الجزء الثامن عشر من تفسير سورة الأعراف
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الاعراف
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الثامن عشر من تفسير سورة الأعراف
قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ
(144)
وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً
وَتَفْصِيلا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ
يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ
(145)
يذكر تعالى أنه خاطب موسى [عليه السلام] بأنه اصطفاه على عالمي زمانه برسالاته وبكلامه تعالى ولا شك أن محمدًا صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم من الأولين والآخرين؛ ولهذا اختصه الله بأن < 3-474 >
جعله خاتم الأنبياء والمرسلين، التي
تستمر شريعته إلى قيام الساعة، وأتباعه أكثر من أتباع سائر الأنبياء
والمرسلين كلهم، وبعده في الشرف والفضل إبراهيم الخليل، عليه السلام، ثم
موسى [بن عمران] كليم الرحمن، عليه السلام؛ ولهذا قال الله تعالى له: ( فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ ) أي: من الكلام [والوحي] والمناجاة ( وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) أي: على ذلك، ولا تطلب ما لا طاقة لك به.
ثم أخبر تعالى أنه كتب له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء،
قيل: كانت الألواح من جوهر، وأن الله تعالى كتب له فيها مواعظ وأحكاما
مفصلة مبينة للحلال والحرام، وكانت هذه الألواح مشتملة على التوراة التي
قال الله [تعالى] فيها:
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ
[القصص:43]
وقيل: الألواح أعطيها موسى قبل التوراة، فالله أعلم. وعلى كل تقدير كانت كالتعويض له عما سأل من الرؤية ومنع منه، والله أعلم.
وقوله: ( فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ ) أي: بعزم على الطاعة ( وَأْمُرْ
قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ) قال سفيان بن عيينة: حدثنا أبو سعد عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أمر موسى -عليه السلام -أن يأخذ بأشد ما أمر قومه.
وقوله: ( سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ) أي: سترون عاقبة من خالف أمري، وخرج عن طاعتي، كيف يصير إلى الهلاك والدمار والتباب؟
قال ابن جرير: وإنما قال: ( سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ) كما
يقول القائل لمن يخاطبه: "سأريك غدا إلام يصير إليه حال من خالف أمري"، على
وجه التهديد والوعيد لمن عصاه وخالف أمره.
ثم نقل معنى ذلك عن مجاهد، والحسن البصري.
وقيل: معناه ( سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ) أي: من أهل الشام،
وأعطيكم إياها. وقيل: منازل قوم فرعون، والأول أولى، والله أعلم؛ لأن هذا
كان بعد انفصال موسى وقومه عن بلاد مصر، وهو خطاب لبني إسرائيل قبل دخولهم
التيه، والله أعلم.
سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ
الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا
سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ
الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ
(146)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
(147)
يقول تعالى: ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) أي: سأمنع فهم الحجج < 3-475 >
والأدلة على عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي، ويتكبرون على الناس بغير حق، أي: كما استكبروا بغير حق أذلهم الله بالجهل، كما قال تعالى:
وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ
[الأنعام:110] وقال تعالى:
فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ
[الصف:5]
وقال بعض السلف: لا ينال العلم حيي ولا مستكبر.
وقال آخر: من لم يصبر على ذل التعلم ساعة، بقي في ذل الجهل أبدا.
وقال سفيان بن عُيَينة في قوله: ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ
يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) قال: أنـزع عنهم فهم
القرآن، وأصرفهم عن آياتي.
قال ابن جرير: وهذا يدل على أن هذا خطاب لهذه الأمة
قلت: ليس هذا بلازم؛ لأن ابن عيينة إنما أراد أن هذا مطرد في حق كل أمة، ولا فرق بين أحد وأحد في هذا، والله أعلم.
وقوله: ( وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا ) كما قال تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ
[يونس:96 ، 97] .
وقوله: ( وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا )
أي: وإن ظهر لهم سبيل الرشد، أي: طريق النجاة لا يسلكوها، وإن ظهر لهم طريق
الهلاك والضلال يتخذوه سبيلا.
ثم علل مصيرهم إلى هذه الحال بقوله: ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا ) أي: كذبت بها قلوبهم، ( وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ) أي:
لا يعلمون شيئًا مما فيها.
وقوله: ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ
حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ) أي: من فعل منهم ذلك واستمر عليه إلى الممات، حبط
عمله.
وقوله: ( هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) أي: إنما نجازيهم بحسب أعمالهم التي أسلفوها، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، وكما تدين تدان.
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَدًا
لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ
سَبِيلا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ
(148)
وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا
قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ
مِنَ الْخَاسِرِينَ
(149)
يخبر تعالى عن ضلال من ضل من بني إسرائيل في عبادتهم العجل، الذي اتخذه
لهم السامري من حلي القبط، الذي كانوا استعاروه منهم، فشكل لهم منه عجلا
ثم ألقى فيه القبضة من التراب التي أخذها من أثر فرس جبريل، عليه السلام،
فصار عجلا جسدا له خوار، و"الخوار" صوت البقر. < 3-476 >
وكان هذا منهم بعد ذهاب موسى [عليه السلام] لميقات ربه تعالى، وأعلمه الله تعالى بذلك وهو على الطور، حيث يقول تعالى إخبارا عن نفسه الكريمة:
قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ
[طه:85]
وقد اختلف المفسرون في هذا العجل: هل صار لحما ودما له خوار؟ أو استمر
على كونه من ذهب، إلا أنه يدخل فيه الهواء فيصوت كالبقر؟ على قولين، والله
أعلم. ويقال: إنهم لما صَوّت لهم العجل رَقَصُوا حوله وافتتنوا به،
فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ
[طه:88] فقال الله تعالى:
أَفَلا يَرَوْنَ أَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا
[طه:89]
وقال في هذه الآية الكريمة: ( أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ
وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلا ) ينكر تعالى عليهم في ضلالهم بالعجل، وذُهُولهم
عن خالق السماوات والأرض وربّ كل شيء ومليكه، أن عبدوا معه عجلا جسدًا له خُوَار لا يكلمهم، ولا يرشدهم إلى خير. ولكن غَطَّى على أعيُن بصائرهم
عَمَى الجهل والضلال، كما تقدم من رواية الإمام أحمد وأبو داود، عن أبي
الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حبك الشيء يُعْمي ويُصِم"
وقوله: ( وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ) أي: ندموا على ما فعلوا، (
وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا
رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا ) وقرأ بعضهم: "لئن لم ترحمنا" بالتاء المثناة
من فوق، "ربنا" منادى، "وتَغْفِر لنا"، ( لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )
أي: من الهالكين وهذا اعتراف منهم بذنبهم والتجاء إلى الله عز وجل.
رد: الجزء الثامن عشر من تفسير سورة الأعراف
جميل جدا ونشاط مميز شكرا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الثامن عشر من تفسير سورة الأعراف
شكرا على الموضوع
لا تبخل علينا
لا تبخل علينا
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الثامن من تفسير سورة الأعراف
» الجزء الرابع من تفسير سورة الأعراف
» الجزء العشرون من تفسير سورة الأعراف
» الجزء الخامس من تفسير سورة الأعراف
» الجزء السادس من تفسير سورة الأعراف
» الجزء الرابع من تفسير سورة الأعراف
» الجزء العشرون من تفسير سورة الأعراف
» الجزء الخامس من تفسير سورة الأعراف
» الجزء السادس من تفسير سورة الأعراف
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الاعراف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى