الجزء السادس من تفسير سورة سبأ
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة سبأ
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء السادس من تفسير سورة سبأ
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ(40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ(41)
فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلا ضَرًّا
وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ
بِهَا تُكَذِّبُونَ(42) .يخبر
تعالى أنه يقرع المشركين يوم القيامة على رؤوس الخلائق، فيسأل الملائكة
الذين كان المشركون يزعمون أنهم يعبدون الأنداد التي هي على صورة الملائكة
ليقربوهم إلى الله زلفى، فيقول للملائكة: ( أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا
يَعْبُدُونَ ) ؟ أي: أنتم أمرتم هؤلاء بعبادتكم؟ كما قال في سورة الفرقان: أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ [الفرقان: 17] ، وكما يقول لعيسى:
أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ
اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي
بِحَقٍّ
[المائدة: 116]. وهكذا تقول الملائكة: ( سُبْحَانَكَ ) أي: تعاليتَ وتقدست
عن أن يكون معك إله ( أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ ) أي: نحن عبيدك
ونبرأ إليك من هؤلاء، ( بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ) يعنون:
الشياطين؛ لأنهم هم الذين يزينون لهم عبادة الأوثان ويضلونهم ، ( أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ ) ، كما قال تعالى: إِنْ يَدْعُونَ
مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ
إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا
[النساء: 117]. قال
الله تعالى: ( فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلا
ضَرًّا ) أي: لا يقع لكم نفع ممن كنتم ترجون نفعه اليوم من الأنداد
والأوثان، التي ادخرتم عبادتها لشدائدكم وكُرَبكم، اليوم لا يملكون لكم
نفعا ولا ضرا، ( وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ) -وهم المشركون-( ذُوقُوا
عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ) أي: يقال لهم ذلك،
تقريعا وتوبيخا.
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلا
رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ
وَقَالُوا مَا هَذَا إِلا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا
لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ(43) وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ(44) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ(45) .يخبر تعالى عن الكفار أنهم يستحقون منه العقوبة والأليم من العذاب؛ لأنهم كانوا إذا تتلى < 6-525 > عليهم آياته بينات يسمعونها غَضَّةً طرية من لسان رسوله
صلى الله عليه وسلم، ( قَالُوا مَا هَذَا إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ
يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ ) ، يعنون أن دين آبائهم هو
الحق، وأن ما جاءهم به الرسول عندهم باطل -عليهم وعلى آبائهم لعائن الله-(
وَقَالُوا مَا هَذَا إِلا إِفْكٌ مُفْتَرًى ) يعنون: القرآن، ( وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ
مُبِينٌ ) . قال الله تعالى: ( وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ
يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ ) أي:
ما أنـزل الله على العرب من كتاب قبل القرآن، وما أرسل إليهم نبيًا قبل
محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كانوا يَوَدّون ذلك ويقولون: لو جاءنا نذير
أو أنـزل علينا كتاب، لكنا أهدى من غيرنا، فلما مَنَّ الله عليهم بذلك
كذبوه وعاندوه وجحدوه. ثم قال: ( وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ )
أي: من الأمم، ( وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ ) قال ابن
عباس: أي من القوة في الدنيا. وكذلك قال قتادة، والسدّي، وابن زيد. كما قال تعالى:
وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا
لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ
سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ
كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ
يَسْتَهْزِئُونَ [الأحقاف: 26] . أَفَلَمْ
يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً
[غافر: 82]، أي: وما دفع ذلك عنهم عذاب الله ولا رده، بل دمر الله عليهم
لما كذبوا رسله؛ ولهذا قال: ( فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ )
أي: فكيف كان نكالي وعقابي وانتصاري لرسلي ؟
قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى
وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ
إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ(46) .يقول
تعالى: قل يا محمد لهؤلاء الكافرين الزاعمين أنك مجنون: ( إِنَّمَا
أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ ) أي: إنما آمركم بواحدة، وهي: ( أَنْ تَقُومُوا
لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ
جِنَّةٍ ) أي: تقوموا قياما خالصًا لله، من غير هوى ولا عصبية، فيسأل بعضكم
بعضا: هل بمحمد من جنون؟ فينصح بعضكم بعضا، ( ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ) أي:
ينظر الرجل لنفسه في أمر محمد صلى الله عليه وسلم، ويسأل غيره من الناس عن
شأنه إن أشكل عليه، ويتفكر في ذلك؛ ولهذا قال: ( أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ
مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ) .هذا معنى ما ذكره مجاهد، ومحمد بن كعب، والسُّدِّيّ، وقتادة، وغيرهم، وهذا هو المراد من الآية.فأما
الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا
صدقة بن خالد، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن
أبي أمامة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "أعطيت ثلاثا لم
يعطهن مَن قبلي ولا فخر: أحلت لي الغنائم، ولم تحل لمن قبلي، كانوا قبلي
يجمعون غنائمهم فيحرقونها. وبُعثت إلى كل أحمر وأسود، وكان كل نبي يبعث < 6-526 >
إلى قومه، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، أتيمم بالصعيد، وأصلي حيث
أدركتني الصلاة، قال الله: ( أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى )
وأعنت بالرعب مسيرة شهر بين يدي" -فهو حديث ضعيف الإسناد، وتفسير الآية
بالقيام في الصلاة في جماعة وفرادى بعيد، ولعله مقحم في الحديث من بعض
الرواة، فإن أصله ثابت في الصحاح وغيرها والله أعلم.وقوله: ( إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ) : قال البخاري عندها:حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا محمد بن خَازم، حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرَّة، عن سعيد بن جُبَيْر
،عن ابن عباس قال: صَعدَ النبي صلى الله عليه وسلم الصفا ذات يوم، فقال:
"يا صباحاه". فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: ما لك؟ فقال: "أرأيتم لو أخبرتكم
أن العدو يُصَبّحكم أو يُمَسّيكم، أما كنتم تصدقوني؟" قالوا: بلى. قال:
"فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد". فقال أبو لهب: تبا لك! ألهذا جمعتنا؟
فأنـزل الله: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد] . وقد تقدم عند قوله: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [ الشعراء : 214 ].وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم، حدثنا بشير بن المهاجر، حدثني عبد الله بن بريدة،
عن أبيه قال: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فنادى ثلاث
مرات فقال: "أيها الناس، أتدرون ما مثلي ومثلكم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: "إنما مثلي ومثلكم مثلُ قوم خافوا عدوا يأتيهم، فبعثوا رجلا يتراءى
لهم، فبينما هو كذلك أبصر العدو، فأقبل لينذرهم وخشي أن يدركه العدو قبل أن
ينذر قومه، فأهوى بثوبه: أيها الناس، أوتيتم. أيها الناس، أوتيتم -ثلاث
مرات".وبهذا الإسناد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة جميعًا، إن كادت لتسبقني". تفرد به الإمام أحمد في مسنده. قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(47) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلامُ الْغُيُوبِ(48) .يقول
تعالى آمرًا رسوله أن يقول للمشركين: ( مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ
فَهُوَ لَكُمْ ) أي: لا أريد منكم جُعلا ولا عَطاء على أداء رسالة الله
إليكم، ونصحي إياكم، وأمركم بعبادة الله، ( إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى
اللَّهِ ) أي: إنما أطلب ثواب ذلك من عند الله ( وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
شَهِيدٌ ) أي: عالم بجميع الأمور، بما أنا عليه من إخباري عنه بإرساله
إياي إليكم، وما أنتم عليه.وقوله: ( < 6-527 > قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلامُ الْغُيُوبِ ) ، كقوله تعالى: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [غافر: 15]. أي: يرسل الملك إلى مَنْ يشاء من عباده من أهل الأرض، وهو علام الغيوب، فلا تخفى عليه خافية في السموات ولا في الأرض.
فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلا ضَرًّا
وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ
بِهَا تُكَذِّبُونَ(42) .يخبر
تعالى أنه يقرع المشركين يوم القيامة على رؤوس الخلائق، فيسأل الملائكة
الذين كان المشركون يزعمون أنهم يعبدون الأنداد التي هي على صورة الملائكة
ليقربوهم إلى الله زلفى، فيقول للملائكة: ( أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا
يَعْبُدُونَ ) ؟ أي: أنتم أمرتم هؤلاء بعبادتكم؟ كما قال في سورة الفرقان: أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ [الفرقان: 17] ، وكما يقول لعيسى:
أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ
اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي
بِحَقٍّ
[المائدة: 116]. وهكذا تقول الملائكة: ( سُبْحَانَكَ ) أي: تعاليتَ وتقدست
عن أن يكون معك إله ( أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ ) أي: نحن عبيدك
ونبرأ إليك من هؤلاء، ( بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ) يعنون:
الشياطين؛ لأنهم هم الذين يزينون لهم عبادة الأوثان ويضلونهم ، ( أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ ) ، كما قال تعالى: إِنْ يَدْعُونَ
مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ
إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا
[النساء: 117]. قال
الله تعالى: ( فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلا
ضَرًّا ) أي: لا يقع لكم نفع ممن كنتم ترجون نفعه اليوم من الأنداد
والأوثان، التي ادخرتم عبادتها لشدائدكم وكُرَبكم، اليوم لا يملكون لكم
نفعا ولا ضرا، ( وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ) -وهم المشركون-( ذُوقُوا
عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ) أي: يقال لهم ذلك،
تقريعا وتوبيخا.
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلا
رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ
وَقَالُوا مَا هَذَا إِلا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا
لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ(43) وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ(44) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ(45) .يخبر تعالى عن الكفار أنهم يستحقون منه العقوبة والأليم من العذاب؛ لأنهم كانوا إذا تتلى < 6-525 > عليهم آياته بينات يسمعونها غَضَّةً طرية من لسان رسوله
صلى الله عليه وسلم، ( قَالُوا مَا هَذَا إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ
يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ ) ، يعنون أن دين آبائهم هو
الحق، وأن ما جاءهم به الرسول عندهم باطل -عليهم وعلى آبائهم لعائن الله-(
وَقَالُوا مَا هَذَا إِلا إِفْكٌ مُفْتَرًى ) يعنون: القرآن، ( وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ
مُبِينٌ ) . قال الله تعالى: ( وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ
يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ ) أي:
ما أنـزل الله على العرب من كتاب قبل القرآن، وما أرسل إليهم نبيًا قبل
محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كانوا يَوَدّون ذلك ويقولون: لو جاءنا نذير
أو أنـزل علينا كتاب، لكنا أهدى من غيرنا، فلما مَنَّ الله عليهم بذلك
كذبوه وعاندوه وجحدوه. ثم قال: ( وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ )
أي: من الأمم، ( وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ ) قال ابن
عباس: أي من القوة في الدنيا. وكذلك قال قتادة، والسدّي، وابن زيد. كما قال تعالى:
وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا
لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ
سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ
كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ
يَسْتَهْزِئُونَ [الأحقاف: 26] . أَفَلَمْ
يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً
[غافر: 82]، أي: وما دفع ذلك عنهم عذاب الله ولا رده، بل دمر الله عليهم
لما كذبوا رسله؛ ولهذا قال: ( فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ )
أي: فكيف كان نكالي وعقابي وانتصاري لرسلي ؟
قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى
وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ
إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ(46) .يقول
تعالى: قل يا محمد لهؤلاء الكافرين الزاعمين أنك مجنون: ( إِنَّمَا
أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ ) أي: إنما آمركم بواحدة، وهي: ( أَنْ تَقُومُوا
لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ
جِنَّةٍ ) أي: تقوموا قياما خالصًا لله، من غير هوى ولا عصبية، فيسأل بعضكم
بعضا: هل بمحمد من جنون؟ فينصح بعضكم بعضا، ( ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ) أي:
ينظر الرجل لنفسه في أمر محمد صلى الله عليه وسلم، ويسأل غيره من الناس عن
شأنه إن أشكل عليه، ويتفكر في ذلك؛ ولهذا قال: ( أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ
مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ) .هذا معنى ما ذكره مجاهد، ومحمد بن كعب، والسُّدِّيّ، وقتادة، وغيرهم، وهذا هو المراد من الآية.فأما
الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا
صدقة بن خالد، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن
أبي أمامة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "أعطيت ثلاثا لم
يعطهن مَن قبلي ولا فخر: أحلت لي الغنائم، ولم تحل لمن قبلي، كانوا قبلي
يجمعون غنائمهم فيحرقونها. وبُعثت إلى كل أحمر وأسود، وكان كل نبي يبعث < 6-526 >
إلى قومه، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، أتيمم بالصعيد، وأصلي حيث
أدركتني الصلاة، قال الله: ( أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى )
وأعنت بالرعب مسيرة شهر بين يدي" -فهو حديث ضعيف الإسناد، وتفسير الآية
بالقيام في الصلاة في جماعة وفرادى بعيد، ولعله مقحم في الحديث من بعض
الرواة، فإن أصله ثابت في الصحاح وغيرها والله أعلم.وقوله: ( إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ) : قال البخاري عندها:حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا محمد بن خَازم، حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرَّة، عن سعيد بن جُبَيْر
،عن ابن عباس قال: صَعدَ النبي صلى الله عليه وسلم الصفا ذات يوم، فقال:
"يا صباحاه". فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: ما لك؟ فقال: "أرأيتم لو أخبرتكم
أن العدو يُصَبّحكم أو يُمَسّيكم، أما كنتم تصدقوني؟" قالوا: بلى. قال:
"فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد". فقال أبو لهب: تبا لك! ألهذا جمعتنا؟
فأنـزل الله: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد] . وقد تقدم عند قوله: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [ الشعراء : 214 ].وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم، حدثنا بشير بن المهاجر، حدثني عبد الله بن بريدة،
عن أبيه قال: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فنادى ثلاث
مرات فقال: "أيها الناس، أتدرون ما مثلي ومثلكم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: "إنما مثلي ومثلكم مثلُ قوم خافوا عدوا يأتيهم، فبعثوا رجلا يتراءى
لهم، فبينما هو كذلك أبصر العدو، فأقبل لينذرهم وخشي أن يدركه العدو قبل أن
ينذر قومه، فأهوى بثوبه: أيها الناس، أوتيتم. أيها الناس، أوتيتم -ثلاث
مرات".وبهذا الإسناد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة جميعًا، إن كادت لتسبقني". تفرد به الإمام أحمد في مسنده. قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(47) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلامُ الْغُيُوبِ(48) .يقول
تعالى آمرًا رسوله أن يقول للمشركين: ( مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ
فَهُوَ لَكُمْ ) أي: لا أريد منكم جُعلا ولا عَطاء على أداء رسالة الله
إليكم، ونصحي إياكم، وأمركم بعبادة الله، ( إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى
اللَّهِ ) أي: إنما أطلب ثواب ذلك من عند الله ( وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
شَهِيدٌ ) أي: عالم بجميع الأمور، بما أنا عليه من إخباري عنه بإرساله
إياي إليكم، وما أنتم عليه.وقوله: ( < 6-527 > قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلامُ الْغُيُوبِ ) ، كقوله تعالى: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [غافر: 15]. أي: يرسل الملك إلى مَنْ يشاء من عباده من أهل الأرض، وهو علام الغيوب، فلا تخفى عليه خافية في السموات ولا في الأرض.
رد: الجزء السادس من تفسير سورة سبأ
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء السادس من تفسير سورة سبأ
جزاك الله خيرا على الموضوع
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء السادس من تفسير سورة هود
» الجزء السادس من تفسير سورة طه
» الجزء السادس من تفسير سورة البقرة
» الجزء السادس عشر من تفسير سورة الأعراف
» الجزء السادس من تفسير سورة الأنفال
» الجزء السادس من تفسير سورة طه
» الجزء السادس من تفسير سورة البقرة
» الجزء السادس عشر من تفسير سورة الأعراف
» الجزء السادس من تفسير سورة الأنفال
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة سبأ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى