الجزء الثالث والعشرون من تفسير سورة الأنعام
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الأنعام
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الثالث والعشرون من تفسير سورة الأنعام
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ
رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ
رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ
أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا
مُنْتَظِرُونَ
(158)
يقول تعالى متوعدًا للكافرين به، والمخالفين رسله والمكذبين بآياته،
والصادين عن سبيله: ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ
الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ ) وذلك كائن يوم القيامة. ( أَوْ
يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ] )
الآية، وذلك قبل يوم القيامة كائن من أمارات الساعة وأشراطها كما قال البخاري في تفسير هذه الآية:
حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد، حدثنا عمارة، حدثنا أبو
زُرْعَة، حدثنا أبو هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مَغْرِبها، فإذا رآها الناس آمن
من عليها. فذلك حين ( لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ
مِنْ قَبْلُ )
حدثنا إسحاق، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا مَعْمَر، عن هَمَّام بن
مُنَبِّه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم
الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون،
وذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها" ثم قرأ هذه الآية.
هكذا روي هذا الحديث من هذين الوجهين ومن الوجه الأول أخرجه بقية الجماعة في كتبهم إلا الترمذي، من طرق، عن عمارة بن القَعْقَاع بن شُبْرُمَة، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة، به .
وأما الطريق الثاني: فرواه عن إسحاق، غير منسوب، فقيل: هو ابن منصور الكوسج، وقيل: إسحاق بن نصر والله أعلم.
وقد رواه مسلم عن محمد بن رافع النيسابوري، كلاهما عن عبد الرزاق، به .
وقد ورد هذا الحديث من طرق أخر عن أبي هريرة، كما انفرد مسلم بروايته
من حديث العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة، عن أبيه، عن أبي
هريرة، به .
وقال ابن جرير: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا ابن فضيل، عن أبيه، عن أبي
حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث إذا خرجن
( لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ
كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ) طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة
الأرض".
< 3-372 >
ورواه أحمد، عن وَكِيع، عن فُضَيْل بن غَزْوان، عن أبي حازم سلمان، عن أبي هريرة به، وعنده: "والدخان".
ورواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، عن وكيع .
ورواه هو أيضا والترمذي، من غير وجه، عن فضيل بن غزوان، به .
ورواه إسحاق بن عبد الله الفَرَوي، عن مالك، عن أبي الزِّناد، عن
الأعرج، عن أبي هريرة. ولكن لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذا الوجه،
لضعف الفَرْوي، والله أعلم.
وقال ابن جرير: حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا شعيب بن الليث، عن أبيه،
عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها،
فإذا طلعت آمن الناس كلهم، وذلك حين ( لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا
لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ) الآية .
ورواه ابن لهيعة، عن الأعرج، عن أبي هريرة، به. ورواه وكيع، عن فضيل بن غزوان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، به.
أخرج هذه الطرق كلَّها الحافظ أبو بكر بن مَرْدُوَيه في تفسيره.
وقال ابن جرير: حدثنا الحسن بن يحيى، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا
مَعْمَر، عن أيوب، عن ابن سِيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها، قُبِل منه".
لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة .
حديث آخر عن أبي ذر الغفاري: في الصحيحين وغيرهما، من طرق، عن إبراهيم
بن يزيد بن شريك التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر جُنْدُب بن جُنَادة، رضي الله
عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَدْري أين تذهب الشمس إذا
غربت؟". قلت: لا أدري، قال: "إنها تنتهي دون العرش، ثم تخر ساجدة، ثم تقوم
حتى يقال لها: ارجعي فيوشك يا أبا ذر أن يقال لها: ارجعي من حيث جئت، وذلك حين: ( لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ) .
حديث آخر عن حُذيفة بن أسيد أبي سريحة الغفاري، رضي الله عنه:
قال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا سفيان، عن فُرَات، عن أبي الطُّفَيْل،
عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من
غرفة، ونحن نتذاكر الساعة، فقال: "لا تقوم الساعة < 3-373 >
حتى تَرَوْا عشر آيات: طُلوع الشمس من مَغْرِبها، والدُّخَان، والدابة،
وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج عيسى ابن مريم، والدجال، وثلاثة خُسوف: خَسْف
بالمغرب، وخسف بالمشرق، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قَعْر عَدَن تسوق
-أو: تحشر -الناس، تبيت معهم حيث باتوا، وتَقيل معهم حيث قالوا".
وهكذا رواه مسلم وأهل السنن الأربعة من حديث فرات القَزَّاز، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد، به. وقال الترمذي: حسن صحيح.
حديث آخر عن حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه:
قال الثوري، عن منصور، عن رِبْعي، عن حذيفة قال: سألت النبي
صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، ما آية طلوع الشمس من مغربها؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تطول تلك الليلة حتى تكون قَدْر ليلتين،
فبينما الذين كانوا يصلون فيها، يعملون
كما كانوا يعملون قبلها والنجوم لا تسري، قد قامت مكانها، ثم يرقدون، ثم
يقومون فيصلون، ثم يرقدون، ثم يقومون فيطل عليهم جنوبهم، حتى يتطاول عليهم
الليل، فيفزع الناس ولا يصبحون، فبينما هم ينتظرون طلوع الشمس من مشرقها إذ طلعت من مغربها، فإذا رآها الناس آمنوا، ولا ينفعهم إيمانهم".
رواه ابن مَرْدُوَيه، وليس في الكتب الستة من هذا الوجه والله أعلم.
حديث آخر عن أبي سعيد الخدري -واسمه: سعد بن مالك بن سنان -رضي الله عنه وأرضاه:
قال الإمام أحمد: حدثنا وَكِيع، حدثنا ابن أبي ليلى، عن عطية العَوْفي،
عن أبي سعيد الخُدْري، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( يَوْمَ يَأْتِي
بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا ) قال: "طلوع الشمس
من مغربها".
ورواه الترمذي، عن سفيان بن وكيع، عن أبيه، به. وقال: غريب، ورواه بعضهم ولم يرفعه .
وفي حديث طالوت بن عباد، عن فَضَال بن جبير، عن أبي أمامة صُدَيّ بن
عَجْلان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أوّلَ الآيات طلوعُ
الشمس من مغربها" .
وفي حديث عاصم بن أبي النَّجُود، عن زِرّ بن حُبَيْش، عن صفوان بن
عَسَّال قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله فتح بابًا
قبل المغرب عرضه سبعون عامًا للتوبة"، قال: "لا يغلق < 3-374 >
حتى تطلع الشمس منه". رواه الترمذي وصححه النسائي، وابن ماجه في حديث طويل .
حديث آخر عن عبد الله بن أبي أوفى:
قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن علي بن دُحَيم، حدثنا أحمد بن حازم،
حدثنا ضرار بن صُرَد، حدثنا ابن فضيل، عن سليمان بن زَيد، عن عبد الله بن
أبي أوفى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليأتين على الناس
ليلة تعدل ثلاث ليال من لياليكم هذه، فإذا كان ذلك يعرفها المتنفلون، يقوم
أحدهم فيقرأ حزبه، ثم ينام، ثم يقوم فيقرأ حزبه، ثم ينام. فبينما هم كذلك
إذ صاح الناس بعضهم في بعض فقالوا: ما هذا؟ فيفزعون إلى المساجد، فإذا هم
بالشمس قد طلعت من مغربها، فضج الناس ضجة واحدة، حتى إذا صارت في وسط
السماء رجعت وطلعت من مطلعها". قال: "حينئذ لا ينفع نفسًا إيمانها".
هذا حديث غريب من هذا الوجه وليس هو في شيء من الكتب الستة.
حديث آخر عن عبد الله بن عمرو
قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أبو حيان، عن أبي
زُرْعَة بن عمرو بن جرير قال: جلس ثلاثة نفر من المسلمين إلى مروان
بالمدينة فسمعوه يقول -وهو يحدث في الآيات -: إن أولها خروج الدجال. قال:
فانصرف النفر إلى عبد الله بن عمرو، فحدثوه بالذي سمعوه من مروان في
الآيات، فقال
لم يقل مَرْوان شيئا قد حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك
حديثا لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول
الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة ضحىً، فأيتهما كانت قبل
صاحبتها فالأخرى على أثرها". ثم قال عبد الله -وكان يقرأ الكتب -: وأظن
أولها خروجا طلوع الشمس من مغربها، وذلك أنها كلما غربت أتت تحت العرش
فسجدت واستأذنت في الرجوع فأذن لها في الرجوع، حتى إذا بدا الله أن تطلع من
مغربها فعلت كما كانت تفعل: أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع، فلم
يرد عليها شيء، ثم تستأذنُ في الرجوع فلا يرد عليها شيء، ثم تستأذن فلا يرد
عليها شيء، حتى إذا ذهب من الليل ما شاء الله أن يذهب، وعرفت أنه إذا
أذن لها في الرجوع لم تدرك المشرق، قالت: ربي، ما أبعد المشرق. من لي
بالناس. حتى إذا صار الأفق كأنه طوق استأذنت في الرجوع، فيقال لها: من
مكانك فاطلعي. فطلعت على الناس من مغربها"، ثم تلا عبد الله هذه الآية: (
لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ [أَوْ
كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ] ) الآية.
وأخرجه مسلم في صحيحه، وأبو داود وابن ماجه، في سننيهما، من حديث أبي حيان التيمي - < 3-375 >
واسمه يحيى بن سعيد بن حيان -عن أبي زُرْعَة بن عمرو بن جرير، به .
حديث آخر عنه:
قال الطبراني: حدثنا أحمد بن يحيى بن خالد بن حبان الرَّقِّي، حدثنا
إسحاق بن إبراهيم -بن زبريق الحمصي -حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار،
حدثنا ابن لهيعة، عن حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا
طلعت الشمس من مغربها خر إبليس ساجدًا ينادي ويجهر: إلهي، مُرْني أن أسجد
لمن شئت". قال: "فيجتمع إليه زبانيته فيقولون: يا سيدهم، ما هذا التضرع؟
فيقول: إنما سألت ربي أن يُنْظِرني إلى الوقت المعلوم، وهذا الوقت
المعلوم". قال "ثم تخرج دابة الأرض من صَدْع في الصفا". قال: "فأول خطوة
تضعها بأنطاكيا، فتأتي إبليس فَتَخْطمه ..
هذا حديث غريب جدًا وسنده ضعيف ولعله من الزاملتين اللتين أصابهما عبد الله بن عمرو يوم اليرموك، فأما رفعه فمنكر، والله أعلم.
حديث آخر عن عبد الله بن عمرو، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنهم أجمعين:
قال الإمام أحمد: حدثنا الحكم بن نافع، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن
ضَمْضَم بن زُرْعَة، عن شُرَيح بن عبيد يرده إلى مالك بن يُخَامر، عن ابن
السعدي؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنقطع الهجرة ما دام
العدو يقاتل". فقال معاوية، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو بن
العاص: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الهجرة خصلتان: إحداهما تهجر السيئات، والأخرى تهاجر إلى الله ورسوله، ولا تنقطع ما تقبلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه، وكفى الناس العمل". هذا الحديث حسن الإسناد ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، والله أعلم.
حديث آخر عن ابن مسعود، رضي الله عنه:
قال عوف الأعرابي، عن محمد بن سيرين، حدثني أبو عبيدة، عن ابن مسعود؛
أنه كان يقول: ما ذكر من الآيات فقد مضى غير أربع: طلوع الشمس من مغربها،
والدجال، ودابة الأرض، وخروج يأجوج ومأجوج. قال: وكان يقول: الآية التي
تختم بها الأعمال طلوع الشمس من مغربها، ألم تر أن الله يقول: ( يَوْمَ
يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا ] ) الآية كلها، يعني طلوع < 3-376 >
الشمس من مغربها .
حديث ابن عباس، رضي الله عنهما:
رواه الحافظ أبو بكر بن مَرْدُوَيه في تفسيره من حديث عبد المنعم بن
إدريس، عن أبيه، عن وَهْب ابن مُنَبِّه، عن ابن عباس [رضي الله عنه] مرفوعا -فذكر حديثًا طويلا غريبًا منكرًا رفعه، وفيه: "أن الشمس والقمر يطلعان يومئذ مقرونين وإذا نَصَفا السماء رجعا ثم عادا إلى ما كانا عليه". وهو حديث غريب جدًا بل منكر، بل موضوع، [والله أعلم] إن ادعى أنه مرفوع، فأما وقفه على ابن عباس أو وهب بن منبه -وهو الأشبه -فغير مدفوع والله أعلم.
وقال سفيان، عن منصور، عن عامر، عن عائشة [رضي الله عنها] قالت: إذا خرج أول الآيات، طُرحت الأقلام، وحبست الحفظة، وشهدت الأجساد على الأعمال. رواه ابن جرير.
فقوله [عَزَّ وجل]
( لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ) أي:
إذا أنشأ الكافر إيمانًا يومئذ لا يقبل منه، فأما من كان مؤمنا قبل ذلك،
فإن كان مصلحًا في عمله فهو بخير عظيم، وإن كان مخَلِّطًا فأحدث توبة حينئذ
لم تقبل منه توبته، كما دلت عليه
الأحاديث المتقدمة، وعليه يحمل قوله تعالى: ( أَوْ كَسَبَتْ فِي
إِيمَانِهَا خَيْرًا ) أي: ولا يقبل منها كَسْبُ عمل صالح إذا لم يكن عاملا
به قبل ذلك.
وقوله: ( قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ) تهديد شديد
للكافرين، ووعيد أكيد لمن سَوَّف بإيمانه وتوبته إلى وقت لا ينفعه ذلك.
وإنما كان الحكم هذا عند طلوع الشمس من مغربها، لاقتراب وقت القيامة، وظهور
أشراطها كما قال:
فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ
جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ
[محمد :18] ، وقال تعالى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ
*
فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا [سُنَّةَ
اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ
الْكَافِرُونَ]
[غافر :84 ، 85]
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ
فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا
كَانُوا يَفْعَلُونَ
(159)
قال مجاهد، وقتادة، والضحاك، والسُّدِّي: نـزلت هذه الآية في اليهود والنصارى.
وقال العَوْفي، عن ابن عباس في قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ) وذلك أن اليهود < 3-377 >
والنصارى اختلفوا قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فتفرقوا. فلما بعث [الله] محمدا صلى الله عليه وسلم أنـزل: ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ) الآية.
وقال ابن جرير: حدثني سعد بن عَمْرو السكوني، حدثنا بَقِيَّة بن
الوليد: كتب إليّ عباد بن كثير، حدثني لَيْث، عن طاوس، عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في هذه الأمَّة ( الَّذِينَ
فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ )
وليسوا منك، هم أهل البدع، وأهل الشبهات، وأهل الضلالة، من هذه الأمة" .
لكن هذا الإسناد لا يصح، فإن عباد بن كثير متروك الحديث، ولم يختلق هذا
الحديث، ولكنه وَهَم في رفعه. فإنه رواه سفيان الثوري، عن ليث -وهو ابن
أبي سليم -عن طاوس، عن أبي هريرة، في قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا
دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ) قال: نـزلت في هذه الأمة.
وقال أبو غالب، عن أبي أمامة، في قوله: ( [إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ ] وَكَانُوا شِيَعًا ) قال: هم الخوارج. وروى عنه مرفوعًا، ولا يصح.
وقال شعبة، عن مُجالد، عن الشعبي، عن شُرَيْح، عن عمر [رضي الله عنه] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ) قال: "هم أصحاب البدع".
وهذا رواه ابن مَرْدُوَيه، وهو غريب أيضًا ولا يصح رفعه.
والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفًا له، فإن
الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وشرعه واحد لا
اختلاف فيه ولا افتراق، فمن اختلف فيه ( وَكَانُوا شِيَعًا ) أي: فرقًا
كأهل الملل والنحل -وهي الأهواء والضلالات -فالله قد بَرَّأ رسوله مما هم فيه. وهذه الآية كقوله تعالى: شَرَعَ
لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ [وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ
أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ]
الآية[الشورى :13] ، وفي الحديث: "نحن معاشر الأنبياء أولاد عَلات، ديننا واحد".
فهذا هو الصراط المستقيم، وهو ما جاءت به الرسل، من عبادة الله وحده لا
شريك له، والتمسك بشريعة الرسول المتأخر، وما خالف ذلك فضلالات وجهالات
وآراء وأهواء، الرسل بُرآء منها، كما قال: ( لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ )
< 3-378 >
وقوله: ( إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا
كَانُوا يَفْعَلُونَ ) كقوله ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ
هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ
أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [إِنَّ
اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ] ) [الحج :17] ،
ثم بين فضله يوم القيامة في حكمه وعدله فقال:
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ
بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ
(160)
وهذه الآية الكريمة مفصلة لما أجمل في الآية الأخرى، وهي قوله: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا
[النمل : 89] ، وقد وردت الأحاديث مطابقة لهذه الآية، كما قال الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله:
حدثنا عفان، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا الجعد أبو عثمان، عن أبي رجاء العُطاردي، عن ابن عباس، رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما يروي عن ربه، عز وجل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ربكم [عز وجل]
رحيم، من هَمَّ بحسنة فلم يعملها كُتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا
إلى سبعمائة، إلى أضعاف كثيرة. ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن
عملها كتبت له واحدة، أو يمحوها الله، عَزَّ وجل، ولا يهلك على الله إلا
هالك".
ورواه البخاري، ومسلم، والنسائي، من حديث الجعد بن أبي عثمان، به .
وقال [الإمام]
أحمد أيضًا: حدثنا معاوية، حدثنا الأعمش، عن المعرور بن سُوَيْد، عن أبي
ذر، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله،
عَزَّ وجل: من عَمِل حسنة فله عشر أمثالها وأزيد. ومن عمل سيئة فجزاؤها
مثلها أو أغفر. ومن عمل قُرَاب الأرض خطيئة ثم لقيني لا يشرك بي شيئا جعلت
له مثلها مغفرة. ومن اقترب إليَّ شبرًا اقتربت إليه ذراعا، ومن اقترب إليَّ
ذراعًا اقتربت إليه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هَرْوَلَة".
ورواه مسلم عن أبي كريب، عن أبي معاوية، به. وعن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وَكِيع، عن الأعمش، به . ورواه ابن ماجه، عن علي بن محمد الطنافسي، عن وكيع، به .
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا شَيْبَان، حدثنا حَمَّاد، حدثنا
ثابت، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من هَمَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا. ومن هم
بسيئة فلم يعملها لم يكتب عليه شيء، فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة" .
واعلم أن تارك السيئة الذي لا يعملها على ثلاثة أقسام: تارة يتركها لله [عَزَّ وجل] فهذا تكتب له حسنة على كفه عنها لله تعالى، وهذا عمل ونِيَّة؛ ولهذا جاء أنه يكتب له حسنة، كما جاء < 3-379 >
في بعض ألفاظ الصحيح: "فإنما تركها من جرائي" أي: من أجلي. وتارة يتركها نسيانًا وذُهولا عنها، فهذا لا له ولا عليه؛ لأنه لم ينو خيرًا ولا فعل
شرًا. وتارة يتركها عجزا وكسلا بعد السعي في أسبابها والتلبس بما يقرب
منها، فهذا يتنـزل منـزلة فاعلها، كما جاء في الحديث، في الصحيحين: "إذا
تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار". قالوا: يا رسول الله،
هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: "إنه كان حريصًا على قتل صاحبه" .
قال الإمام أبو يعلى الموصلي: حدثنا مجاهد بن موسى، حدثنا علي -وحدثنا
الحسن بن الصباح وأبو خَيْثَمَة -قالا حدثنا إسحاق بن سليمان، كلاهما عن
موسى بن عبيدة، عن أبي بكر بن عبيد الله ابن أنس، عن جده أنس قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "من هم بحسنة كتب الله له حسنة، فإن عملها كتبت
له عشرا. ومن هم بسيئة لم تكتب عليه حتى يعملها، فإن عملها كتبت عليه سيئة،
فإن تركها كتبت له حسنة. يقول الله تعالى: إنما تركها من مخافتي".
هذا لفظ حديث مجاهد -يعني ابن موسى .
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِيّ، حدثنا شيبان بن عبد
الرحمن، عن الرُّكَيْن بن الربيع، عن أبيه، عن عمه فلان بن عَمِيلة، عن
خُرَيْم بن فاتك
الأسدي؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الناس أربعة، والأعمال ستة.
فالناس مُوَسَّع له في الدنيا والآخرة، وموسع له في الدنيا مَقْتور عليه في
الأخرة، ومقتور عليه في الدنيا موسع له في الآخرة، وشَقِيٌ في الدنيا
والآخرة. والأعمال مُوجبتان، ومثل بمثل، وعشرة أضعاف، وسبعمائة ضعف؛
فالموجبتان
من مات مُسْلِمًا مؤمنًا لا يشرك بالله شيئًا وَجَبَتْ له الجنة، ومن مات
كافرًا وجبت له النار. ومن هَمَّ بحسنة فلم يعملها، فعلم الله أنه قد
أشعَرَها قَلْبَه وحرص عليها، كتبت له حسنة. ومن هم بسيئة لم تكتب عليه،
ومن عملها كتبت واحدة ولم تضاعف عليه. ومن عمل حسنة كانت عليه بعشرة أمثالها. ومن أنفق نفقة في سبيل الله، عَزَّ وجل، كانت له بسبعمائة ضعف" .
ورواه الترمذي والنسائي، من حديث الرُّكَيْن بن الربيع، عن أبيه، عن بشير بن عَمِيلة، عن خُرَيْم بن فاتك، به ببعضه . والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري، حدثنا يزيد بن زُرَيْع، < 3-380 >
حدثنا حبيب المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: "يحضر الجمعة ثلاثةُ نَفَر: رجل حَضَرها بِلَغْوٍ فهو
حَظُّه منها، ورجل حضرها بدعاء، فهو رجل دعا الله، فإن شاء أعطاه، وإن شاء
مَنَعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يَتَخَطَّ رَقَبَة مسلم ولم يُؤْذ
أحدًا، فهي كفارة له إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام؛ وذلك لأن الله يقول: ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) .
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا هاشم بن مَرْثَد، حدثنا محمد
بن إسماعيل، حدثني أبي، حدثني ضَمْضَم بن زرعة، عن شُرَيْح بن عبيد، عن أبي
مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجمعة كفارة لما
بينها وبين الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام؛ وذلك لأن الله تعالى قال: ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) .
وعن أبي ذر، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام ثلاثة أيام من كل شهر فقد صام الدَّهْرَ كله".
رواه الإمام أحمد -وهذا لفظه -والنسائي، وابن ماجه، والترمذي
وزاد: "فأنـزل الله تصديق ذلك في كتابه: ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ
فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) اليوم بعشرة أيام"، ثم قال: هذا حديث حسن.
وقال ابن مسعود: ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ
أَمْثَالِهَا ) من جاء ب"لا إله إلا الله"، ( وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ )
يقول: بالشرك.
وهكذا ورد عن جماعة من السلف.
وقد ورد فيه حديث مرفوع -الله أعلم بصحته، لكني لم أره من وجه يثبت -والأحاديث والآثار في هذا كثيرة جدًا، وفيما ذكر كفاية، إن شاء الله، وبه الثقة.
قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا
مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
(161)
قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
(162)
لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ
(163)
يقول [الله] تعالى آمرًا نبيه
صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين أن يخبر بما أنعم الله به عليه من
الهداية إلى صراطه المستقيم، الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف: ( دِينًا
قِيَمًا ) أي: قائمًا ثابتًا، ( مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ
مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) كقوله وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ
[البقرة : 130] ، وقوله
وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ
[الحج : 78] ، < 3-381 >
وقوله: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
[النحل : 120 _ 123] .
وليس يلزم من كونه [عليه السلام] أُمِرَ باتباع ملة إبراهيم الحنيفية أن يكون إبراهيم أكمل منه فيها؛ لأنه، عليه السلام
قام بها قيامًا عظيمًا، وأكملت له إكمالا تامًا لم يسبقه أحد إلى هذا
الكمال؛ ولهذا كان خاتم الأنبياء، وسيد ولد آدم على الإطلاق، وصاحب المقام
المحمود الذي يرهب إليه الخلق حتى إبراهيم الخليل، عليه السلام.
وقد قال ابن مَرْدُوَيه: حدثنا محمد بن عبد الله بن حَفْص، حدثنا أحمد
بن عِصام، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا شعبة، أنبأنا سلمة بن كُهَيْل،
سمعت ذر بن عبد الله الهَمْدَاني، يحدث عن ابن أبْزَى، عن أبيه قال: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: "أصبحنا على مِلَّة الإسلام،
وكلمة الإخلاص، ودين نبينا محمد، وملة [أبينا] إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين" .
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، أخبرنا محمد بن إسحاق، عن داود بن
الحُصَين، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه
وسلم: أي الأديان أحبّ إلى الله؟ قال: "الحنيفية السمحة" .
وقال [الإمام]
أحمد أيضًا: حدثنا سليمان بن داود، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزِّناد، عن
هشام بن عُرْوَة، عن أبيه، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: وضع رسول الله
صلى الله عليه وسلم ذقني على منكبه، لأنظر إلى زَفْن الحبشة، حتى كنت التي
مللت فانصرفت عنه.
قال عبد الرحمن، عن أبيه قال: قال لي عروة: إن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: "لتعلم يَهودُ أن في ديننا فُسْحَةً، إني أرسلت بِحَنيفيَّة سَمْحَة .
أصل الحديث مُخَرَّجٌ في الصحيحين، والزيادة لها شواهد من طرق عدة، وقد استقصيت طرقها في شرح البخاري، ولله الحمد والمنة.
وقوله تعالى: ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) يأمره تعالى أن يخبر المشركين الذين يعبدون
غير الله ويذبحون لغير اسمه، أنه مخالف لهم في ذلك، فإن صلاته لله ونسكه
على اسمه وحده لا شريك له، وهذا كقوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ
[الكوثر : 2] أي: أخلص له صلاتك وذبيحتك، فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها، فأمره الله تعالى < 3-382 >
بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه، والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى.
قال مجاهد في قوله: ( إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي ) قال: النسك: الذبح في الحج والعمرة.
وقال الثوري، عن السُّدِّي عن سعيد بن جُبَيْر: ( وَنُسُكِي ) قال: ذبحي. وكذا قال السُّدِّي والضحاك.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عَوْف، حدثنا أحمد بن خالد
الوَهْبِي، حدثنا محمد بن إسحاق، عن زيد بن أبي حبيب، عن ابن عباس، عن جابر
بن عبد الله قال: ضَحَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيدٍ
بِكَبْشَيْنِ وقال حين ذبحهما
: " وَجَّهْت وجهي للذي فَطَر السموات والأرض حنيفًا وَمَا أنا من
المشرِكين ، ( إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ
الْمُسْلِمِينَ ) .
وقوله: ( وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) قال قتادة: أي من هذه الأمة.
وهو كما قال، فإن جميع الأنبياء قبله كلهم كانت دعوتهم إلى الإسلام، وأصله عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ
[الأنبياء : 25] ، وقد أخبر تعالى عن نوح أنه قال لقومه:
فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا
عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
[يونس : 72] ، وقال تعالى:
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ
وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ
الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ *
وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ
اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ
[البقرة : 130 -132] ، وقال يوسف، عليه السلام:
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ
الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي
الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي
بِالصَّالِحِينَ
[يوسف : 101] ، وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ
* فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
*
وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
[يونس : 84 -86] ، وقال تعالى:
إِنَّا أَنـزلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا
النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا
وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ
اللَّهِ
الآية[المائدة : 44] ،
وقال تعالى: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ
[المائدة : 111] .
فأخبر [الله]
تعالى أنه بعث رسله بالإسلام، ولكنهم متفاوتون فيه بحسب شرائعهم الخاصة
التي ينسخ بعضها بعضًا، إلى أن نسخت بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم التي
لا تنسخ أبد الآبدين، ولا تزال < 3-383 >
قائمة منصورة، وأعلامها مشهورة إلى قيام الساعة؛ ولهذا قال عليه [الصلاة و] السلام: "نحن مَعاشِر الأنبياء أولاد عَلات ديننا واحد"
فإن أولاد العلات هم الأخوة من أب واحد وأمهات شَتَّى، فالدين واحد وهو
عبادة الله وحده لا شريك له، وإن تنوعت الشرائع التي هي بمنـزلة الأمهات،
كما أن إخوة الأخياف عكس هذا، بنو الأم الواحدة من آباء شتى، والأخوة الأعيان الأشقاء من أب واحد وأم واحدة، والله أعلم.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله
الماجشُون، حدثنا عبد الله ابن الفضل الهاشمي، عن الأعرج، عن عبيد الله بن
أبي رافع، عن علي رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا
كبر استفتح، ثم قال: " وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ
[الأنعام : 79] ، ( إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ
وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) اللهم أنت الملك، لا إله إلا أنت، أنت
ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، لا
يغفر الذنوب إلا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت. تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب
إليك".
ثم ذكر تمام الحديث فيما يقوله في الركوع والسجود والتشهد. وقد رواه مسلم في صحيحه .
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا
تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ
أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا
كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
(164)
يقول تعالى: ( قُلْ ) يا محمد لهؤلاء المشركين بالله في إخلاص العبادة
له والتوكل عليه: ( أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا ) أي: أطلب ربا سواه،
وهو رب كل شيء، يَرُبّنِي ويحفظني ويكلؤني ويدبر أمري، أي: لا أتوكل إلا
عليه، ولا أنيب إلا إليه؛ لأنه رب كل شيء ومليكه، وله الخلق والأمر.
هذه الآية فيها الأمر بإخلاص التوكل، كما تضمنت الآية التي قبلها إخلاص العبادة له لا شريك له. وهذا المعنى يقرن بالآخر كثيرًا [في القرآن] كما قال تعالى مرشدًا لعباده أن يقولوا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
[الفاتحة : 5] ، وقوله فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ
[هود : 123] ، وقوله قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا
[الملك : 29] ، وقوله رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا
[المزمل : 9] ، وأشباه ذلك من الآيات.
وقوله: ( وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) إخبار عن الواقع يوم القيامة في < 3-384 >
جزاء الله تعالى وحكمه وعدله، أن النفوس إنما تجازى بأعمالها إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، وأنه لا يحمل من خطيئة أحد على أحد. وهذا من عدله تعالى، كما قال: وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى
[فاطر : 18] ، وقوله فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا
[طه : 112] ، قال علماء التفسير : فلا يظلم بأن يحمل عليه سيئات غيره، ولا يهضم بأن ينقص من حسناته. وقال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ
*
إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ
[المدثر : 38 ، 39] ، معناه: كل نفس مرتهنة بعملها السيئ إلا أصحاب اليمين، فإنه قد تعود بركات أعمالهم الصالحة على ذراريهم، كما قال في سورة الطور:
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ
أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ
مِنْ شَيْءٍ
[الآية : 21] ، أي: ألحقنا بهم ذرياتهم في المنـزلة الرفيعة في الجنة، وإن لم يكونوا قد شاركوهم في الأعمال، بل في أصل الإيمان، وَمَا أَلَتْنَاهُمْ
أي: أنقصنا أولئك السادة الرفعاء من أعمالهم شيئا حتى ساويناهم وهؤلاء
الذين هم أنقص منهم منـزلة، بل رفعهم تعالى إلى منـزلة الآباء ببركة
أعمالهم، بفضله ومنته ثم قال: كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ
[الطور : 21] ، أي: من شر.
وقوله: ( ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا
كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) أي: اعملوا على مكانتكم إنا عاملون على ما
نحن عليه، فستعرضون ونعرض عليه، وينبئنا وإياكم بأعمالنا وأعمالكم، وما كنا
نختلف فيه في الدار الدنيا، كما قال تعالى: قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ
[سبأ : 25 ، 26] .
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ
بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ
الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ
(165)
يقول تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ )
أي: جعلكم تعمرون الأرض جيلا بعد جيل، وقَرْنا بعد قرن، وخَلَفا بعد سَلَف. قاله ابن زيد وغيره، كما قال: وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ
[الزخرف : 60] ، وكقوله تعالى: [url=https://www.helpub.com/] وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء
رد: الجزء الثالث والعشرون من تفسير سورة الأنعام
جميل جدا ونشاط مميز شكرا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الثالث والعشرون من تفسير سورة الأنعام
شكرا على الموضوع
لا تبخل علينا
لا تبخل علينا
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الثالث والعشرون والاخير من تفسير سورة الأنعام
» الجزء الواحد والعشرون من تفسير سورة الأنعام
» الجزء الثاني والعشرون من تفسير سورة الأنعام
» الجزء الرابع والعشرون والأخير من تفسير سورة الأنعام
» الجزء الثالث عشر من تفسير سورة الأنعام
» الجزء الواحد والعشرون من تفسير سورة الأنعام
» الجزء الثاني والعشرون من تفسير سورة الأنعام
» الجزء الرابع والعشرون والأخير من تفسير سورة الأنعام
» الجزء الثالث عشر من تفسير سورة الأنعام
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الأنعام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى