الجزء الثالث عشر من تفسير سورة التوبة
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة التوبة
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الثالث عشر من تفسير سورة التوبة
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ
بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا
بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلا
أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ
خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا
أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ
وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74)
أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة
عليهم، كما أمره بأن يخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين، وأخبره أن مصير
الكفار والمنافقين إلى النار في الدار الآخرة. وقد تقدم عن أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب أنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أسياف،
سيف للمشركين: فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التوبة:5] وسيف للكفار أهل الكتاب: قَاتِلُوا
الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا
يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ
الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ
عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29] وسيف للمنافقين: ( جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ) [التوبة:73، التحريم:9] وسيف للبغاة: فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9]
وهذا يقتضي أنهم يجاهدون بالسيوف إذا أظهروا النفاق، وهو اختيار ابن جرير.
وقال ابن مسعود في قوله تعالى: ( جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ) قال: بيده، [فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه] فإن لم يستطع فليكفهر في وجهه.
وقال ابن عباس: أمره الله تعالى بجهاد الكفار بالسيف، والمنافقين باللسان، وأذهب الرفق عنهم.
وقال الضحاك: جاهد الكفار بالسيف، واغلظ على المنافقين بالكلام، وهو مجاهدتهم. وعن مقاتل، والربيع مثله.
وقال الحسن وقتادة: مجاهدتهم إقامة الحدود عليهم.
وقد يقال: إنه لا منافاة بين هذه الأقوال، لأنه تارة يؤاخذهم بهذا، وتارة بهذا بحسب الأحوال، والله أعلم.
وقوله: ( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ
الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ ) قال قتادة: نـزلت في عبد الله
بن أبي، وذلك أنه اقتتل رجلان: جُهَني وأنصاري، فعلا الجهني على الأنصاري،
فقال عبد الله للأنصار: ألا تنصروا أخاكم؟ والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: "سمِّن كلبك يأكلك"، وقال: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ
[المنافقون:8] فسعى بها رجل من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
فأرسل إليه فسأله، فجعل يحلف بالله ما قاله، فأنـزل الله فيه هذه الآية
وروى إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى بن عقبة قال: فحدثنا عبد
الله بن الفضل، أنه سمع أنس بن مالك، رضي الله عنه، يقول: حزنت على من أصيب
بالحرَّة من قومي، فكتب إلي زيد بن أرقم، وبلغه شدة حزني، يذكر أنه سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم، اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار"
-وشك ابن الفضل في أبناء أبناء الأنصار -قال ابن الفضل: فسأل أنسا بعض من
كان عنده زيد بن أرقم، فقال: هو الذي يقول له رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "أوفى الله له بأذنه" . وذاك حين سمع رجلا من المنافقين يقول -ورسول
الله صلى الله عليه وسلم يخطب -: لئن كان هذا صادقا فنحن
شر من الحمير، فقال زيد بن أرقم: فهو والله صادق، ولأنت شر من الحمار. ثم
رُفع ذلك إلى رسول الله، فجحده القائل، فأنـزل الله هذه الآية تصديقا لزيد
-يعني قوله: ( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا ) الآية.
رواه البخاري في صحيحه، عن إسماعيل بن أبي أويس، عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة. إلى قوله: "هذا الذي أوفى الله له بأذنه"
ولعل ما بعده من قول موسى بن عقبة، وقد رواه محمد بن فُلَيح، عن موسى بن
عقبة بإسناده ثم قال: قال ابن شهاب. فذكر ما بعده عن موسى، عن ابن شهاب.
والمشهور في هذه القصة أنها كانت في غزوة بني المصطلق، فلعل الراوي وَهَم في ذكر الآية، وأراد أن يذكر غيرها فذكرها، والله أعلم.
[حاشية]
قال "الأموي" في مغازيه: حدثنا محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبد الرحمن
بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن جده قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه
وسلم، أخذني قومي فقالوا: إنك امرؤ شاعر، فإن شئت أن تعتذر إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ببعض العلة، ثم يكون ذنبا تستغفر الله منه. وذكر الحديث
بطوله، إلى أن قال: وكان ممن تخلف من المنافقين، ونـزل فيه القرآن منهم،
ممن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم: الجُلاس بن سُوَيد بن الصامت، وكان
على أم عُمَير بن سعد، وكان عمير في حجره، فلما نـزل القرآن وذكرهم الله
بما ذكر مما أنـزل في المنافقين، قال الجلاس: والله لئن كان هذا الرجل
صادقا فيما يقول لنحن شر من الحمير [قال] فسمعها عمير بن سعد فقال: والله -يا جلاس -إنك لأحب الناس إلي، وأحسنهم عندي بلاء، وأعزهم علي أن يصله
شيء يكرهه، ولقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك ولئن كتمتها لتهلكني،
ولإحداهما أهون علي من الأخرى. فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فذكر له ما قال الجلاس. فلما بلغ ذلك الجلاس خرج حتى يأتي النبي صلى الله
عليه وسلم، فحلف بالله ما قال ما قال عمير بن سعد، ولقد كذب علي. فأنـزل
الله، عز وجل، فيه: ( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا
كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ ) إلى آخر الآية. فوقفه
رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها. فزعموا أن الجلاس تاب فحسنت توبته،
ونـزع فأحسن النـزوع هكذا جاء هذا "مدرجا" في الحديث متصلا به، وكأنه والله أعلم من كلام ابن إسحاق نفسه، لا من كلام كعب بن مالك.
وقال عروة بن الزبير: نـزلت هذه الآية في الجلاس بن سويد بن الصامت،
أقبل هو وابن امرأته مُصعب من قُبَاء، فقال الجلاس: إن كان ما جاء به محمد
حقا فنحن أشر من حُمُرنا هذه التي نحن عليها. فقال مصعب: أما والله -يا عدو
الله -لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قلت: فأتيت النبي صلى الله
عليه وسلم، وخفت أن ينـزل في القرآن أو تصيبني قارعة، أو أن أخلط بخطيئته، فقلت: يا رسول الله، أقبلت أنا والجلاس من قباء، فقال كذا وكذا، ولولا مخافة أن أخلط
بخطيئة أو تصيبني قارعة ما أخبرتك. قال: فدعا الجلاس فقال: "يا جلاس، أقلت
الذي قاله مصعب؟" فحلف، فأنـزل الله: ( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا
وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ )
الآية.
وقال محمد بن إسحاق: كان الذي قال تلك المقالة -فيما بلغني -الجلاس بن
سويد بن الصامت، فرفعها عليه رجل كان في حجره، يقال له: عمير بن سعيد،
فأنكرها، فحلف بالله ما قالها: فلما نـزل فيه القرآن تاب ونـزع وحسنت
توبته، فيما بلغني.
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير: حدثني أيوب بن إسحاق بن إبراهيم، حدثنا
عبد الله بن رجاء، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في ظل شجرة فقال: "إنه
سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني الشيطان، فإذا جاء فلا تكلموه". فلم يلبثوا
أن طلع رجل أزرق، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "علام تشتمني
أنت وأصحابك؟" فانطلق الرجل فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما قالوا، حتى
تجاوز عنهم، فأنـزل الله، عز وجل: ( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا ) الآية
وذلك بَيِّنٌ فيما رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب "دلائل النبوة" من حديث محمد بن إسحاق، عن الأعمش عن عمرو بن مُرة، عن [أبي] البختري، عن حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه،
قال: كنت آخذا بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقود به، وعمار
يسوق الناقة -أو أنا: أسوقه، وعمار يقوده -حتى إذا كنا بالعقبة فإذا أنا
باثني عشر راكبا قد اعترضوه فيها، قال: فأنبهت رسول الله صلى الله عليه
وسلم [بهم]
فصرخ بهم فولوا مدبرين، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل عرفتم
القوم؟ قلنا: لا يا رسول الله، قد كانوا متلثمين، ولكنا قد عرفنا الركاب.
قال: "هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة، وهل تدرون ما أرادوا؟" قلنا: لا. قال: "أرادوا أن يزحموا
رسول الله في العقبة، فيلقوه منها". قلنا: يا رسول الله، أو لا تبعث إلى
عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم؟ قال: "لا أكره أن تتحدث العرب
بينها أن محمدا قاتل بقوم حتى [إذا]
أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم"، ثم قال: "اللهم ارمهم بالدبيلة".
قلنا: يا رسول الله، وما الدبيلة؟ قال: "شهاب من نار يقع على نياط قلب
أحدهم فيهلك"
وقال الإمام أحمد، رحمه الله: حدثنا يزيد، أخبرنا الوليد بن عبد الله بن
جميع، عن أبي الطفيل قال: لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة
تبوك، أمر مناديا فنادى: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ العقبة فلا
يأخذها أحد. فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوده حذيفة ويسوقه عمار،
إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل فغشوا عمارا وهو يسوق برسول الله، وأقبل
عمار، رضي الله عنه، يضرب وجوه الرواحل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحذيفة: "قد، قد" حتى هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، [فلما هبط]
نـزل ورجع عمار، فقال: "يا عمار، هل عرفت القوم؟" فقال: قد عرفت عامة
الرواحل، والقوم متلثمون. قال: "هل تدري ما أرادوا؟" قال: الله ورسوله
أعلم. قال: "أرادوا أن ينفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم فيطرحوه".
قال: فسار عمار رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: نشدتك بالله كم تعلم كان أصحاب العقبة؟ قال: أربعة عشر. فقال: إن كنت منهم فقد كانوا خمسة عشر. قال: فعذر
رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ثلاثة قالوا: والله ما سمعنا منادي
رسول الله، وما علمنا ما أراد القوم. فقال عمار: أشهد أن الاثني عشر
الباقين حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد
وهكذا روى ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عُرْوَة بن الزبير نحو هذا، وأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يمشي الناس في بطن الوادي، وصعد هو
وحذيفة وعمار العقبة، فتبعهم هؤلاء النفر الأرذلون، وهم متلثمون، فأرادوا
سلوك العقبة، فأطلع الله على مرادهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر حذيفة فرجع إليهم،
فضرب وجوه رواحلهم، ففزعوا ورجعوا مقبوحين، وأعلم رسول الله صلى الله عليه
وسلم حذيفة وعمارا بأسمائهم، وما كانوا هموا به من الفتك به، صلوات الله وسلامه عليه، وأمرهما أن يكتما عليهم
وكذلك روى يونس بن بُكَير، عن ابن إسحاق، إلا أنه سَمّى جماعة منهم، فالله أعلم
وكذا قد حكي في معجم الطبراني، قاله البيهقي. ويشهد لهذه القصة بالصحة، ما رواه مسلم:
حدثنا زهير بن حرب، حدثنا أبو أحمد الكوفي، حدثنا الوليد بن جُمَيع، حدثنا أبو الطفيل قال: كان [بين] رجل من أهل العقبة [وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس، فقال: أنشدك بالله، كم كان أصحاب العقبة] قال: فقال له القوم: أخبره إذ سألك. قال: كنا نخبر أنهم أربعة عشر، فإن كنت منهم فقد كان القوم
خمسة عشر، وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا
ويوم يقوم الأشهاد، وعذر ثلاثة قالوا: ما سمعنا منادي رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ولا علمنا بما أراد القوم. وقد كان في حرة فمشى، فقال: "إن
الماء قليل، فلا يسبقني إليه أحد"، فوجد قوما قد سبقوه، فلعنهم يومئذ
وما رواه مسلم أيضا، من حديث قتادة، عن أبي نَضْرة، عن قيس بن عباد، عن
عمار بن ياسر قال: أخبرني حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "في
أصحابي اثنا عشر منافقا، لا يدخلون الجنة، ولا يجدون ريحها حتى يلج [الجمل]
في سم الخياط: ثمانية تكفيكهم الدُّبَيْلة: سراج من نار يظهر بين أكتافه حتى ينجم من صدورهم"
ولهذا كان حذيفة يقال له: "صاحب السر، الذي لا يعلمه غيره" أي: من تعيين
جماعة من المنافقين، وهم هؤلاء، قد أطلعه عليهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم دون غيره، والله أعلم. وقد ترجم الطبراني في مسند حذيفة تسمية أصحاب
العقبة، ثم روى عن علي بن عبد العزيز، عن الزبير بن بكار أنه قال: هم
مُعَتِّب بن قشير، ووديعة بن ثابت، وجد بن عبد الله بن نَبْتَل بن الحارث
من بني عمرو بن عوف، والحارث بن يزيد الطائي، وأوس بن قَيْظِي، والحارث بن
سُوَيْد، وسعد بن زرارة
وقيس بن فهد، وسويد وداعس من بني الحبلي، وقيس بن عمرو بن سهل، وزيد بن
اللصيت، وسلالة بن الحمام، وهما من بني قينقاع أظهرا الإسلام
وقوله: ( وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
مِنْ فَضْلِهِ ) أي: وما للرسول عندهم ذنب إلا أن الله أغناهم ببركته ويمن
سفارته، ولو تمت عليهم السعادة لهداهم الله لما جاء به، كما قال، عليه
السلام
للأنصار: "ألم أجدكم ضُلالا فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله
بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟" كلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمن.
وهذه الصيغة تقال حيث لا ذنب كما قال تعالى: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج:8] وكما قال، عليه السلام ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرا فأغناه الله".
ثم دعاهم الله تبارك وتعالى إلى التوبة فقال: ( فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ
خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا
أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) أي: وإن يستمروا على طريقهم (
يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا ) أي: بالقتل
والهم والغم، ( والآخرة ) أي: بالعذاب والنكال والهوان والصغار، ( وَمَا
لَهُمْ فِي الأرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) أي: وليس لهم أحد يسعدهم
ولا ينجدهم، ولا يحصل لهم خيرا، ولا يدفع عنهم شرا.
وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ
نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا
اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ (78)
يقول تعالى: ومن المنافقين من أعطى الله عهده وميثاقه: لئن أغناه من
فضله ليصدقن من ماله، وليكونن من الصالحين. فما وفى بما قال، ولا صدق فيما
ادعى، فأعقبهم هذا الصنيع نفاقا سكن في قلوبهم إلى يوم يلقون الله، عز وجل، يوم القيامة، عياذا بالله من ذلك.
وقد ذكر كثير من المفسرين، منهم ابن عباس، والحسن البصري: أن سبب نـزول هذه الآية الكريمة في "ثعلبة بن حاطب الأنصاري".
وقد ورد فيه حديث رواه ابن جرير هاهنا وابن أبي حاتم، من حديث مُعان
بن رِفَاعة، عن علي بن يزيد، عن أبي عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن،
مولى عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية، عن أبي أمامة الباهلي، عن ثعلبة بن
حاطب الأنصاري، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يرزقني
مالا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويحك يا
ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه". قال: ثم قال مرة أخرى، فقال:
"أما ترضى أن تكون مثل نبي الله، فوالذي نفسي بيده لو شئت أن تسير معي
الجبال ذهبا وفضة لسارت". قال: والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله فرزقني مالا
لأعطين كل ذي حق حقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم ارزق
ثعلبة مالا". قال: فاتخذ غنما، فنمت كما ينمو الدود، فضاقت عليه المدينة،
فتنحى عنها، فنـزل واديا من أوديتها، حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة،
ويترك ما سواهما. ثم نمت وكَثُرت، فتنحى حتى ترك الصلوات إلا الجمعة، وهي
تنمو كما ينمو الدود، حتى ترك الجمعة. فطفق يتلقى الركبان
يوم الجمعة، يسألهم عن الأخبار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما
فعل ثعلبة"؟ فقالوا: يا رسول الله، اتخذ غنما فضاقت عليه المدينة. فأخبروه
بأمره فقال: "يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة". وأنـزل الله جل
ثناؤه: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا
الآية [التوبة: 103] قال: ونـزلت عليه فرائض الصدقة، فبعث رسول الله صلى
الله عليه وسلم رجلين على الصدقة: رجلا من جُهَيْنَة، ورجلا من سليم، وكتب
لهما كيف يأخذان الصدقة من المسلمين، وقال لهما: "مُرا بثعلبة، وبفلان -رجل
من بني سليم -فخذا صدقاتهما". فخرجا حتى أتيا ثعلبة، فسألاه الصدقة،
وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذه إلا جزية. ما هذه
إلا أخت الجزية. ما أدري ما هذا انطلقا حتى تفرُغا ثم عُودا إلي. فانطلقا
وسمع بهما السلمي، فنظر إلى خيار أسنان إبله، فعزلها للصدقة، ثم استقبلهما
بها فلما رأوها قالوا: ما يجب عليك هذا، وما نريد أن نأخذ هذا منك. قال:
بلى، فخذوها، فإن نفسي بذلك طيبة، وإنما هي له. فأخذوها منه. فلما فرغا من
صدقاتهما رجعا حتى مَرَّا بثعلبة، فقال: أروني كتابكما فنظر فيه، فقال: ما
هذه إلا أخت الجزية. انطلقا حتى أرى رأيي. فانطلقا حتى أتيا النبي
صلى الله عليه وسلم، فلما رآهما قال: "يا ويح ثعلبة" قبل أن يكلمهما، ودعا
للسلمي بالبركة، فأخبراه بالذي صنع ثعلبة والذي صنع السلمي، فأنـزل الله،
عز وجل: ( وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ
لَنَصَّدَّقَنَّ ) إلى قوله: ( وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) قال: وعند
رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة، فسمع ذلك، فخرج حتى أتاه
فقال: ويحك يا ثعلبة. قد أنـزل الله فيك كذا وكذا. فخرج ثعلبة حتى أتى
النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يقبل منه صدقته، فقال: "إن الله منعني
أن أقبل منك صدقتك". فجعل يحثو على رأسه التراب، فقال له رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "[هذا]
عملك، قد أمرتك فلم تطعني". فلما أبى أن يقبض رسول الله صلى الله عليه
وسلم رجع إلى منـزله ، فقُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل منه
شيئا. ثم أتى أبا بكر، رضي الله عنه، حين استخلف، فقال: قد علمت منـزلتي من
رسول الله، وموضعي من الأنصار، فاقبل صدقتي. فقال أبو بكر: لم يقبلها منك
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى أن يقبلها، فقبض أبو بكر ولم يقبلها.
فلما وَلِي عمر، رضي الله عنه، أتاه فقال: يا أمير المؤمنين، اقبل صدقتي.
فقال: لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر، وأنا أقبلها منك! فقبض ولم يقبلها؛ ثم ولي عثمان، رضي الله عنه، [فأتاه] فسأله أن يقبل صدقته، فقال: لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر، وأنا أقبلها منك! فلم يقبلها منه، وهلك ثعلبة في خلافة عثمان
وقوله تعالى: ( بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا
يَكْذِبُونَ ) أي: أعقبهم النفاق في قلوبهم بسبب إخلافهم الوعد وكذبهم،
كما جاء في الصحيح، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "آية المنافق
ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" وله شواهد كثيرة، والله أعلم.
وقوله: ( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ
وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ ) يخبرهم تعالى أنه يعلم
السر وأخفى، وأنه أعلم بضمائرهم وإن أظهروا أنه إن حصل لهم أموال تصدقوا
منها وشكروا عليها، فإنه أعلم بهم من أنفسهم؛ لأنه تعالى علام الغيوب، أي:
يعلم كل غيب وشهادة، وكل سر ونجوى، ويعلم ما ظهر وما بطن.
الَّذِينَ
يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ
وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ
اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)
وهذه أيضا من صفات المنافقين: لا يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في جميع
الأحوال، حتى ولا المتصدقون يسلمون منهم، إن جاء أحد منهم بمال جزيل قالوا:
هذا مراء، وإن جاء بشيء يسير قالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا. كما قال
البخاري:
حدثنا عبيد الله بن سعيد، حدثنا أبو النعمان البصري، حدثنا شعبة، عن
سليمان، عن أبي وائل، عن أبي مسعود قال: لما نـزلت آية الصدقة كنا نتحامل
على ظهورنا، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير، فقالوا: مرائى. وجاء رجل فتصدق
بصاع، فقالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا. فنـزلت ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ
الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا
يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ ) الآية.
وقد رواه مسلم أيضا في صحيحه، من حديث شعبة به
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا الجريري، عن أبي السليل قال: وقف علينا رجل في مجلسنا
بالبقيع فقال: حدثني أبي -أو: عمي أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالبقيع، وهو يقول: "من يتصدق بصدقة أشهد له بها يوم القيامة"؟ قال: فحللت
من عمامتي لوثا أو لوثين، وأنا أريد أن أتصدق بهما، فأدركني ما يدرك ابن
آدم، فعقدت على عمامتي. فجاء رجل لم أر بالبقيع رجلا أشد سوادا [ولا] أصغر منه، ولا أدمَّ ببعير
ساقه، لم أر بالبقيع ناقة أحسن منها، فقال: يا رسول الله، أصدقة؟ قال:
"نعم" فقال: دونك هذه الناقة. قال: فلمزه رجل فقال: هذا يتصدق بهذه فوالله
لهي خير منه. قال: فسمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "كذبت بل هو
خير منك ومنها" ثلاث مرات، ثم قال: "ويل لأصحاب المئين من الإبل" ثلاثا.
قالوا: إلا من يا رسول الله؟ قال: "إلا من قال بالمال هكذا وهكذا"، وجمع
بين كفيه عن يمينه وعن شماله، ثم قال: "قد أفلح المزهد المجهد" ثلاثا:
المزهد في العيش، المجهد في العبادة
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في هذه الآية، وقال: جاء عبد الرحمن
بن عوف بأربعين أوقية من ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه رجل
من الأنصار بصاع من طعام، فقال بعض المنافقين: والله ما جاء عبد الرحمن بما
جاء به إلا رياء. وقالوا: إن كان الله ورسوله لغنيين عن هذا الصاع
وقال العوفي، عن ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى
الناس يوما فنادى فيهم: أن اجمعوا صدقاتكم. فجمع الناس صدقاتهم، ثم جاء رجل
من آخرهم بصاع من تمر، فقال: يا رسول الله، هذا صاع من تمر بت ليلتي أجر
بالجرير الماء، حتى نلت صاعين من تمر، فأمسكت أحدهما، وأتيتك بالآخر. فأمره
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينثره في الصدقات. فسخر منه رجال،
وقالوا: إن الله ورسوله لغنيان عن هذا. وما يصنعان بصاعك من شيء. ثم إن عبد الرحمن بن عوف قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل بقي أحد من أهل الصدقات؟ فقال "لا"
فقال له عبد الرحمن بن عوف: فإن عندي مائة أوقية من ذهب في الصدقات. فقال
له عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: أمجنون أنت؟ قال: ليس بي جنون. قال: فعلت
ما فعلت؟ قال: نعم، مالي ثمانية آلاف، أما أربعة آلاف فأقرضها ربي، وأما
أربعة آلاف فلي. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بارك الله لك فيما
أمسكت وفيما أعطيت". ولمزه المنافقون فقالوا: والله ما أعطى عبد الرحمن
عطيته إلا رياء. وهم كاذبون، إنما كان به متطوعا، فأنـزل الله، عز وجل،
عذره وعذر صاحبه المسكين الذي جاء بالصاع من التمر، فقال تعالى في كتابه: (
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي
الصَّدَقَاتِ ) الآية .
وكذا روي عن مجاهد، وغير واحد.
وقال ابن إسحاق: كان المطوعون من المؤمنين في الصدقات: عبد الرحمن بن عوف، تصدق بأربعة
آلاف درهم، وعاصم بن عدي أخا بني العجلان، وذلك أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم رغب في الصدقات، وحض عليها، فقام عبد الرحمن بن عوف فتصدق بأربعة
آلاف، وقام عاصم فتصدق بمائة وسق من تمر، فلمزوهما وقالوا: ما هذا إلا
رياء. وكان الذي تصدق بجهده: أبو عقيل أخو بني أنيف الإراشي حليف بني عمرو
بن عوف، أتى بصاع من تمر فأفرغه في الصدقة، فتضاحكوا به وقالوا: إن الله
لغني عن صاع أبي عَقيل.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا طالوت بن عباد، حدثنا أبو عَوَانة، عن عمر
بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "تصدقوا فإني أريد أن أبعث بعثا". قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف فقال:
يا رسول الله، عندي أربعة آلاف، ألفين أقرضهما ربي، وألفين لعيالي. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بارك الله لك فيما أعطيت وبارك لك فيما أمسكت". وبات رجل من الأنصار فأصاب صاعين من تمر، فقال: يا رسول الله، أصبت صاعين من تمر: صاع أقرضه
لربي، وصاع لعيالي. قال: فلمزه المنافقون وقالوا: ما أعطى الذي أعطى ابن
عوف إلا رياء! وقالوا: ألم يكن الله ورسوله غنيين عن صاع هذا؟ فأنـزل الله:
( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي
الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ
مِنْهُمْ [سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ] ) الآية
ثم رواه عن أبي كامل، عن أبي عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه مرسلا قال: ولم يسنده أحد إلا طالوت.
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير: حدثنا ابن وكيع، حدثنا زيد بن الحُبَاب،
عن موسى بن عبيدة، حدثني خالد بن يسار، عن ابن أبي عقيل، عن أبيه قال: بت
أجر الجرير على ظهري، على صاعين من تمر، فانقلبت بأحدهما إلى أهلي يتبلغون
به، وجئت بالآخر أتقرب [به]
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخبرته، فقال: "انثره في الصدقة". قال: فسخر القوم وقالوا: لقد كان الله
غنيا عن صدقة هذا المسكين. فأنـزل الله: ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ
الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ) الآيتين
وكذا رواه الطبراني من حديث زيد بن الحباب به. وقال: اسم أبي عقيل: حباب. ويقال: عبد الرحمن بن عبد الله بن ثعلبة.
وقوله: ( فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ ) وهذا من باب
المقابلة على سوء صنيعهم واستهزائهم بالمؤمنين؛ لأن الجزاء من جنس العمل،
فعاملهم معاملة من سخر بهم، انتصارا للمؤمنين في الدنيا، وأعد للمنافقين في
الآخرة عذابا أليما.
بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا
بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلا
أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ
خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا
أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ
وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74)
أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة
عليهم، كما أمره بأن يخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين، وأخبره أن مصير
الكفار والمنافقين إلى النار في الدار الآخرة. وقد تقدم عن أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب أنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أسياف،
سيف للمشركين: فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التوبة:5] وسيف للكفار أهل الكتاب: قَاتِلُوا
الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا
يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ
الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ
عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29] وسيف للمنافقين: ( جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ) [التوبة:73، التحريم:9] وسيف للبغاة: فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9]
وهذا يقتضي أنهم يجاهدون بالسيوف إذا أظهروا النفاق، وهو اختيار ابن جرير.
وقال ابن مسعود في قوله تعالى: ( جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ) قال: بيده، [فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه] فإن لم يستطع فليكفهر في وجهه.
وقال ابن عباس: أمره الله تعالى بجهاد الكفار بالسيف، والمنافقين باللسان، وأذهب الرفق عنهم.
وقال الضحاك: جاهد الكفار بالسيف، واغلظ على المنافقين بالكلام، وهو مجاهدتهم. وعن مقاتل، والربيع مثله.
وقال الحسن وقتادة: مجاهدتهم إقامة الحدود عليهم.
وقد يقال: إنه لا منافاة بين هذه الأقوال، لأنه تارة يؤاخذهم بهذا، وتارة بهذا بحسب الأحوال، والله أعلم.
وقوله: ( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ
الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ ) قال قتادة: نـزلت في عبد الله
بن أبي، وذلك أنه اقتتل رجلان: جُهَني وأنصاري، فعلا الجهني على الأنصاري،
فقال عبد الله للأنصار: ألا تنصروا أخاكم؟ والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: "سمِّن كلبك يأكلك"، وقال: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ
[المنافقون:8] فسعى بها رجل من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
فأرسل إليه فسأله، فجعل يحلف بالله ما قاله، فأنـزل الله فيه هذه الآية
وروى إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى بن عقبة قال: فحدثنا عبد
الله بن الفضل، أنه سمع أنس بن مالك، رضي الله عنه، يقول: حزنت على من أصيب
بالحرَّة من قومي، فكتب إلي زيد بن أرقم، وبلغه شدة حزني، يذكر أنه سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم، اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار"
-وشك ابن الفضل في أبناء أبناء الأنصار -قال ابن الفضل: فسأل أنسا بعض من
كان عنده زيد بن أرقم، فقال: هو الذي يقول له رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "أوفى الله له بأذنه" . وذاك حين سمع رجلا من المنافقين يقول -ورسول
الله صلى الله عليه وسلم يخطب -: لئن كان هذا صادقا فنحن
شر من الحمير، فقال زيد بن أرقم: فهو والله صادق، ولأنت شر من الحمار. ثم
رُفع ذلك إلى رسول الله، فجحده القائل، فأنـزل الله هذه الآية تصديقا لزيد
-يعني قوله: ( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا ) الآية.
رواه البخاري في صحيحه، عن إسماعيل بن أبي أويس، عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة. إلى قوله: "هذا الذي أوفى الله له بأذنه"
ولعل ما بعده من قول موسى بن عقبة، وقد رواه محمد بن فُلَيح، عن موسى بن
عقبة بإسناده ثم قال: قال ابن شهاب. فذكر ما بعده عن موسى، عن ابن شهاب.
والمشهور في هذه القصة أنها كانت في غزوة بني المصطلق، فلعل الراوي وَهَم في ذكر الآية، وأراد أن يذكر غيرها فذكرها، والله أعلم.
[حاشية]
قال "الأموي" في مغازيه: حدثنا محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبد الرحمن
بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن جده قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه
وسلم، أخذني قومي فقالوا: إنك امرؤ شاعر، فإن شئت أن تعتذر إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ببعض العلة، ثم يكون ذنبا تستغفر الله منه. وذكر الحديث
بطوله، إلى أن قال: وكان ممن تخلف من المنافقين، ونـزل فيه القرآن منهم،
ممن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم: الجُلاس بن سُوَيد بن الصامت، وكان
على أم عُمَير بن سعد، وكان عمير في حجره، فلما نـزل القرآن وذكرهم الله
بما ذكر مما أنـزل في المنافقين، قال الجلاس: والله لئن كان هذا الرجل
صادقا فيما يقول لنحن شر من الحمير [قال] فسمعها عمير بن سعد فقال: والله -يا جلاس -إنك لأحب الناس إلي، وأحسنهم عندي بلاء، وأعزهم علي أن يصله
شيء يكرهه، ولقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك ولئن كتمتها لتهلكني،
ولإحداهما أهون علي من الأخرى. فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فذكر له ما قال الجلاس. فلما بلغ ذلك الجلاس خرج حتى يأتي النبي صلى الله
عليه وسلم، فحلف بالله ما قال ما قال عمير بن سعد، ولقد كذب علي. فأنـزل
الله، عز وجل، فيه: ( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا
كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ ) إلى آخر الآية. فوقفه
رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها. فزعموا أن الجلاس تاب فحسنت توبته،
ونـزع فأحسن النـزوع هكذا جاء هذا "مدرجا" في الحديث متصلا به، وكأنه والله أعلم من كلام ابن إسحاق نفسه، لا من كلام كعب بن مالك.
وقال عروة بن الزبير: نـزلت هذه الآية في الجلاس بن سويد بن الصامت،
أقبل هو وابن امرأته مُصعب من قُبَاء، فقال الجلاس: إن كان ما جاء به محمد
حقا فنحن أشر من حُمُرنا هذه التي نحن عليها. فقال مصعب: أما والله -يا عدو
الله -لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قلت: فأتيت النبي صلى الله
عليه وسلم، وخفت أن ينـزل في القرآن أو تصيبني قارعة، أو أن أخلط بخطيئته، فقلت: يا رسول الله، أقبلت أنا والجلاس من قباء، فقال كذا وكذا، ولولا مخافة أن أخلط
بخطيئة أو تصيبني قارعة ما أخبرتك. قال: فدعا الجلاس فقال: "يا جلاس، أقلت
الذي قاله مصعب؟" فحلف، فأنـزل الله: ( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا
وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ )
الآية.
وقال محمد بن إسحاق: كان الذي قال تلك المقالة -فيما بلغني -الجلاس بن
سويد بن الصامت، فرفعها عليه رجل كان في حجره، يقال له: عمير بن سعيد،
فأنكرها، فحلف بالله ما قالها: فلما نـزل فيه القرآن تاب ونـزع وحسنت
توبته، فيما بلغني.
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير: حدثني أيوب بن إسحاق بن إبراهيم، حدثنا
عبد الله بن رجاء، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في ظل شجرة فقال: "إنه
سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني الشيطان، فإذا جاء فلا تكلموه". فلم يلبثوا
أن طلع رجل أزرق، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "علام تشتمني
أنت وأصحابك؟" فانطلق الرجل فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما قالوا، حتى
تجاوز عنهم، فأنـزل الله، عز وجل: ( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا ) الآية
وذلك بَيِّنٌ فيما رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب "دلائل النبوة" من حديث محمد بن إسحاق، عن الأعمش عن عمرو بن مُرة، عن [أبي] البختري، عن حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه،
قال: كنت آخذا بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقود به، وعمار
يسوق الناقة -أو أنا: أسوقه، وعمار يقوده -حتى إذا كنا بالعقبة فإذا أنا
باثني عشر راكبا قد اعترضوه فيها، قال: فأنبهت رسول الله صلى الله عليه
وسلم [بهم]
فصرخ بهم فولوا مدبرين، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل عرفتم
القوم؟ قلنا: لا يا رسول الله، قد كانوا متلثمين، ولكنا قد عرفنا الركاب.
قال: "هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة، وهل تدرون ما أرادوا؟" قلنا: لا. قال: "أرادوا أن يزحموا
رسول الله في العقبة، فيلقوه منها". قلنا: يا رسول الله، أو لا تبعث إلى
عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم؟ قال: "لا أكره أن تتحدث العرب
بينها أن محمدا قاتل بقوم حتى [إذا]
أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم"، ثم قال: "اللهم ارمهم بالدبيلة".
قلنا: يا رسول الله، وما الدبيلة؟ قال: "شهاب من نار يقع على نياط قلب
أحدهم فيهلك"
وقال الإمام أحمد، رحمه الله: حدثنا يزيد، أخبرنا الوليد بن عبد الله بن
جميع، عن أبي الطفيل قال: لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة
تبوك، أمر مناديا فنادى: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ العقبة فلا
يأخذها أحد. فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوده حذيفة ويسوقه عمار،
إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل فغشوا عمارا وهو يسوق برسول الله، وأقبل
عمار، رضي الله عنه، يضرب وجوه الرواحل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحذيفة: "قد، قد" حتى هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، [فلما هبط]
نـزل ورجع عمار، فقال: "يا عمار، هل عرفت القوم؟" فقال: قد عرفت عامة
الرواحل، والقوم متلثمون. قال: "هل تدري ما أرادوا؟" قال: الله ورسوله
أعلم. قال: "أرادوا أن ينفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم فيطرحوه".
قال: فسار عمار رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: نشدتك بالله كم تعلم كان أصحاب العقبة؟ قال: أربعة عشر. فقال: إن كنت منهم فقد كانوا خمسة عشر. قال: فعذر
رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ثلاثة قالوا: والله ما سمعنا منادي
رسول الله، وما علمنا ما أراد القوم. فقال عمار: أشهد أن الاثني عشر
الباقين حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد
وهكذا روى ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عُرْوَة بن الزبير نحو هذا، وأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يمشي الناس في بطن الوادي، وصعد هو
وحذيفة وعمار العقبة، فتبعهم هؤلاء النفر الأرذلون، وهم متلثمون، فأرادوا
سلوك العقبة، فأطلع الله على مرادهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر حذيفة فرجع إليهم،
فضرب وجوه رواحلهم، ففزعوا ورجعوا مقبوحين، وأعلم رسول الله صلى الله عليه
وسلم حذيفة وعمارا بأسمائهم، وما كانوا هموا به من الفتك به، صلوات الله وسلامه عليه، وأمرهما أن يكتما عليهم
وكذلك روى يونس بن بُكَير، عن ابن إسحاق، إلا أنه سَمّى جماعة منهم، فالله أعلم
وكذا قد حكي في معجم الطبراني، قاله البيهقي. ويشهد لهذه القصة بالصحة، ما رواه مسلم:
حدثنا زهير بن حرب، حدثنا أبو أحمد الكوفي، حدثنا الوليد بن جُمَيع، حدثنا أبو الطفيل قال: كان [بين] رجل من أهل العقبة [وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس، فقال: أنشدك بالله، كم كان أصحاب العقبة] قال: فقال له القوم: أخبره إذ سألك. قال: كنا نخبر أنهم أربعة عشر، فإن كنت منهم فقد كان القوم
خمسة عشر، وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا
ويوم يقوم الأشهاد، وعذر ثلاثة قالوا: ما سمعنا منادي رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ولا علمنا بما أراد القوم. وقد كان في حرة فمشى، فقال: "إن
الماء قليل، فلا يسبقني إليه أحد"، فوجد قوما قد سبقوه، فلعنهم يومئذ
وما رواه مسلم أيضا، من حديث قتادة، عن أبي نَضْرة، عن قيس بن عباد، عن
عمار بن ياسر قال: أخبرني حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "في
أصحابي اثنا عشر منافقا، لا يدخلون الجنة، ولا يجدون ريحها حتى يلج [الجمل]
في سم الخياط: ثمانية تكفيكهم الدُّبَيْلة: سراج من نار يظهر بين أكتافه حتى ينجم من صدورهم"
ولهذا كان حذيفة يقال له: "صاحب السر، الذي لا يعلمه غيره" أي: من تعيين
جماعة من المنافقين، وهم هؤلاء، قد أطلعه عليهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم دون غيره، والله أعلم. وقد ترجم الطبراني في مسند حذيفة تسمية أصحاب
العقبة، ثم روى عن علي بن عبد العزيز، عن الزبير بن بكار أنه قال: هم
مُعَتِّب بن قشير، ووديعة بن ثابت، وجد بن عبد الله بن نَبْتَل بن الحارث
من بني عمرو بن عوف، والحارث بن يزيد الطائي، وأوس بن قَيْظِي، والحارث بن
سُوَيْد، وسعد بن زرارة
وقيس بن فهد، وسويد وداعس من بني الحبلي، وقيس بن عمرو بن سهل، وزيد بن
اللصيت، وسلالة بن الحمام، وهما من بني قينقاع أظهرا الإسلام
وقوله: ( وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
مِنْ فَضْلِهِ ) أي: وما للرسول عندهم ذنب إلا أن الله أغناهم ببركته ويمن
سفارته، ولو تمت عليهم السعادة لهداهم الله لما جاء به، كما قال، عليه
السلام
للأنصار: "ألم أجدكم ضُلالا فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله
بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟" كلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمن.
وهذه الصيغة تقال حيث لا ذنب كما قال تعالى: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج:8] وكما قال، عليه السلام ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرا فأغناه الله".
ثم دعاهم الله تبارك وتعالى إلى التوبة فقال: ( فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ
خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا
أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) أي: وإن يستمروا على طريقهم (
يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا ) أي: بالقتل
والهم والغم، ( والآخرة ) أي: بالعذاب والنكال والهوان والصغار، ( وَمَا
لَهُمْ فِي الأرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) أي: وليس لهم أحد يسعدهم
ولا ينجدهم، ولا يحصل لهم خيرا، ولا يدفع عنهم شرا.
وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ
نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا
اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ (78)
يقول تعالى: ومن المنافقين من أعطى الله عهده وميثاقه: لئن أغناه من
فضله ليصدقن من ماله، وليكونن من الصالحين. فما وفى بما قال، ولا صدق فيما
ادعى، فأعقبهم هذا الصنيع نفاقا سكن في قلوبهم إلى يوم يلقون الله، عز وجل، يوم القيامة، عياذا بالله من ذلك.
وقد ذكر كثير من المفسرين، منهم ابن عباس، والحسن البصري: أن سبب نـزول هذه الآية الكريمة في "ثعلبة بن حاطب الأنصاري".
وقد ورد فيه حديث رواه ابن جرير هاهنا وابن أبي حاتم، من حديث مُعان
بن رِفَاعة، عن علي بن يزيد، عن أبي عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن،
مولى عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية، عن أبي أمامة الباهلي، عن ثعلبة بن
حاطب الأنصاري، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يرزقني
مالا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويحك يا
ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه". قال: ثم قال مرة أخرى، فقال:
"أما ترضى أن تكون مثل نبي الله، فوالذي نفسي بيده لو شئت أن تسير معي
الجبال ذهبا وفضة لسارت". قال: والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله فرزقني مالا
لأعطين كل ذي حق حقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم ارزق
ثعلبة مالا". قال: فاتخذ غنما، فنمت كما ينمو الدود، فضاقت عليه المدينة،
فتنحى عنها، فنـزل واديا من أوديتها، حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة،
ويترك ما سواهما. ثم نمت وكَثُرت، فتنحى حتى ترك الصلوات إلا الجمعة، وهي
تنمو كما ينمو الدود، حتى ترك الجمعة. فطفق يتلقى الركبان
يوم الجمعة، يسألهم عن الأخبار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما
فعل ثعلبة"؟ فقالوا: يا رسول الله، اتخذ غنما فضاقت عليه المدينة. فأخبروه
بأمره فقال: "يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة". وأنـزل الله جل
ثناؤه: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا
الآية [التوبة: 103] قال: ونـزلت عليه فرائض الصدقة، فبعث رسول الله صلى
الله عليه وسلم رجلين على الصدقة: رجلا من جُهَيْنَة، ورجلا من سليم، وكتب
لهما كيف يأخذان الصدقة من المسلمين، وقال لهما: "مُرا بثعلبة، وبفلان -رجل
من بني سليم -فخذا صدقاتهما". فخرجا حتى أتيا ثعلبة، فسألاه الصدقة،
وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذه إلا جزية. ما هذه
إلا أخت الجزية. ما أدري ما هذا انطلقا حتى تفرُغا ثم عُودا إلي. فانطلقا
وسمع بهما السلمي، فنظر إلى خيار أسنان إبله، فعزلها للصدقة، ثم استقبلهما
بها فلما رأوها قالوا: ما يجب عليك هذا، وما نريد أن نأخذ هذا منك. قال:
بلى، فخذوها، فإن نفسي بذلك طيبة، وإنما هي له. فأخذوها منه. فلما فرغا من
صدقاتهما رجعا حتى مَرَّا بثعلبة، فقال: أروني كتابكما فنظر فيه، فقال: ما
هذه إلا أخت الجزية. انطلقا حتى أرى رأيي. فانطلقا حتى أتيا النبي
صلى الله عليه وسلم، فلما رآهما قال: "يا ويح ثعلبة" قبل أن يكلمهما، ودعا
للسلمي بالبركة، فأخبراه بالذي صنع ثعلبة والذي صنع السلمي، فأنـزل الله،
عز وجل: ( وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ
لَنَصَّدَّقَنَّ ) إلى قوله: ( وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) قال: وعند
رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة، فسمع ذلك، فخرج حتى أتاه
فقال: ويحك يا ثعلبة. قد أنـزل الله فيك كذا وكذا. فخرج ثعلبة حتى أتى
النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يقبل منه صدقته، فقال: "إن الله منعني
أن أقبل منك صدقتك". فجعل يحثو على رأسه التراب، فقال له رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "[هذا]
عملك، قد أمرتك فلم تطعني". فلما أبى أن يقبض رسول الله صلى الله عليه
وسلم رجع إلى منـزله ، فقُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل منه
شيئا. ثم أتى أبا بكر، رضي الله عنه، حين استخلف، فقال: قد علمت منـزلتي من
رسول الله، وموضعي من الأنصار، فاقبل صدقتي. فقال أبو بكر: لم يقبلها منك
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى أن يقبلها، فقبض أبو بكر ولم يقبلها.
فلما وَلِي عمر، رضي الله عنه، أتاه فقال: يا أمير المؤمنين، اقبل صدقتي.
فقال: لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر، وأنا أقبلها منك! فقبض ولم يقبلها؛ ثم ولي عثمان، رضي الله عنه، [فأتاه] فسأله أن يقبل صدقته، فقال: لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر، وأنا أقبلها منك! فلم يقبلها منه، وهلك ثعلبة في خلافة عثمان
وقوله تعالى: ( بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا
يَكْذِبُونَ ) أي: أعقبهم النفاق في قلوبهم بسبب إخلافهم الوعد وكذبهم،
كما جاء في الصحيح، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "آية المنافق
ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" وله شواهد كثيرة، والله أعلم.
وقوله: ( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ
وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ ) يخبرهم تعالى أنه يعلم
السر وأخفى، وأنه أعلم بضمائرهم وإن أظهروا أنه إن حصل لهم أموال تصدقوا
منها وشكروا عليها، فإنه أعلم بهم من أنفسهم؛ لأنه تعالى علام الغيوب، أي:
يعلم كل غيب وشهادة، وكل سر ونجوى، ويعلم ما ظهر وما بطن.
الَّذِينَ
يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ
وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ
اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)
وهذه أيضا من صفات المنافقين: لا يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في جميع
الأحوال، حتى ولا المتصدقون يسلمون منهم، إن جاء أحد منهم بمال جزيل قالوا:
هذا مراء، وإن جاء بشيء يسير قالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا. كما قال
البخاري:
حدثنا عبيد الله بن سعيد، حدثنا أبو النعمان البصري، حدثنا شعبة، عن
سليمان، عن أبي وائل، عن أبي مسعود قال: لما نـزلت آية الصدقة كنا نتحامل
على ظهورنا، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير، فقالوا: مرائى. وجاء رجل فتصدق
بصاع، فقالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا. فنـزلت ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ
الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا
يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ ) الآية.
وقد رواه مسلم أيضا في صحيحه، من حديث شعبة به
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا الجريري، عن أبي السليل قال: وقف علينا رجل في مجلسنا
بالبقيع فقال: حدثني أبي -أو: عمي أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالبقيع، وهو يقول: "من يتصدق بصدقة أشهد له بها يوم القيامة"؟ قال: فحللت
من عمامتي لوثا أو لوثين، وأنا أريد أن أتصدق بهما، فأدركني ما يدرك ابن
آدم، فعقدت على عمامتي. فجاء رجل لم أر بالبقيع رجلا أشد سوادا [ولا] أصغر منه، ولا أدمَّ ببعير
ساقه، لم أر بالبقيع ناقة أحسن منها، فقال: يا رسول الله، أصدقة؟ قال:
"نعم" فقال: دونك هذه الناقة. قال: فلمزه رجل فقال: هذا يتصدق بهذه فوالله
لهي خير منه. قال: فسمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "كذبت بل هو
خير منك ومنها" ثلاث مرات، ثم قال: "ويل لأصحاب المئين من الإبل" ثلاثا.
قالوا: إلا من يا رسول الله؟ قال: "إلا من قال بالمال هكذا وهكذا"، وجمع
بين كفيه عن يمينه وعن شماله، ثم قال: "قد أفلح المزهد المجهد" ثلاثا:
المزهد في العيش، المجهد في العبادة
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في هذه الآية، وقال: جاء عبد الرحمن
بن عوف بأربعين أوقية من ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه رجل
من الأنصار بصاع من طعام، فقال بعض المنافقين: والله ما جاء عبد الرحمن بما
جاء به إلا رياء. وقالوا: إن كان الله ورسوله لغنيين عن هذا الصاع
وقال العوفي، عن ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى
الناس يوما فنادى فيهم: أن اجمعوا صدقاتكم. فجمع الناس صدقاتهم، ثم جاء رجل
من آخرهم بصاع من تمر، فقال: يا رسول الله، هذا صاع من تمر بت ليلتي أجر
بالجرير الماء، حتى نلت صاعين من تمر، فأمسكت أحدهما، وأتيتك بالآخر. فأمره
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينثره في الصدقات. فسخر منه رجال،
وقالوا: إن الله ورسوله لغنيان عن هذا. وما يصنعان بصاعك من شيء. ثم إن عبد الرحمن بن عوف قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل بقي أحد من أهل الصدقات؟ فقال "لا"
فقال له عبد الرحمن بن عوف: فإن عندي مائة أوقية من ذهب في الصدقات. فقال
له عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: أمجنون أنت؟ قال: ليس بي جنون. قال: فعلت
ما فعلت؟ قال: نعم، مالي ثمانية آلاف، أما أربعة آلاف فأقرضها ربي، وأما
أربعة آلاف فلي. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بارك الله لك فيما
أمسكت وفيما أعطيت". ولمزه المنافقون فقالوا: والله ما أعطى عبد الرحمن
عطيته إلا رياء. وهم كاذبون، إنما كان به متطوعا، فأنـزل الله، عز وجل،
عذره وعذر صاحبه المسكين الذي جاء بالصاع من التمر، فقال تعالى في كتابه: (
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي
الصَّدَقَاتِ ) الآية .
وكذا روي عن مجاهد، وغير واحد.
وقال ابن إسحاق: كان المطوعون من المؤمنين في الصدقات: عبد الرحمن بن عوف، تصدق بأربعة
آلاف درهم، وعاصم بن عدي أخا بني العجلان، وذلك أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم رغب في الصدقات، وحض عليها، فقام عبد الرحمن بن عوف فتصدق بأربعة
آلاف، وقام عاصم فتصدق بمائة وسق من تمر، فلمزوهما وقالوا: ما هذا إلا
رياء. وكان الذي تصدق بجهده: أبو عقيل أخو بني أنيف الإراشي حليف بني عمرو
بن عوف، أتى بصاع من تمر فأفرغه في الصدقة، فتضاحكوا به وقالوا: إن الله
لغني عن صاع أبي عَقيل.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا طالوت بن عباد، حدثنا أبو عَوَانة، عن عمر
بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "تصدقوا فإني أريد أن أبعث بعثا". قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف فقال:
يا رسول الله، عندي أربعة آلاف، ألفين أقرضهما ربي، وألفين لعيالي. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بارك الله لك فيما أعطيت وبارك لك فيما أمسكت". وبات رجل من الأنصار فأصاب صاعين من تمر، فقال: يا رسول الله، أصبت صاعين من تمر: صاع أقرضه
لربي، وصاع لعيالي. قال: فلمزه المنافقون وقالوا: ما أعطى الذي أعطى ابن
عوف إلا رياء! وقالوا: ألم يكن الله ورسوله غنيين عن صاع هذا؟ فأنـزل الله:
( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي
الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ
مِنْهُمْ [سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ] ) الآية
ثم رواه عن أبي كامل، عن أبي عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه مرسلا قال: ولم يسنده أحد إلا طالوت.
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير: حدثنا ابن وكيع، حدثنا زيد بن الحُبَاب،
عن موسى بن عبيدة، حدثني خالد بن يسار، عن ابن أبي عقيل، عن أبيه قال: بت
أجر الجرير على ظهري، على صاعين من تمر، فانقلبت بأحدهما إلى أهلي يتبلغون
به، وجئت بالآخر أتقرب [به]
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخبرته، فقال: "انثره في الصدقة". قال: فسخر القوم وقالوا: لقد كان الله
غنيا عن صدقة هذا المسكين. فأنـزل الله: ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ
الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ) الآيتين
وكذا رواه الطبراني من حديث زيد بن الحباب به. وقال: اسم أبي عقيل: حباب. ويقال: عبد الرحمن بن عبد الله بن ثعلبة.
وقوله: ( فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ ) وهذا من باب
المقابلة على سوء صنيعهم واستهزائهم بالمؤمنين؛ لأن الجزاء من جنس العمل،
فعاملهم معاملة من سخر بهم، انتصارا للمؤمنين في الدنيا، وأعد للمنافقين في
الآخرة عذابا أليما.
رد: الجزء الثالث عشر من تفسير سورة التوبة
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
M.AYMAN- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 1898
تاريخ الميلاد : 13/10/1985
العمر : 39
رد: الجزء الثالث عشر من تفسير سورة التوبة
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
رد: الجزء الثالث عشر من تفسير سورة التوبة
يعطيك العافبة
M.AYMAN- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 1898
تاريخ الميلاد : 13/10/1985
العمر : 39
رد: الجزء الثالث عشر من تفسير سورة التوبة
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
مروان النفاخ- عضو قيد النشاط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 14
تاريخ الميلاد : 19/05/1995
العمر : 29
رد: الجزء الثالث عشر من تفسير سورة التوبة
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
رد: الجزء الثالث عشر من تفسير سورة التوبة
شكرا على الموضوع
لا تبخل علينا
لا تبخل علينا
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الثالث من تفسير سورة التوبة
» الجزء التاسع من تفسير سورة التوبة
» الجزء العاشر من تفسير سورة التوبة
» الجزء الحادي عشر من تفسير سورة التوبة
» الجزء الثاني عشر من تفسير سورة التوبة
» الجزء التاسع من تفسير سورة التوبة
» الجزء العاشر من تفسير سورة التوبة
» الجزء الحادي عشر من تفسير سورة التوبة
» الجزء الثاني عشر من تفسير سورة التوبة
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة التوبة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى