الجزء الخامس من تفسير سورة الأنعام
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الأنعام
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الخامس من تفسير سورة الأنعام
إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36)
وقوله: ( إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ) أي: إنما يستجيب لدعائك يا محمد من يسمع الكلام ويعيه ويفهمه، كقوله: لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ [يس: 70]، وقوله ( وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ) يعني: بذلك الكفار؛ لأنهم موتى القلوب، فشبههم الله بأموات الأجساد فقال: ( وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) وهذا من باب التهكم بهم، والازراء عليهم.
وَقَالُوا
لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ
عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (37) وَمَا
مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا
أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ
إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) وَالَّذِينَ
كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ
اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39)
يقول تعالى مخبرًا عن المشركين أنهم كانوا يقولون: ( لَوْلا نـزلَ
عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) أي: خارق على مقتضى ما كانوا يريدون، ومما
يتعنتون كما قالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا الآيات [الإسراء: 90].
( قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنـزلَ آيَةً وَلَكِنَّ
أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) أي: هو تعالى قادر على ذلك، ولكن حكمته
تعالى تقتضي تأخير ذلك؛ لأنه لو أنـزلها وفق ما طلبوا ثم لم يؤمنوا، لعاجلهم بالعقوبة، كما فعل بالأمم السالفة، كما قال تعالى: وَمَا
مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ
وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا
نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا [الإسراء: 59]، وقال تعالى: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ [الشعراء: 4].
وقوله: ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ
بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ) قال مجاهد: أي أصناف مُصَنَّفة
تُعرَف بأسمائها. وقال قتادة: الطير أمة، والإنس أمة، والجن أمة. وقال
السُّدِّي: ( إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ) أي: خلق أمثالكم.
وقوله: ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) أي: الجميع علمهم
عند الله، ولا ينسى واحدًا من جميعها من رزقه وتدبيره، سواء كان بريًا أو
بحريًا، كما قال: وَمَا
مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ
مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود: 6]، أي: مُفصح بأسمائها وأعدادها ومظانها، وحاصر لحركاتها وسكناتها، وقال [الله] تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [العنكبوت: 60]
وقد قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبيد بن واقد
القيسي أبو عباد، حدثني محمد بن عيسى بن كيسان، حدثنا محمد بن المُنْكَدِر،
عن جابر بن عبد الله قال: قَلّ الجراد في سنة من سِني عمر، رضي الله عنه،
التي ولي فيها، فسأل عنه فلم يخبر بشيء، فاغتم لذلك. فأرسل راكبًا إلى كذا،
وآخر إلى الشام، وآخر إلى العراق يسأل: هل رؤى من الجراد شيء أم لا؟ فأتاه
الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة جراد
فألقاها بين يديه، فلما رآها كبر ثلاثًا، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: "خَلَق الله، عَزَّ وجل، ألف أُمَّة، منها ستمائة في
البحر، وأربعمائة في البرِّ. وأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد، فإذا هلكت
تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه" .
وقوله ( ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) قال ابن أبي حاتم: حدثنا
أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن أبيه، عن عِكْرِمة، عن
ابن عباس في قوله: ( ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) قال: حَشْرها
الموتُ.
وكذا رواه ابن جرير من طريق إسرائيل عن سعيد، عن مسروق، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس قال: موتُ البهائم حَشْرُها. وكذا رواه العُوفِيّ، عنه.
قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد والضحاك، مثله.
والقول الثاني: إن حشرها هو بعثها يوم القيامة كما قال تعالى: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ [التكوير: 5]
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن سليمان، عن
مُنْذِر الثوري، عن أشياخ لهم، عن أبي ذرٍّ؛ أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم رأى شاتين تنتطحان، فقال: "يا أبا ذر، هل تدر فِيمَ تنتطحان؟ " قال:
لا. قال "لكن الله يدري، وسيقضي بينهما"
ورواه عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن الأعمش، عمن ذكره عن أبي ذر قال: بينا أنا
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ انتطحت عَنـزان، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "أتدرون فِيمَ انتطحتا؟" قالوا: لا ندري. قال: "لكن الله
يدري، وسيقضي بينهما". رواه ابن جرير، ثم رواه من طريق منذر الثوري، عن أبي
ذر، فذكره وزاد: قال أبو ذر: ولقد تَرَكَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يُقَلِّب طائر بجناحيه في السماء إلا ذكرنا منه عِلمًا
وقال عبد الله ابن الإمام أحمد في مسند أبيه: حدثني عباس بن محمد وأبو
يحيى البزار قالا حدثنا حجاج بن نُصير، حدثنا شُعْبَة، عن العَوَّام بن
مَراجم
-من بني قيس بن ثعلبة -عن أبي عثمان النَّهْدي، عن عثمان، رضي الله عنه،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الجَمَّاء لتقتص من القرناء يوم
القيامة"
وقال عبد الرزاق: أخبرنا مَعْمَر، عن جعفر بن بُرْقَان، عن يزيد بن
الأصم، عن أبي هريرة في قوله: ( إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا
فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) قال: يحشر
الخلق كلهم يوم القيامة، البهائم والدواب والطير وكل شيء، فيبلغ من عدل
الله يومئذ أن يأخذ للجمَّاء من القرناء. قال: ثم يقول : كوني ترابًا. قال
فلذلك يقول الكافر: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا [النبأ: 40]، وقد روي هذا مرفوعًا في حديث الصور
وقوله ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي
الظُّلُمَاتِ ) أي: مثلهم في جهلهم وقلة علمهم وعدم فهمهم كمثل أصم -وهو
الذي لا يسمع -أبكم -وهو الذي لا يتكلم -وهو مع هذا في ظلام لا يبصر، فكيف
يهتدي مثل هذا إلى الطريق، أو يُخْرج مما هو فيه؟ كما قال تعالى مَثَلُهُمْ
كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ
ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة: 17، 18]، وكما قال [تعالى] أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ
بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا
وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ
[النور: 40] ؛ ولهذا قال تعالى: ( مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ
يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) أي: هو المتصرف في خلقه بما
يشاء.
قُلْ
أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ
السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا
نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ
حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ
مُبْلِسُونَ (44)
يخبر تعالى أنه الفعال لما يريد، المتصرف في خلقه بما يشاء، وأنه لا
مُعقِّب لحكمه، ولا يقدر أحد على صرف حكمه عن خلقه، بل هو وحده لا شريك له،
الذي إذا سئل يجيب لمن يشاء؛ ولهذا قال: ( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ
أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ ) أي: أتاكم هذا أو
هذا
(أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) أي: لا تدعون
غيره لعلمكم أنه لا يقدر أحد على دفع ذلك سواه؛ ولهذا قال: ( إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ ) أي: في اتخاذكم آلهة معه.
( بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ
شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ) أي: في وقت الضرورة لا تدعون أحدا
سواه وتذهب عنكم أصنامكم وأندادكم كما قال: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ الآية [الإسراء: 67].
وقوله: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ
فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ ) يعني: الفقر والضيق في العيش (
وَالضَّرَّاءِ ) وهي الأمراض والأسقام والآلام ( لَعَلَّهُمْ
يَتَضَرَّعُونَ ) أي: يدعون الله ويتضرعون إليه ويخشعون.
قال الله تعالى: ( فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ) أي: فهلا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا إلينا وتمسكنوا إلينا (
وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ) أي: ما رقت ولا خشعت ( وَزَيَّنَ لَهُمُ
الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) أي: من الشرك والمعاصي.
( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ) أي: أعرضوا عنه وتناسوه وجعلوه
وراء ظهورهم ( فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ) أي: فتحنا
عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون، وهذا
استدراج منه تعالى وإملاء لهم، عياذا بالله من مكره؛ ولهذا قال: ( حَتَّى
إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا ) أي: من الأموال والأولاد والأرزاق (
أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ) أي: على غفلة ( فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ) أي:
آيسون من كل خير.
قال الوالبي، عن ابن عباس: المبلس: الآيس.
وقال الحسن البصري: من وسع الله عليه فلم ير أنه يمكر به، فلا رأي له.
ومن قَتَر عليه فلم ير أنه ينظر له، فلا رأي له، ثم قرأ: ( فَلَمَّا نَسُوا
مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى
إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ
مُبْلِسُونَ ) قال الحسن: مكر بالقوم ورب الكعبة؛ أعطوا حاجتهم ثم أخذوا.
رواه ابن أبي حاتم.
وقال قتادة: بَغَت القومَ أمرُ الله، وما أخذ الله قومًا قط إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعيمهم فلا تغتروا بالله، إنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون. رواه ابن أبي حاتم أيضًا.
وقال مالك، عن الزهري: ( فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ) قال: إرخاء الدنيا وسترها.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن غَيْلان، حدثنا رِشْدِين -يعني ابن
سعد أبا الحجاج المهري -عن حَرْمَلَة بن عمران التُّجِيبي، عن عُقْبة بن
مسلم، عن عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيت الله
يُعْطِي العبدَ من الدنيا على مَعاصيه ما يُحِبُّ، فإنما هو اسْتِدْرَاج".
ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ
فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا
أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ )
ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم، من حديث حَرْمَلة وابن لَهِيعة، عن عقبة بن مسلم، عن عقبة بن عامر، به
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا عِرَاك بن
خالد بن يزيد، حدثني أبي، عن إبراهيم بن أبي عَبْلة، عن عبادة بن الصامت
[رضي الله عنه] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إن الله [تبارك وتعالى] إذا أراد الله بقوم بقاء -أو: نماء -رزقهم القصد والعفاف، وإذا أراد الله بقوم اقتطاعًا فتح لهم -أو فتح عليهم -باب خيانة"
( حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ) كما قال: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
وقوله: ( إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ) أي: إنما يستجيب لدعائك يا محمد من يسمع الكلام ويعيه ويفهمه، كقوله: لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ [يس: 70]، وقوله ( وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ) يعني: بذلك الكفار؛ لأنهم موتى القلوب، فشبههم الله بأموات الأجساد فقال: ( وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) وهذا من باب التهكم بهم، والازراء عليهم.
وَقَالُوا
لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ
عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (37) وَمَا
مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا
أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ
إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) وَالَّذِينَ
كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ
اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39)
يقول تعالى مخبرًا عن المشركين أنهم كانوا يقولون: ( لَوْلا نـزلَ
عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) أي: خارق على مقتضى ما كانوا يريدون، ومما
يتعنتون كما قالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا الآيات [الإسراء: 90].
( قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنـزلَ آيَةً وَلَكِنَّ
أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) أي: هو تعالى قادر على ذلك، ولكن حكمته
تعالى تقتضي تأخير ذلك؛ لأنه لو أنـزلها وفق ما طلبوا ثم لم يؤمنوا، لعاجلهم بالعقوبة، كما فعل بالأمم السالفة، كما قال تعالى: وَمَا
مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ
وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا
نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا [الإسراء: 59]، وقال تعالى: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ [الشعراء: 4].
وقوله: ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ
بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ) قال مجاهد: أي أصناف مُصَنَّفة
تُعرَف بأسمائها. وقال قتادة: الطير أمة، والإنس أمة، والجن أمة. وقال
السُّدِّي: ( إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ) أي: خلق أمثالكم.
وقوله: ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) أي: الجميع علمهم
عند الله، ولا ينسى واحدًا من جميعها من رزقه وتدبيره، سواء كان بريًا أو
بحريًا، كما قال: وَمَا
مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ
مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود: 6]، أي: مُفصح بأسمائها وأعدادها ومظانها، وحاصر لحركاتها وسكناتها، وقال [الله] تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [العنكبوت: 60]
وقد قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبيد بن واقد
القيسي أبو عباد، حدثني محمد بن عيسى بن كيسان، حدثنا محمد بن المُنْكَدِر،
عن جابر بن عبد الله قال: قَلّ الجراد في سنة من سِني عمر، رضي الله عنه،
التي ولي فيها، فسأل عنه فلم يخبر بشيء، فاغتم لذلك. فأرسل راكبًا إلى كذا،
وآخر إلى الشام، وآخر إلى العراق يسأل: هل رؤى من الجراد شيء أم لا؟ فأتاه
الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة جراد
فألقاها بين يديه، فلما رآها كبر ثلاثًا، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: "خَلَق الله، عَزَّ وجل، ألف أُمَّة، منها ستمائة في
البحر، وأربعمائة في البرِّ. وأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد، فإذا هلكت
تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه" .
وقوله ( ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) قال ابن أبي حاتم: حدثنا
أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن أبيه، عن عِكْرِمة، عن
ابن عباس في قوله: ( ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) قال: حَشْرها
الموتُ.
وكذا رواه ابن جرير من طريق إسرائيل عن سعيد، عن مسروق، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس قال: موتُ البهائم حَشْرُها. وكذا رواه العُوفِيّ، عنه.
قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد والضحاك، مثله.
والقول الثاني: إن حشرها هو بعثها يوم القيامة كما قال تعالى: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ [التكوير: 5]
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن سليمان، عن
مُنْذِر الثوري، عن أشياخ لهم، عن أبي ذرٍّ؛ أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم رأى شاتين تنتطحان، فقال: "يا أبا ذر، هل تدر فِيمَ تنتطحان؟ " قال:
لا. قال "لكن الله يدري، وسيقضي بينهما"
ورواه عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن الأعمش، عمن ذكره عن أبي ذر قال: بينا أنا
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ انتطحت عَنـزان، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "أتدرون فِيمَ انتطحتا؟" قالوا: لا ندري. قال: "لكن الله
يدري، وسيقضي بينهما". رواه ابن جرير، ثم رواه من طريق منذر الثوري، عن أبي
ذر، فذكره وزاد: قال أبو ذر: ولقد تَرَكَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يُقَلِّب طائر بجناحيه في السماء إلا ذكرنا منه عِلمًا
وقال عبد الله ابن الإمام أحمد في مسند أبيه: حدثني عباس بن محمد وأبو
يحيى البزار قالا حدثنا حجاج بن نُصير، حدثنا شُعْبَة، عن العَوَّام بن
مَراجم
-من بني قيس بن ثعلبة -عن أبي عثمان النَّهْدي، عن عثمان، رضي الله عنه،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الجَمَّاء لتقتص من القرناء يوم
القيامة"
وقال عبد الرزاق: أخبرنا مَعْمَر، عن جعفر بن بُرْقَان، عن يزيد بن
الأصم، عن أبي هريرة في قوله: ( إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا
فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) قال: يحشر
الخلق كلهم يوم القيامة، البهائم والدواب والطير وكل شيء، فيبلغ من عدل
الله يومئذ أن يأخذ للجمَّاء من القرناء. قال: ثم يقول : كوني ترابًا. قال
فلذلك يقول الكافر: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا [النبأ: 40]، وقد روي هذا مرفوعًا في حديث الصور
وقوله ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي
الظُّلُمَاتِ ) أي: مثلهم في جهلهم وقلة علمهم وعدم فهمهم كمثل أصم -وهو
الذي لا يسمع -أبكم -وهو الذي لا يتكلم -وهو مع هذا في ظلام لا يبصر، فكيف
يهتدي مثل هذا إلى الطريق، أو يُخْرج مما هو فيه؟ كما قال تعالى مَثَلُهُمْ
كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ
ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة: 17، 18]، وكما قال [تعالى] أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ
بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا
وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ
[النور: 40] ؛ ولهذا قال تعالى: ( مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ
يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) أي: هو المتصرف في خلقه بما
يشاء.
قُلْ
أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ
السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا
نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ
حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ
مُبْلِسُونَ (44)
يخبر تعالى أنه الفعال لما يريد، المتصرف في خلقه بما يشاء، وأنه لا
مُعقِّب لحكمه، ولا يقدر أحد على صرف حكمه عن خلقه، بل هو وحده لا شريك له،
الذي إذا سئل يجيب لمن يشاء؛ ولهذا قال: ( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ
أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ ) أي: أتاكم هذا أو
هذا
(أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) أي: لا تدعون
غيره لعلمكم أنه لا يقدر أحد على دفع ذلك سواه؛ ولهذا قال: ( إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ ) أي: في اتخاذكم آلهة معه.
( بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ
شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ) أي: في وقت الضرورة لا تدعون أحدا
سواه وتذهب عنكم أصنامكم وأندادكم كما قال: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ الآية [الإسراء: 67].
وقوله: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ
فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ ) يعني: الفقر والضيق في العيش (
وَالضَّرَّاءِ ) وهي الأمراض والأسقام والآلام ( لَعَلَّهُمْ
يَتَضَرَّعُونَ ) أي: يدعون الله ويتضرعون إليه ويخشعون.
قال الله تعالى: ( فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ) أي: فهلا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا إلينا وتمسكنوا إلينا (
وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ) أي: ما رقت ولا خشعت ( وَزَيَّنَ لَهُمُ
الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) أي: من الشرك والمعاصي.
( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ) أي: أعرضوا عنه وتناسوه وجعلوه
وراء ظهورهم ( فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ) أي: فتحنا
عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون، وهذا
استدراج منه تعالى وإملاء لهم، عياذا بالله من مكره؛ ولهذا قال: ( حَتَّى
إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا ) أي: من الأموال والأولاد والأرزاق (
أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ) أي: على غفلة ( فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ) أي:
آيسون من كل خير.
قال الوالبي، عن ابن عباس: المبلس: الآيس.
وقال الحسن البصري: من وسع الله عليه فلم ير أنه يمكر به، فلا رأي له.
ومن قَتَر عليه فلم ير أنه ينظر له، فلا رأي له، ثم قرأ: ( فَلَمَّا نَسُوا
مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى
إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ
مُبْلِسُونَ ) قال الحسن: مكر بالقوم ورب الكعبة؛ أعطوا حاجتهم ثم أخذوا.
رواه ابن أبي حاتم.
وقال قتادة: بَغَت القومَ أمرُ الله، وما أخذ الله قومًا قط إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعيمهم فلا تغتروا بالله، إنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون. رواه ابن أبي حاتم أيضًا.
وقال مالك، عن الزهري: ( فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ) قال: إرخاء الدنيا وسترها.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن غَيْلان، حدثنا رِشْدِين -يعني ابن
سعد أبا الحجاج المهري -عن حَرْمَلَة بن عمران التُّجِيبي، عن عُقْبة بن
مسلم، عن عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيت الله
يُعْطِي العبدَ من الدنيا على مَعاصيه ما يُحِبُّ، فإنما هو اسْتِدْرَاج".
ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ
فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا
أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ )
ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم، من حديث حَرْمَلة وابن لَهِيعة، عن عقبة بن مسلم، عن عقبة بن عامر، به
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا عِرَاك بن
خالد بن يزيد، حدثني أبي، عن إبراهيم بن أبي عَبْلة، عن عبادة بن الصامت
[رضي الله عنه] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إن الله [تبارك وتعالى] إذا أراد الله بقوم بقاء -أو: نماء -رزقهم القصد والعفاف، وإذا أراد الله بقوم اقتطاعًا فتح لهم -أو فتح عليهم -باب خيانة"
( حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ) كما قال: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
رد: الجزء الخامس من تفسير سورة الأنعام
شكرا على الموضوع الجميل ..
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
مواضيع مماثلة
» الجزء الخامس عشر من تفسير سورة الأنعام
» الجزء الثالث عشر من تفسير سورة الأنعام
» الجزء الرابع عشر من تفسير سورة الأنعام
» الجزء السادس عشر من تفسير سورة الأنعام
» الجزء التاسع عشر من تفسير سورة الأنعام
» الجزء الثالث عشر من تفسير سورة الأنعام
» الجزء الرابع عشر من تفسير سورة الأنعام
» الجزء السادس عشر من تفسير سورة الأنعام
» الجزء التاسع عشر من تفسير سورة الأنعام
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الأنعام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى