الجزء الثلاثون من تفسير سورة البقرة
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة البقرة
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الثلاثون من تفسير سورة البقرة
الَّذِينَ
آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ
وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147)
يخبر تعالى أنّ علماء أهل الكتاب يعرفون صِحّة ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم [كما يعرفون أبناءهم]
كما يعرف أحدُهم ولده، والعربُ كانت تضرب المثل في صحة الشيء بهذا، كما
جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل معه صغير: "ابنك
هذا؟" قال: نعم يا رسول الله، أشهد به. قال: "أما إنه لا يَجْنِي عليك ولا
تجْنِي عليه" .
[قال القرطبي: ويروى أن عمر قال لعبد الله بن سلام: أتعرف محمدًا صلى
الله عليه وسلم كما تعرف ولدك ابنك، قال: نعم وأكثر، نـزل الأمين من السماء
على الأمين، في الأرض بنعته فعرفته، وإني لا أدري ما كان من أمره. قلت:
وقد يكون المراد ( يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ) من بين
أبناء الناس لا يشك أحد ولا يتمارى في معرفة ابنه إذا رآه من بين أبناء
الناس كلهم] .
ثم أخبر تعالى أنهم مع هذا التحقق
والإتقان العلمي ( لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ ) أي: ليكتمون الناس ما في
كتبهم من صفة النبي صلى الله عليه وسلم ( وَهُمْ يَعْلَمُونَ )
ثم ثبّت تعالى نبيه والمؤمنين وأخبرهم بأن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك، فقال: ( الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ )
وَلِكُلٍّ
وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَمَا
تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)
قال العوفي، عن ابن عباس: ( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ) يعني
بذلك: أهل الأديان، يقول: لكل قبلة يرضونها، ووجهة الله حيث توجه
المؤمنون.
وقال أبو العالية: لليهودي وجهة هو موليها، وللنصراني وجهة هو موليها، وهَداكم أنتم أيتها الأمة [الموقنون] للقبلة التي هي القبلة. وروي عن مجاهد، وعطاء، والضحاك، والربيع بن أنس، والسدي نحو هذا.
وقال مجاهد في الرواية الأخرى: ولكن أمَرَ كلَّ قوم أن يصلوا إلى الكعبة.
وقرأ ابن عباس، وأبو جعفر الباقر، وابن عامر: "ولكلٍ وجهة هو مُوَلاها".
وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: لِكُلٍّ
جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ
لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ
فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا [المائدة: 48] .
وقال هاهنا: ( أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا
إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) أي: هو قادر على جمعكم من
الأرض، وإن تفرقت أجسادكم وأبدانكم.
وَمِنْ
حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا
تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ
حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلا يَكُونَ
لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا
تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ (150)
هذا أمر ثالث من الله تعالى باستقبال المسجد الحرام، من جميع أقطار الأرض.
وقد اختلفوا في حكمة هذا التكرار ثلاث مرات، فقيل: تأكيد لأنه أول ناسخ
وقع، في الإسلام على ما نص عليه ابن عباس وغيره، وقيل: بل هو منـزل على
أحوال، فالأمر الأول لمن هو مشاهد الكعبة، والثاني لمن هو في مكة غائبًا
عنها، والثالث لمن هو في بقية البلدان، هكذا وجهه فخر الدين الرازي. وقال
القرطبي: الأول لمن هو بمكة، والثاني لمن هو في بقية الأمصار، والثالث لمن
خرج، في الأسفار، ورجح هذا الجواب القرطبي، وقيل: إنما ذكر ذلك لتعلقه بما
قبله أو بعده من السياق، فقال: أولا قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا إلى قوله: وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ
فذكر في هذا المقام إجابته إلى طلبته وأمره بالقبلة التي كان يود التوجه
إليها ويرضاها؛ وقال في الأمر الثاني: ( وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ
وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ
وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) فذكر أنه الحق من الله
وارتقى عن المقام الأول، حيث كان موافقًا لرضا الرسول صلى الله عليه وسلم
فبين أنه الحق أيضًا من الله يحبه ويرتضيه، وذكر في الأمر الثالث حكمة قطع
حجة المخالف من اليهود الذين كانوا يتحججون باستقبال الرسول إلى قبلتهم،
وقد كانوا يعلمون بما في كتبهم أنه سيصرف إلى قبلة إبراهيم، عليه السلام،
إلى الكعبة، وكذلك مشركو العرب انقطعت حجتهم لما صرف الرسول صلى الله عليه
وسلم عن قبلة اليهود إلى قبلة إبراهيم التي هي أشرف، وقد كانوا يعظمون
الكعبة وأعجبهم استقبال الرسول صلى الله عليه وسلم إليها، وقيل غير ذلك من
الأجوبة عن حكمة التكرار، وقد بسطها فخر الدين وغيره، والله -سبحانه وتعالى
-أعلم.
وقوله: ( لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ) أي: أهل
الكتاب؛ فإنهم يعلمون من صفة هذه الأمة التوجه إلى الكعبة، فإذا فقدوا ذلك
من صفتها ربما احتجوا بها على المسلمين أو لئلا يحتجوا بموافقة المسلمين
إياهم في التوجه إلى بيت المقدس. وهذا أظهر.
قال أبو العالية: ( لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ) يعني به أهل الكتاب حين قالوا: صُرف محمد إلى الكعبة.
وقالوا: اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه. وكان حجتهم على النبي صلى الله عليه وسلم انصرافه إلى البيت الحرام أن قالوا: سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا.
قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد، وعطاء، والضحاك، والربيع بن أنس، وقتادة، والسدي، نحو هذا.
وقال هؤلاء في قوله: ( إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ) يعني: مشركي قريش.
ووجه بعضهم حُجّة الظلمة -وهي داحضة -أن قالوا: إن هذا الرجل يزعمُ أنه
على دين إبراهيم: فإن كان توجّهه إلى بيت المقدس على ملة إبراهيم، فلم رجع
عنه؟ والجواب: أن الله تعالى اختار له التوجه إلى بيت المقدس أولا لما له
تعالى في ذلك من الحكمة، فأطاع ربه تعالى في ذلك، ثم صرفه إلى قبلة إبراهيم
-وهي الكعبة -فامتثل أمر الله في ذلك أيضًا، فهو، صلوات الله وسلامه عليه،
مطيع لله في جميع أحواله، لا يخرج عن أمر الله طرفة عين، وأمتهُ تَبَع له.
وقوله: ( فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ) أي: لا تخشوا شُبَهَ الظلمة
المتعنتين، وأفْرِدُوا الخشية لي، فإنه تعالى هو أهل أن يخشى منه.
وقوله: ( وَلأتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ ) عطف على ( لِئَلا يَكُونَ
لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ) أي: ولأتم نعمتي عليكم فيما شرعت لكم من
استقبال الكعبة، لتكمل لكم الشريعة من جميع وجوهها ( وَلَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ ) أي: إلى ما ضَلّت عنه الأمم هديناكم إليه، وخَصصْناكم به،
ولهذا كانت هذه الأمة أشرفَ الأمم وأفضلها.
كَمَا
أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا
وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ
مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (152)
يُذكر تعالى عباده المؤمنين ما أنعم به عليهم من بعثة الرسول محمد صلى
الله عليه وسلم إليهم، يتلو عليهم آيات الله مبينات وَيُزَكِّيهم، أي:
يطهرهم من رذائل الأخلاق ودَنَس النفوس وأفعال الجاهلية، ويخرجهم من
الظلمات إلى النور، ويعلمهم الكتاب -وهو القرآن -والحكمة -وهي السنة
-ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون. فكانوا في الجاهلية الجَهْلاء يُسفَهُون
بالقول الفرَى، فانتقلوا ببركة رسالته، ويُمن سفارته، إلى حال الأولياء،
وسجايا العلماء فصاروا أعمق الناس علمًا، وأبرهم قلوبًا، وأقلهم تكلفًا،
وأصدقهم لهجة. وقال تعالى: لَقَدْ
مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ
أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ الآية [آل عمران: 164]. وذم من لم يعرف قدر هذه النعمة، فقال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ [ إبراهيم: 28].
قال ابن عباس: يعني بنعمة الله محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا نَدَب
الله المؤمنين إلى الاعتراف بهذه النعمة ومقابلتها بذكره وشكره، فقال: (
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ) .
قال مجاهد في قوله: ( كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ ) يقول: كما فعلت فاذكروني.
قال عبد الله بن وهب، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم: أن موسى، عليه
السلام، قال: يا رب، كيف أشكرك؟ قال له ربه: تذكرُني ولا تنساني، فإذا
ذكرتني فقد شكرتني، وإذا نسيتني فقد كفرتني.
وقال الحسن البصري، وأبو العالية، والسدي، والربيع بن أنس، إن الله يذكر من ذكره، ويزيد من شكره ويعذب من كفره.
وقال بعض السلف في قوله تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [آل عمران: 102] قال: هو أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا يُنْسَى، ويُشْكَرَ فلا يُكْفَر.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، أخبرنا يزيد بن
هارون، أخبرنا عمارة الصيدلاني، حدثنا مكحول الأزدي قال: قلت لابن عمر:
أرأيت قاتل النفس، وشارب الخمر والسارق والزاني يذكر الله، وقد قال الله
تعالى: ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) ؟ قال: إذا ذكر الله هذا ذكره الله
بلعنته، حتى يسكت.
وقال الحسن البصري في قوله: ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) قال: اذكروني، فيما افترضت عليكم أذكركم فيما أوجبت لكم على نفسي.
وعن سعيد بن جبير: اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي، وفي رواية: برحمتي.
وعن ابن عباس في قوله ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) قال: ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
وفي الحديث الصحيح: "يقول الله تعالى: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منه".
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا مَعْمَر، عن قتادة، عن أنس
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: يا ابن آدم، إن
ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي، وإن ذكرتني في ملإ ذكرتك، في ملإ من
الملائكة -أو قال: [في] ملأ خير منهم -وإن دنوت مني شبرًا دنوت منك ذراعًا، وإن دنوت مني ذراعا دنوت منك باعا، وإن أتيتني تمشي أتيتك أهرول"
صحيح الإسناد: أخرجه البخاري من حديث قتادة . وعنده قال قتادة: الله أقرب بالرحمة.
وقوله تعالى: ( وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ) أمر الله تعالى بشكره، ووعده على شكره بمزيد الخير، فقال: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم: 7] .
وقال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا شعبة، عن الفضيل بن فضالة -رجل من قيس- حدثنا أبو رجاء العطاردي، قال: خرج علينا عمران بن حصين وعليه مطْرف من خز لم نره
عليه قبل ذلك ولا بعده، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من
أنعم الله عليه نعمة فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه". وقال روح
مرة: "على عبده" .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)
لما فرغ تعالى
من بيان الأمر بالشكر شرع في بيان الصبر، والإرشاد إلى الاستعانة بالصبر
والصلاة، فإن العبد إما أن يكون في نعمة فيشكر عليها، أو في نقمة فيصبر
عليها؛ كما جاء في الحديث: "عجبًا للمؤمن. لا يقضي الله له قضاء إلا كان
خيرًا له: إن أصابته سراء، فشكر، كان خيرًا له؛ وإن أصابته ضراء فصبر كان
خيرًا له".
وبين تعالى أن أجود ما يستعان به على تحمل المصائب الصبر والصلاة، كما تقدم في قوله: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة: 45] . وفي الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَه أمر صلى
. والصبر صبران، فصبر على ترك المحارم والمآثم وصبر على فعل الطاعات
والقربات. والثاني أكثر ثوابًا لأنه المقصود. كما قال عبد الرحمن بن زيد بن
أسلم: الصبر في بابين، الصبر لله بما أحب، وإن ثقل على الأنفس والأبدان، والصبر لله عما كره وإن نازعت إليه الأهواء. فمن كان هكذا، فهو من الصابرين الذين يسلم عليهم، إن شاء الله.
وقال علي بن الحسين زين العابدين: إذا جمع الله الأولين والآخرين ينادي
مناد: أين الصابرون ليدخلوا الجنة قبل الحساب؟ قال: فيقوم عُنُق من الناس،
فتتلقاهم الملائكة، فيقولون: إلى أين يا بني آدم؟ فيقولون: إلى الجنة.
فيقولون: وقبل الحساب؟ قالوا: نعم، قالوا: ومن أنتم؟ قالوا: الصابرون،
قالوا: وما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا على طاعة الله، وصبرنا عن معصية الله،
حتى توفانا الله. قالوا: أنتم كما قلتم، ادخلوا الجنة، فنعم أجر العاملين.
قلت: ويشهد لهذا قوله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر: 10] .
وقال سعيد بن جبير: الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب منه، واحتسابه عند
الله رجاء ثوابه، وقد يجزع الرجل وهو مُتَجَلّد لا يرى منه إلا الصبر.
آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ
وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147)
يخبر تعالى أنّ علماء أهل الكتاب يعرفون صِحّة ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم [كما يعرفون أبناءهم]
كما يعرف أحدُهم ولده، والعربُ كانت تضرب المثل في صحة الشيء بهذا، كما
جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل معه صغير: "ابنك
هذا؟" قال: نعم يا رسول الله، أشهد به. قال: "أما إنه لا يَجْنِي عليك ولا
تجْنِي عليه" .
[قال القرطبي: ويروى أن عمر قال لعبد الله بن سلام: أتعرف محمدًا صلى
الله عليه وسلم كما تعرف ولدك ابنك، قال: نعم وأكثر، نـزل الأمين من السماء
على الأمين، في الأرض بنعته فعرفته، وإني لا أدري ما كان من أمره. قلت:
وقد يكون المراد ( يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ) من بين
أبناء الناس لا يشك أحد ولا يتمارى في معرفة ابنه إذا رآه من بين أبناء
الناس كلهم] .
ثم أخبر تعالى أنهم مع هذا التحقق
والإتقان العلمي ( لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ ) أي: ليكتمون الناس ما في
كتبهم من صفة النبي صلى الله عليه وسلم ( وَهُمْ يَعْلَمُونَ )
ثم ثبّت تعالى نبيه والمؤمنين وأخبرهم بأن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك، فقال: ( الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ )
وَلِكُلٍّ
وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَمَا
تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)
قال العوفي، عن ابن عباس: ( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ) يعني
بذلك: أهل الأديان، يقول: لكل قبلة يرضونها، ووجهة الله حيث توجه
المؤمنون.
وقال أبو العالية: لليهودي وجهة هو موليها، وللنصراني وجهة هو موليها، وهَداكم أنتم أيتها الأمة [الموقنون] للقبلة التي هي القبلة. وروي عن مجاهد، وعطاء، والضحاك، والربيع بن أنس، والسدي نحو هذا.
وقال مجاهد في الرواية الأخرى: ولكن أمَرَ كلَّ قوم أن يصلوا إلى الكعبة.
وقرأ ابن عباس، وأبو جعفر الباقر، وابن عامر: "ولكلٍ وجهة هو مُوَلاها".
وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: لِكُلٍّ
جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ
لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ
فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا [المائدة: 48] .
وقال هاهنا: ( أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا
إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) أي: هو قادر على جمعكم من
الأرض، وإن تفرقت أجسادكم وأبدانكم.
وَمِنْ
حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا
تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ
حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلا يَكُونَ
لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا
تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ (150)
هذا أمر ثالث من الله تعالى باستقبال المسجد الحرام، من جميع أقطار الأرض.
وقد اختلفوا في حكمة هذا التكرار ثلاث مرات، فقيل: تأكيد لأنه أول ناسخ
وقع، في الإسلام على ما نص عليه ابن عباس وغيره، وقيل: بل هو منـزل على
أحوال، فالأمر الأول لمن هو مشاهد الكعبة، والثاني لمن هو في مكة غائبًا
عنها، والثالث لمن هو في بقية البلدان، هكذا وجهه فخر الدين الرازي. وقال
القرطبي: الأول لمن هو بمكة، والثاني لمن هو في بقية الأمصار، والثالث لمن
خرج، في الأسفار، ورجح هذا الجواب القرطبي، وقيل: إنما ذكر ذلك لتعلقه بما
قبله أو بعده من السياق، فقال: أولا قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا إلى قوله: وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ
فذكر في هذا المقام إجابته إلى طلبته وأمره بالقبلة التي كان يود التوجه
إليها ويرضاها؛ وقال في الأمر الثاني: ( وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ
وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ
وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) فذكر أنه الحق من الله
وارتقى عن المقام الأول، حيث كان موافقًا لرضا الرسول صلى الله عليه وسلم
فبين أنه الحق أيضًا من الله يحبه ويرتضيه، وذكر في الأمر الثالث حكمة قطع
حجة المخالف من اليهود الذين كانوا يتحججون باستقبال الرسول إلى قبلتهم،
وقد كانوا يعلمون بما في كتبهم أنه سيصرف إلى قبلة إبراهيم، عليه السلام،
إلى الكعبة، وكذلك مشركو العرب انقطعت حجتهم لما صرف الرسول صلى الله عليه
وسلم عن قبلة اليهود إلى قبلة إبراهيم التي هي أشرف، وقد كانوا يعظمون
الكعبة وأعجبهم استقبال الرسول صلى الله عليه وسلم إليها، وقيل غير ذلك من
الأجوبة عن حكمة التكرار، وقد بسطها فخر الدين وغيره، والله -سبحانه وتعالى
-أعلم.
وقوله: ( لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ) أي: أهل
الكتاب؛ فإنهم يعلمون من صفة هذه الأمة التوجه إلى الكعبة، فإذا فقدوا ذلك
من صفتها ربما احتجوا بها على المسلمين أو لئلا يحتجوا بموافقة المسلمين
إياهم في التوجه إلى بيت المقدس. وهذا أظهر.
قال أبو العالية: ( لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ) يعني به أهل الكتاب حين قالوا: صُرف محمد إلى الكعبة.
وقالوا: اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه. وكان حجتهم على النبي صلى الله عليه وسلم انصرافه إلى البيت الحرام أن قالوا: سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا.
قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد، وعطاء، والضحاك، والربيع بن أنس، وقتادة، والسدي، نحو هذا.
وقال هؤلاء في قوله: ( إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ) يعني: مشركي قريش.
ووجه بعضهم حُجّة الظلمة -وهي داحضة -أن قالوا: إن هذا الرجل يزعمُ أنه
على دين إبراهيم: فإن كان توجّهه إلى بيت المقدس على ملة إبراهيم، فلم رجع
عنه؟ والجواب: أن الله تعالى اختار له التوجه إلى بيت المقدس أولا لما له
تعالى في ذلك من الحكمة، فأطاع ربه تعالى في ذلك، ثم صرفه إلى قبلة إبراهيم
-وهي الكعبة -فامتثل أمر الله في ذلك أيضًا، فهو، صلوات الله وسلامه عليه،
مطيع لله في جميع أحواله، لا يخرج عن أمر الله طرفة عين، وأمتهُ تَبَع له.
وقوله: ( فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ) أي: لا تخشوا شُبَهَ الظلمة
المتعنتين، وأفْرِدُوا الخشية لي، فإنه تعالى هو أهل أن يخشى منه.
وقوله: ( وَلأتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ ) عطف على ( لِئَلا يَكُونَ
لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ) أي: ولأتم نعمتي عليكم فيما شرعت لكم من
استقبال الكعبة، لتكمل لكم الشريعة من جميع وجوهها ( وَلَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ ) أي: إلى ما ضَلّت عنه الأمم هديناكم إليه، وخَصصْناكم به،
ولهذا كانت هذه الأمة أشرفَ الأمم وأفضلها.
كَمَا
أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا
وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ
مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (152)
يُذكر تعالى عباده المؤمنين ما أنعم به عليهم من بعثة الرسول محمد صلى
الله عليه وسلم إليهم، يتلو عليهم آيات الله مبينات وَيُزَكِّيهم، أي:
يطهرهم من رذائل الأخلاق ودَنَس النفوس وأفعال الجاهلية، ويخرجهم من
الظلمات إلى النور، ويعلمهم الكتاب -وهو القرآن -والحكمة -وهي السنة
-ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون. فكانوا في الجاهلية الجَهْلاء يُسفَهُون
بالقول الفرَى، فانتقلوا ببركة رسالته، ويُمن سفارته، إلى حال الأولياء،
وسجايا العلماء فصاروا أعمق الناس علمًا، وأبرهم قلوبًا، وأقلهم تكلفًا،
وأصدقهم لهجة. وقال تعالى: لَقَدْ
مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ
أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ الآية [آل عمران: 164]. وذم من لم يعرف قدر هذه النعمة، فقال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ [ إبراهيم: 28].
قال ابن عباس: يعني بنعمة الله محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا نَدَب
الله المؤمنين إلى الاعتراف بهذه النعمة ومقابلتها بذكره وشكره، فقال: (
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ) .
قال مجاهد في قوله: ( كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ ) يقول: كما فعلت فاذكروني.
قال عبد الله بن وهب، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم: أن موسى، عليه
السلام، قال: يا رب، كيف أشكرك؟ قال له ربه: تذكرُني ولا تنساني، فإذا
ذكرتني فقد شكرتني، وإذا نسيتني فقد كفرتني.
وقال الحسن البصري، وأبو العالية، والسدي، والربيع بن أنس، إن الله يذكر من ذكره، ويزيد من شكره ويعذب من كفره.
وقال بعض السلف في قوله تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [آل عمران: 102] قال: هو أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا يُنْسَى، ويُشْكَرَ فلا يُكْفَر.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، أخبرنا يزيد بن
هارون، أخبرنا عمارة الصيدلاني، حدثنا مكحول الأزدي قال: قلت لابن عمر:
أرأيت قاتل النفس، وشارب الخمر والسارق والزاني يذكر الله، وقد قال الله
تعالى: ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) ؟ قال: إذا ذكر الله هذا ذكره الله
بلعنته، حتى يسكت.
وقال الحسن البصري في قوله: ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) قال: اذكروني، فيما افترضت عليكم أذكركم فيما أوجبت لكم على نفسي.
وعن سعيد بن جبير: اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي، وفي رواية: برحمتي.
وعن ابن عباس في قوله ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) قال: ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
وفي الحديث الصحيح: "يقول الله تعالى: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منه".
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا مَعْمَر، عن قتادة، عن أنس
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: يا ابن آدم، إن
ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي، وإن ذكرتني في ملإ ذكرتك، في ملإ من
الملائكة -أو قال: [في] ملأ خير منهم -وإن دنوت مني شبرًا دنوت منك ذراعًا، وإن دنوت مني ذراعا دنوت منك باعا، وإن أتيتني تمشي أتيتك أهرول"
صحيح الإسناد: أخرجه البخاري من حديث قتادة . وعنده قال قتادة: الله أقرب بالرحمة.
وقوله تعالى: ( وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ) أمر الله تعالى بشكره، ووعده على شكره بمزيد الخير، فقال: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم: 7] .
وقال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا شعبة، عن الفضيل بن فضالة -رجل من قيس- حدثنا أبو رجاء العطاردي، قال: خرج علينا عمران بن حصين وعليه مطْرف من خز لم نره
عليه قبل ذلك ولا بعده، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من
أنعم الله عليه نعمة فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه". وقال روح
مرة: "على عبده" .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)
لما فرغ تعالى
من بيان الأمر بالشكر شرع في بيان الصبر، والإرشاد إلى الاستعانة بالصبر
والصلاة، فإن العبد إما أن يكون في نعمة فيشكر عليها، أو في نقمة فيصبر
عليها؛ كما جاء في الحديث: "عجبًا للمؤمن. لا يقضي الله له قضاء إلا كان
خيرًا له: إن أصابته سراء، فشكر، كان خيرًا له؛ وإن أصابته ضراء فصبر كان
خيرًا له".
وبين تعالى أن أجود ما يستعان به على تحمل المصائب الصبر والصلاة، كما تقدم في قوله: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة: 45] . وفي الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَه أمر صلى
. والصبر صبران، فصبر على ترك المحارم والمآثم وصبر على فعل الطاعات
والقربات. والثاني أكثر ثوابًا لأنه المقصود. كما قال عبد الرحمن بن زيد بن
أسلم: الصبر في بابين، الصبر لله بما أحب، وإن ثقل على الأنفس والأبدان، والصبر لله عما كره وإن نازعت إليه الأهواء. فمن كان هكذا، فهو من الصابرين الذين يسلم عليهم، إن شاء الله.
وقال علي بن الحسين زين العابدين: إذا جمع الله الأولين والآخرين ينادي
مناد: أين الصابرون ليدخلوا الجنة قبل الحساب؟ قال: فيقوم عُنُق من الناس،
فتتلقاهم الملائكة، فيقولون: إلى أين يا بني آدم؟ فيقولون: إلى الجنة.
فيقولون: وقبل الحساب؟ قالوا: نعم، قالوا: ومن أنتم؟ قالوا: الصابرون،
قالوا: وما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا على طاعة الله، وصبرنا عن معصية الله،
حتى توفانا الله. قالوا: أنتم كما قلتم، ادخلوا الجنة، فنعم أجر العاملين.
قلت: ويشهد لهذا قوله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر: 10] .
وقال سعيد بن جبير: الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب منه، واحتسابه عند
الله رجاء ثوابه، وقد يجزع الرجل وهو مُتَجَلّد لا يرى منه إلا الصبر.
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الثلاثون من تفسير سورة البقرة
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الثلاثون من تفسير سورة البقرة
شكرا لك على الموضوع المميز
دمت بخير يا رب
دمت بخير يا رب
طريق النجاح- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 709
تاريخ الميلاد : 07/05/1997
العمر : 27
رد: الجزء الثلاثون من تفسير سورة البقرة
شكرا على الموضوع
أبو سليمان- المشرفون
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 3412
تاريخ الميلاد : 03/11/1996
العمر : 28
رد: الجزء الثلاثون من تفسير سورة البقرة
جزاك الله خيرا
الأمير- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 6081
تاريخ الميلاد : 29/10/1996
العمر : 28
رد: الجزء الثلاثون من تفسير سورة البقرة
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الثالث عشر من تفسير سورة البقرة
» الجزء الخامس عشر من تفسير سورة البقرة
» الجزء العاشر من تفسير سورة البقرة
» الجزء الحادي عشر من تفسير سورة البقرة
» الجزء الثاني عشر من تفسير سورة البقرة
» الجزء الخامس عشر من تفسير سورة البقرة
» الجزء العاشر من تفسير سورة البقرة
» الجزء الحادي عشر من تفسير سورة البقرة
» الجزء الثاني عشر من تفسير سورة البقرة
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة البقرة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى