الجزء السادس والعشرون من تفسير سورة البقرة
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة البقرة
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء السادس والعشرون من تفسير سورة البقرة
وَإِذْ
يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا
وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً
لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ (128)
وأما قوله تعالى: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ
الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ
ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ
عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )
فالقواعد: جمع قاعدة، وهي السارية والأساس، يقول تعالى: واذكر -يا محمد
-لقومك بناء إبراهيم وإسماعيل، عليهما السلام، البيت، ورفْعَهما القواعدَ
منه، وهما يقولان: ( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ ) فهما في عمل صالح، وهما يسألان الله تعالى أن يتقبل منهما،
كما روى ابن أبي حاتم من حديث محمد بن يزيد بن خنيس المكي، عن وهيب بن
الورد: أنه قرأ: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ
الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ) ثم يبكي ويقول: يا
خليل الرحمن، ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت مُشْفق أن لا يتقبل منك. وهذا كما
حكى الله تعالى عن حال المؤمنين المخلصين في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا أي: يعطون ما أعطوا من الصدقات والنفقات والقربات وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ
[ المؤمنون : 60 ] أي: خائفة ألا يتقبل منهم. كما جاء به الحديث الصحيح،
عن عائشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في موضعه.
وقال بعض المفسرين: الذي كان يرفع القواعد هو إبراهيم، والداعي إسماعيل. والصحيح أنهما كانا يرفعان ويقولان، كما سيأتي بيانه.
وقد روى البخاري هاهنا حديثًا سنورده ثم نُتْبِعه بآثار متعلقة بذلك. قال البخاري، رحمه الله:
حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا مَعْمَر، عن أيوب السخيتاني وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وَدَاعة -يزيد أحدُهما على الآخر -عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: أول ما اتخذ النساء المنْطَق من قبَل أم إسماعيل، عليهما
السلام اتخذت منطقًا ليعفي أثرها على سارة. ثم جاء بها إبراهيم وبابنها
إسماعيل، عليهما السلام، وهي ترضعه، حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق
زَمْزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء فوضعهما هنالك،
ووضع عندهما جرابًا فيه تمر وسِقَاء فيه ماء، ثم قَفَّى إبراهيم، عليه
السلام، منطلقًا. فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا
بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت
إليها. فقالت
آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذًا لا يضيعنا. ثم رجعت. فانطلق
إبراهيم، عليه السلام، حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه، استقبل بوجهه
البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات، ورفع يديه، قال: رَبَّنَا إِنِّي
أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ
الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ
النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ
يَشْكُرُونَ [ إبراهيم : 37 ] ، وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل، عليهما السلام، وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ماء السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى - أو قال: يتلبط -فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقربَ جبل في الأرض يليها
فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا؟ فلم تر أحدًا. فهبطت من
الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طَرْفَ درعها، ثم سعت سَعْيَ الإنسان
المجهود حتى جاوزت الوادي. ثم أتت المروة، فقامت عليها ونظرت هل ترى
أحَدًا؟ فلم تر أحدًا. ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس: قال النبي صلى
الله عليه وسلم: "فلذلك سعى الناس بينهما".
فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا فقالت: صه، تريد نفسها، ثم تَسَمَّعت
فسمعَت أيضًا. فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غُوَاث فإذا هي بالمَلَك عند
موضع زمزم، فبحث بعقبه -أو قال: بجناحه -حتى ظهر الماء، فجعلت تُحَوِّضُهُ،
وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف.
قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله أم إسماعيل، لو
تركت زمزم -أو قال: لو لم تغرف من الماء -لكانت زمزم عينًا مَعينًا".
قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافي الضيعة؛ فإن هاهنا
بيتًا لله، عز وجل، يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله، عز وجل، لا يضيع
أهله. وكان البيت مرتفعًا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه
وعن شماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جُرْهُم -أو أهل بيت من جُرْهم
-مقبلين من طريق كَدَاء. فنـزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائرًا عائفًا،
فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على الماء، لعَهْدُنا بهذا الوادي وما فيه
ماء. فأرسلوا جَرِيًّا أو جَرِيَّين، فإذا هم بالماء. فرجعوا فأخبروهم
بالماء، فأقبلوا. قال: وأم إسماعيل عند الماء. فقالوا: أتأذنين لنا أن
ننـزل عندك؟ قالت: نعم، ولكن لا حَقَّ لكم في الماء. قالوا: نعم.
قال ابن عباس
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس.
فنـزلوا، وأرسلوا إلى أهليهم فنـزلوا معهم. حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم
وشب الغلامُ، وتعلم العربية منهم، وأنْفَسَهم وأعجبهم حين شب، فلما أدرك
زوجوه امرأة منهم. وماتت أم إسماعيل، عليهما
السلام، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيلُ ليطالع تَرْكَتَه. فلم يجد
إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. ثم سألها عن عيشهم
وهيئتهم، فقالت: نحن بشَرّ، نحن في ضيق وشدة. وشكت إليه. قال: فإذا جاء
زوجك فاقرئي عليه السلام، وقولي له: يغير عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل،
عليه السلام، كأنه أنس شيئًا. فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ
كذا وكذا، فسأل عنك، فأخبرته، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنا في جَهْد وشدَّة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول
غَيِّرْ عتبة بابك. قال: ذاك أبي. وقد أمرني أن أفارقك، فالحقي بأهلك.
فَطَلَّقَها وتزوج منهم بأخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم أتاهم
بعد فلم يجده. فدخل على امرأته، فسألها عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا. قال:
كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وَهَيْئَتهم. فقالت: نحن
بخير وسعة. وأثنت على الله، عز وجل. فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم. قال:
فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء". قال النبي
صلى الله عليه وسلم: "ولم يكن لهم يومئذ حَب، ولو كان لهم، لدعا لهم فيه.
قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه". قال: "فإذا جاء
زوجك فاقرئي عليه السلام، ومُريه يُثَبِّت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل،
عليه السلام، قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة،
وأثنت عليه
فسألني عنك، فأخبرته، فسألني: كيف عيشنا؟ فأخبرته أنا بخير. قال: فأوصاك
بشيء؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك
أبي، وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك. ثم لَبثَ عنهم ما شاء الله، عز وجل، ثم
جاء بعد ذلك وإسماعيل يَبْرِي نَبْلا
له تحت دوحة قريبًا من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الولد
بالوالد، والوالد بالولد. ثم قال: يا إسماعيل، إن الله أمرني بأمر. قال:
فاصنع ما أمرك ربك، عز وجل. قال: وتعينني؟ قال: وأعينك. قال: فإن الله
أمرني أن أبني هاهنا بيتًا -وأشار إلى أكَمَةٍ مرتفعة على ما حولها -قال:
فعند ذلك رَفَعا القواعد من البيت فجعل
إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا
الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما
يقولان: ( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
) " قال: "فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت، وهما يقولان: ( رَبَّنَا
تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) .
[ورواه عبد بن حميد عن عبد الرزاق به مطولا] .
ورواه ابن أبي حاتم، عن أبي عبد الله محمد بن حمَّاد الظهراني. وابن جرير، عن أحمد بن ثابت الرازي، كلاهما عن عبد الرزاق به مختصرًا .
وقال أبو بكر بن مَرْدُويه: حدثنا إسماعيل بن علي بن إسماعيل، حدثنا بشر
بن موسى، حدثنا أحمد بن محمد الأزرقي، حدثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن عبد
الملك بن جُرَيج، عن كثير بن كثير، قال: كنت أنا وعثمان بن أبي سليمان،
وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين في ناس مع سعيد بن جبير، في أعلى
المسجد ليلا فقال سعيد بن جبير: سلوني قبل أن لا تروني. فسألوه عن المقام.
فأنشأ يحدثهم عن ابن عباس، فذكر الحديث بطوله.
ثم قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد. حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو
حدثنا إبراهيم بن نافع، عن كثير بن كثير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس
قال: لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان، خرج بإسماعيل وأم إسماعيل،
ومعهم شَنَّة فيها ماء، فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنَّة، فيَدِرُّ لبنها على صبيها، حتى قدم مكة فوضعها تحت دوحة، ثم رجع إبراهيم إلى أهله، فاتبعته أم إسماعيل، حتى بلغوا كَدَاء نادته
من ورائه: يا إبراهيم، إلى من تتركنا؟ قال: إلى الله، عز وجل. قالت: رضيت
بالله. قال: فرجَعَتْ، فجعلت تشرب من الشنة، ويَدر لبنها على صَبيها حتى
لما فَنِي الماء قالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا. قال: فذهَبَتْ فصَعدت
الصفا، فنظرت ونظرت هل تحس أحدًا، فلم تحس أحدًا. فلما بلغت الوادي سَعَت
حتى أتت المروة، ففعلت ذلك أشواطا ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل، تعني
الصبي، فذهبت فنظرت فإذا هو على حاله كأنه يَنْشَغُ للموت، فلم تقُرَّها
نفسها، فقالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدًا. قال: فذهبت فصعدت الصفا،
فنظرت ونَظرت فلم تُحس أحدًا، حتى أتمت سبعا، ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما
فعل، فإذا هي بصوت، فقالت: أغثْ إن كان عندك خير. فإذا جبريل، عليه السلام،
قال: فقال بعقبه هكذا، وغمز عَقِبَه على الأرض. قال: فانبثق الماء،
فَدَهَشَتْ أم إسماعيل، فجعلت تحفر.
قال: فقال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "لو تركَتْه لكان الماء ظاهرًا .
قال: فجعلت تشرب من الماء ويَدِرُّ لبنها على صَبِيِّها.
قال: فمر ناس من جُرْهم ببطن الوادي، فإذا هم بطير، كأنهم أنكروا ذلك،
وقالوا: ما يكون الطير إلا على ماء فبعثوا رسولهم فَنَظَرَ، فإذا هو
بالماء. فأتاهم فأخبرهم. فأتوا إليها فقالوا: يا أم إسماعيل، أتأذنين لنا
أن نكون معك - أونسكن معك؟ -فبلغ ابنها ونكح فيهم امرأة.
قال: ثم إنه بدا لإبراهيم صلى الله عليه وسلم
فقال لأهله: إني مُطَّلع تَرْكَتي. قال: فجاء فسلم، فقال: أين إسماعيل؟
قالت امرأته: ذهب يصيد. قال: قولي له إذا جاء: غير عتبة بيتك. فلما جاء
أخبرته، قال: أنت ذَاكِ، فاذهبي إلى أهلك.
قال: ثم إنه بدا لإبراهيم، فقال لأهله: إني مُطَّلع تَرْكتي. قال: فجاء
فقال: أين إسماعيل؟ فقالت امرأته: ذهب يصيد. فقالت: ألا تنـزل فَتَطْعَم
وتشرب؟ فقال: ما طعامكم وما شرابكم؟ قالت: طعامنا اللحم، وشرابنا الماء.
قال: اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم.
قال: فقال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "بَرَكة بدعوة إبراهيم"
قال: ثم إنه بدا لإبراهيم صلى الله عليه وسلم فقال لأهله: إني مُطَّلع تَرْكتي. فجاء فوافق إسماعيل من وراء زمزم يصلح نَبْلا له
فقال: يا إسماعيل، إن ربك، عز وجل، أمرني أن أبني له بيتًا. فقال: أطعْ
ربك، عز وجل. قال: إنه قد أمرني أن تعينني عليه؟ فقال: إذن أفعلَ -أو كما
قال -قال: فقاما [قال] فجعل إبراهيم يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، ويقولان: ( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) قال:
حتى ارتفع البناء وضَعُفَ الشيخ عن نقل الحجارة. فقام على حَجَر المقام،
فجعل يناوله الحجارة ويقولان: ( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )
هكذا رواه من هذين الوجهين في كتاب الأنبياء .
والعجب أن الحافظ أبا عبد الله الحاكم رواه في كتابه المستدرك، عن أبي
العباس الأصم، عن محمد بن سنان القَزَّاز، عن أبي علي عبيد الله بن عبد
المجيد الحنفي، عن إبراهيم بن نافع، به. وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم
يخرجاه. كذا قال. وقد رواه البخاري كما ترى، من حديث إبراهيم بن نافع، كأن
فيه اقتصارًا، فإنه لم يذكر فيه [شأن]
الذبح. وقد جاء في الصحيح، أن قرني الكبش كانا معلقين بالكعبة، وقد جاء أن
إبراهيم، عليه السلام، كان يزور أهله بمكة على البراق سريعًا ثم يعود إلى أهله بالبلاد المقدسة، والله أعلم. والحديث -والله أعلم -إنما فيه -مرفوع -أماكن صَرح بها ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في هذا السياق ما يخالف بعض هذا، كما قال ابن جرير:
حدثنا محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى قالا حدثنا مؤمل، حدثنا سفيان، عن
أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرِّب، عن علي بن أبي طالب، قال: لما أمر إبراهيم
ببناء البيت، خرج معه إسماعيل وهاجر. قال: فلما قدم مكة رأى على رأسه في
موضع البيت مثل الغمامة، فيه مثلُ الرأس. فكلمه، قال: يا إبراهيم، ابن على
ظِلي -أو قال على قدري -ولا تَزْد ولا تنقص: فلما بنى خرج، وخلف إسماعيل
وهاجر، فقالت هاجر: يا إبراهيم، إلى من تكلنا؟ قال: إلى الله. قالت: انطلق،
فإنه لا يضيعنا. قال: فعطش إسماعيل عطشًا شديدًا، قال: فصعدت هاجر إلى
الصفا فنظرت فلم تر شيئًا، حتى أتت المروة فلم تر شيئًا، ثم رجعت إلى الصفا
فنظرت فلم تر شيئًا، حتى أتت المروة فلم تر شيئًا، ثم رجعت إلى الصفا
فنظرت فلم تر شيئًا، حتى فعلت ذلك سبع مرات، فقالت: يا إسماعيل، مت حيث لا
أراك. فأتته وهو يفحص برجله من العطش. فناداها جبريل فقال لها: من أنت؟
قالت: أنا هاجر أم ولد إبراهيم. قال: فإلى من وَكَلَكُما؟ قالت: وكلنا إلى
الله. قال: وكلكما إلى كافٍ. قال: ففحص الغلام الأرض بأصبعه، فنبعت زمزم.
فجعلت تحبس الماء فقال: دعيه فإنها رَوَاء .
ففي هذا السياق أنه بنى البيت قبل أن يفارقهما، وقد يحتمل -إن كان محفوظًا -أن يكون أولا وضع له حوطًا وتحجيرًا، لا أنه بناه إلى أعلاه، حتى كبر إسماعيل فبنياه معًا، كما قال الله تعالى.
ثم قال ابن جرير: حدثنا هَنَّاد بن السري، حدثنا أبو الأحوص، عن سِماك،
عن خالد بن عرعرة، أن رجلا قام إلى علي، رضي الله عنه، فقال: ألا تخبرني عن
البيت، أهو أول بيت وضع في الأرض؟ فقال: لا ولكنه أول بيت وضع فيه
البَرَكة
،مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنًا، وإن شئت أنبأتك كيف بني: إن الله أوحى
إلى إبراهيم أن ابن لي بيتًا في الأرض، قال: فضاق إبراهيم بذلك ذرعًا
فأرسل الله السكينة -وهي ريح خجوج، ولها رأسان -فأتْبَع أحدهما صاحبه، حتى
انتهت إلى مكة، فتطوت
على موضع البيت كطي الحجفَة، وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة.
فبنى إبراهيم وبقي حجر، فذهب الغلام يبغي شيئًا. فقال إبراهيم: أبغني حجرًا
كما آمرك. قال: فانطلق الغلام يلتمس له حجرًا، فأتاه به، فوجده قد ركب
الحجر الأسود في مكانه. فقال: يا أبه، من أتاك بهذا الحجر؟ فقال: أتاني به
من لن يَتَّكل على بنائك، جاء به جبريل، عليه السلام، من السماء. فأتماه .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري، حدثنا
سفيان، عن بشر بن عاصم، عن سعيد بن المسيب، عن كعب الأحبار، قال: كان البيت
غثاءة على الماء قبل أن يخلق الله الأرض بأربعين عامًا، ومنه دحيت الأرض.
قال سعيد: وحدثنا علي بن أبي طالب: أن إبراهيم أقبل من أرمينية، ومعه السكينة تدله على تَبُوُّء البيت كما تتبوأ العنكبوت بيتًا، قال: فكشفت عن أحجار لا يُطيق الحجر إلا ثلاثون رجلا. قلت: يا أبا محمد، فإن الله يقول: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ) قال: كان ذلك بعد.
وقال السدي: إن الله، عز وجل، أمر إبراهيم أن يبني [البيت]
هو وإسماعيل: ابنيا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود، فانطلق
إبراهيم، عليه السلام، حتى أتى مكة، فقام هو وإسماعيل، وأخَذَا المعاول لا
يدريان أين البيت؟ فبعث الله ريحًا، يقال لها: ريح الخجوج، لها جناحان ورأس
في صورة حية، فكشفت لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الأول، واتبعاها
بالمعاول يحفران حتى وضعا الأساس. فذلك حين يقول [الله] تعالى: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ) وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ
[ الحج : 26 ] فلما بنيا القواعد فبلغا مكان الركن. قال إبراهيم لإسماعيل:
يا بني، اطلب لي حجرًا حسنًا أضعه هاهنا. قال: يا أبت، إني كسلان لَغب.
قال: عَلَيّ بذلك فانطلق فطلب
له حجرًا، فجاءه بحجر فلم يرضه، فقال ائتني بحجر أحسن من هذا، فانطلق يطلب
له حجرًا، وجاءه جبريل بالحجر الأسود من الهند، وكان أبيض، ياقوتة بيضاء
مثل الثَّغَامة، وكان آدم هبط به من الجنة فاسود من خطايا الناس، فجاءه
إسماعيل بحجر فوجده عند الركن، فقال: يا أبه، من جاءك بهذا؟ قال: جاء به من
هو أنشط منك. فبنيا وهما يدعوان الكلمات التي ابتلى [بهن] إبراهيم ربه، فقال: ( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )
وفي هذا السياق ما يدل على أن قواعد البيت كانت مبنية قبل إبراهيم. وإنما هُدِي إبراهيمُ إليها وبُوِّئ لها. وقد ذهب إلى ذلك ذاهبون، كما قال الإمام عبد الرزاق أخبرنا معمر، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ) قال: القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك .
وقال عبد الرزاق أيضًا: أخبرنا هشام بن حسان، عن سوار -ختن عطاء -عن
عطاء ابن أبي رباح، قال: لما أهبط الله آدم من الجنة، كانت رجلاه في الأرض
ورأسُه في السماء يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم، يأنس إليهم، فهابته
الملائكة، حتى شكت إلى الله في دعائها وفي صلاتها. فخفضه الله إلى الأرض،
فلما فقد ما كان يسمع منهم استوحش حتى شكا ذلك إلى الله في دعائه وفي
صلاته. فوجه إلى مكة، فكان موضع قَدَمه قريةً، وخَطوُه مفازة، حتى انتهى
إلى مكة، وأنـزل الله ياقوتة من ياقوت الجنة، فكانت على موضع البيت الآن.
فلم يزل يطوف به حتى أنـزل الله الطوفان، فرفعت تلك الياقوتة، حتى بعث الله
إبراهيم، عليه السلام، فبناه. وذلك قول الله تعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ [ الحج : 26 ] .
وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء، قال: قال آدم: إني لا أسمع
أصوات الملائكة؟! قال: بخطيئتك، ولكن اهبط إلى الأرض، فابن لي بيتًا ثم
احفف به، كما رأيت الملائكة تحف ببيتي الذي في السماء. فيزعم الناس أنه
بناه من خمسة أجبل: من حراء. وطور زيتا، وطور سَيْناء، وجبل لبنان،
والجودي. وكان رَبَضُه من حراء. فكان هذا بناء آدم، حتى بناه إبراهيم، عليه
السلام، بعد .
وهذا صحيح إلى عطاء، ولكن في بعضه نكارَة، والله أعلم.
وقال عبد الرزاق أيضًا: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: وضع الله البيت مع
آدم حين أهبط الله آدم إلى الأرض، وكان مهبطه بأرض الهند. وكان رأسه في
السماء ورجلاه في الأرض، فكانت الملائكة تهابه، فنُقص إلى ستين ذراعًا؛ فحزن
إذ فقد أصوات الملائكة وتسبيحهم. فشكا ذلك إلى الله، عز وجل، فقال الله:
يا آدم، إني قد أهبطت لك بيتًا تطوف به كما يُطَاف حول عرشي، وتصلِّي عنده
كما يصلى عند عرشي، فانطلق إليه آدم، فخرج ومُدَّ له في خطوه، فكان بين كل
خطوتين مفازة. فلم تزل تلك المفازة بعد ذلك. فأتى آدم البيت فطاف به، ومَن بعده من الأنبياء .
وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد
حدثنا يعقوب القُمِّي، عن حفص بن حميد، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: وضع
الله البيت على أركان الماء، على أربعة أركان، قبل أن تُخْلَق الدنيا بألفي
عام، ثم دحِيت الأرض من تحت البيت.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني [عبد الله]
بن أبي نَجِيح، عن مجاهد وغيره من أهل العلم: أن الله لما بَوَّأ إبراهيم
مكان البيت خرج إليه من الشام، وخرج معه بإسماعيل وبأمه هاجر، وإسماعيل طفل
صغير يرضع، وحمُلوا -فيما حدثني -على البُرَاق، ومعه جبريل يَدُلّه على
موضع البيت ومعالم الحَرم. وخرج معه جبريل، فكان لا يمر بقرية إلا قال:
أبهذه أمرت يا جبريل؟ فيقول جبريل: امضِه. حتى قدم به مكة، وهي إذ ذاك
عضَاة سَلَم وَسَمُر، وبها أناس يقال لهم: "العماليق" خارج مكة وما حولها.
والبيت يومئذ ربوة حمراء مَدِرَة، فقال إبراهيم لجبريل: أهاهنا أمرت أن
أضعهما؟ قال: نعم. فعمد بهما إلى موضع الحجر فأنـزلهما فيه، وأمر هاجَرَ
أمَّ إسماعيل أن تتخذ فيه عَريشًا، فقال: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ إلى قوله: لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [ إبراهيم : 37 ] .
وقال عبد الرزاق: أخبرنا هشام بن حَسَّان، أخبرني حُمَيد، عن مجاهد،
قال: خلق الله موضعَ هذا البيت قبلَ أن يخلق شيئًا بألفي سنة، وأركانه في
الأرض السابعة .
وكذا قال ليث بن أبي سليم، عن مجاهد: القواعد في الأرض السابعة.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عَمْرو بن رافع، أخبرنا
عبد الوهاب بن معاوية، عن عبد المؤمن بن خالد، عن علياء بن أحمر: أن ذا
القرنين قدم مكة فوجد إبراهيم وإسماعيل يبنيان قواعدَ البيت من خمسة أجبل.
فقال: ما لكما ولأرضي؟ فقال
نحن عبدان مأموران، أمرنا ببناء هذه الكعبة. قال: فهاتا بالبينة على ما
تدعيان. فقامت خمسة أكبش، فقلن: نحن نشهد أن إبراهيم وإسماعيل عبدان
مأموران، أمرا ببناء هذه الكعبة. فقال: قد رضيت وسلمت. ثم مضى.
وذَكَرَ الأزْرَقي في تاريخ مكة أن ذا القرنين طاف مع إبراهيم، عليه السلام، بالبيت، وهذا يدل على تقدم زمانه ، والله أعلم.
وقال البخاري، رحمه الله: قوله تعالى: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ
الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ ) الآية: القواعد: أساسه
واحدها قاعدة. والقواعد من النساء: واحدتها قاعدُ.
حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله: أن عبد
الله بن محمد بن أبي بكر أخبر عبد الله بن عُمَر، عن عائشة زوج النبي صلى
الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألم تَرَيْ أن قومك
حين بنوا البيت
اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟" فقلت: يا رسول الله، ألا تَرُدَّها على قواعد
إبراهيم؟ قال: "لولا حِدْثان قومك بالكفر". فقال عبد الله بن عمر: لئن كانت
عائشة سَمعت هذا
من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرى رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم
ترك استلام الرُّكنين اللذَين يَلِيان الحِجْر إلا أن البيت لم يُتَمَّم
على قواعد إبراهيم، عليه السلام .
وقد رواه في الحج عن القَعْنَبي، وفي أحاديث الأنبياء عن عبد الله بن
يوسف. ومسلم عن يحيى بن يحيى، ومن حديث ابن وهب. والنسائي من حديث عبد
الرحمن بن القاسم، كلهم عن مالك به .
ورواه مسلم أيضًا من حديث نافع، قال: سمعت عبد الله بن أبي بكر بن أبي
قُحَافة يحدث عبدَ الله بن عُمَر، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية -أو قال: بكفر -لأنفقت كنـز الكعبة
في سبيل الله، ولجعلت بابها بالأرض، ولأدخلت فيها الحجر" .
وقال البخاري: حدثنا عُبَيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن
الأسود، قال: قال لي ابنُ الزبير: كانت عائشة تُسر إليك حديثًا كثيرًا،
فما حدثتك في الكعبة؟ قال قلت: قالت لي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا
عائشة، لولا قومك حديث عهدهم -فقال ابن الزبير: بكفر -لنقضت الكعبة، فجعلت
لها بابين: بابًا يدخل منه الناس، وبابًا يخرجون". ففعله ابن الزبير.
انفرد بإخراجه البخاري، فرواه هكذا في كتاب العلم من صحيحه .
وقال مسلم في صحيحه: حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا أبو معاوية، عن هشام بن
عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لولا حَدَاثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة ولجعلتها على أساس إبراهيم،
فإن قريشا حين بنت البيت استقصرت، ولجعلت لها خَلْفًا".
قال: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كُرَيب، قالا حدثنا ابن نُمَير، عن هشام بهذا الإسناد. انفرد به مسلم
،قال: وحدثني محمد بن حاتم، حدثني ابن مهدي، حدثنا سليم بن حَيَّان، عن
سعيد -يعني ابن ميناء -قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقول: حدثتني خالتي
-يعني عائشة رضي الله عنها -قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا عائشة،
لولا قومك حديث عَهْد
بشرك، لهدمت الكعبة، فألزقتها بالأرض، ولجعلت لها بابين: بابًا شرقيًّا،
وبابًا غربيًّا، وزدتُ فيها ستة أذرع من الحِجْر؛ فإن قريشًا اقتصرتها حيث
بنت الكعبة" انفرد به أيضًا
يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا
وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً
لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ (128)
وأما قوله تعالى: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ
الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ
ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ
عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )
فالقواعد: جمع قاعدة، وهي السارية والأساس، يقول تعالى: واذكر -يا محمد
-لقومك بناء إبراهيم وإسماعيل، عليهما السلام، البيت، ورفْعَهما القواعدَ
منه، وهما يقولان: ( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ ) فهما في عمل صالح، وهما يسألان الله تعالى أن يتقبل منهما،
كما روى ابن أبي حاتم من حديث محمد بن يزيد بن خنيس المكي، عن وهيب بن
الورد: أنه قرأ: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ
الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ) ثم يبكي ويقول: يا
خليل الرحمن، ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت مُشْفق أن لا يتقبل منك. وهذا كما
حكى الله تعالى عن حال المؤمنين المخلصين في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا أي: يعطون ما أعطوا من الصدقات والنفقات والقربات وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ
[ المؤمنون : 60 ] أي: خائفة ألا يتقبل منهم. كما جاء به الحديث الصحيح،
عن عائشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في موضعه.
وقال بعض المفسرين: الذي كان يرفع القواعد هو إبراهيم، والداعي إسماعيل. والصحيح أنهما كانا يرفعان ويقولان، كما سيأتي بيانه.
وقد روى البخاري هاهنا حديثًا سنورده ثم نُتْبِعه بآثار متعلقة بذلك. قال البخاري، رحمه الله:
حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا مَعْمَر، عن أيوب السخيتاني وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وَدَاعة -يزيد أحدُهما على الآخر -عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: أول ما اتخذ النساء المنْطَق من قبَل أم إسماعيل، عليهما
السلام اتخذت منطقًا ليعفي أثرها على سارة. ثم جاء بها إبراهيم وبابنها
إسماعيل، عليهما السلام، وهي ترضعه، حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق
زَمْزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء فوضعهما هنالك،
ووضع عندهما جرابًا فيه تمر وسِقَاء فيه ماء، ثم قَفَّى إبراهيم، عليه
السلام، منطلقًا. فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا
بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت
إليها. فقالت
آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذًا لا يضيعنا. ثم رجعت. فانطلق
إبراهيم، عليه السلام، حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه، استقبل بوجهه
البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات، ورفع يديه، قال: رَبَّنَا إِنِّي
أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ
الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ
النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ
يَشْكُرُونَ [ إبراهيم : 37 ] ، وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل، عليهما السلام، وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ماء السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى - أو قال: يتلبط -فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقربَ جبل في الأرض يليها
فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا؟ فلم تر أحدًا. فهبطت من
الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طَرْفَ درعها، ثم سعت سَعْيَ الإنسان
المجهود حتى جاوزت الوادي. ثم أتت المروة، فقامت عليها ونظرت هل ترى
أحَدًا؟ فلم تر أحدًا. ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس: قال النبي صلى
الله عليه وسلم: "فلذلك سعى الناس بينهما".
فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا فقالت: صه، تريد نفسها، ثم تَسَمَّعت
فسمعَت أيضًا. فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غُوَاث فإذا هي بالمَلَك عند
موضع زمزم، فبحث بعقبه -أو قال: بجناحه -حتى ظهر الماء، فجعلت تُحَوِّضُهُ،
وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف.
قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله أم إسماعيل، لو
تركت زمزم -أو قال: لو لم تغرف من الماء -لكانت زمزم عينًا مَعينًا".
قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافي الضيعة؛ فإن هاهنا
بيتًا لله، عز وجل، يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله، عز وجل، لا يضيع
أهله. وكان البيت مرتفعًا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه
وعن شماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جُرْهُم -أو أهل بيت من جُرْهم
-مقبلين من طريق كَدَاء. فنـزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائرًا عائفًا،
فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على الماء، لعَهْدُنا بهذا الوادي وما فيه
ماء. فأرسلوا جَرِيًّا أو جَرِيَّين، فإذا هم بالماء. فرجعوا فأخبروهم
بالماء، فأقبلوا. قال: وأم إسماعيل عند الماء. فقالوا: أتأذنين لنا أن
ننـزل عندك؟ قالت: نعم، ولكن لا حَقَّ لكم في الماء. قالوا: نعم.
قال ابن عباس
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس.
فنـزلوا، وأرسلوا إلى أهليهم فنـزلوا معهم. حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم
وشب الغلامُ، وتعلم العربية منهم، وأنْفَسَهم وأعجبهم حين شب، فلما أدرك
زوجوه امرأة منهم. وماتت أم إسماعيل، عليهما
السلام، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيلُ ليطالع تَرْكَتَه. فلم يجد
إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. ثم سألها عن عيشهم
وهيئتهم، فقالت: نحن بشَرّ، نحن في ضيق وشدة. وشكت إليه. قال: فإذا جاء
زوجك فاقرئي عليه السلام، وقولي له: يغير عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل،
عليه السلام، كأنه أنس شيئًا. فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ
كذا وكذا، فسأل عنك، فأخبرته، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنا في جَهْد وشدَّة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول
غَيِّرْ عتبة بابك. قال: ذاك أبي. وقد أمرني أن أفارقك، فالحقي بأهلك.
فَطَلَّقَها وتزوج منهم بأخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم أتاهم
بعد فلم يجده. فدخل على امرأته، فسألها عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا. قال:
كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وَهَيْئَتهم. فقالت: نحن
بخير وسعة. وأثنت على الله، عز وجل. فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم. قال:
فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء". قال النبي
صلى الله عليه وسلم: "ولم يكن لهم يومئذ حَب، ولو كان لهم، لدعا لهم فيه.
قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه". قال: "فإذا جاء
زوجك فاقرئي عليه السلام، ومُريه يُثَبِّت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل،
عليه السلام، قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة،
وأثنت عليه
فسألني عنك، فأخبرته، فسألني: كيف عيشنا؟ فأخبرته أنا بخير. قال: فأوصاك
بشيء؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك
أبي، وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك. ثم لَبثَ عنهم ما شاء الله، عز وجل، ثم
جاء بعد ذلك وإسماعيل يَبْرِي نَبْلا
له تحت دوحة قريبًا من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الولد
بالوالد، والوالد بالولد. ثم قال: يا إسماعيل، إن الله أمرني بأمر. قال:
فاصنع ما أمرك ربك، عز وجل. قال: وتعينني؟ قال: وأعينك. قال: فإن الله
أمرني أن أبني هاهنا بيتًا -وأشار إلى أكَمَةٍ مرتفعة على ما حولها -قال:
فعند ذلك رَفَعا القواعد من البيت فجعل
إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا
الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما
يقولان: ( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
) " قال: "فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت، وهما يقولان: ( رَبَّنَا
تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) .
[ورواه عبد بن حميد عن عبد الرزاق به مطولا] .
ورواه ابن أبي حاتم، عن أبي عبد الله محمد بن حمَّاد الظهراني. وابن جرير، عن أحمد بن ثابت الرازي، كلاهما عن عبد الرزاق به مختصرًا .
وقال أبو بكر بن مَرْدُويه: حدثنا إسماعيل بن علي بن إسماعيل، حدثنا بشر
بن موسى، حدثنا أحمد بن محمد الأزرقي، حدثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن عبد
الملك بن جُرَيج، عن كثير بن كثير، قال: كنت أنا وعثمان بن أبي سليمان،
وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين في ناس مع سعيد بن جبير، في أعلى
المسجد ليلا فقال سعيد بن جبير: سلوني قبل أن لا تروني. فسألوه عن المقام.
فأنشأ يحدثهم عن ابن عباس، فذكر الحديث بطوله.
ثم قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد. حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو
حدثنا إبراهيم بن نافع، عن كثير بن كثير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس
قال: لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان، خرج بإسماعيل وأم إسماعيل،
ومعهم شَنَّة فيها ماء، فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنَّة، فيَدِرُّ لبنها على صبيها، حتى قدم مكة فوضعها تحت دوحة، ثم رجع إبراهيم إلى أهله، فاتبعته أم إسماعيل، حتى بلغوا كَدَاء نادته
من ورائه: يا إبراهيم، إلى من تتركنا؟ قال: إلى الله، عز وجل. قالت: رضيت
بالله. قال: فرجَعَتْ، فجعلت تشرب من الشنة، ويَدر لبنها على صَبيها حتى
لما فَنِي الماء قالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا. قال: فذهَبَتْ فصَعدت
الصفا، فنظرت ونظرت هل تحس أحدًا، فلم تحس أحدًا. فلما بلغت الوادي سَعَت
حتى أتت المروة، ففعلت ذلك أشواطا ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل، تعني
الصبي، فذهبت فنظرت فإذا هو على حاله كأنه يَنْشَغُ للموت، فلم تقُرَّها
نفسها، فقالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدًا. قال: فذهبت فصعدت الصفا،
فنظرت ونَظرت فلم تُحس أحدًا، حتى أتمت سبعا، ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما
فعل، فإذا هي بصوت، فقالت: أغثْ إن كان عندك خير. فإذا جبريل، عليه السلام،
قال: فقال بعقبه هكذا، وغمز عَقِبَه على الأرض. قال: فانبثق الماء،
فَدَهَشَتْ أم إسماعيل، فجعلت تحفر.
قال: فقال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "لو تركَتْه لكان الماء ظاهرًا .
قال: فجعلت تشرب من الماء ويَدِرُّ لبنها على صَبِيِّها.
قال: فمر ناس من جُرْهم ببطن الوادي، فإذا هم بطير، كأنهم أنكروا ذلك،
وقالوا: ما يكون الطير إلا على ماء فبعثوا رسولهم فَنَظَرَ، فإذا هو
بالماء. فأتاهم فأخبرهم. فأتوا إليها فقالوا: يا أم إسماعيل، أتأذنين لنا
أن نكون معك - أونسكن معك؟ -فبلغ ابنها ونكح فيهم امرأة.
قال: ثم إنه بدا لإبراهيم صلى الله عليه وسلم
فقال لأهله: إني مُطَّلع تَرْكَتي. قال: فجاء فسلم، فقال: أين إسماعيل؟
قالت امرأته: ذهب يصيد. قال: قولي له إذا جاء: غير عتبة بيتك. فلما جاء
أخبرته، قال: أنت ذَاكِ، فاذهبي إلى أهلك.
قال: ثم إنه بدا لإبراهيم، فقال لأهله: إني مُطَّلع تَرْكتي. قال: فجاء
فقال: أين إسماعيل؟ فقالت امرأته: ذهب يصيد. فقالت: ألا تنـزل فَتَطْعَم
وتشرب؟ فقال: ما طعامكم وما شرابكم؟ قالت: طعامنا اللحم، وشرابنا الماء.
قال: اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم.
قال: فقال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "بَرَكة بدعوة إبراهيم"
قال: ثم إنه بدا لإبراهيم صلى الله عليه وسلم فقال لأهله: إني مُطَّلع تَرْكتي. فجاء فوافق إسماعيل من وراء زمزم يصلح نَبْلا له
فقال: يا إسماعيل، إن ربك، عز وجل، أمرني أن أبني له بيتًا. فقال: أطعْ
ربك، عز وجل. قال: إنه قد أمرني أن تعينني عليه؟ فقال: إذن أفعلَ -أو كما
قال -قال: فقاما [قال] فجعل إبراهيم يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، ويقولان: ( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) قال:
حتى ارتفع البناء وضَعُفَ الشيخ عن نقل الحجارة. فقام على حَجَر المقام،
فجعل يناوله الحجارة ويقولان: ( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )
هكذا رواه من هذين الوجهين في كتاب الأنبياء .
والعجب أن الحافظ أبا عبد الله الحاكم رواه في كتابه المستدرك، عن أبي
العباس الأصم، عن محمد بن سنان القَزَّاز، عن أبي علي عبيد الله بن عبد
المجيد الحنفي، عن إبراهيم بن نافع، به. وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم
يخرجاه. كذا قال. وقد رواه البخاري كما ترى، من حديث إبراهيم بن نافع، كأن
فيه اقتصارًا، فإنه لم يذكر فيه [شأن]
الذبح. وقد جاء في الصحيح، أن قرني الكبش كانا معلقين بالكعبة، وقد جاء أن
إبراهيم، عليه السلام، كان يزور أهله بمكة على البراق سريعًا ثم يعود إلى أهله بالبلاد المقدسة، والله أعلم. والحديث -والله أعلم -إنما فيه -مرفوع -أماكن صَرح بها ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في هذا السياق ما يخالف بعض هذا، كما قال ابن جرير:
حدثنا محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى قالا حدثنا مؤمل، حدثنا سفيان، عن
أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرِّب، عن علي بن أبي طالب، قال: لما أمر إبراهيم
ببناء البيت، خرج معه إسماعيل وهاجر. قال: فلما قدم مكة رأى على رأسه في
موضع البيت مثل الغمامة، فيه مثلُ الرأس. فكلمه، قال: يا إبراهيم، ابن على
ظِلي -أو قال على قدري -ولا تَزْد ولا تنقص: فلما بنى خرج، وخلف إسماعيل
وهاجر، فقالت هاجر: يا إبراهيم، إلى من تكلنا؟ قال: إلى الله. قالت: انطلق،
فإنه لا يضيعنا. قال: فعطش إسماعيل عطشًا شديدًا، قال: فصعدت هاجر إلى
الصفا فنظرت فلم تر شيئًا، حتى أتت المروة فلم تر شيئًا، ثم رجعت إلى الصفا
فنظرت فلم تر شيئًا، حتى أتت المروة فلم تر شيئًا، ثم رجعت إلى الصفا
فنظرت فلم تر شيئًا، حتى فعلت ذلك سبع مرات، فقالت: يا إسماعيل، مت حيث لا
أراك. فأتته وهو يفحص برجله من العطش. فناداها جبريل فقال لها: من أنت؟
قالت: أنا هاجر أم ولد إبراهيم. قال: فإلى من وَكَلَكُما؟ قالت: وكلنا إلى
الله. قال: وكلكما إلى كافٍ. قال: ففحص الغلام الأرض بأصبعه، فنبعت زمزم.
فجعلت تحبس الماء فقال: دعيه فإنها رَوَاء .
ففي هذا السياق أنه بنى البيت قبل أن يفارقهما، وقد يحتمل -إن كان محفوظًا -أن يكون أولا وضع له حوطًا وتحجيرًا، لا أنه بناه إلى أعلاه، حتى كبر إسماعيل فبنياه معًا، كما قال الله تعالى.
ثم قال ابن جرير: حدثنا هَنَّاد بن السري، حدثنا أبو الأحوص، عن سِماك،
عن خالد بن عرعرة، أن رجلا قام إلى علي، رضي الله عنه، فقال: ألا تخبرني عن
البيت، أهو أول بيت وضع في الأرض؟ فقال: لا ولكنه أول بيت وضع فيه
البَرَكة
،مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنًا، وإن شئت أنبأتك كيف بني: إن الله أوحى
إلى إبراهيم أن ابن لي بيتًا في الأرض، قال: فضاق إبراهيم بذلك ذرعًا
فأرسل الله السكينة -وهي ريح خجوج، ولها رأسان -فأتْبَع أحدهما صاحبه، حتى
انتهت إلى مكة، فتطوت
على موضع البيت كطي الحجفَة، وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة.
فبنى إبراهيم وبقي حجر، فذهب الغلام يبغي شيئًا. فقال إبراهيم: أبغني حجرًا
كما آمرك. قال: فانطلق الغلام يلتمس له حجرًا، فأتاه به، فوجده قد ركب
الحجر الأسود في مكانه. فقال: يا أبه، من أتاك بهذا الحجر؟ فقال: أتاني به
من لن يَتَّكل على بنائك، جاء به جبريل، عليه السلام، من السماء. فأتماه .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري، حدثنا
سفيان، عن بشر بن عاصم، عن سعيد بن المسيب، عن كعب الأحبار، قال: كان البيت
غثاءة على الماء قبل أن يخلق الله الأرض بأربعين عامًا، ومنه دحيت الأرض.
قال سعيد: وحدثنا علي بن أبي طالب: أن إبراهيم أقبل من أرمينية، ومعه السكينة تدله على تَبُوُّء البيت كما تتبوأ العنكبوت بيتًا، قال: فكشفت عن أحجار لا يُطيق الحجر إلا ثلاثون رجلا. قلت: يا أبا محمد، فإن الله يقول: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ) قال: كان ذلك بعد.
وقال السدي: إن الله، عز وجل، أمر إبراهيم أن يبني [البيت]
هو وإسماعيل: ابنيا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود، فانطلق
إبراهيم، عليه السلام، حتى أتى مكة، فقام هو وإسماعيل، وأخَذَا المعاول لا
يدريان أين البيت؟ فبعث الله ريحًا، يقال لها: ريح الخجوج، لها جناحان ورأس
في صورة حية، فكشفت لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الأول، واتبعاها
بالمعاول يحفران حتى وضعا الأساس. فذلك حين يقول [الله] تعالى: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ) وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ
[ الحج : 26 ] فلما بنيا القواعد فبلغا مكان الركن. قال إبراهيم لإسماعيل:
يا بني، اطلب لي حجرًا حسنًا أضعه هاهنا. قال: يا أبت، إني كسلان لَغب.
قال: عَلَيّ بذلك فانطلق فطلب
له حجرًا، فجاءه بحجر فلم يرضه، فقال ائتني بحجر أحسن من هذا، فانطلق يطلب
له حجرًا، وجاءه جبريل بالحجر الأسود من الهند، وكان أبيض، ياقوتة بيضاء
مثل الثَّغَامة، وكان آدم هبط به من الجنة فاسود من خطايا الناس، فجاءه
إسماعيل بحجر فوجده عند الركن، فقال: يا أبه، من جاءك بهذا؟ قال: جاء به من
هو أنشط منك. فبنيا وهما يدعوان الكلمات التي ابتلى [بهن] إبراهيم ربه، فقال: ( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )
وفي هذا السياق ما يدل على أن قواعد البيت كانت مبنية قبل إبراهيم. وإنما هُدِي إبراهيمُ إليها وبُوِّئ لها. وقد ذهب إلى ذلك ذاهبون، كما قال الإمام عبد الرزاق أخبرنا معمر، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ) قال: القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك .
وقال عبد الرزاق أيضًا: أخبرنا هشام بن حسان، عن سوار -ختن عطاء -عن
عطاء ابن أبي رباح، قال: لما أهبط الله آدم من الجنة، كانت رجلاه في الأرض
ورأسُه في السماء يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم، يأنس إليهم، فهابته
الملائكة، حتى شكت إلى الله في دعائها وفي صلاتها. فخفضه الله إلى الأرض،
فلما فقد ما كان يسمع منهم استوحش حتى شكا ذلك إلى الله في دعائه وفي
صلاته. فوجه إلى مكة، فكان موضع قَدَمه قريةً، وخَطوُه مفازة، حتى انتهى
إلى مكة، وأنـزل الله ياقوتة من ياقوت الجنة، فكانت على موضع البيت الآن.
فلم يزل يطوف به حتى أنـزل الله الطوفان، فرفعت تلك الياقوتة، حتى بعث الله
إبراهيم، عليه السلام، فبناه. وذلك قول الله تعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ [ الحج : 26 ] .
وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء، قال: قال آدم: إني لا أسمع
أصوات الملائكة؟! قال: بخطيئتك، ولكن اهبط إلى الأرض، فابن لي بيتًا ثم
احفف به، كما رأيت الملائكة تحف ببيتي الذي في السماء. فيزعم الناس أنه
بناه من خمسة أجبل: من حراء. وطور زيتا، وطور سَيْناء، وجبل لبنان،
والجودي. وكان رَبَضُه من حراء. فكان هذا بناء آدم، حتى بناه إبراهيم، عليه
السلام، بعد .
وهذا صحيح إلى عطاء، ولكن في بعضه نكارَة، والله أعلم.
وقال عبد الرزاق أيضًا: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: وضع الله البيت مع
آدم حين أهبط الله آدم إلى الأرض، وكان مهبطه بأرض الهند. وكان رأسه في
السماء ورجلاه في الأرض، فكانت الملائكة تهابه، فنُقص إلى ستين ذراعًا؛ فحزن
إذ فقد أصوات الملائكة وتسبيحهم. فشكا ذلك إلى الله، عز وجل، فقال الله:
يا آدم، إني قد أهبطت لك بيتًا تطوف به كما يُطَاف حول عرشي، وتصلِّي عنده
كما يصلى عند عرشي، فانطلق إليه آدم، فخرج ومُدَّ له في خطوه، فكان بين كل
خطوتين مفازة. فلم تزل تلك المفازة بعد ذلك. فأتى آدم البيت فطاف به، ومَن بعده من الأنبياء .
وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد
حدثنا يعقوب القُمِّي، عن حفص بن حميد، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: وضع
الله البيت على أركان الماء، على أربعة أركان، قبل أن تُخْلَق الدنيا بألفي
عام، ثم دحِيت الأرض من تحت البيت.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني [عبد الله]
بن أبي نَجِيح، عن مجاهد وغيره من أهل العلم: أن الله لما بَوَّأ إبراهيم
مكان البيت خرج إليه من الشام، وخرج معه بإسماعيل وبأمه هاجر، وإسماعيل طفل
صغير يرضع، وحمُلوا -فيما حدثني -على البُرَاق، ومعه جبريل يَدُلّه على
موضع البيت ومعالم الحَرم. وخرج معه جبريل، فكان لا يمر بقرية إلا قال:
أبهذه أمرت يا جبريل؟ فيقول جبريل: امضِه. حتى قدم به مكة، وهي إذ ذاك
عضَاة سَلَم وَسَمُر، وبها أناس يقال لهم: "العماليق" خارج مكة وما حولها.
والبيت يومئذ ربوة حمراء مَدِرَة، فقال إبراهيم لجبريل: أهاهنا أمرت أن
أضعهما؟ قال: نعم. فعمد بهما إلى موضع الحجر فأنـزلهما فيه، وأمر هاجَرَ
أمَّ إسماعيل أن تتخذ فيه عَريشًا، فقال: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ إلى قوله: لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [ إبراهيم : 37 ] .
وقال عبد الرزاق: أخبرنا هشام بن حَسَّان، أخبرني حُمَيد، عن مجاهد،
قال: خلق الله موضعَ هذا البيت قبلَ أن يخلق شيئًا بألفي سنة، وأركانه في
الأرض السابعة .
وكذا قال ليث بن أبي سليم، عن مجاهد: القواعد في الأرض السابعة.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عَمْرو بن رافع، أخبرنا
عبد الوهاب بن معاوية، عن عبد المؤمن بن خالد، عن علياء بن أحمر: أن ذا
القرنين قدم مكة فوجد إبراهيم وإسماعيل يبنيان قواعدَ البيت من خمسة أجبل.
فقال: ما لكما ولأرضي؟ فقال
نحن عبدان مأموران، أمرنا ببناء هذه الكعبة. قال: فهاتا بالبينة على ما
تدعيان. فقامت خمسة أكبش، فقلن: نحن نشهد أن إبراهيم وإسماعيل عبدان
مأموران، أمرا ببناء هذه الكعبة. فقال: قد رضيت وسلمت. ثم مضى.
وذَكَرَ الأزْرَقي في تاريخ مكة أن ذا القرنين طاف مع إبراهيم، عليه السلام، بالبيت، وهذا يدل على تقدم زمانه ، والله أعلم.
وقال البخاري، رحمه الله: قوله تعالى: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ
الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ ) الآية: القواعد: أساسه
واحدها قاعدة. والقواعد من النساء: واحدتها قاعدُ.
حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله: أن عبد
الله بن محمد بن أبي بكر أخبر عبد الله بن عُمَر، عن عائشة زوج النبي صلى
الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألم تَرَيْ أن قومك
حين بنوا البيت
اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟" فقلت: يا رسول الله، ألا تَرُدَّها على قواعد
إبراهيم؟ قال: "لولا حِدْثان قومك بالكفر". فقال عبد الله بن عمر: لئن كانت
عائشة سَمعت هذا
من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرى رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم
ترك استلام الرُّكنين اللذَين يَلِيان الحِجْر إلا أن البيت لم يُتَمَّم
على قواعد إبراهيم، عليه السلام .
وقد رواه في الحج عن القَعْنَبي، وفي أحاديث الأنبياء عن عبد الله بن
يوسف. ومسلم عن يحيى بن يحيى، ومن حديث ابن وهب. والنسائي من حديث عبد
الرحمن بن القاسم، كلهم عن مالك به .
ورواه مسلم أيضًا من حديث نافع، قال: سمعت عبد الله بن أبي بكر بن أبي
قُحَافة يحدث عبدَ الله بن عُمَر، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية -أو قال: بكفر -لأنفقت كنـز الكعبة
في سبيل الله، ولجعلت بابها بالأرض، ولأدخلت فيها الحجر" .
وقال البخاري: حدثنا عُبَيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن
الأسود، قال: قال لي ابنُ الزبير: كانت عائشة تُسر إليك حديثًا كثيرًا،
فما حدثتك في الكعبة؟ قال قلت: قالت لي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا
عائشة، لولا قومك حديث عهدهم -فقال ابن الزبير: بكفر -لنقضت الكعبة، فجعلت
لها بابين: بابًا يدخل منه الناس، وبابًا يخرجون". ففعله ابن الزبير.
انفرد بإخراجه البخاري، فرواه هكذا في كتاب العلم من صحيحه .
وقال مسلم في صحيحه: حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا أبو معاوية، عن هشام بن
عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لولا حَدَاثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة ولجعلتها على أساس إبراهيم،
فإن قريشا حين بنت البيت استقصرت، ولجعلت لها خَلْفًا".
قال: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كُرَيب، قالا حدثنا ابن نُمَير، عن هشام بهذا الإسناد. انفرد به مسلم
،قال: وحدثني محمد بن حاتم، حدثني ابن مهدي، حدثنا سليم بن حَيَّان، عن
سعيد -يعني ابن ميناء -قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقول: حدثتني خالتي
-يعني عائشة رضي الله عنها -قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا عائشة،
لولا قومك حديث عَهْد
بشرك، لهدمت الكعبة، فألزقتها بالأرض، ولجعلت لها بابين: بابًا شرقيًّا،
وبابًا غربيًّا، وزدتُ فيها ستة أذرع من الحِجْر؛ فإن قريشًا اقتصرتها حيث
بنت الكعبة" انفرد به أيضًا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء السادس والعشرون من تفسير سورة البقرة
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء السادس والعشرون من تفسير سورة البقرة
جزاك الله خيرا على المواضيع القيمة بارك الله فيك
طريق النجاح- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 709
تاريخ الميلاد : 07/05/1997
العمر : 27
رد: الجزء السادس والعشرون من تفسير سورة البقرة
شكرا على الموضوع
أبو سليمان- المشرفون
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 3412
تاريخ الميلاد : 03/11/1996
العمر : 28
رد: الجزء السادس والعشرون من تفسير سورة البقرة
جزاك الله خيرا
الأمير- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 6081
تاريخ الميلاد : 29/10/1996
العمر : 28
رد: الجزء السادس والعشرون من تفسير سورة البقرة
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الواحد والعشرون من تفسير سورة البقرة
» الجزء الثاني والعشرون من تفسير سورة البقرة
» الجزء الثالث والعشرون من تفسير سورة البقرة
» الجزء الرابع والعشرون من تفسير سورة البقرة
» الجزء السابع والعشرون من تفسير سورة البقرة
» الجزء الثاني والعشرون من تفسير سورة البقرة
» الجزء الثالث والعشرون من تفسير سورة البقرة
» الجزء الرابع والعشرون من تفسير سورة البقرة
» الجزء السابع والعشرون من تفسير سورة البقرة
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة البقرة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى