسلطته المباشرة ، لضمان الموارد المالية والجند الكفيلان باٍحداث رجة ووثبة سيكولوجية باتجاه الخارج ، قصد استرداد ماضاع في عهود سابقة .
* وأهم انجاز تحقق في عهده هي الانتصارات العسكرية المحققة على مملكة اسرائيل بفلسطين سنة 930 ق.م ،وهوما سنفرد له حيزا معتبرا لأهميته التاريخية .
شيشنق قاهر اليهود :
اشتهر النبي دوود بالشدة والصرامة في تسيير دواليب مملكة اسرائيل ، وكان سياسة خليفته سليمان مخالفة له ، ارتكزت بالأساس على سياسة حسن الجوار، وربط أواصر القربى بالمصاهرة والمداهنة ، وأخطأ باغتيال أحسن قواده (أواب) وتزوج بابنة شيشنق تقربا من فراعنة مصر ، ونال مساعدة شيشنق له في إخماد ثورات كنعانية مضادة له .
أدت كثرة الضرائب التي كان يفرضها النبي سليمان على التمرد والانقسام ،وهو ما أدى إلى ظهور ثورة مناهضة لسياسته بقيادة ( يربعام بن نباط) الذي طمع في الحكم عن طريق الاستعانة بالفرعون شيشنق الأمازيغي الذي رحب بالعرض ، .انقسمت مملكة اٍسرئيل بعد النبي سليمان ، وأفل مجدهم خاصة بعد الإنتصارات التي حققها عليهم شيشنق..
كان اليهود في وقت سابق يسخرون من المصريين ويناوشونهم باستمرار ، وفي عهد شيشنق تغيرت الظروف وانقلبت لصالح مصر بفضل إصلاحاته ، وهو ما يثبت مقولة المكانة الخارجية تصنعها قوة الداخل بأوجهها المختلفة ، وأراد أن يرد الكيل كيلين لبني إسرائيل ، فجهز جيشا قويا مؤلفا من قبائل (التحنو، والمشواش، والليبو )وهي كلها قبائل أمازيغية ذائعة الصيت في القتال ، وزحف نحو سيناء ، ثم فلسطين ، واصطدم بقوة اليهود بقيادة ( أحاب) خليفة سليمان ودارت معركة عنيفة لم يشهد اليهود مثيلا لها في تاريخهم العسكري المليء بالانتصارات ، وتمكن خيالة شيشنق من إحداث الفارق وكسب النصر، بتبديد قوة اليهود وتفريق شملهم ، وانسحب ( أحاب) نحو شمال شرق البلاد ،وهوما سمح لشيشنق فرض حصار على أورشليم ( القدس) ، الذي ورد ذكره في التورات ( ملوك أول 14/25-28)[ وفي السنة الخامسة للملك رحبعام، صعد شيشنق ملك مصر اٍلى أورشليم ،26 وأخذ خزائن بيت الرب ، وخزائن بيت الملك ،وأخذ كل شيء ، وأخذ جميع أتراس الذهب التي عملها سليمان .]، كما دمر عشرات المدن اليهودية في شمال الأردن وهاجم المملكة الشمالية ، وعرفت مصر في عهد فراعنة الأمازيغ ازدهارا منقطع النظير ،في شتى مجالات الحياة على مدار قرنين من الزمان . ودونت أخبار هذه الاٍنتصارات على جدار معبد الكرنك الشهير .
**أشهر فراعنة الأمازيغ من الأسرة 22.
اٍن تاريخ الحقبة الأمازيغية الفرعونية غارقة في الغموض ، لا يمكن حصر عدد فراعنة هذه الأسرة ، ولا إدراك منجزاتهم ، كل ما يمكن قوله أن أسماء هؤلاء الحكام كانت تسميات أجنبية دخيلة وليست مصرية ، وتشير الدراسات الأثرية المصرية أن مالا يقل عن خمسة منهم حملوا إسم شيشنق ، وأربعة أوسركون ، وثلاثة إسم تاكلوت . وكانت عاصمة هذه الأسرة الوافدة في تانيس ، وبوباستيس ، في الشمال المعروف بالوجه البحري .
استنتاجات يجب أن تقال ....؟
1) الأحداث التي عرفتها مصر الفرعونية ، وأساليب وصول قبائل المشواش الأمازيغية اٍلى سدة الحكم ، والانتصارات المحققة في عهد شيشنق الأول ، تشير بوضوح إلى القدرة المتيزة للعنصر الأمازيغي في التأقلم مع الأمم الأخرى ، وهم في ذلك لا يتنكرون لأصولهم وعاداتهم ، وهما مافعله حكام الأسرة الثانية والعشرون ، حفاظا على لغتهم الأصلية وعاداتهم ، اٍلا أنهم لم يفرضوا ذلك قسرا على ألأهلي ، ويمكن القول أنهم اندمجوا بيسر وسهولة في المجتمع المصري وتفانوا في خدمته في الداخل والخارج ، وحققوا منجزات لا تقل شأنا عن منجزات رمسيس الثاني ، وهو الشيء ذاته تكرر في روما بعد ثمانية قرون من ذلك تقريبا باعتلاء سبتيم سيفروس سدة الحكم في روما كأمبراطور لأعتى دولة في العصر القديم ، وحقق كذلك منجزات ذات أهمية بالغة في تاريخ الأمبراطورية، دون نسيان لبدة الليبية موطنه الأصلي التي أولاها عناية خاصة ( ولا زال آثاره وتمثاله يشهدان ).
2) منجزات شيشنق تحسب لصالح مصر والمصريين أم أنها تحسب لصالح الأمازيغ ؟ ، في اعتقادي أن المنجزات المحققة والشخصيات الحاكمة اندمجت في المجتمع المحلي المصري ، وما تحقق يحسب لفائدة مصر ،لأنه تحقق في بلادهم وبمجهودهم المادي والمعنوي ، أي أن الأسرة الثانية والعشرين واٍن كانت ذات أصول أمازيغية ، اٍلا أنها أصبحت بحكم موقعها مصرية ، ومنجزاتها مصرية .
3) في الغالب الهجرات وحركات التوسع في تاريخ الشمال الإفريقي تتجه من الشرق إلى الغرب ، اٍلا أن الأمر الشاذ وقع مرتين، الأولى هجرات قبائل المشواش الأمازيغية شرقا باتجاه بلاد الخصب والحضارة مصر الكنانة، والثانية زحف قبائل كتامة بأمرة الدولة الفاطمية وما تبعه من تأسيس للأزهرالشريف ، والتوسع على بلاد الشام والحجاز . وقد يكون ما كان من غزو هلال وسليم للشمال الإفريقى رد للجميل الذي سبقه..؟
4) الأحداث التاريخية لا ترحم ، وما ذكرناه قد يثير حقيقة التواجد اليهودي في أرض كنعان منذ القديم، وهم من العراقة والقدم ما يضاهي الفراعنة والأمازيغ ، وهي حقيقة قد تُغيّب أحيانا في تاريخنا وأساطيرنا ، دون أن يعلم القوم العلاقة الحميمية بين الأخوين إسماعيل وإسحاق الإبراهيميين .
5) الأقوام المهاجرة والنازحة تحت تأثير شتى العوامل ، هل تندمج في الأمة المستقبلة ؟ أم أنها تسعى إلى إدماج الأصيل في الوافد ، أو بتعبير آخر هل تندمج قبائل المشواش الأمازيغية في المجتمع المصري ، أم العكس هو الصحيح ؟أي أن المجتمع المصري يتخلى عن هويته لفائدة هوية أمازيغية وافدة من الغرب بحكم أجنبية الحاكمين لها ؟ وقياسا يمكن الحكم على ما وقع للشمال الاٍفريقي من سلب لهويته على حساب هويات دخيلة، على مدار حقب التاريخ المتتالية . أين المثاقفة ؟ ، وأين ألاٍيثار والتسامح ؟،وأين احترام الضيف للمضيف ؟
6) قد يقول قائل بأن الأمم العسكرية تخوض مغامرات دائمة الاٍ نتصار ، إلا أنها سرعان ما تذوب في الأقوام المحتلة ، لأنها لا تملك رصيدا حضاريا يقيها من الذوبان . هل هذا ما وقع فعلا لشمالنا الإفريقي ؟
هذا القول قد يصدق عند الأمم الأخرى ، أما عندنا فلم يصدق لأننا ذبنا في الوافد القادم إلينا ثقافيا ولسانيا بفعل التراكمات الدينية ، فتقمصنا هوية الغير من حيث لا ندري ، تحت طائلة المقدس لسذاجة أو جهل ، فكنا سرابا في سراب ، فالماضي مهما كان قد صاغه الخصوم والأنداد ، وشعارنا في ذلك (فليكن الماضي ما كان ، فإنه لا يهُمنا ). على خلاف الوافد التي استغل السذاجة وغياب الإهتمام فدق أسفينه في ذاتيتنا وخصوصيتنا على مدار آلاف السنين . فتنكرنا بفعل ذلك لذواتنا وتاريخنا وثقافتنا ولغتنا المحلية ، بإرادتنا وغير إرادتنا، فأصبحنا قرطاجيين أكثر من الفنيقيين،ورومانا أكثر من الرومان ، و عربا أكثر من أعراب الربع الخالي ، ومسلمين أكثر من مسلمي بلاد الحرمين ، وأتراك أكثر من أتاتورك ، وفرنسيين أكثر من فرساجيتوريكس ؟ إٍنها مازوخية متجذرة في مجتمعنا الأمازيغي، الذي يتطلب وثبة تفردية تقيه من الذوبان المعهود .
خاتمة :
إن أحداث ووقائع تاريخنا القديم تشير إلى وجودة أمة أمازيغية متفردة ومتميزة ، لها من الانجازات والمآثر ما يفوق الأنداد والخصوم ، عيبهم أنهم لم يدونوا مآثرهم ، ولم يحفظوها من آفة النسيان كما فعل غيرهم ، لسذاجة أو غفلة ، وفسحوا المجال واسعا للوافدين بإظهار نرجسيتهم على حسابنا ، فزورا تاريخنا وأمجادنا ومآثرنا ونسبوها إليهم ظلما وزورا ، وما أكثر ما قالوا ونحن سكوت ، سكوت ، سكوت ...... وبسكوتنا تحولنا إلى أمة عسكرية مقاومة تابعة للشرق مرة ، وللغرب أخرى .
zaara- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 6998
رد: تاريخ شيشنق وتربعه على عرش الفراعنة
شكرا لك على الموضوع الجميل و المفيد
اميرة الاحساس- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 850
تاريخ الميلاد : 27/07/1997
العمر : 27
الموقع : في كل مكان
مواضيع مماثلة
» شيشنق الملك الأمازيغي الذي هزم الفرعون
» تاريخ كسيلـــة أو آكسيـــل
» تاريخ نوميديا
» تاريخ الاسكا
» تاريخ الجزائر العام.
» تاريخ كسيلـــة أو آكسيـــل
» تاريخ نوميديا
» تاريخ الاسكا
» تاريخ الجزائر العام.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى