الجزء الثالث من تفسير سورة الأنفال
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الأنفال
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الثالث من تفسير سورة الأنفال
فَلَمْ
تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ
وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً
حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18)
يبين تعالى أنه خالق أفعال العباد، وأنه المحمود على جميع ما صدر عنهم
من خير؛ لأنه هو الذي وفقهم لذلك وأعانهم؛ ولهذا قال: ( فَلَمْ
تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ) أي: ليس بحولكم وقوتكم قتلتم
أعداءكم مع كثرة عددهم وقلة عددكم، أي: بل هو الذي أظفركم [بهم ونصركم] عليهم كما قال تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] [آل عمران: 123]. وقال تعالى: لَقَدْ
نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ
أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ
عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التوبة: 25] يعلم -تبارك وتعالى-أن النصر ليس عن كثرة العدد، ولا بلبس اللأمة والعدد، وإنما النصر من عند الله تعالى كما قال: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة: 249] .
ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم أيضا في شأن القبضة من التراب، التي حصب بها وجوه المشركين
يوم بدر، حين خرج من العريش بعد دعائه وتضرعه واستكانته، فرماهم بها وقال:
" شاهت الوجوه ". ثم أمر الصحابة أن يصدقوا الحملة إثرها، ففعلوا، فأوصل
الله تلك الحصباء إلى أعين المشركين، فلم يبق أحد منهم إلا ناله منها ما
شغله عن حاله؛ ولهذا قال [تعالى] ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ) أي: هو الذي بلغ ذلك إليهم، وكبتهم بها لا أنت.
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يديه -يعني يوم بدر -فقال: " يا رب إن تهلك هذه العصابة، فلن تعبد في الأرض
أبدا". فقال له جبريل: "خذ قبضة من التراب، فارم بها في وجوههم" فأخذ قبضة
من التراب، فرمى بها في وجوههم، فما من المشركين أحد إلا أصاب عينيه
ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة، فولوا مدبرين.
وقال السُّدِّيّ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي، رضي الله عنه، يوم بدر: "أعطني حصبا من الأرض". فناوله حصبا عليه تراب، فرمى به في وجوه القوم، فلم يبق مشرك إلا دخل في عينيه من ذلك التراب شيء، ثم ردفهم المؤمنون
يقتلونهم ويأسرونهم، وأنـزل الله: ( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ
اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى )
وقال أبو معشر المدني، عن محمد بن قَيْس ومحمد بن كعب القُرَظِي قالا
لما دنا القوم بعضهم من بعض، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من
تراب، فرمى بها في وجوه القوم، وقال: "شاهت الوجوه". فدخلت في أعينهم كلهم،
وأقبل أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم]
يقتلونهم ويأسرونهم، وكانت هزيمتهم في رَمْية رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فأنـزل الله: ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ
رَمَى )
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: في قوله [تعالى]
( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ) قال: هذا يوم
بدر، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حصيات فرمى بحصاة [في] ميمنة القوم، وحصاة في ميسرة القوم، وحصاة بين أظهرهم، وقال: "شاهت الوجوه" ، فانهزموا.
وقد روي في هذه القصة
عن عروة بن الزبير، ومجاهد وعكرمة، وقتادة وغير واحد من الأئمة: أنها
نـزلت في رمية النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وإن كان قد فعل ذلك يوم
حنين أيضا.
وقال أبو جعفر بن جرير: حدثنا أحمد بن منصور، حدثنا يعقوب بن محمد،
حدثنا عبد العزيز بن عمران، حدثنا موسى بن يعقوب بن عبد الله بن زمعة، عن
يزيد بن عبد الله، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حَثْمَة، عن حكيم بن حزام
قال: لما كان يوم بدر، سمعنا صوتا وقع من السماء، كأنه صوت حصاة وقعت في
طست، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الرمية، فانهزمنا
غريب من هذا الوجه. وهاهنا قولان آخران غريبان جدا .
أحدهما: قال ابن جرير: حدثني محمد بن عوف الطائي، حدثنا أبو المغيرة،
حدثنا صفوان بن عمرو، حدثنا عبد الرحمن بن جبير؛ أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوم ابن أبي الحقيق بخيبر، دعا بقوس، فأتى بقوس طويلة، وقال:
"جيئوني غيرها". فجاؤوا بقوس كبداء، فرمى النبي صلى الله عليه وسلم الحصن،
فأقبل السهم يهوي حتى قتل ابن أبي الحقيق، وهو في فراشه، فأنـزل الله عز
وجل: ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى )
وهذا غريب، وإسناده جيد إلى عبد الرحمن بن جبير بن نفير، ولعله اشتبه
عليه، أو أنه أراد أن الآية تعم هذا كله، وإلا فسياق الآية في سورة الأنفال
في قصة بدر لا محالة، وهذا مما لا يخفى على أئمة العلم، والله أعلم.
والثاني: روى ابن جرير أيضا، والحاكم في مستدركه، بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب والزهري أنهما قالا أنـزلت
في رمية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أُبَي بن خلف بالحربة وهو
في لأمته، فخدشه في ترقوته، فجعل يتدأدأ عن فرسه مرارا، حتى كانت وفاته
[بها] بعد أيام، قاسى فيها العذاب الأليم، موصولا بعذاب البرزخ، المتصل بعذاب الآخرة
وهذا القول عن هذين الإمامين غريب أيضا جدا، ولعلهما أرادا أن الآية تتناوله بعمومها، لا أنها نـزلت فيه خاصة كما تقدم، والله أعلم.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عُرْوَة بن
الزبير في قوله: ( وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا )
أي: ليُعَرّف المؤمنين من نعمته عليهم، من إظهارهم على عدوهم مع كثرة
عدوهم، وقلة عددهم، ليعرفوا بذلك حقه، ويشكروا بذلك نعمته.
وهكذا فسر ذلك ابن جرير أيضا. وفي الحديث: "وكل بلاء حسن أبلانا".
وقوله: ( إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) أي: سميع الدعاء، عليم بمن يستحق النصر والغلب.
وقوله ( ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ) هذه
بشارة أخرى مع ما حصل من النصر: أنه أعلمهم تعالى بأنه مُضْعِفُ كيد
الكافرين فيما يستقبل، مُصَغِّر أمرهم، وأنهم كل ما لهم في تبار ودمار، ولله الحمد والمنة.
إِنْ
تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ
خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ
فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)
يقول تعالى للكفار ( إِنْ تَسْتَفْتِحُوا ) أي: تستنصروا وتستقضوا الله
وتستحكموه أن يفصل بينكم وبين أعدائكم المؤمنين، فقد جاءكم ما سألتم، كما
قال محمد بن إسحاق وغيره، عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صُغَيْر؛ أن
أبا جهل قال يوم بدر: اللهم أَقْطَعُنَا للرحم وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة -وكان ذلك استفتاحا منه -فنـزلت: ( إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ) إلى آخر الآية.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد -يعني ابن هارون -أخبرنا محمد بن إسحاق،
حدثني الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة: أن أبا جهل قال حين التقى القوم:
اللهم، أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرف، فأحنه الغداة، فكان المستفتح.
وأخرجه النسائي في التفسير من حديث، صالح بن كيسان، عن الزهري، به وكذا رواه الحاكم
في مستدركه من طريق الزهري، به وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. وروي [نحو] هذا عن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، ويزيد بن رُومَان، وغير واحد.
وقال السُّدِّي: كان المشركون حين خرجوا من مكة إلى بَدْر، أخذوا بأستار
الكعبة فاستنصروا الله وقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين، وأكرم الفئتين،
وخير القبيلتين. فقال الله: ( إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ
الْفَتْحُ ) يقول: قد نصرت ما قلتم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هو قوله تعالى إخبارا عنهم: وَإِذْ
قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ
[فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ
أَلِيمٍ] [الأنفال: 32].
وقوله: ( وَإِنْ تَنْتَهُوا ) أي: عما أنتم فيه من الكفر بالله والتكذيب
لرسوله، ( فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) أي: في الدنيا والآخرة. [وقوله] ( وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ ) كقوله وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا [الإسراء: 8]معناه: وإن عدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والضلالة، نعد لكم بمثل هذه الواقعة.
وقال السدي: ( وَإِنْ تَعُودُوا ) أي: إلى الاستفتاح ( نعد ) إلى الفتح
لمحمد صلى الله عليه وسلم، والنصر له، وتظفيره على أعدائه، والأول أقوى.
( وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ ) أي:
ولو جمعتم من الجموع ما عسى أن تجمعوا، فإن من كان الله معه فلا غالب له،
فإن الله مع المؤمنين، وهم الحزب النبوي، والجناب المصطفوي.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)
يأمر تعالى عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله، ويزجرهم عن مخالفته
والتشبه بالكافرين به المعاندين له؛ ولهذا قال: ( وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ )
أي: تتركوا طاعته وامتثال أوامره وترك زواجره، ( وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ )
أي: بعد ما علمتم ما دعاكم إليه.
( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ) قيل: المراد المشركون. واختاره ابن جرير.
وقال ابن إسحاق: هم المنافقون؛ فإنهم يظهرون أنهم قد سمعوا واستجابوا، وليسوا كذلك.
ثم أخبر تعالى أن هذا الضرب من بني آدم شر الخلق والخليقة، فقال: ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ ) أي:
عن سماع الحق ( البكم ) عن فهمه؛ ولهذا قال: ( الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ )
فهؤلاء شر البرية؛ لأن كل دابة مما سواهم مطيعة لله [عز وجل] فيما خلقها له، وهؤلاء خلقوا للعبادة فكفروا؛ ولهذا شبههم بالأنعام في قوله: وَمَثَلُ
الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا
دُعَاءً وَنِدَاءً [صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ] [البقرة: 171] . وقال في الآية الأخرى: أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف: 179] .
وقيل:
المراد بهؤلاء المذكورين نَفَرٌ من بني عبد الدار من قريش. روي عن ابن
عباس ومجاهد، واختاره ابن جرير، وقال محمد بن إسحاق: هم المنافقون.
قلت: ولا منافاة بين المشركين والمنافقين في هذا؛ لأن كلا منهم مسلوب الفهم الصحيح، والقصد إلى العمل الصالح.
ثم أخبر تعالى بأنهم لا فهم لهم صحيح، ولا قصد لهم صحيح، لو فرض أن لهم
فهما، فقال: ( وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ ) أي:
لأفهمهم، وتقدير الكلام: ولكن لا خير فيهم فلم يفهمهم؛ لأنه يعلم أنه (
وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ ) أي: أفهمهم ( لَتَوَلَّوْا ) عن ذلك قصدا وعنادا بعد
فهمهم ذلك، ( وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) عنه.
يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا
دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ
الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
قال البخاري: ( اسْتَجِيبُوا ) أجيبوا، ( لِمَا يُحْيِيكُمْ ) لما يصلحكم. حدثنا إسحاق، حدثنا روح، حدثنا شعبة، عن خبيب
بن عبد الرحمن قال: سمعت حفص بن عاصم يحدث عن أبي سعيد بن المعلى قال: كنت
أصلي، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاني فلم آته حتى صليت، ثم
أتيته فقال: "ما منعك أن تأتيني؟" ألم يقل الله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا
يُحْيِيكُمْ ) ثم قال: "لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج"، فذهب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرج، فذكرت له -وقال معاذ: حدثنا شعبة، عن
خُبَيْب بن عبد الرحمن، سمع حفص بن عاصم، سمع أبا سعيد رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا -وقال: " هي الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ السبع المثاني"
هذا لفظه بحروفه، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث بذكر طرقه في أول تفسير الفاتحة.
وقال مجاهد في قوله: ( لِمَا يُحْيِيكُمْ ) قال: الحق.
وقال قتادة ( لِمَا يُحْيِيكُمْ ) قال: هو هذا القرآن، فيه النجاة والتقاة والحياة.
وقال السُّدِّيّ: ( لِمَا يُحْيِيكُمْ ) ففي الإسلام إحياؤهم بعد موتهم بالكفر.
وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عُرْوَةَ بن الزبير:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ
إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) أي: للحرب التي أعزكم الله تعالى بها
بعد الذل، وقواكم بها بعد الضعف، ومنعكم من عدوكم بعد القهر منهم لكم.
وقوله تعالى: ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ
وَقَلْبِهِ ) قال ابن عباس: يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين الكافر وبين
الإيمان.
رواه الحاكم في مستدركه موقوفا، وقال: صحيح ولم يخرجاه ورواه ابن مَرْدُوَيه من وجه آخر مرفوعا ولا يصح لضعف إسناده، والموقوف أصح. وكذا قال مجاهد، وسعيد، وعكرمة، والضحاك، وأبو صالح، وعطية، ومُقَاتِل بن حيَّان، والسُّدِّيّ.
وفي رواية عن مجاهد في قوله: ( يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ) حتى تركه لا يعقل.
وقال السدي: يحول بين الإنسان وقلبه، فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه.
وقال قتادة هو كقوله: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] .
وقد وردت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يناسب هذه الآية.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن أنس
بن مالك، رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: "
يا مُقَلِّب القلوب، ثبت قلبي على دينك". قال: فقلنا: يا رسول الله، آمنا
بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله تعالى يقلبها".
وهكذا رواه الترمذي في "كتاب القدر" من جامعه، عن هناد بن السري، عن أبي
معاوية محمد بن حازم الضرير، عن الأعمش -واسمه سليمان بن مهران -عن أبي
سفيان -واسمه طلحة بن نافع -عن أنس
ثم قال: حسن . وهكذا روي عن غير واحد عن الأعمش، رواه بعضهم عنه، عن أبي
سفيان، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي سفيان عن أنس أصح
حديث آخر: قال عبد بن حميد
في مسنده: حدثنا عبد الملك بن عمرو، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي
ليلى، عن بلال، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: "يا
مُقَلِّب القلوب ثَبِّت قلبي على دينك". هذا حديث جيد الإسناد إلا أن فيه انقطاعا وهو -مع ذلك -على شرط أهل السنن ولم يخرجوه
حديث آخر: وقال الإمام أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم قال: سمعت ابن جابر يقول: حدثني بسر بن عبد الله
الحضرمي: أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول: سمعت النواس بن سَمْعَان
الكلابي، رضي الله عنه، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "
ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن رب العالمين، إذا شاء أن
يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه". وكان يقول: "يا مقلب القلوب، ثبت
قلوبنا على دينك". قال: "والميزان بيد الرحمن يخفضه ويرفعه".
وهكذا رواه النسائي وابن ماجه، من حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر فذكر مثله.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا حماد بن زيد، عن المعلى
بن زياد، عن الحسن؛ أن عائشة قالت: دعوات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يدعو بها: "يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك". قالت: فقلت: يا رسول
الله، إنك تكثر تدعو بهذا الدعاء. فقال: "إن قلب الآدمي بين إصبعين من أصابع الله، فإذا شاء أزاغه وإذا شاء أقامه
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم، حدثنا عبد الحميد، حدثني شهر،
سمعت أم سلمة تحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه
يقول: "اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك". قالت: فقلت يا رسول الله، أو إن القلوب لتقلب ؟ قال: "نعم، ما
خلق الله من بشر من بني آدم إلا أن قلبه بين إصبعين من أصابع الله، عز
وجل، فإن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه. فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد
إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب". قالت: قلت: يا
رسول الله، ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي؟ قال: " بلى، قولي: اللهم رب
النبي محمد، اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلات الفتن ما
أحييتني"
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا حيوة، أخبرني أبو هانئ، أنه سمع أبا عبد الرحمن الحُبَلي
أنه سمع عبد الله بن عمرو؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "
إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يُصَرِّف كيف شاء . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم مُصَرِّف القلوب، صَرِّف قلوبنا إلى طاعتك" .
انفرد بإخراجه مسلم عن البخاري، فرواه مع النسائي من حديث حَيْوَة بن شُرَيْح المصري، به.
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)
يحذر تعالى عباده المؤمنين ( فِتْنَةً ) أي: اختبارًا ومحنة، يعم بها
المسيء وغيره، لا يخص بها أهل المعاصي ولا من باشر الذنب، بل يعمهما، حيث
لم تدفع وترفع. كما قال الإمام أحمد:
حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا شَدَّاد بن سعيد، حدثنا غَيْلان بن
جرير، عن مُطَرِّف قال: قلنا للزبير: يا أبا عبد الله، ما جاء بكم؟ ضيعتم
الخليفة الذي قتل، ثم جئتم تطلبون بدمه؟ فقال الزبير، رضي الله عنه: إنا
قرأنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، رضي
الله عنهم: ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا
مِنْكُمْ خَاصَّةً ) لم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت
وقد رواه البزار من حديث مطرف، عن الزبير، وقال: لا نعرف مطرفا روى عن الزبير غير هذا الحديث
وقد روى النسائي من حديث جرير بن حازم، عن الحسن، عن الزبير نحو هذا
وروى ابن جرير: حدثني الحارث، حدثنا عبد العزيز، حدثنا مبارك بن
فَضَالة، عن الحسن قال: قال الزبير: لقد خوفنا بها، يعني قوله [تعالى]
( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ
خَاصَّةً ) ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ظننا أنا خصصنا بها
خاصة.
وكذا رواه حميد، عن الحسن، عن الزبير، رضي الله عنه
وقال داود بن أبي هِنْد، عن الحسن في هذه الآية قال: نـزلت في علي، وعثمان وطلحة والزبير، رضي الله عنهم.
وقال سفيان الثوري عن الصَّلت بن دينار، عن عقبة بن صُهْبان، سمعت الزبير يقول: لقد قرأت هذه الآية زمانا وما أرانا من أهلها فإن
نحن المعنيون بها: ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ
ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )
وقد روي من غير وجه، عن الزبير بن العوام.
وقال السُّدِّيّ: نـزلت في أهل بدر خاصة، فأصابتهم يوم الجمل، فاقتتلوا.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله تعالى: ( وَاتَّقُوا
فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) يعني:
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خاصة
وقال في رواية له، عن ابن عباس، في تفسير هذه الآية: أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين ظهرانيهم إليهم فيعمهم الله بالعذاب.
وهذا تفسير حسن جدًّا؛ ولهذا قال مجاهد في قوله تعالى: ( وَاتَّقُوا
فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) هي أيضا
لكم، وكذا قال الضحاك، ويزيد بن أبي حبيب، وغير واحد.
وقال ابن مسعود: ما منكم من أحد إلا وهو مشتمل على فتنة، إن الله تعالى يقول: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن: 15] فأيكم استعاذ فليستعذ بالله من مضلات الفتن. رواه ابن جرير.
والقول بأن هذا التحذير يعم الصحابة وغيرهم -وإن كان الخطاب معهم -هو
الصحيح، ويدل على ذلك الأحاديث الواردة في التحذير من الفتن، ولذلك كتاب
مستقل يوضح فيه إن شاء الله تعالى، كما فعله الأئمة وأفردوه بالتصنيف ومن
أخص ما يذكر هاهنا ما رواه الإمام أحمد حيث قال:
حدثنا أحمد بن الحجاج، أخبرنا عبد الله -يعني ابن المبارك-أنبأنا سيف بن
أبي سليمان، سمعت عَدِيّ بن عَدِيّ الكندي يقول: حدثني مولى لنا أنه سمع
جدي -يعني عَدِيّ بن عميرة -يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إن الله عز وجل، لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين
ظَهْرَانَيْهم، وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك
عَذَّب الله الخاصة والعامة"
فيه رجل مبهم، ولم يخرجوه في الكتب الستة، ولا واحد منهم، والله أعلم.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا سليمان الهاشمي، حدثنا إسماعيل -يعني
ابن جعفر -أخبرني عمرو بن أبي عمرو، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهل، عن
حُذَيفة بن اليمان؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي
بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم
عِقابا من عنده، ثم لتَدعُنّه فلا يستجيب لكم"
ورواه عن أبي سعيد، عن إسماعيل بن جعفر، وقال: "أو ليبعثن الله عليكم قوما ثم تدعونه فلا يستجيب لكم "
وقال أحمد: حدثنا عبد الله بن نمير، قال حدثنا رَزِين بن حبيب الجُهَني،
حدثني أبو الرُّقاد قال: خرجت مع مولاي، فدفعت إلى حذيفة وهو يقول: إن كان
الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصير منافقا،
وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات؛ لتأمرن بالمعروف،
ولتنهون عن المنكر، ولَتَحَاضُّن على الخير، أو لَيَسْحَتَنَّكم الله جميعا
بعذاب، أو ليؤمرَنّ عليكم شراركم، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم
حديث آخر: قال الإمام أحمد أيضا: حدثني يحيى بن سعيد، عن زكريا، حدثنا
عامر، قال: سمعت النعمان بن بشير، رضي الله عنه، يخطب يقول -وأومأ بإصبعيه إلى أذنيه -يقول: مثل القائم على حدود الله والواقع فيها -أو
المُدهن فيها -كمثل قوم ركبوا سفينة، فأصاب بعضهم أسفلها وأوعرها وشرها،
وأصاب بعضهم أعلاها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مَرُّوا على من
فوقهم فآذوهم، فقالوا: لو خَرَقْنا في نصيبنا خَرْقا، فاستقينا منه، ولم
نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وأمرهم هَلَكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم
نَجَوْا جميعا.
انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم، فرواه في "الشركة" و "الشهادات"،
والترمذي في الفتن من غير وجه، عن سليمان بن مهران الأعمش، عن عامر بن
شَرَاحيل الشعبي، به
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا حسين، حدثنا خَلَف بن خليفة، عن
لَيْث، عن عَلْقَمَة بن مَرْثد، عن المعرور بن سُوَيْد، عن أم سلمة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إذا ظهرت المعاصي في أمتي، عَمَّهم الله بعذاب من عنده" . فقلت: يا رسول
الله، أما فيهم أناس صالحون؟ قال: "بلى"، قالت: فكيف يصنع أولئك؟ قال:
"يصيبهم ما أصاب الناس، ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان"
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا حَجَّاج بن محمد، أخبرنا شريك، عن أبي
إسحاق، عن المنذر بن جرير، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "ما من قوم يعملون بالمعاصي، وفيهم رجل أعزّ منهم وأمنع لا يغيرون،
إلا عمهم الله بعقاب -أو: أصابهم العقاب" .
ورواه أبو داود، عن مُسَدَّد، عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، به
وقال أحمد أيضًا: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة سمعت أبا إسحاق يحدث،
عن عُبَيد الله بن جرير، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ما من قوم يُعْمَل فيهم بالمعاصي، هم أعَزّ وأكثر ممن يعمله، لم يغيروه،
إلا عمهم الله بعقاب"
ثم رواه أيضًا عن وَكِيع، عن إسرائيل -وعن عبد الرزاق، عن مَعْمَر -وعن أسود، عن شريك ويونس -كلهم عن أبي إسحاق السَّبِيعي، به.
وأخرجه ابن ماجه، عن علي بن محمد، عن وكيع، به
[حديث آخر]
وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان، حدثنا جامع بن أبي راشد، عن مُنْذِر، عن
حسن بن محمد، عن امرأته، عن عائشة تبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا
ظهر السوء في الأرض، أنـزل الله بأهل الأرض بأسه" . قالت: وفيهم أهل طاعة
الله؟ قال: "نعم، ثم يصيرون إلى رحمة الله"
تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ
وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً
حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18)
يبين تعالى أنه خالق أفعال العباد، وأنه المحمود على جميع ما صدر عنهم
من خير؛ لأنه هو الذي وفقهم لذلك وأعانهم؛ ولهذا قال: ( فَلَمْ
تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ) أي: ليس بحولكم وقوتكم قتلتم
أعداءكم مع كثرة عددهم وقلة عددكم، أي: بل هو الذي أظفركم [بهم ونصركم] عليهم كما قال تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] [آل عمران: 123]. وقال تعالى: لَقَدْ
نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ
أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ
عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التوبة: 25] يعلم -تبارك وتعالى-أن النصر ليس عن كثرة العدد، ولا بلبس اللأمة والعدد، وإنما النصر من عند الله تعالى كما قال: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة: 249] .
ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم أيضا في شأن القبضة من التراب، التي حصب بها وجوه المشركين
يوم بدر، حين خرج من العريش بعد دعائه وتضرعه واستكانته، فرماهم بها وقال:
" شاهت الوجوه ". ثم أمر الصحابة أن يصدقوا الحملة إثرها، ففعلوا، فأوصل
الله تلك الحصباء إلى أعين المشركين، فلم يبق أحد منهم إلا ناله منها ما
شغله عن حاله؛ ولهذا قال [تعالى] ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ) أي: هو الذي بلغ ذلك إليهم، وكبتهم بها لا أنت.
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يديه -يعني يوم بدر -فقال: " يا رب إن تهلك هذه العصابة، فلن تعبد في الأرض
أبدا". فقال له جبريل: "خذ قبضة من التراب، فارم بها في وجوههم" فأخذ قبضة
من التراب، فرمى بها في وجوههم، فما من المشركين أحد إلا أصاب عينيه
ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة، فولوا مدبرين.
وقال السُّدِّيّ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي، رضي الله عنه، يوم بدر: "أعطني حصبا من الأرض". فناوله حصبا عليه تراب، فرمى به في وجوه القوم، فلم يبق مشرك إلا دخل في عينيه من ذلك التراب شيء، ثم ردفهم المؤمنون
يقتلونهم ويأسرونهم، وأنـزل الله: ( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ
اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى )
وقال أبو معشر المدني، عن محمد بن قَيْس ومحمد بن كعب القُرَظِي قالا
لما دنا القوم بعضهم من بعض، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من
تراب، فرمى بها في وجوه القوم، وقال: "شاهت الوجوه". فدخلت في أعينهم كلهم،
وأقبل أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم]
يقتلونهم ويأسرونهم، وكانت هزيمتهم في رَمْية رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فأنـزل الله: ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ
رَمَى )
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: في قوله [تعالى]
( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ) قال: هذا يوم
بدر، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حصيات فرمى بحصاة [في] ميمنة القوم، وحصاة في ميسرة القوم، وحصاة بين أظهرهم، وقال: "شاهت الوجوه" ، فانهزموا.
وقد روي في هذه القصة
عن عروة بن الزبير، ومجاهد وعكرمة، وقتادة وغير واحد من الأئمة: أنها
نـزلت في رمية النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وإن كان قد فعل ذلك يوم
حنين أيضا.
وقال أبو جعفر بن جرير: حدثنا أحمد بن منصور، حدثنا يعقوب بن محمد،
حدثنا عبد العزيز بن عمران، حدثنا موسى بن يعقوب بن عبد الله بن زمعة، عن
يزيد بن عبد الله، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حَثْمَة، عن حكيم بن حزام
قال: لما كان يوم بدر، سمعنا صوتا وقع من السماء، كأنه صوت حصاة وقعت في
طست، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الرمية، فانهزمنا
غريب من هذا الوجه. وهاهنا قولان آخران غريبان جدا .
أحدهما: قال ابن جرير: حدثني محمد بن عوف الطائي، حدثنا أبو المغيرة،
حدثنا صفوان بن عمرو، حدثنا عبد الرحمن بن جبير؛ أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوم ابن أبي الحقيق بخيبر، دعا بقوس، فأتى بقوس طويلة، وقال:
"جيئوني غيرها". فجاؤوا بقوس كبداء، فرمى النبي صلى الله عليه وسلم الحصن،
فأقبل السهم يهوي حتى قتل ابن أبي الحقيق، وهو في فراشه، فأنـزل الله عز
وجل: ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى )
وهذا غريب، وإسناده جيد إلى عبد الرحمن بن جبير بن نفير، ولعله اشتبه
عليه، أو أنه أراد أن الآية تعم هذا كله، وإلا فسياق الآية في سورة الأنفال
في قصة بدر لا محالة، وهذا مما لا يخفى على أئمة العلم، والله أعلم.
والثاني: روى ابن جرير أيضا، والحاكم في مستدركه، بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب والزهري أنهما قالا أنـزلت
في رمية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أُبَي بن خلف بالحربة وهو
في لأمته، فخدشه في ترقوته، فجعل يتدأدأ عن فرسه مرارا، حتى كانت وفاته
[بها] بعد أيام، قاسى فيها العذاب الأليم، موصولا بعذاب البرزخ، المتصل بعذاب الآخرة
وهذا القول عن هذين الإمامين غريب أيضا جدا، ولعلهما أرادا أن الآية تتناوله بعمومها، لا أنها نـزلت فيه خاصة كما تقدم، والله أعلم.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عُرْوَة بن
الزبير في قوله: ( وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا )
أي: ليُعَرّف المؤمنين من نعمته عليهم، من إظهارهم على عدوهم مع كثرة
عدوهم، وقلة عددهم، ليعرفوا بذلك حقه، ويشكروا بذلك نعمته.
وهكذا فسر ذلك ابن جرير أيضا. وفي الحديث: "وكل بلاء حسن أبلانا".
وقوله: ( إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) أي: سميع الدعاء، عليم بمن يستحق النصر والغلب.
وقوله ( ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ) هذه
بشارة أخرى مع ما حصل من النصر: أنه أعلمهم تعالى بأنه مُضْعِفُ كيد
الكافرين فيما يستقبل، مُصَغِّر أمرهم، وأنهم كل ما لهم في تبار ودمار، ولله الحمد والمنة.
إِنْ
تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ
خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ
فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)
يقول تعالى للكفار ( إِنْ تَسْتَفْتِحُوا ) أي: تستنصروا وتستقضوا الله
وتستحكموه أن يفصل بينكم وبين أعدائكم المؤمنين، فقد جاءكم ما سألتم، كما
قال محمد بن إسحاق وغيره، عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صُغَيْر؛ أن
أبا جهل قال يوم بدر: اللهم أَقْطَعُنَا للرحم وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة -وكان ذلك استفتاحا منه -فنـزلت: ( إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ) إلى آخر الآية.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد -يعني ابن هارون -أخبرنا محمد بن إسحاق،
حدثني الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة: أن أبا جهل قال حين التقى القوم:
اللهم، أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرف، فأحنه الغداة، فكان المستفتح.
وأخرجه النسائي في التفسير من حديث، صالح بن كيسان، عن الزهري، به وكذا رواه الحاكم
في مستدركه من طريق الزهري، به وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. وروي [نحو] هذا عن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، ويزيد بن رُومَان، وغير واحد.
وقال السُّدِّي: كان المشركون حين خرجوا من مكة إلى بَدْر، أخذوا بأستار
الكعبة فاستنصروا الله وقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين، وأكرم الفئتين،
وخير القبيلتين. فقال الله: ( إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ
الْفَتْحُ ) يقول: قد نصرت ما قلتم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هو قوله تعالى إخبارا عنهم: وَإِذْ
قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ
[فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ
أَلِيمٍ] [الأنفال: 32].
وقوله: ( وَإِنْ تَنْتَهُوا ) أي: عما أنتم فيه من الكفر بالله والتكذيب
لرسوله، ( فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) أي: في الدنيا والآخرة. [وقوله] ( وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ ) كقوله وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا [الإسراء: 8]معناه: وإن عدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والضلالة، نعد لكم بمثل هذه الواقعة.
وقال السدي: ( وَإِنْ تَعُودُوا ) أي: إلى الاستفتاح ( نعد ) إلى الفتح
لمحمد صلى الله عليه وسلم، والنصر له، وتظفيره على أعدائه، والأول أقوى.
( وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ ) أي:
ولو جمعتم من الجموع ما عسى أن تجمعوا، فإن من كان الله معه فلا غالب له،
فإن الله مع المؤمنين، وهم الحزب النبوي، والجناب المصطفوي.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)
يأمر تعالى عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله، ويزجرهم عن مخالفته
والتشبه بالكافرين به المعاندين له؛ ولهذا قال: ( وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ )
أي: تتركوا طاعته وامتثال أوامره وترك زواجره، ( وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ )
أي: بعد ما علمتم ما دعاكم إليه.
( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ) قيل: المراد المشركون. واختاره ابن جرير.
وقال ابن إسحاق: هم المنافقون؛ فإنهم يظهرون أنهم قد سمعوا واستجابوا، وليسوا كذلك.
ثم أخبر تعالى أن هذا الضرب من بني آدم شر الخلق والخليقة، فقال: ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ ) أي:
عن سماع الحق ( البكم ) عن فهمه؛ ولهذا قال: ( الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ )
فهؤلاء شر البرية؛ لأن كل دابة مما سواهم مطيعة لله [عز وجل] فيما خلقها له، وهؤلاء خلقوا للعبادة فكفروا؛ ولهذا شبههم بالأنعام في قوله: وَمَثَلُ
الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا
دُعَاءً وَنِدَاءً [صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ] [البقرة: 171] . وقال في الآية الأخرى: أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف: 179] .
وقيل:
المراد بهؤلاء المذكورين نَفَرٌ من بني عبد الدار من قريش. روي عن ابن
عباس ومجاهد، واختاره ابن جرير، وقال محمد بن إسحاق: هم المنافقون.
قلت: ولا منافاة بين المشركين والمنافقين في هذا؛ لأن كلا منهم مسلوب الفهم الصحيح، والقصد إلى العمل الصالح.
ثم أخبر تعالى بأنهم لا فهم لهم صحيح، ولا قصد لهم صحيح، لو فرض أن لهم
فهما، فقال: ( وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ ) أي:
لأفهمهم، وتقدير الكلام: ولكن لا خير فيهم فلم يفهمهم؛ لأنه يعلم أنه (
وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ ) أي: أفهمهم ( لَتَوَلَّوْا ) عن ذلك قصدا وعنادا بعد
فهمهم ذلك، ( وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) عنه.
يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا
دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ
الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
قال البخاري: ( اسْتَجِيبُوا ) أجيبوا، ( لِمَا يُحْيِيكُمْ ) لما يصلحكم. حدثنا إسحاق، حدثنا روح، حدثنا شعبة، عن خبيب
بن عبد الرحمن قال: سمعت حفص بن عاصم يحدث عن أبي سعيد بن المعلى قال: كنت
أصلي، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاني فلم آته حتى صليت، ثم
أتيته فقال: "ما منعك أن تأتيني؟" ألم يقل الله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا
يُحْيِيكُمْ ) ثم قال: "لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج"، فذهب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرج، فذكرت له -وقال معاذ: حدثنا شعبة، عن
خُبَيْب بن عبد الرحمن، سمع حفص بن عاصم، سمع أبا سعيد رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا -وقال: " هي الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ السبع المثاني"
هذا لفظه بحروفه، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث بذكر طرقه في أول تفسير الفاتحة.
وقال مجاهد في قوله: ( لِمَا يُحْيِيكُمْ ) قال: الحق.
وقال قتادة ( لِمَا يُحْيِيكُمْ ) قال: هو هذا القرآن، فيه النجاة والتقاة والحياة.
وقال السُّدِّيّ: ( لِمَا يُحْيِيكُمْ ) ففي الإسلام إحياؤهم بعد موتهم بالكفر.
وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عُرْوَةَ بن الزبير:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ
إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) أي: للحرب التي أعزكم الله تعالى بها
بعد الذل، وقواكم بها بعد الضعف، ومنعكم من عدوكم بعد القهر منهم لكم.
وقوله تعالى: ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ
وَقَلْبِهِ ) قال ابن عباس: يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين الكافر وبين
الإيمان.
رواه الحاكم في مستدركه موقوفا، وقال: صحيح ولم يخرجاه ورواه ابن مَرْدُوَيه من وجه آخر مرفوعا ولا يصح لضعف إسناده، والموقوف أصح. وكذا قال مجاهد، وسعيد، وعكرمة، والضحاك، وأبو صالح، وعطية، ومُقَاتِل بن حيَّان، والسُّدِّيّ.
وفي رواية عن مجاهد في قوله: ( يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ) حتى تركه لا يعقل.
وقال السدي: يحول بين الإنسان وقلبه، فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه.
وقال قتادة هو كقوله: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] .
وقد وردت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يناسب هذه الآية.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن أنس
بن مالك، رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: "
يا مُقَلِّب القلوب، ثبت قلبي على دينك". قال: فقلنا: يا رسول الله، آمنا
بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله تعالى يقلبها".
وهكذا رواه الترمذي في "كتاب القدر" من جامعه، عن هناد بن السري، عن أبي
معاوية محمد بن حازم الضرير، عن الأعمش -واسمه سليمان بن مهران -عن أبي
سفيان -واسمه طلحة بن نافع -عن أنس
ثم قال: حسن . وهكذا روي عن غير واحد عن الأعمش، رواه بعضهم عنه، عن أبي
سفيان، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي سفيان عن أنس أصح
حديث آخر: قال عبد بن حميد
في مسنده: حدثنا عبد الملك بن عمرو، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي
ليلى، عن بلال، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: "يا
مُقَلِّب القلوب ثَبِّت قلبي على دينك". هذا حديث جيد الإسناد إلا أن فيه انقطاعا وهو -مع ذلك -على شرط أهل السنن ولم يخرجوه
حديث آخر: وقال الإمام أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم قال: سمعت ابن جابر يقول: حدثني بسر بن عبد الله
الحضرمي: أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول: سمعت النواس بن سَمْعَان
الكلابي، رضي الله عنه، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "
ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن رب العالمين، إذا شاء أن
يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه". وكان يقول: "يا مقلب القلوب، ثبت
قلوبنا على دينك". قال: "والميزان بيد الرحمن يخفضه ويرفعه".
وهكذا رواه النسائي وابن ماجه، من حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر فذكر مثله.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا حماد بن زيد، عن المعلى
بن زياد، عن الحسن؛ أن عائشة قالت: دعوات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يدعو بها: "يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك". قالت: فقلت: يا رسول
الله، إنك تكثر تدعو بهذا الدعاء. فقال: "إن قلب الآدمي بين إصبعين من أصابع الله، فإذا شاء أزاغه وإذا شاء أقامه
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم، حدثنا عبد الحميد، حدثني شهر،
سمعت أم سلمة تحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه
يقول: "اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك". قالت: فقلت يا رسول الله، أو إن القلوب لتقلب ؟ قال: "نعم، ما
خلق الله من بشر من بني آدم إلا أن قلبه بين إصبعين من أصابع الله، عز
وجل، فإن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه. فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد
إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب". قالت: قلت: يا
رسول الله، ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي؟ قال: " بلى، قولي: اللهم رب
النبي محمد، اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلات الفتن ما
أحييتني"
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا حيوة، أخبرني أبو هانئ، أنه سمع أبا عبد الرحمن الحُبَلي
أنه سمع عبد الله بن عمرو؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "
إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يُصَرِّف كيف شاء . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم مُصَرِّف القلوب، صَرِّف قلوبنا إلى طاعتك" .
انفرد بإخراجه مسلم عن البخاري، فرواه مع النسائي من حديث حَيْوَة بن شُرَيْح المصري، به.
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)
يحذر تعالى عباده المؤمنين ( فِتْنَةً ) أي: اختبارًا ومحنة، يعم بها
المسيء وغيره، لا يخص بها أهل المعاصي ولا من باشر الذنب، بل يعمهما، حيث
لم تدفع وترفع. كما قال الإمام أحمد:
حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا شَدَّاد بن سعيد، حدثنا غَيْلان بن
جرير، عن مُطَرِّف قال: قلنا للزبير: يا أبا عبد الله، ما جاء بكم؟ ضيعتم
الخليفة الذي قتل، ثم جئتم تطلبون بدمه؟ فقال الزبير، رضي الله عنه: إنا
قرأنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، رضي
الله عنهم: ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا
مِنْكُمْ خَاصَّةً ) لم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت
وقد رواه البزار من حديث مطرف، عن الزبير، وقال: لا نعرف مطرفا روى عن الزبير غير هذا الحديث
وقد روى النسائي من حديث جرير بن حازم، عن الحسن، عن الزبير نحو هذا
وروى ابن جرير: حدثني الحارث، حدثنا عبد العزيز، حدثنا مبارك بن
فَضَالة، عن الحسن قال: قال الزبير: لقد خوفنا بها، يعني قوله [تعالى]
( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ
خَاصَّةً ) ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ظننا أنا خصصنا بها
خاصة.
وكذا رواه حميد، عن الحسن، عن الزبير، رضي الله عنه
وقال داود بن أبي هِنْد، عن الحسن في هذه الآية قال: نـزلت في علي، وعثمان وطلحة والزبير، رضي الله عنهم.
وقال سفيان الثوري عن الصَّلت بن دينار، عن عقبة بن صُهْبان، سمعت الزبير يقول: لقد قرأت هذه الآية زمانا وما أرانا من أهلها فإن
نحن المعنيون بها: ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ
ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )
وقد روي من غير وجه، عن الزبير بن العوام.
وقال السُّدِّيّ: نـزلت في أهل بدر خاصة، فأصابتهم يوم الجمل، فاقتتلوا.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله تعالى: ( وَاتَّقُوا
فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) يعني:
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خاصة
وقال في رواية له، عن ابن عباس، في تفسير هذه الآية: أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين ظهرانيهم إليهم فيعمهم الله بالعذاب.
وهذا تفسير حسن جدًّا؛ ولهذا قال مجاهد في قوله تعالى: ( وَاتَّقُوا
فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) هي أيضا
لكم، وكذا قال الضحاك، ويزيد بن أبي حبيب، وغير واحد.
وقال ابن مسعود: ما منكم من أحد إلا وهو مشتمل على فتنة، إن الله تعالى يقول: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن: 15] فأيكم استعاذ فليستعذ بالله من مضلات الفتن. رواه ابن جرير.
والقول بأن هذا التحذير يعم الصحابة وغيرهم -وإن كان الخطاب معهم -هو
الصحيح، ويدل على ذلك الأحاديث الواردة في التحذير من الفتن، ولذلك كتاب
مستقل يوضح فيه إن شاء الله تعالى، كما فعله الأئمة وأفردوه بالتصنيف ومن
أخص ما يذكر هاهنا ما رواه الإمام أحمد حيث قال:
حدثنا أحمد بن الحجاج، أخبرنا عبد الله -يعني ابن المبارك-أنبأنا سيف بن
أبي سليمان، سمعت عَدِيّ بن عَدِيّ الكندي يقول: حدثني مولى لنا أنه سمع
جدي -يعني عَدِيّ بن عميرة -يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إن الله عز وجل، لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين
ظَهْرَانَيْهم، وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك
عَذَّب الله الخاصة والعامة"
فيه رجل مبهم، ولم يخرجوه في الكتب الستة، ولا واحد منهم، والله أعلم.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا سليمان الهاشمي، حدثنا إسماعيل -يعني
ابن جعفر -أخبرني عمرو بن أبي عمرو، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهل، عن
حُذَيفة بن اليمان؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي
بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم
عِقابا من عنده، ثم لتَدعُنّه فلا يستجيب لكم"
ورواه عن أبي سعيد، عن إسماعيل بن جعفر، وقال: "أو ليبعثن الله عليكم قوما ثم تدعونه فلا يستجيب لكم "
وقال أحمد: حدثنا عبد الله بن نمير، قال حدثنا رَزِين بن حبيب الجُهَني،
حدثني أبو الرُّقاد قال: خرجت مع مولاي، فدفعت إلى حذيفة وهو يقول: إن كان
الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصير منافقا،
وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات؛ لتأمرن بالمعروف،
ولتنهون عن المنكر، ولَتَحَاضُّن على الخير، أو لَيَسْحَتَنَّكم الله جميعا
بعذاب، أو ليؤمرَنّ عليكم شراركم، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم
حديث آخر: قال الإمام أحمد أيضا: حدثني يحيى بن سعيد، عن زكريا، حدثنا
عامر، قال: سمعت النعمان بن بشير، رضي الله عنه، يخطب يقول -وأومأ بإصبعيه إلى أذنيه -يقول: مثل القائم على حدود الله والواقع فيها -أو
المُدهن فيها -كمثل قوم ركبوا سفينة، فأصاب بعضهم أسفلها وأوعرها وشرها،
وأصاب بعضهم أعلاها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مَرُّوا على من
فوقهم فآذوهم، فقالوا: لو خَرَقْنا في نصيبنا خَرْقا، فاستقينا منه، ولم
نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وأمرهم هَلَكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم
نَجَوْا جميعا.
انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم، فرواه في "الشركة" و "الشهادات"،
والترمذي في الفتن من غير وجه، عن سليمان بن مهران الأعمش، عن عامر بن
شَرَاحيل الشعبي، به
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا حسين، حدثنا خَلَف بن خليفة، عن
لَيْث، عن عَلْقَمَة بن مَرْثد، عن المعرور بن سُوَيْد، عن أم سلمة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إذا ظهرت المعاصي في أمتي، عَمَّهم الله بعذاب من عنده" . فقلت: يا رسول
الله، أما فيهم أناس صالحون؟ قال: "بلى"، قالت: فكيف يصنع أولئك؟ قال:
"يصيبهم ما أصاب الناس، ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان"
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا حَجَّاج بن محمد، أخبرنا شريك، عن أبي
إسحاق، عن المنذر بن جرير، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "ما من قوم يعملون بالمعاصي، وفيهم رجل أعزّ منهم وأمنع لا يغيرون،
إلا عمهم الله بعقاب -أو: أصابهم العقاب" .
ورواه أبو داود، عن مُسَدَّد، عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، به
وقال أحمد أيضًا: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة سمعت أبا إسحاق يحدث،
عن عُبَيد الله بن جرير، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ما من قوم يُعْمَل فيهم بالمعاصي، هم أعَزّ وأكثر ممن يعمله، لم يغيروه،
إلا عمهم الله بعقاب"
ثم رواه أيضًا عن وَكِيع، عن إسرائيل -وعن عبد الرزاق، عن مَعْمَر -وعن أسود، عن شريك ويونس -كلهم عن أبي إسحاق السَّبِيعي، به.
وأخرجه ابن ماجه، عن علي بن محمد، عن وكيع، به
[حديث آخر]
وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان، حدثنا جامع بن أبي راشد، عن مُنْذِر، عن
حسن بن محمد، عن امرأته، عن عائشة تبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا
ظهر السوء في الأرض، أنـزل الله بأهل الأرض بأسه" . قالت: وفيهم أهل طاعة
الله؟ قال: "نعم، ثم يصيرون إلى رحمة الله"
رد: الجزء الثالث من تفسير سورة الأنفال
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
M.AYMAN- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 1898
تاريخ الميلاد : 13/10/1985
العمر : 39
رد: الجزء الثالث من تفسير سورة الأنفال
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
ررررررررررررررررررررررررررر
رد: الجزء الثالث من تفسير سورة الأنفال
مشكووووووووووووور
M.AYMAN- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 1898
تاريخ الميلاد : 13/10/1985
العمر : 39
رد: الجزء الثالث من تفسير سورة الأنفال
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
رد: الجزء الثالث من تفسير سورة الأنفال
شكرا على الموضوع
لا تبخل علينا
لا تبخل علينا
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الرابع من تفسير سورة الأنفال
» الجزء الخامس من تفسير سورة الأنفال
» الجزء السادس من تفسير سورة الأنفال
» الجزء السابع من تفسير سورة الأنفال
» الجزء الثامن من تفسير سورة الأنفال
» الجزء الخامس من تفسير سورة الأنفال
» الجزء السادس من تفسير سورة الأنفال
» الجزء السابع من تفسير سورة الأنفال
» الجزء الثامن من تفسير سورة الأنفال
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الأنفال
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى