طريــق اليهـــود إلــى فلسطيـــن
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
طريــق اليهـــود إلــى فلسطيـــن
إن معظم الكتابات في تاريخنا، حتى الكتابات التي وضعت بين يدي الناشئة في معاهد التعليم، تعيد أسباب اليقظة العربية إلى عوامل عدّة، منها:
تغلغُل التأثيرات الثقافية الغربية بين العرب والأتراك على السواء، وتشجيع هذه التأثيرات لما أُسْمِيَ بيقظة الوعي القومي لدى الأمَّتين.
الإرساليات التبشيرية الكاثوليكية والبروتستانتية .
ونحن نتابع شيئاً من مفكرة القرن الرابع عشر الهجري أردنا أن نذكِّر ببعض المعاني لتستبين الطريق، خاصةً وأن حديثنا سيكون حول الدعوات العنصرية وما جرَّتْه من ويلات وردود فعل مازال المسلمون يُعانون من شرورها ويعيشون آثارها السلبية من الفُرقة والاقتتال حتى اليوم.
1327هـ/1909م زحف الجنرال حسين حسني وأركان حربه مصطفى كمال على الآستانة (استانبول) حيث يقيم السلطان عبد الحميد الثاني رحمه اللَّه، لإرغامه على التنازل عن الحكم بعد أن شعر الأدواتُ، ومَن ورائهم من أصحاب المصلحة، أن القضاء على السلطان طريق للقضاء على الخلافة الإسلامية، وأن سلطة ونفوذ جمعية الاتحاد والترقّي بدأ يذبل ويهتزّ، وفي ذلك خسارة لمصالحهم وعرقلة لتنفيذ أهدافهم. وهذه الجمعية تأسست عام 1310هـ/1891 م في مدينة جنيفGenevaبسويسرا، ثم نقلت مركزها عام 1323 هـ/1905 م إلى مدينة سالونيك (Salonica) مقر يهود الدونمة، حيث تلقّت منهم مساعدات مالية هائلة، وصُنِعَت على أعينهم، وأساس أفكارها مستمدّ من سلفها»حزب تركيا الفتاة«وهي التي كانت تقف خلف الانقلاب الذي أطلِق عليه زوراً اسم "الانقلاب الدستوري" وأعاد العمل بدستور مدحت عام 1326 هـ/1908 م.
وكان لهم ما أرادوا، ووقَّع السلطان عبد الحميد رحمه اللَّه وثيقة التنازل عن السلطة، التي أعدها الاتحاديون وحملها إليه موفد الاتحاديين (مزراحي قراصو) اليهودي، لصالح أخيه محمد رشاد كمرحلة لابدّ منها، الذي كان يبلغ الرابعة والستين من عمره إضافة إلى شهرته بالبله. وهكذا أصبحت جمعية الاتحاد والترقي صاحبة الكلمة الأولى، والسلطة المطلقة في الدولة العثمانية.
من أولى النتائج التي ترتبت على وصول الاتحاديين لسدّة الحكم في الدولة العثمانية وسيطرتهم على السلطة فيها: السماح لليهود بالاستيطان في فلسطين، وهو الأمر الذي وقف السلطان عبد الحميد في وجهه طويلاً، وأُزيح عن الحكم بسببه، فقد بلغ عدد اليهود الذين تسللوا إلى فلسطين في تلك الفترة وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914م، حوالي أربعين ألفاً. واتجه اليهود لحماية وجودهم في فلسطين من غضبة أصحاب البلد الحقيقيين المتوَقَّعة، فعمدوا إلى تشكيل فرق الحراس عام 1327 هـ، التي كان لابد منها في أعقاب عزل السلطان عبد الحميد والتسلل إلى فلسطين، وسلَّحوها لمنع الفلسطينيين من استرداد أراضيهم.
وفي عام 1328 هـ/1910 م حاول قائمقام الناصرة (شكري العسلي) أن يقف في وجه تحقيق أطماع اليهود في فلسطين، فاتخذ إجراءً تمَّ بموجبه منع بيع الأراضي وانتقال ملكيَّتِها لليهود، الأمر الذي حدا بالاتحاديين -صنائع اليهود- أن يتخذوا قراراً بعزله عن هذا المنصب، لأن مهمتهم الأساسية التي جاءوا من أجلها: تسهيل إقامة الدولة اليهودية وسلوك كافة السبل التي تؤدي إلى ذلك، وإزاحة كل العقبات التي تعترض ذلك.
أمام هذه الحقائق فإن المسلم لا يستغرب موقف حكَّام تركية من أيام الاتحاديين وإلى أيامنا هذه من اليهود ودولتهم التي قامت إثر النكبة الأولى التي أحاطت بالمسلمين (1367 هـ- 1947م)، وليس غريباً أن يحدث الانقلاب العسكري الأخير في تركيا[1] بعد أسبوع واحد فقط من يوم القدس والمسيرة الإسلامية في قونية من أجل فلسطين، وتصريحات وزير خارجية النظام العسكري التركي بعد ذلك المطمئنة لدولة العدو الإسرائيلي، وما ذلك إلا لأن اليهود أصلاً هم الذين كانوا وراء تقويض الخلافة التي كانت السد المنيع الذي حال دون وصولهم إلى فلسطين، وهم الذين قادوا تركيا في طريق التغريب والضياع والجنوح عن الجسم الإسلامي لضمان استمرار سقوط تركيا في مناخ التغريب والسيطرة اليهودية. وليس غريباً أيضاً أن يبقى قادة التغريب في تركيا أوفياء لليهود إلى اليوم، وليس غريباً أيضاً أن يستمر هؤلاء في اعترافهم بإسرائيل وإقامة العلاقات معها. ففي تركيا بدأ الخرق الأوَّل على يد يهود الدُّونْمة (أنور ونيازي و جاويد وغيرهم) فهل يقبل الشعب التركي المسلم استمرار هذه المهزلة؟
أما في المجال الخارجي فقد كانت أولى ثمرات وصول الاتحاديين إلى السلطة:
- قيام الإمبراطورية النمسوية الهنغارية بضم ولاية البوسنة والهرسك نهائياً إليها وذلك عام 1327 هـ/1909 م.
- وفي عام 1329 هـ/1911م كان تنازل الاتحاديين عن ليبيا (طرابلس الغرب وبرقة) لصالح الاستعمار الإيطالي، وكذلك التنازل عن كريت وجزر الدودكانيز(Dodecanese).
- وفي عام 1330هـ/1912م وصلت بلغاريا إلى القرب من الآستانة (استانبول) واحتلت أدرنة مما حدا بالاتحاديين إلى التنازل عن كل ممتلكات الدولة العثمانية في أوربا ما عدا تراقيا الشرقية ولم يبقَ معهم سوى منطقة الشرق العربي، فماذا فعلوا به؟
بعد أن استتب الأمر للاتحاديين في الدولة تابعوا خطتَّهم وقلبوا ظهر المجنِّ لبقية الفئات التي تشاركهم التابعية العثمانية، خاصة العرب، فقاموا يُنادون بالقومية الطورانية، والعمل على تحقيق (الوحدة الطورانية) الشاملة بالاتحاد مع من يعود نسبه إلى عرقهم من سكان أسيا الوسطى! وقد ظهر فخرهم بجاهليتهم الأولى بكل وضوح، وأطلت الشعوبية عدوَّة الإسلام والمسلمين برأسها باسم العداء للعرب، وتطاولوا على رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم، حتى بلغ السفه بأحد أدبائهم -كما يذكر الأمير مصطفى الشهابي في كتابه (محاضرات في القومية) ص 27- أن يقول: "جدُّنا هو جنكيزخان العاقل، وجدُّنا نحن معادِل لجدِّ الحُسين" أي: لرسول الله صلى الله عليه وسلم! وكان لهذا الاتجاه أسوأ الأثر في نفوس العرب جميعاً، وأدى إلى ردود الفعل العنيفة التي رُسِمت بإحكام، وتحقق ما أراده أصحاب الدعوات العنصرية والعصبيات الجاهلية، وحدث الشرخ بين العرب والأتراك وتعمَّق، وكانت له من الآثار التي ما تزال ماثلة حتى أيامنا هذه.
لقد لاقى هذا الاتجاه في البداية بعض الآذان الصاغية التي تمَّ تحضيرها في المنطقة العربية لأداء مهمة معينة، كالاتحاديين في صفوف الأتراك، في ارتباطاتها الخارجية، وعملها لصالح الغرب والمبشرين. وبدأت ترتفع بعض الأصوات مناديةً بالقومية العنصرية بين العرب، وكان دعاتها من غير المسلمين. فقد تمَّ على يد خمسة من طلاب الكلية الإنجيلية (البروتستانتية) في بيروت، والتي أسميت فيما بعد الجامعة الأمريكية، وكلهم من النصارى عام 1293هـ/1875م شكَّلوا جمعية سرية (جمعية بيروت العربية) بالتعاون مع محفل بيروت الماسوني، وجعلوا هدفها: دعوة العرب لمحاربة الأتراك والثورة عليهم. وقامت هذه الجمعية بصياغة هذه العنصرية على شكل عقيدة سياسية في محاولةٍ منها لاجتذاب المسلمين من العرب إلى صفوفها، فلم تفلح في ذلك، فقد نفر المسلمون منها ومن مؤسسيها الذي كانوا يواصلون السعي بالتعاون مع البعثات التبشيرية لِبَثِّ ما أسموه بالشعور القومي بين العرب.
واستمر العرب على موقفهم السليم، ونفورهم من البعثات التبشيرية ومن المرتبطين بهم من نصارى العرب (هذا يفسر لنا ثقة السلطان عبد الحميد رحمه الله بالعرب، وتقريبه لهم، وتسليمهم المراكز العليا في قصره، مما أغاظ أصحاب الاتجاه العنصري، وحمل واحداً منهم، جورج أنطونيوس، على القول: "إذا كان الباب العالي ومناصب الوزارة قد ظلاَّ مجالاً يصول فيه الأتراك ويجولون، فقد سقط القصر جميعه في أيدي العرب"، إلى أن سقط السلطان عبد الحميد، ووصل الاتحاديون إلى الحكم في الدولة، وتنكروا للإسلام الذي يجمع العرب إلى الترك وغيرهم من المسلمين.
عندها تحقق لأعداء الأمة ما سعوا إليه منذ فترة ليست قصيرة، وحلَّ العداء بين العرب والأتراك محل الوئام والأخوة، على الرغم من محاولات عقلاء الطرفين لرأب هذا الصدع حيث قاموا بتشكيل (جمعية الإخاء العربي العثماني) في الآستانة عام 1327هـ. لكن الاتحاديين سارعوا إلى حلِّها إمعاناً في الفتنة ودفعاً للأمور حتى تصل إلى نهايتها المرسومة.
ومع ذلك تابع عقلاء العرب طريقهم السليم، فأسسوا لجنة الإصلاح، ولكن الاتحاديين أصدروا قراراً بحلِّها أيضاً، مما أدّى إلى قيام إضرابات عامة ومظاهرات احتجاجية في مختلف الأقطار العربية، قوبلت بالعنف من الاتحاديين الذي أمروا بتعطيل الصحف واعتقال الزعماء البارزين. وكان لسان حالهم يقول: افعلوا ما فعلناه.
وكان لهم ما أرادوا، وارتفعت الأصوات من العرب تقول: ما دام الرابط الوحيد بيننا وبين الأتراك الإسلام قد انفصم ولم يعد له وجود، فزال بذلك المسوِّغ الوحيد لاتحادنا معهم، لذا يجب علينا السعي من أجل الحصول على الاستقلال الكامل عنهم وعن حكمهم ودولتهم.
وهكذا ومن خلال هذه الحقائق التاريخية نجد أن الأمة لم تجنِ إلا الصبر والعلقم من التأثيرات الثقافية الغربية والإرساليات التبشيرية، ولم تحصد إلا الفرقة والانقسام، وضياع الأرض، وانتهاك الأعراض، وتدنيس المقدسات. وإن رحلة التيه والضياع التي دُبِّرَت للأمة ما تزال آخذة طريقها المرسوم بصورة أو بأخرى، وتحت شعارات برَّاقة خادعة متجددة، كلما انكشف عوار واحد منها، أُتيَ بغيره حتى يتمَّ الوصول إلى الهدف المنشود الذي بيَّنه لنا كتابُ اللَّه عز وجل منذ أربعة عشر قرناً، لكنا نسيناه أو تناسيناه (ولا يَزالونَ يُقاتِلونَكم حَتَّى يَرُدُّوكم عن دينِكم إنِ استطاعوا) (ولَنْ تَرضى عنكَ اليَهودُ ولا النَّصارى حتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم) صدق الله العظيم
تغلغُل التأثيرات الثقافية الغربية بين العرب والأتراك على السواء، وتشجيع هذه التأثيرات لما أُسْمِيَ بيقظة الوعي القومي لدى الأمَّتين.
الإرساليات التبشيرية الكاثوليكية والبروتستانتية .
ونحن نتابع شيئاً من مفكرة القرن الرابع عشر الهجري أردنا أن نذكِّر ببعض المعاني لتستبين الطريق، خاصةً وأن حديثنا سيكون حول الدعوات العنصرية وما جرَّتْه من ويلات وردود فعل مازال المسلمون يُعانون من شرورها ويعيشون آثارها السلبية من الفُرقة والاقتتال حتى اليوم.
1327هـ/1909م زحف الجنرال حسين حسني وأركان حربه مصطفى كمال على الآستانة (استانبول) حيث يقيم السلطان عبد الحميد الثاني رحمه اللَّه، لإرغامه على التنازل عن الحكم بعد أن شعر الأدواتُ، ومَن ورائهم من أصحاب المصلحة، أن القضاء على السلطان طريق للقضاء على الخلافة الإسلامية، وأن سلطة ونفوذ جمعية الاتحاد والترقّي بدأ يذبل ويهتزّ، وفي ذلك خسارة لمصالحهم وعرقلة لتنفيذ أهدافهم. وهذه الجمعية تأسست عام 1310هـ/1891 م في مدينة جنيفGenevaبسويسرا، ثم نقلت مركزها عام 1323 هـ/1905 م إلى مدينة سالونيك (Salonica) مقر يهود الدونمة، حيث تلقّت منهم مساعدات مالية هائلة، وصُنِعَت على أعينهم، وأساس أفكارها مستمدّ من سلفها»حزب تركيا الفتاة«وهي التي كانت تقف خلف الانقلاب الذي أطلِق عليه زوراً اسم "الانقلاب الدستوري" وأعاد العمل بدستور مدحت عام 1326 هـ/1908 م.
وكان لهم ما أرادوا، ووقَّع السلطان عبد الحميد رحمه اللَّه وثيقة التنازل عن السلطة، التي أعدها الاتحاديون وحملها إليه موفد الاتحاديين (مزراحي قراصو) اليهودي، لصالح أخيه محمد رشاد كمرحلة لابدّ منها، الذي كان يبلغ الرابعة والستين من عمره إضافة إلى شهرته بالبله. وهكذا أصبحت جمعية الاتحاد والترقي صاحبة الكلمة الأولى، والسلطة المطلقة في الدولة العثمانية.
من أولى النتائج التي ترتبت على وصول الاتحاديين لسدّة الحكم في الدولة العثمانية وسيطرتهم على السلطة فيها: السماح لليهود بالاستيطان في فلسطين، وهو الأمر الذي وقف السلطان عبد الحميد في وجهه طويلاً، وأُزيح عن الحكم بسببه، فقد بلغ عدد اليهود الذين تسللوا إلى فلسطين في تلك الفترة وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914م، حوالي أربعين ألفاً. واتجه اليهود لحماية وجودهم في فلسطين من غضبة أصحاب البلد الحقيقيين المتوَقَّعة، فعمدوا إلى تشكيل فرق الحراس عام 1327 هـ، التي كان لابد منها في أعقاب عزل السلطان عبد الحميد والتسلل إلى فلسطين، وسلَّحوها لمنع الفلسطينيين من استرداد أراضيهم.
وفي عام 1328 هـ/1910 م حاول قائمقام الناصرة (شكري العسلي) أن يقف في وجه تحقيق أطماع اليهود في فلسطين، فاتخذ إجراءً تمَّ بموجبه منع بيع الأراضي وانتقال ملكيَّتِها لليهود، الأمر الذي حدا بالاتحاديين -صنائع اليهود- أن يتخذوا قراراً بعزله عن هذا المنصب، لأن مهمتهم الأساسية التي جاءوا من أجلها: تسهيل إقامة الدولة اليهودية وسلوك كافة السبل التي تؤدي إلى ذلك، وإزاحة كل العقبات التي تعترض ذلك.
أمام هذه الحقائق فإن المسلم لا يستغرب موقف حكَّام تركية من أيام الاتحاديين وإلى أيامنا هذه من اليهود ودولتهم التي قامت إثر النكبة الأولى التي أحاطت بالمسلمين (1367 هـ- 1947م)، وليس غريباً أن يحدث الانقلاب العسكري الأخير في تركيا[1] بعد أسبوع واحد فقط من يوم القدس والمسيرة الإسلامية في قونية من أجل فلسطين، وتصريحات وزير خارجية النظام العسكري التركي بعد ذلك المطمئنة لدولة العدو الإسرائيلي، وما ذلك إلا لأن اليهود أصلاً هم الذين كانوا وراء تقويض الخلافة التي كانت السد المنيع الذي حال دون وصولهم إلى فلسطين، وهم الذين قادوا تركيا في طريق التغريب والضياع والجنوح عن الجسم الإسلامي لضمان استمرار سقوط تركيا في مناخ التغريب والسيطرة اليهودية. وليس غريباً أيضاً أن يبقى قادة التغريب في تركيا أوفياء لليهود إلى اليوم، وليس غريباً أيضاً أن يستمر هؤلاء في اعترافهم بإسرائيل وإقامة العلاقات معها. ففي تركيا بدأ الخرق الأوَّل على يد يهود الدُّونْمة (أنور ونيازي و جاويد وغيرهم) فهل يقبل الشعب التركي المسلم استمرار هذه المهزلة؟
أما في المجال الخارجي فقد كانت أولى ثمرات وصول الاتحاديين إلى السلطة:
- قيام الإمبراطورية النمسوية الهنغارية بضم ولاية البوسنة والهرسك نهائياً إليها وذلك عام 1327 هـ/1909 م.
- وفي عام 1329 هـ/1911م كان تنازل الاتحاديين عن ليبيا (طرابلس الغرب وبرقة) لصالح الاستعمار الإيطالي، وكذلك التنازل عن كريت وجزر الدودكانيز(Dodecanese).
- وفي عام 1330هـ/1912م وصلت بلغاريا إلى القرب من الآستانة (استانبول) واحتلت أدرنة مما حدا بالاتحاديين إلى التنازل عن كل ممتلكات الدولة العثمانية في أوربا ما عدا تراقيا الشرقية ولم يبقَ معهم سوى منطقة الشرق العربي، فماذا فعلوا به؟
بعد أن استتب الأمر للاتحاديين في الدولة تابعوا خطتَّهم وقلبوا ظهر المجنِّ لبقية الفئات التي تشاركهم التابعية العثمانية، خاصة العرب، فقاموا يُنادون بالقومية الطورانية، والعمل على تحقيق (الوحدة الطورانية) الشاملة بالاتحاد مع من يعود نسبه إلى عرقهم من سكان أسيا الوسطى! وقد ظهر فخرهم بجاهليتهم الأولى بكل وضوح، وأطلت الشعوبية عدوَّة الإسلام والمسلمين برأسها باسم العداء للعرب، وتطاولوا على رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم، حتى بلغ السفه بأحد أدبائهم -كما يذكر الأمير مصطفى الشهابي في كتابه (محاضرات في القومية) ص 27- أن يقول: "جدُّنا هو جنكيزخان العاقل، وجدُّنا نحن معادِل لجدِّ الحُسين" أي: لرسول الله صلى الله عليه وسلم! وكان لهذا الاتجاه أسوأ الأثر في نفوس العرب جميعاً، وأدى إلى ردود الفعل العنيفة التي رُسِمت بإحكام، وتحقق ما أراده أصحاب الدعوات العنصرية والعصبيات الجاهلية، وحدث الشرخ بين العرب والأتراك وتعمَّق، وكانت له من الآثار التي ما تزال ماثلة حتى أيامنا هذه.
لقد لاقى هذا الاتجاه في البداية بعض الآذان الصاغية التي تمَّ تحضيرها في المنطقة العربية لأداء مهمة معينة، كالاتحاديين في صفوف الأتراك، في ارتباطاتها الخارجية، وعملها لصالح الغرب والمبشرين. وبدأت ترتفع بعض الأصوات مناديةً بالقومية العنصرية بين العرب، وكان دعاتها من غير المسلمين. فقد تمَّ على يد خمسة من طلاب الكلية الإنجيلية (البروتستانتية) في بيروت، والتي أسميت فيما بعد الجامعة الأمريكية، وكلهم من النصارى عام 1293هـ/1875م شكَّلوا جمعية سرية (جمعية بيروت العربية) بالتعاون مع محفل بيروت الماسوني، وجعلوا هدفها: دعوة العرب لمحاربة الأتراك والثورة عليهم. وقامت هذه الجمعية بصياغة هذه العنصرية على شكل عقيدة سياسية في محاولةٍ منها لاجتذاب المسلمين من العرب إلى صفوفها، فلم تفلح في ذلك، فقد نفر المسلمون منها ومن مؤسسيها الذي كانوا يواصلون السعي بالتعاون مع البعثات التبشيرية لِبَثِّ ما أسموه بالشعور القومي بين العرب.
واستمر العرب على موقفهم السليم، ونفورهم من البعثات التبشيرية ومن المرتبطين بهم من نصارى العرب (هذا يفسر لنا ثقة السلطان عبد الحميد رحمه الله بالعرب، وتقريبه لهم، وتسليمهم المراكز العليا في قصره، مما أغاظ أصحاب الاتجاه العنصري، وحمل واحداً منهم، جورج أنطونيوس، على القول: "إذا كان الباب العالي ومناصب الوزارة قد ظلاَّ مجالاً يصول فيه الأتراك ويجولون، فقد سقط القصر جميعه في أيدي العرب"، إلى أن سقط السلطان عبد الحميد، ووصل الاتحاديون إلى الحكم في الدولة، وتنكروا للإسلام الذي يجمع العرب إلى الترك وغيرهم من المسلمين.
عندها تحقق لأعداء الأمة ما سعوا إليه منذ فترة ليست قصيرة، وحلَّ العداء بين العرب والأتراك محل الوئام والأخوة، على الرغم من محاولات عقلاء الطرفين لرأب هذا الصدع حيث قاموا بتشكيل (جمعية الإخاء العربي العثماني) في الآستانة عام 1327هـ. لكن الاتحاديين سارعوا إلى حلِّها إمعاناً في الفتنة ودفعاً للأمور حتى تصل إلى نهايتها المرسومة.
ومع ذلك تابع عقلاء العرب طريقهم السليم، فأسسوا لجنة الإصلاح، ولكن الاتحاديين أصدروا قراراً بحلِّها أيضاً، مما أدّى إلى قيام إضرابات عامة ومظاهرات احتجاجية في مختلف الأقطار العربية، قوبلت بالعنف من الاتحاديين الذي أمروا بتعطيل الصحف واعتقال الزعماء البارزين. وكان لسان حالهم يقول: افعلوا ما فعلناه.
وكان لهم ما أرادوا، وارتفعت الأصوات من العرب تقول: ما دام الرابط الوحيد بيننا وبين الأتراك الإسلام قد انفصم ولم يعد له وجود، فزال بذلك المسوِّغ الوحيد لاتحادنا معهم، لذا يجب علينا السعي من أجل الحصول على الاستقلال الكامل عنهم وعن حكمهم ودولتهم.
وهكذا ومن خلال هذه الحقائق التاريخية نجد أن الأمة لم تجنِ إلا الصبر والعلقم من التأثيرات الثقافية الغربية والإرساليات التبشيرية، ولم تحصد إلا الفرقة والانقسام، وضياع الأرض، وانتهاك الأعراض، وتدنيس المقدسات. وإن رحلة التيه والضياع التي دُبِّرَت للأمة ما تزال آخذة طريقها المرسوم بصورة أو بأخرى، وتحت شعارات برَّاقة خادعة متجددة، كلما انكشف عوار واحد منها، أُتيَ بغيره حتى يتمَّ الوصول إلى الهدف المنشود الذي بيَّنه لنا كتابُ اللَّه عز وجل منذ أربعة عشر قرناً، لكنا نسيناه أو تناسيناه (ولا يَزالونَ يُقاتِلونَكم حَتَّى يَرُدُّوكم عن دينِكم إنِ استطاعوا) (ولَنْ تَرضى عنكَ اليَهودُ ولا النَّصارى حتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم) صدق الله العظيم
zaara- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 6998
رد: طريــق اليهـــود إلــى فلسطيـــن
بارك الله فيك على الموضوع وشكرا جزيل على المشاركات القيمة
الأمير- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 6081
تاريخ الميلاد : 29/10/1996
العمر : 28
رد: طريــق اليهـــود إلــى فلسطيـــن
العفو، نورت الصفحة بجميل ردك
zaara- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 6998
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى