دخول الأتراك إلى الجزائر
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
دخول الأتراك إلى الجزائر
التواجد العثماني في الجزائر
1- أسباب التوجود العثماني في الجزائر:
كان دخول الأتراك العثمانيين إلى الجزائر بسبب استنجاد أهلها بالأخوين عروج و خير الدين، الذين تمكنا من فتح مدينة جيجل سنة 1514 ، و استقرا في مينائها الصغير.
ثم توجها إلى مدينة الجزائر، بعدما اتصلت بهما عدة شخصيات بارزة ” لإقناعهم و ترجيهم بالقدوم لتخليصهم من مضايقة و ظلم المسحيين ” و تهديم القلعة التي بناها الأسبان على تلال الجزر المقابلة للمدينة.
و بعد انتصار عروج و أخيه على حميد العبد شيخ سويد بتنس الذي كان خاضعا للأسبان ، جاءهما وفد من تلمسان يطلب منهما المساعدة و الحماية و لكن أبو حمو الثالث استنجد ” بحلفائه الأسبان، و حاصروا بابا عروج بتلمسان ثم هزموه و قتلوه سنة 1518“.
تولى بعد عروج رئاسة الجيوش التركية أخوه خير الدين، و لما كان في موقع ضعف، طلب المساعدة من السلطان العثماني سليم الأول ” مقابل الاعتراف بسلطته و دفع ضريبة، أو ضمان زيادة قوة الأتراك في بلاد البربر ” فزوده السلطان بأعداد من الجيش و بعدّة حربية. و دخلت بذلك الجزائر تحت الحماية العثمانية، و أصبح خير الدين رئيسا لها و منح له “لقب بيلارباي سنة 1534 حسب الموسوعة التركية”
و ثبّت ” خير الدين كنائب للبادي شاه- و هو لقب من ألقاب السلطان العثماني” مع امتياز التسمية بيلارباي الجزائر و قائد للأجواق، ونائب للسلطان، و العامل باسم البادي شاه. و بهذه الطريقة تكونت إيالة الجزائر”
و عرفت إيالة الجزائر عدّة أشكال من أنظمة الحكم السياسية، عبر فترات تاريخية محددة.
الفتـرة الأولى: هي فترة حكم البيلارباي أو باي البايات، و استمرت من 1518 إلى 1588، تميزت باستقرار الحكم التركي في الجزائر
الفتـرة الثانية: و هي فترة حكم الباشاوات و التي امتدت من سنة 1588 إلى سنة 1659و حددت مدّة حكم الباشا بثلاث سنوات .
الفتـرة الثالثة: فترة حكم الأغا وات القصيرة، و تميزت بالفوضى و الاضطراب .
الفتـرة الرابعة: فترة الدايات التي بدأت سنة 1671 و تواصلت إلى غاية الاحتلال الفرنسي للجزائر، وتميزت باستقلالها السياسي الفعلي عن سلطة الباب العالي .
2- تدهور الأوضاع الاقتصادية
و عندما استقر الأتراك في مدينة الجزائر، تحول نشاط القرصنة إلى مؤسسة ” فنظمت طرق التوظيف و التمويل و العمليات الحربية و أصبحت الطريقة الجزائرية مثالا يحتذي“ و الذي يهمنا من هذه المؤسسة، هو المدخول المادي الذي كانت توفره لخزينة الدولة من الغنائم و الأموال. و لكن فترة ازدهارها كانت قصيرة لذلك اهتمت إيالة الجزائر بأنشطة أخرى كالصناعة و التجارة و الزراعة.
فأما النشاط الصناعي فكان ضعيفا حيث اقتصر على الصناعات المحلية اليدوية، و بعض الصناعات المعدنية التحويلية الأخرى و التي تمثلت في ” صناعة الأغطية الصوفية، و الأحزمة الحمراء بتلمسان، و البرانس و الزرابي و الحصر بالأطلس، و الفخار بندرومة، و الأحذية و الزرابي بقلعة بن راشد، و الأدوات الجلدية و الأقمشة بمازونة، و مهن الحدادة و صنع الأسلحة و الفضة بمناطق جرجرة، و معالجة الأصواف و الجلود و صنع السروج بقسنطينة و صناعة الحلي و الأحذية و الشواشي بمدينة الجزائر” و الملاحظ على هذه الصناعات أنها كانت محصورة في بعض الأسر من الحضر الأندلسيين و اليهود.
و كان من العوامل التي حالت دون تطور هذه النشاطات ” فتح باب الاستيراد الخارجي و الإكثار من الضرائب و تحكم النقابات المهنية في الصناع ”
و أما بالنسبة للتجارة فقد كانت فعاليتها أقوى من الصناعة. حيث كانت تتم على الصعيدين الداخلي و الخارجي. فنشاطات التجارة الداخلية كانت تجري داخل المدن بواسطة الأسواق الأسبوعية و السنوية في الأرياف. و قد ساعد على تعزيز هذه التبادلات عاملان هما ” أولا تشجيع الحكومة للأسواق التجارية لفرض نفوذها على سكان الأرياف [...] و ثانيا مرور القوافل عبر الأراضي الجزائرية نحو المشرق العربي أو بلاد السودان ” بيد أنّ هذا النشاط لم يساعد على نمو إيالة الجزائر و تطورها في القرنين السابع عشر و الثامن عشر الميلادي بسبب تأثره بمجموعة من الأوضاع الصحية و الطبيعية و السياسية .
فبالنسبة للأوضاع الصحية سجل حدوث أوبئة فتاكة أودت بحيات المئات من الجزائريين من ذلك ما ذكره نقيب الأشراف عن وباء سنة 1201هـ / 1785م حيث يقول ” جاء الوباء للجزائر حتى وصل عدد الأموات أحيانا خمس مائة جنازة كل يوم […] و طال الوباء إلى سنة 1211هـ /1795 م[11] ” ثم ظهر مرة أخرى سنة 1232هـ/1816م ” و بقي بها سبع سنين إلى آخر سنة 1239هـ/1823م” و مما ساعد على انتشار تلك الأوبئة، جهل الأهالي بأبسط قواعد حفظ الصحة و كذا ضعف عناية الحاكم العثماني بتطوير العلوم فعنايتهم ” بتدوين الطب و الحساب و الفلك و الرسم و العمارة و الموسيقى قليلة” بل إنّ بعض الرحالة الأجانب اتهموا علماء الجزائر ” بممارسة السحر و الشعوذة ” خاصة مع الانتشار الواسع للمرابطين و شيوخ الطرق الصوفية وسيطرتهم على حياة الناس العامة.
كما تعرضت الجزائر لمجاعات مهلكة كتلك التي حدثت سنة 1800 ” اختفت فيها الأقوات من الأسواق [....] ثم أعقب هذه المجاعة فحط عمّ البلاد سنتي 1806،1807“فأدى ذلك إلى غلاء الأسعار و ندرة المواد الغذائية.
و زاد من سوء أوضاع الناس المعيشية، تعرضهم للكوارث الطبيعية، كالزلازل، من ذلك مثلا زلزال القليعة سنة 1217هـ/1802م و زلزال البليدة سنة 1241هـ/1825م” و مما زاد الأمور تدهورا هجوم الجراد سنة 1230هـ/ 1825م بالإضافة إلى عدم استقرار الأوضاع السياسية خاصة في عهد الدايات[18] .
أما بالنسبة للزراعة، فقد كانت هي المورد الرئيسي الذي يؤمّن معيشة الغالبية من السكان و تميز أسلوب الإنتاج فيها بالنظام الإقطاعي حيث كانت أقطاعات الأراضي الخصبة ملكا للطائفة التركية و التي كانت تعتمد في زراعتها على طريقة الخماسة، فيحصل الفلاح أو الخماس على خمس الإنتاج مقابل عمله في أرض الإقطاعي التركي. و لكن الوضعية السيئة التي آل إليها الفلاح جعلته يترك العمل في الأرض و يميل إلى ” الزراعة المؤقتة، و الرعي المتنقل لا سيما في المناطق التي ينعدم فيها الأمن” أو ما يعرف بأرض الخلاء هروبا من سياسة الضرائب المجحفة في حقه، فقد كان ” معرضا للحملات العسكرية و مهددا من قبائل المخزن المسلحة “. زيادة على تعرضه للأمراض، ومعاناته من الفقر و المجاعات.
كانت السلطة الحاكمة تعتمد في دخلها المالي على النظام الضرائبي خاصة بعدما تناقصت غنائم الجهاد البحري، و تقلصت ثروات سكان المدن. و تميز هذا النظام بشكلين:
الأول : يتمثل في ضرائب و رسوم القطاع الريفي، و اتصفت بالتعدد و التنوع و يمكن تحديدها كالتالي : ضرائب الملكيات الخاصة و تسمى العشور، فوائد و رسوم أراضي البايلك التي تم الحصول عليها بطريق المصادرات المتعددة التي يقوم بها البايات و الأغاوات“، و كذا الضرائب المستحقة على أراضي العرش و المناطق المستعصية على نفوذ البايلك، و تعرف بالغرامة التي تفرض عوضا عن العشور. ثم اللزمة، و هي بمثابة الخراج الذي تنص عليه الأحكام الإسلامية باعتبارها ضريبة الرعية المغلوبة على أمرها ثم المعونة التي تقدمها القبائل مساهمة منها في خزينة الأيالة، بالإضافة إلى غرامات أخرى كضيفة الباي، التي يشترى بها الباي الهدايا المخصصة لداي الجزائر و غرامة الفرح أو البشارة، و تؤخذ كرمز للفرح و الابتهاج بتولية الباي أو إقراره من جديد. و غرامة خيل الرعية، و هي مساهمة مادية من بعض القبائل، و تشمل عددا من الخيل و دواب للنقل.
و ما يميز هذه الضرائب، هو كونها تعسفية، و غير عادلة، فهي لا تخضع لأي نظام قانوني و إنما تحدد كمياتها ” بقوة المحلة الفصلية، و فعالية فرسان المخزن و بالفصل الذي تؤخذ فيه“.
و كان هذا التعسف في جمع الضرائب من العوامل التي زادت من فقر الفلاح الجزائري، و سوء أحواله المعيشية. و تصور لنا بعض المصادر تلك الممارسات الجائرة، منها ما ذكره السلاوي على لسان ابن الشريف الدرقاوي الذي اشتكى إلى مبعوث السلطان ” ما نال الفقراء و المنتسبين و سائر الرعية من عسف الترك و جورهم، و إنهائهم في ذلك إلى القتل و الطرد من الوطن“.
أما الشكل الثاني فيتمثل في الضرائب التي كانت تؤخذ من سكان المدن و تتمثل في عوائد بيت المال، التي تتألف من مردود الأوقاف و ما يعود إلى الخزينة العامة، من الودائع و الأملاك التي يتوفى أصحابها الشرعيين و تبقى بدون وريث، رسوم النقابات المهنية و الدكاكين التجارية، رسوم الطوائف العرقية و الأقليات الدينية، المصادرات المتمثلة في كل ما تصادره سلطات الأيالة التي يتعرض لها بعض الأغنياء من الحضر و اليهود و كثير من موظفي الدولة، رسوم المرسى و حقوق الديوانه.
و الملاحظ على السياسة الاقتصادية، الضريبية لإيالة الجزائر أنها مرت بمرحلتين :
الأولى : ” استغرقت القرن السادس عشر و النصف الأول من القرن السابع عشر“، كانت فيها مداخيل القرصنة أو الجهاد البحري كبيرة، فأدى ذلك بالحكام إلى عدم التدخل في شؤون السكان الداخلية، و كانوا يكتفون بالتعامل مع شيوخهم و مرابطيهم، إذ كان الناس يستجيبون لسلطة هؤلاء الروحية، الذين كانوا يتمتعون في المقابل بتأييد الحكام لهم .
الثانية : و التي امتدت من أواخر القرن السابع عشر إلى تاريخ الاحتلال الفرنسي، و تميزت سياساتهم فيها بالتدخل في شؤون السكان، و العمل على إخضاع القبائل لسلطتهم، و الهيمنة على القبائل الحليفة بسبب تناقص مداخيل الجهاد البحري ” و قد اتبعوا في ذلك أسلوبا يعتمد على القوة و يتصف بعدم مراعاة ظروف و أحوال الأهالي، و تجاهل رجال الدين“. و كان ذلك سببا مباشرا في ضعف سلطة المرابطين على الناس، و التي أصبحت في يد رجال الطرق الصوفية الذي أعلنوا التمرد على الحكام، و قاموا بعدة ثورات، يقول العيد مسعود :” إن إرهاق العثمانيين للقبائل بزيادة الضرائب في القرن 18، حيث انكمشت موارد القرصنة، جعلت القبيلة تبحث لها عن قوة جديدة تحميها و تلتف حولها، فوجدت هذه القوة في الطرق الصوفية التي يتألف أتباعها من عشرات القبائل لا من قبيلة واحدة“.
و لم تكن الثورة هي الأسلوب الوحيد الذي وجد فيه الناس وسيلة للتخلص من تسلط الأتراك عليهم، بل كانوا يلجئون أيضا إلى الوقف الذي وجد فيه السكان أحسن وسيلة، و خير عزاء أمام مظالم الحاكم ” فهو أفضل طريقة تمكن أصحاب الأراضي من حفظ أملاكهم و وضع ثرواتهم في مأمن من تعسف الحكام، و أحسن أسلوب للمحافظة على أملاكهم و السماح لذريتهم بالاستنفاع بها“.
و كان هذا الوقف مقصورا على الأعمال الخيرية، طلبا للآخرة، استفادت منه المؤسسات الدينية بمختلف أنواعها، فشكل كما يقول سعد الله ” مصدر عيش للزوايا و الأضرحة و غيرها من المؤسسات الدينية“.
و كان يتولى الإشراف على أوقاف الأولياء ” وكيل المرابطين” و كانت تخصص مداخيلها لرعاية و صيانة أضرحة الأولياء. فقد بلغت أوقاف أضرحة مدينة الجزائر ” أملاكا موقوفة على تسعة عشر وليا” على رأسها ضريح عبد الرحمان الثعالبي.
و كان من نتائج هذه الأوقاف أن قوية الزوايا و أصبحت تؤدي دورا اجتماعيا بارزا في التكفل بالفقراء و العجزة، و زادت من الشعور الديني في نفوس الناس الذين أصبحوا خاضعين لنفوذ المرابطين و شيوخ الزوايا.
3- عناية الحاكم العثماني برجال الدين و أثر ذلك في ترسيخ عقيدة المرابط:
و تأثرت دولة الجزائر في العهد العثماني بروح العصر، بداية من القرن السابع الهجري، الذي تلون بالاتجاه الصوفي و الطرقي، فقد كان سلاطين الدولة العثمانية متأثرين إلى حد بعيد بالتصوف –فكرا و سلوكا- فكان ” سلطان القسطنطينية حاميا للطريقة القادرية في الشرق و حتى بغداد، حيث كان مركز هذه الطريقة الرئيسي ” فلا غرابة إذن، إذا وجدنا حكام الجزائر الأتراك يهتمون بالإسلام الصوفي و طرقه، خاصة الطريقة القادرية، و أما العامل الآخر في إتباع الأتراك في الجزائر سياسة صوفية، هو كون التصوف كان قد بسط نفوذه على ربوع البلاد شرقها، و غربها، شمالها، و جنوبها، و إليه يعود الفضل في رفع لواء الجهاد ضد غزوات الصليبيين. و لا يمكن في هذا السياق تجاهل الدور الجهادي الذي أداه الصوفية في الدفاع عن الدين الإسلامي، و كذا نشره.
فلم يكن التصوف في الجزائر العثمانية شيئا جديدا أو طارئا جلبه الأتراك معهم، بل امتدادا للحركة التي ظهرت خلال حكم الموحدين، و ازدادت انتشارا و تجدرا خلال القرون التي تلت.فمعظم كبار الصوفية و مؤسسي الطرق الصوفية في التاريخ قد ظهروا قبل القرن العاشر/16مو وافق دخول الأتراك إلى الجزائر، التفاف الناس حول المرابطين و تقديسهم بل تأليههم. و قد كثروا كثرة ملفتة للنظر استفاد منها الحكام في المجالين:
الأول : مجال الجهاد، فالصوفية و المرابطون كانوا يدعون إلى الجهاد و يجمعون التبرعات، و التقت هذه الدعوات مع الأهداف السامية للقرصنة أو الجهاد البحري.
الثاني: يتمثل في إدارة أمور الاهالي، و تسيير شؤون البلاد باستغلال سلطة المرابطين الروحية على الناس و التي بلغت درجة ارتبطت بها حياتهم” فعلى سخط أو بركة المرابط تتوقف سعادة القبائلي الخيالية ”
و إذا أضفنا إلى ذلك عامل تدين العثمانيين أنفسهم، و تأثرهم بالإسلام الصوفي، أمكننا ان نقف على المبررات التي دفعت الأتراك إلى العناية بالمرابطين فكانوا يعظمونهم، و يتقربون إليهم ” و يتبركون بهم و يطلعونهم على خططهم و نحو ذلك ” و لتشجيعهم كان البشوات يعينونهم رؤساء روحيون على الأعراش و القبائل، ينتفعون بأعطياتهم و زكواتهم، و قد ذكر شارل فيرو نصين يظهران ذلك و يتمثل النص الاول في مرسوم تعيين مرابط في ناحية بجاية جاء في بعض منه مايلي ” أما بعد فإن حاملة المعظم الفقيه الأجل السيد المولى الاعلى البركة، السيد عبد القادر بن المرحوم الولي الصالح القطب الناصح الشيخ البركةسيدي أمقران نفعنا الله ببركاته و افاض علينا، أنعمنا عليه بكافة عرش برباشة الذي هما على ثلاث فرقات ، فرقة يقال لها أولاد عبد الله، و الفرقة الثانية تسمى بيري، و الفرقة الثالثة التي تجمع الجميع يقال لها برباشة، يكون الجميع كلهم زاوية من جميع زواياه ، و يكون كلهم حبسا عليه و على اعقاب أعقابه ينتفع بمقرهم و زكاتهم له، و رفعنا عليهم يد باي الآرا المحال هذه الناحية الشرقية و عمالهم. عن الأذن المعظم أرفع مولانا الدولاتاي الحاج محمد باشا أيّده الله بمنّه آمين . أواسط شهر جمادى الثانية ( سنة 1093هـ ) المواقف لشهر جوان 1682م .
أما النص الثاني ” فيتعلق بتعيين مرابط قرية جيجل، جاء في بعض منه ما يلي ” الحمد لله وحده، ليعلم من يقف على هذا الأمر الكريم، و الخطاب الواضح الجسيم، من القواد و العمال الخاص و العام، و جميع المتصرفين في الأحوال خصوصا قرية جيجل، أما بعد فإن حاملة المعظم الأجل السيد الحاج أحمد المكي نجل القطب سيدي محمد أمقران نفعنا الله ببركاته آمين، أنعمنا عليه و قدمناه مرابط بقرية جيجل، و لا يتعدى عليه أحد من أهل النوبة و لا من يكسر عليه حرمة ، لا آغا النوبة و لا غيره من سكان قرية جيجل من العسكر، هذا كله حرمه منا و لوقوفه مع النوبة في إتيان الأرزاق و لوجه جده المذكور و لطعمه الفقراء و المساكين كتب عن إذن المعظم الأرفع مولانا الدولاتاي السيد على باشا، أواسط شوال (1168هـ) الموافق لـجويلية (1755م)[35] “
فتوطدت علاقات متينة بين العثمانيين و المرابطين، و عملوا على تجسيدها على الواقع السياسي و الحربي، فإستفادوا من معادات المرابطين للملوك الذين سبق وجودهم العهد العثماني من ذلك مثلا معادات الملياني للزيانيين ” و تذكر الروايات أن عروج قد زار الملياني و إتفق معه سرا على عدة أمور“، كما زار خير الدين و إبنه حسن، الشيخ أحمد الكبير ولي البليدة ، الذي ” كان ساكنا في كوخ بوادي رومان [...] و بنى له مسجدا و بقربه فرنا و حماما لأتباعه المورسك“.
و كان العثمانيون يحبسون بعض من أملاكهم وقفا على الزوايا و الأضرحة و المساجد ” فعلى سبيل المثال نذكر أن الباي حسين بن صالح عام 1221هـ/1807م عندما خرج في إحدى حملاته العسكرية أخذ على نفسه نذرا يتعهد فيه ببناء دار الولي سيدي علي العريان و السيد محمد بن سيدي سعيد و إصلاح مسجده و تحسين أوقاف يستعين بها على رعاية الطلبة و الغرباء و أبناء السبيل“.
و كانوا يتبركون بهم أيضا ببناء المشاهد و القباب على قبورهم، و كذا الزوايا. فقد عرف ” عن الباي محمد الكبير أنه إعتنى ببناء مشهد الولي محمد بن عودة و الولي أحمد بن يوسف“، كما أعيد تجديد ضريح عبد الرحمان الثعالبي خلال العهد العثماني أربع مرات، الأولى في عهد مصطفى باشا، و الثانية على يد الوكيل عبد القادر، في عهد حسين باشا، و الثالثة على يد الباي الحاج أحمد، أما التجديد الرابع فكان في عهد عبدي باشا.
و لزم عن إعتناء الحكام الأتراك لإيالة الجزائر بالمرابطين أحياء و أموات، أن كثرت الأضرحة و القباب، بحيث لم تعد مدينة أو قرية تخلو من زاوية أو ضريح أو قبة على أقل تقدير ” و عند كل بناية أناس يتبركون و يدعون و يزورون و يتقربون، و يقيمون الحضرة و يقدمون الهدايا و يذبحون الذبائح، آتين من كل فج“
و لم تأتي عناية الحاكم العثماني بالمرابطين للإستفادة منهم كأداة سياسية، بل كانت تعكس إتجاههم الديني و الصوفي، و ذلك ما يفسر محاولاتهم الحصول على رضى المرابطين، تحقيقا لأهداف دينية شخصية، متأثرين في ذلك كله بالبيئتين الثقافيتين، العثمانية و الجزائرية، ف ” كان الدين هو المبرر الأول لظهور العثمانيين في المشرق و المغرب“. و هو ما يفسر كذلك زيارتهم للشيوخ، و سؤالهم الدعاء لهم، من ذلك ما أورده سعد الله، من أن ” بيري رايس العثماني، يذكر أنه هو و عمه قائد الغزوة كمال رايس، نزلا سنة 901 بمدينة بجاية و لجأ إلى زاوية الشيخ محمد التواتي، الذي كان يبلغ من العمر مائة و عشرين سنة، [...] و ظلاّ شتائين في بجاية حبا في الشيخ التواتي بينما كانا يذهبان في الصيف للغزو و الجهاد[43]“.
و كانا هذا سلوكا شائعا، منتشرا بين البحارة، حيث كانوا يذهبون إلى الأولياء عند خروجهم للجهاد، تبركا بهم. و ظهر في هذا العصر أيضا الإهتمام بتراجم الأولياء و الصالحين و يرى سعد الله أن ذلك كان إستجابة لنداء بعض الشيوخ، و في هذا الشأن يورد إبن مريم نصيحة الشيخ السنوسي لأبناء عصره، فيقول : ” ليكن إعتناؤك يا أخي بمن تأخر من الصالحين، و خصوصا من أهل بلدك حلولا بالسكن و الدفن، أكثر من إعتنائك بمن تقدم منهم“، محذرا إياهم من مغبة الجهل بأولياء الله، فيكون ذلك سبب هلاكهم. و بوحي من هذا الرأي إندفع تلاميذ السنوسي إبتداءا من القرن العاشر الهجري، يؤرخون للمرابطين و الأولياء، و الصلحاء المعاصرين على حد سواء“.
و كانت هذه الفترة تربة خصبة أنبتت أعداد هائلة من المرابطين و شيوخ الطرق الصوفية – حقيقيون و أدعياء – و يذكر سعد الله بعض النماذج منهم، كالقاسم بن أم هانئ الذي إتخذ طريقه الشعوذة التي بدأها ” بالإكثار من الصوم، و الصلاة، و لبس الغرارة المرقعة، و أكل الشعير حتى إشتهر أمره بين الناس“، في قسنطينة و نواحيها و لكي يتجنب مضايقات الولاة أو منعهم إياه من ممارسة تدجيله كان يلجأ إلى إرشاءهم ليكفَوا أيديهم عنه، و كان أتباعه يذهبون إلى البوادي و ينادون بأن شيخهم ” يبرئ من العاهات و نحو ذلك من أنواع الكرامات“.
و منهم أيضا أحمد بوعكاز الذي جعل من نفسه شيخ طريقة يؤخذ منه العهد، و أقام الحضرة ” و جاءه الناس بالجبايا من شرق قسنطينة و غربها من إبل و شاه و خيل و بقر“. و تقرب إليه الأعيان بالهدايا و العطايا لإدعائه بأنه ” يولي الخطط المخزنية لأرباب الدولة أو ينتزعها منهم“. و منهم أيضا محمد الحاج الذي ظهر في البوادي، نواحي أم دكال، و إتخذ لنفسه زاوية و تبعه كثيرون، أخذ منهم الأعشار و الجبايا و كان من شدة إعتقاد الناس فيه أنهم قدموا له التعازي عندما مات له أحد القطط، بعد ما أظهر تأثره لتلك الحادثة.
و لم يكن الناس يهتمون بدرجة العلم لدى مرابطهم، بل إستوى عندهم الجاهل و العالم. و كان مقياس الصلاح و الولاية في نظرهم هو خرق العادة، من إعلام الغيب و الإبراء من الأمراض خاصة، لأن ما كان يرجوه الناس من الآثار النفعية، و يلبيه الولي، هي التي تدل على ولاية الشخص و بركته.
zaara- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 6998
رد: دخول الأتراك إلى الجزائر
شكرا جزيلا على الموضوع والمجهودات الرائعة
الأمير- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 6081
تاريخ الميلاد : 29/10/1996
العمر : 28
مواضيع مماثلة
» نقل الأتراك الجزائريين لمسلمي الأندلس إلى شمال أفريقيا ونتائجه
» إعادة تأهيل قصر أحمد باي بقسنطينة : التعاون مع الأتراك سيكون مفيدا (وزير)
» لأوّل مرّة بعد مرور 79 عامًا آلاف الأتراك يؤدّون صلاة الفجر في جامع آيا صوفيا
» كود دخول بشكل جميل
» تاريخ دخول المغول في الإسلام
» إعادة تأهيل قصر أحمد باي بقسنطينة : التعاون مع الأتراك سيكون مفيدا (وزير)
» لأوّل مرّة بعد مرور 79 عامًا آلاف الأتراك يؤدّون صلاة الفجر في جامع آيا صوفيا
» كود دخول بشكل جميل
» تاريخ دخول المغول في الإسلام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى