الجزء الثاني من تفسير سورة الشعراء
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الشعراء
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الثاني من تفسير سورة الشعراء
قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ
(20)
فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ
(21)
وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ
(22)
( قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا ) أي: في تلك الحال، ( وَأَنَا مِنَ
الضَّالِّينَ ) أي: قبل أن يوحى إليّ وينعم الله عليَّ بالرسالة والنبوة .
قال ابن عباس، رضي الله عنهما، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وغيرهم: ( وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ) أي: الجاهلين.
قال ابن جُرَيْج: وهي كذلك في قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
( فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) أي: الحال الأول انفصل < 6-138 >
وجاء أمر آخر، فقد أرسلني الله إليك، فإن أطعته سَلمت، وإن خالفته عَطبت.
ثم قال موسى: ( وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ) أي: وما أحسنت إلي وربَّيْتني مقابل ما أسأتَ إلى
بني إسرائيل، فجعلتهم عبيدا وخدما، تصرفهم في أعمالك ومشاق رعيتك، أفَيَفي
إحسانك إلى رجل واحد منهم بما أسأتَ إلى مجموعهم؟ أي: ليس ما ذكرتَه شيئا
بالنسبة إلى ما فعلتَ بهم.
قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ
(23)
قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ
(24)
قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ
(25)
قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ
(26)
قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ
(27)
قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ
(28)
يقول تعالى مخبرًا عن كفر فرعون، وتمرده وطغيانه وجحوده، في قوله: ( وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ) ؟ وذلك أنه كان يقول لقومه: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي
[القصص:38]، فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ
[الزخرف:54] ، وكانوا يجحدون الصانع -تعالى -ويعتقدون أنه لا رب لهم سوى فرعون، فلما قال له موسى: إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ
[الزخرف:46] ، قال له: ومَنْ هذا الذي تزعم أنه رب العالمين غيري؟ هكذا
فسره علماء السلف وأئمة الخلف، حتى قال السدي: هذه الآية كقوله تعالى: قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى
[طه:49 ، 50] .
ومن زعم من أهل المنطق وغيرهم؛ أن هذا سؤال عن الماهية، فقد غلط؛ فإنه لم يكن مقرًا بالصانع حتى يسأل عن الماهية
، بل كان جاحدًا له بالكلية فيما يظهر، وإن كانت الحجج والبراهين قد قامت
عليه، فعند ذلك قال موسى لما سأله عن رب العالمين: ( قَالَ رَبُّ
السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ) أي: خالق جميع ذلك ومالكه،
والمتصرف فيه وإلهه، لا شريك له، هو الله الذي خلق الأشياء كلها، العالم
العلوي وما فيه من الكواكب الثوابت والسيارات النيرات، والعالم السفلي وما
فيه من بحار وقفار، وجبال وأشجار، وحيوان ونبات وثمار، وما بين ذلك من
الهواء والطيور، وما يحتوي عليه الجو، الجميع عبيد له خاضعون ذليلون.
( إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ) أي: إن كانت لكم قلوب موقنة، وأبصار
نافذة. فعند ذلك التفت فرعون إلى مَنْ حوله من مَلَئه ورؤساء دولته قائلا
لهم، على سبيل التهكم والاستهزاء والتكذيب لموسى فيما قاله: ( أَلا
تَسْتَمِعُونَ ) أي: ألا تعجبون مما يقول هذا في زعمه: أن لكم إلها غيري؟
فقال لهم موسى: ( رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ ) أي: خالقكم
وخالق آبائكم الأولين ، الذي كانوا قبل فرعون وزمانه.
( قال ) أي: فرعون لقومه: ( إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ) أي: ليس < 6-139 >
له عقل في دعواه أن ثمّ ربا غيري .
( قال ) أي: موسى لأولئك الذين أوعز إليهم فرعون ما أوعز من الشبهة،
فأجاب موسى بقوله: ( رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا
إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) أي: هو الذي جعل المشرق مشرقًا تطلع منه
الكواكب، والمغرب مغربًا تغرب فيه
الكواكب، ثوابتها وسياراتها، مع هذا النظام الذي سَخّرها فيه وقدّرها، فإن
كان هذا الذي يزعم أنه ربكم وإلهكم صادقًا فليعكس الأمر، وليجعل المشرق
مغربًا، والمغرب مشرقًا، كما أخبر تعالى عن الَّذِي
حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ
قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي
وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ
الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ
وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
[البقرة:258] ؛ ولهذا لما غُلب فرعون وانقطعت حجته، عدل إلى استعمال جاهه
وقوته وسلطانه، واعتقد أن ذلك نافع له ونافذ في موسى، عليه السلام، فقال ما
أخبر الله تعالى عنه:
قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ
(29)
قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ
(30)
قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
(31)
فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ
(32)
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ
(33)
قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ
(34)
يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ
(35)
قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ
(36)
يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ
(37)
لما قامت على فرعون الحجة بالبيان والعقل، عدل إلى أن يقهر موسى بيده وسلطانه، وظن أنه ليس وراء هذا المقام مقال
فقال: ( لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأجْعَلَنَّكَ مِنَ
الْمَسْجُونِينَ ) . فعند ذلك قال موسى: ( أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ
مُبِينٍ ) ؟ أي: ببرهان قاطع واضح.
( قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى
عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ) أي: ظاهر واضح في غاية الجلاء
والوضوح والعظمة، ذات قوائم وفم كبير، وشكل هائل مزعج.
( وَنـزعَ يَدَهُ ) أي: من جيبه ( فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ
لِلنَّاظِرِينَ ) أي: تتلألأ كقطعة من القمر. فبادر فرعون -بشقائه -إلى
التكذيب والعناد، فقال للملأ حوله: ( إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ) أي:
فاضل بارع في السحر. فَرَوَّج عليهم فرعون أن هذا من قبيل السحر لا من قبيل
المعجزة، ثم هيجهم وحرضهم على مخالفته، والكفر به. فقال ( يُرِيدُ أَنْ
يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ) ؟ أي:
أراد أن يذهب بقلوب الناس معه بسبب هذا، فيكثر أعوانه وأنصاره وأتباعه
ويغلبكم على دولتكم، فيأخذ البلاد منكم، فأشيروا عليَّ فيه ماذا أصنع به؟
( قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ ) [أي: أخِّره وأخاه حتى تجمع له من مدائن مملكتك وأقاليم دولتك كل سحَّار عليم] يقابلونه، ويأتون بنظير ما جاء به، فتغلبه أنت وتكون لك النصرة والتأييد. فأجابهم إلى ذلك. وكان هذا من تسخير الله تعالى < 6-140 >
لهم في ذلك؛ ليجتمع الناس في صعيد واحد، ولتظهر آيات الله وحججه وبراهينه على الناس في النهار جهرة.
فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ
(38)
وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ
(39)
ذكر [الله]
تعالى هذه المناظرة الفعلية بين موسى والقبط في "سورة الأعراف" وفي "سورة
طه" وفي هذه السورة: وذلك أن القبط أرادوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم،
فأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. وهذا شأن الكفر والإيمان، ما تواجها وتقابلا إلا غلبه الإيمان، بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ
[الأنبياء:18]، وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا
[الإسراء:81]، ولهذا لما جاء السحرة، وقد جمعوهم من أقاليم بلاد مصر،
وكانوا إذ ذاك أسحر الناس وأصنعهم وأشدهم تخييلا في ذلك، وكان السحرة جمعًا
كثيرًا، وجمًا غفيرًا، قيل: كانوا اثني عشر ألفًا. وقيل: خمسة عشر ألفًا.
وقيل: سبعة عشر ألفًا وقيل: تسعة عشر ألفًا. وقيل: بضعة وثلاثين ألفًا.
وقيل: ثمانين ألفًا. وقيل غير ذلك، والله أعلم بعدتهم.
قال ابن إسحاق: وكان أمرهم راجعًا إلى أربعة منهم وهم رؤساؤهم: وهم: ساتور وعازور وحطحط ويصقى.
واجتهد الناس في الاجتماع ذلك اليوم.
رد: الجزء الثاني من تفسير سورة الشعراء
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الثاني من تفسير سورة الشعراء
جزاك الله خيرا على الموضوع
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الثالث من تفسير سورة الشعراء
» الجزء الرابع من تفسير سورة الشعراء
» الجزء الخامس من تفسير سورة الشعراء
» الجزء السادس من تفسير سورة الشعراء
» الجزء السابع من تفسير سورة الشعراء
» الجزء الرابع من تفسير سورة الشعراء
» الجزء الخامس من تفسير سورة الشعراء
» الجزء السادس من تفسير سورة الشعراء
» الجزء السابع من تفسير سورة الشعراء
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الشعراء
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى