الجزء الثالث عشر من تفسير سورة الأعراف
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الاعراف
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الثالث عشر من تفسير سورة الأعراف
وَلَوْ
أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ
بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ
بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)
يقول تعالى مخبرًا عن قلة إيمان أهل القرى الذين أرسل فيهم الرسل، كقوله تعالى : فَلَوْلا
كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلا قَوْمَ يُونُسَ
لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [يونس:98] أي: ما آمنت قرية بتمامها إلا قوم يونس، فإنهم آمنوا، وذلك بعد ما عاينوا العذاب، كما قال تعالى: وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [الصافات:147 ، 148] وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ [ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ] [سبأ:34]
وقوله تعالى: ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا ) أي:
آمنت قلوبهم بما جاءتهم به الرسل، وصدقت به واتبعته، واتقوا بفعل الطاعات
وترك المحرمات، ( لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ
وَالأرْضِ ) أي: قطر السماء ونبات الأرض. قال تعالى: ( وَلَكِنْ كَذَّبُوا
فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) أي: ولكن كذبوا رسلهم،
فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم.
ثم قال تعالى مخوفًا ومحذرًا من مخالفة أوامره، والتجرؤ على زواجره: (
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى ) أي: الكافرة ( أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا )
أي: عذابنا ونكالنا، ( بياتا ) أي: ليلا ( وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ
أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ )
أي: في حال شغلهم وغفلتهم، ( أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ) أي: بأسه
ونقمته وقدرته عليهم وأخذه إياهم في حال سهوهم وغفلتهم ( فَلا يَأْمَنُ
مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ) ؛ ولهذا قال الحسن البصري،
رحمه الله: "المؤمن يعمل بالطاعات وهو مُشْفِق وَجِل خائف، والفاجر يعمل
بالمعاصي وهو آمن".
أَوَلَمْ
يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ
نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ
لا يَسْمَعُونَ (100)
قال ابن عباس، رضي الله عنهما، في قوله: ( أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ
يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا ) أو لم نُبَيًن، [وكذا قال مجاهد
والسدي، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أو لم نبين] لهم أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم.
وقال أبو جعفر بن جرير في تفسيرها: يقول
تعالى: أو لم نبيِّن للذين يستخلفون في الأرض من بعد هلاك آخرين قبلهم
كانوا أهلها، فساروا سيرتهم، وعملوا أعمالهم، وعتوا على ربهم: ( أَنْ لَوْ
نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ) يقول: أن لو نشاء فعلنا بهم كما
فعلنا بمن قبلهم، ( وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) يقول: ونختم على قلوبهم
( فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ) موعظة ولا تذكيرًا.
قلت: وهكذا قال تعالى: أَفَلَمْ
يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي
مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُولِي النُّهَى [طه:128] وقال تعالى: أَوَلَمْ
يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ
يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ [السجدة:26] وقال: أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ
فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ
كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمْثَالَ ] [إبراهيم:44 ، 45] وقال تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا [مريم:98] أي: هل ترى لهم شخصًا أو تسمع لهم صوتًا؟ وقال تعالى: أَلَمْ
يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي
الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ
مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ
فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا
آخَرِينَ [الأنعام:6] وقال تعالى بعد ذكره إهلاك عاد: فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * وَلَقَدْ
مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ
سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا
أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ
بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأحقاف:25-27] وقال تعالى: وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ [سبأ:45] وقال تعالى: وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ [الملك:18] وقال تعالى: فَكَأَيِّنْ
مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى
عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ * أَفَلَمْ
يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ
آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ
تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:45 ، 46] وقال تعالى: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
[الأنعام:10] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على حلول نقمه بأعدائه، وحصول
نعمه لأوليائه؛ ولهذا عقب ذلك بقوله، وهو أصدق القائلين ورب العالمين:
تِلْكَ
الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ
رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا
مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)
لما قص تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم خبر قوم نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب [عليهم الصلاة والسلام]
وما كان من إهلاكه الكافرين وإنجائه المؤمنين، وأنه تعالى أعذر إليهم بأن
بين لهم الحق بالحجج على ألسنة الرسل، صلوات الله عليهم أجمعين، قال تعالى:
( تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ ) أي: يا محمد ( مِنْ أَنْبَائِهَا )
أي: من أخبارها، ( وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ) أي:
بالحجج على صدقهم فيما أخبروهم به، كما قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا [الإسراء:15] وقال تعالى: ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [هود:100 ، 101]
وقوله تعالى: ( فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ
) الباء سببية، أي: فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل بسبب تكذيبهم
بالحق أول ما ورد عليهم. حكاه ابن عطية، رحمه الله، وهو متجه حسن، كقوله: وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ
أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ
مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ [فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ] [الأنعام:110 ، 111] ؛ ولهذا
قال هنا: كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ وَمَا
وَجَدْنَا لأكْثَرِهِمْ أي: لأكثر الأمم الماضية ( مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ
وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ) أي: ولقد وجدنا أكثرهم فاسقين
خارجين عن الطاعة والامتثال. والعهد الذي أخذه [عليهم]
هو ما جبلهم عليه وفطرهم عليه، وأخذ عليهم في الأصلاب أنه ربهم ومليكهم،
وأنه لا إله إلا هو، فأقروا بذلك، وشهدوا على أنفسهم به، فخالفوه وتركوه
وراء ظهورهم، وعبدوا مع الله غيره بلا دليل ولا حجة، لا من عقل ولا شرع،
وفي الفطر السليمة خلاف ذلك، وجاءت الرسل الكرام من أولهم إلى آخرهم بالنهي
عن ذلك، كما جاء في صحيح مسلم يقول الله تعالى: "إني خلقت عبادي حُنَفَاء،
فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحَرّمَتْ عليهم ما أحللتُ لهم".
وفي الصحيحين: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه
ويمجسانه" الحديث. وقال تعالى في كتابه العزيز: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] وقال تعالى: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف:45] وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] إلى غير ذلك من الآيات.
وقد قيل في تفسير قوله تعالى: ( فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ ) ما روى
أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب في
قوله: ( فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ ) قال:
كان في علمه تعالى يوم أقروا له بالميثاق، أي: فما كانوا ليؤمنوا لعلم الله
منهم ذلك، وكذا قال الربيع بن أنس، واختاره ابن جرير.
وقال السدي: ( فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ ) قال: ذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرها.
وقال مجاهد في قوله: ( فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ ) هذا كقوله: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا [لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ] [الأنعام:28]
ثُمَّ
بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ
وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الْمُفْسِدِينَ (103)
يقول تعالى: ( ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ ) أي: الرسل المتقدم
ذكرهم، كنوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، صلوات الله وسلامه عليهم وعلى سائر
أنبياء الله أجمعين. ( مُوسَى بِآيَاتِنَا ) أي: بحججنا ودلائلنا البينة
إلى ( فِرْعَوْنَ ) وهو ملك مصر في زمن موسى، ( وَمَلَئِهِ ) أي: قومه، (
فَظَلَمُوا بِهَا ) أي: جحدوا وكفروا بها ظلما منهم وعنادا، كقوله تعالى : وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل:14] أي:
الذين صدوا عن سبيل الله وكذبوا رسله، أي: انظر -يا محمد -كيف فعلنا بهم،
وأغرقناهم عن آخرهم، بمرأى من موسى وقومه. وهذا أبلغ في النكال بفرعون
وقومه، وأشفى لقلوب أولياء الله -موسى وقومه -من المؤمنين به .
وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104)
يخبر تعالى عن مناظرة موسى لفرعون، وإلجامه إياه بالحجة، وإظهاره الآيات
البينات بحضرة فرعون وقومه من قبط مصر، فقال تعالى: ( وَقَالَ مُوسَى يَا
فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) أي: أرسلني الذي هو
خالقُ كل شيء وربه ومليكه.
أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ
بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ
بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)
يقول تعالى مخبرًا عن قلة إيمان أهل القرى الذين أرسل فيهم الرسل، كقوله تعالى : فَلَوْلا
كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلا قَوْمَ يُونُسَ
لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [يونس:98] أي: ما آمنت قرية بتمامها إلا قوم يونس، فإنهم آمنوا، وذلك بعد ما عاينوا العذاب، كما قال تعالى: وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [الصافات:147 ، 148] وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ [ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ] [سبأ:34]
وقوله تعالى: ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا ) أي:
آمنت قلوبهم بما جاءتهم به الرسل، وصدقت به واتبعته، واتقوا بفعل الطاعات
وترك المحرمات، ( لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ
وَالأرْضِ ) أي: قطر السماء ونبات الأرض. قال تعالى: ( وَلَكِنْ كَذَّبُوا
فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) أي: ولكن كذبوا رسلهم،
فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم.
ثم قال تعالى مخوفًا ومحذرًا من مخالفة أوامره، والتجرؤ على زواجره: (
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى ) أي: الكافرة ( أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا )
أي: عذابنا ونكالنا، ( بياتا ) أي: ليلا ( وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ
أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ )
أي: في حال شغلهم وغفلتهم، ( أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ) أي: بأسه
ونقمته وقدرته عليهم وأخذه إياهم في حال سهوهم وغفلتهم ( فَلا يَأْمَنُ
مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ) ؛ ولهذا قال الحسن البصري،
رحمه الله: "المؤمن يعمل بالطاعات وهو مُشْفِق وَجِل خائف، والفاجر يعمل
بالمعاصي وهو آمن".
أَوَلَمْ
يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ
نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ
لا يَسْمَعُونَ (100)
قال ابن عباس، رضي الله عنهما، في قوله: ( أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ
يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا ) أو لم نُبَيًن، [وكذا قال مجاهد
والسدي، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أو لم نبين] لهم أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم.
وقال أبو جعفر بن جرير في تفسيرها: يقول
تعالى: أو لم نبيِّن للذين يستخلفون في الأرض من بعد هلاك آخرين قبلهم
كانوا أهلها، فساروا سيرتهم، وعملوا أعمالهم، وعتوا على ربهم: ( أَنْ لَوْ
نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ) يقول: أن لو نشاء فعلنا بهم كما
فعلنا بمن قبلهم، ( وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) يقول: ونختم على قلوبهم
( فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ) موعظة ولا تذكيرًا.
قلت: وهكذا قال تعالى: أَفَلَمْ
يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي
مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُولِي النُّهَى [طه:128] وقال تعالى: أَوَلَمْ
يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ
يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ [السجدة:26] وقال: أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ
فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ
كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمْثَالَ ] [إبراهيم:44 ، 45] وقال تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا [مريم:98] أي: هل ترى لهم شخصًا أو تسمع لهم صوتًا؟ وقال تعالى: أَلَمْ
يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي
الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ
مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ
فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا
آخَرِينَ [الأنعام:6] وقال تعالى بعد ذكره إهلاك عاد: فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * وَلَقَدْ
مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ
سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا
أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ
بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأحقاف:25-27] وقال تعالى: وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ [سبأ:45] وقال تعالى: وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ [الملك:18] وقال تعالى: فَكَأَيِّنْ
مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى
عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ * أَفَلَمْ
يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ
آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ
تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:45 ، 46] وقال تعالى: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
[الأنعام:10] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على حلول نقمه بأعدائه، وحصول
نعمه لأوليائه؛ ولهذا عقب ذلك بقوله، وهو أصدق القائلين ورب العالمين:
تِلْكَ
الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ
رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا
مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)
لما قص تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم خبر قوم نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب [عليهم الصلاة والسلام]
وما كان من إهلاكه الكافرين وإنجائه المؤمنين، وأنه تعالى أعذر إليهم بأن
بين لهم الحق بالحجج على ألسنة الرسل، صلوات الله عليهم أجمعين، قال تعالى:
( تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ ) أي: يا محمد ( مِنْ أَنْبَائِهَا )
أي: من أخبارها، ( وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ) أي:
بالحجج على صدقهم فيما أخبروهم به، كما قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا [الإسراء:15] وقال تعالى: ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [هود:100 ، 101]
وقوله تعالى: ( فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ
) الباء سببية، أي: فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل بسبب تكذيبهم
بالحق أول ما ورد عليهم. حكاه ابن عطية، رحمه الله، وهو متجه حسن، كقوله: وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ
أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ
مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ [فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ] [الأنعام:110 ، 111] ؛ ولهذا
قال هنا: كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ وَمَا
وَجَدْنَا لأكْثَرِهِمْ أي: لأكثر الأمم الماضية ( مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ
وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ) أي: ولقد وجدنا أكثرهم فاسقين
خارجين عن الطاعة والامتثال. والعهد الذي أخذه [عليهم]
هو ما جبلهم عليه وفطرهم عليه، وأخذ عليهم في الأصلاب أنه ربهم ومليكهم،
وأنه لا إله إلا هو، فأقروا بذلك، وشهدوا على أنفسهم به، فخالفوه وتركوه
وراء ظهورهم، وعبدوا مع الله غيره بلا دليل ولا حجة، لا من عقل ولا شرع،
وفي الفطر السليمة خلاف ذلك، وجاءت الرسل الكرام من أولهم إلى آخرهم بالنهي
عن ذلك، كما جاء في صحيح مسلم يقول الله تعالى: "إني خلقت عبادي حُنَفَاء،
فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحَرّمَتْ عليهم ما أحللتُ لهم".
وفي الصحيحين: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه
ويمجسانه" الحديث. وقال تعالى في كتابه العزيز: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] وقال تعالى: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف:45] وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] إلى غير ذلك من الآيات.
وقد قيل في تفسير قوله تعالى: ( فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ ) ما روى
أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب في
قوله: ( فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ ) قال:
كان في علمه تعالى يوم أقروا له بالميثاق، أي: فما كانوا ليؤمنوا لعلم الله
منهم ذلك، وكذا قال الربيع بن أنس، واختاره ابن جرير.
وقال السدي: ( فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ ) قال: ذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرها.
وقال مجاهد في قوله: ( فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ ) هذا كقوله: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا [لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ] [الأنعام:28]
ثُمَّ
بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ
وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الْمُفْسِدِينَ (103)
يقول تعالى: ( ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ ) أي: الرسل المتقدم
ذكرهم، كنوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، صلوات الله وسلامه عليهم وعلى سائر
أنبياء الله أجمعين. ( مُوسَى بِآيَاتِنَا ) أي: بحججنا ودلائلنا البينة
إلى ( فِرْعَوْنَ ) وهو ملك مصر في زمن موسى، ( وَمَلَئِهِ ) أي: قومه، (
فَظَلَمُوا بِهَا ) أي: جحدوا وكفروا بها ظلما منهم وعنادا، كقوله تعالى : وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل:14] أي:
الذين صدوا عن سبيل الله وكذبوا رسله، أي: انظر -يا محمد -كيف فعلنا بهم،
وأغرقناهم عن آخرهم، بمرأى من موسى وقومه. وهذا أبلغ في النكال بفرعون
وقومه، وأشفى لقلوب أولياء الله -موسى وقومه -من المؤمنين به .
وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104)
يخبر تعالى عن مناظرة موسى لفرعون، وإلجامه إياه بالحجة، وإظهاره الآيات
البينات بحضرة فرعون وقومه من قبط مصر، فقال تعالى: ( وَقَالَ مُوسَى يَا
فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) أي: أرسلني الذي هو
خالقُ كل شيء وربه ومليكه.
رد: الجزء الثالث عشر من تفسير سورة الأعراف
جميل جدا ونشاط مميز شكرا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الثالث عشر من تفسير سورة الأعراف
شكرا على الموضوع
لا تبخل علينا
لا تبخل علينا
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الثالث من تفسير سورة الأعراف
» الجزء الثالث والعشرون من تفسير سورة الأعراف
» الجزء الأول من تفسير سورة الأعراف
» الجزء السابع عشر من تفسير سورة الأعراف
» الجزء الثاني من تفسير سورة الأعراف
» الجزء الثالث والعشرون من تفسير سورة الأعراف
» الجزء الأول من تفسير سورة الأعراف
» الجزء السابع عشر من تفسير سورة الأعراف
» الجزء الثاني من تفسير سورة الأعراف
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الاعراف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى