الجزء الثاني عشر من تفسير سورة هود
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة هود
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الثاني عشر من تفسير سورة هود
وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا
أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ
لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ
(89)
وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ
(90)
يقول لهم: ( وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي ) أي: لا
تحملنكم عداوتي وبغضي على الإصرار على ما أنتم عليه من الكفر والفساد،
فيصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط من النقمة
والعذاب.
قال قتادة: ( وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي ) يقول: لا يحملنكم فراقي.
وقال السدي: عداوتي، على أن تتمادوا في الضلال والكفر، فيصيبكم من العذاب ما أصابهم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف، حدثنا أبو المغيرة عبد القدوس
بن الحجاج، حدثنا ابن أبي غَنيَّة، حدثني عبد الملك بن أبي سليمان، عن أبي
ليلى الكندي قال: كنت مع مولاي أمسك دابته، وقد أحاط الناس بعثمان بن عفان؛
إذ أشرف علينا من داره فقال: ( وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي
أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ
قَوْمَ صَالِحٍ ) يا قوم، لا تقتلوني، إنكم إن تقتلوني كنتم هكذا، وشَبَّك
بين أصابعه.
وقوله: ( وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ ) [قيل: المراد في
الزمان، كما قال قتادة في قوله: ( وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ )
يعني] إنما أهلكوا
بين أيديكم بالأمس، وقيل: في المكان، ويحتمل الأمران، ( وَاسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ) أي: استغفروه من سالف الذنوب، وتوبوا
فيما تستقبلونه من الأعمال السيئة، ( إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ) أي:
لمن تاب وأناب.
قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا
لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ
عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ
(91)
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ
وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ
مُحِيطٌ
(92)
يقولون: ( يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ ) أي: ما
نفهم ولا نعقل كثيرًا من قولك، وفي آذاننا وقر، ومن بيننا وبينك حجاب. (
وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ) . قال سعيد بن جبير، والثوري: كان ضرير البصر. قال الثوري: وكان يقال له: خطيب الأنبياء. < 4-347 >
[وقال السدي: ( وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ) قال: أنت واحد] .
[وقال أبو روق: ( وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ) يعنون: ذليلا؛ لأن عشيرتك ليسوا على دينك، فأنت ذليل ضعيف] .
( وَلَوْلا رَهْطُكَ ) أي: قومك وعشيرتك؛ لولا معزة قومك علينا لرجمناك، قيل بالحجارة، وقيل: لسبَبْنَاك، ( وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ) أي: ليس لك عندنا معزة.
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ ) يقول:
أتتركوني لأجل قومي، ولا تتركوني إعظاما لجناب الله أن تنالوا نبيه بمساءة.
وقد اتخذتم جانب الله ( وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا ) أي: نبذتموه خلفكم، لا
تطيعونه ولا تعظمونه، ( إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) أي: هو
يعلم جميع أعمالكم وسيجزيكم بها.
وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ
تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ
وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ
(93)
وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا
مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ
فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ
(94)
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ
(95)
لما يئس نبيّ الله شعيب من استجابة قومه له، قال: يا قوم، ( اعْمَلُوا
عَلَى مَكَانَتِكُمْ ) أي: على طريقتكم، وهذا تهديد ووعيد شديد، ( إِنِّي
عَامِلٌ ) على طريقتي ومنهجي ( سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ
يُخْزِيهِ ) أي: في الدار الآخرة، ( وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ ) أي: مني ومنكم، (
وَارْتَقِبُوا ) أي: انتظروا ( إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ) . قال
الله تعالى: ( وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) وهم
قومه، ( الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ) وقوله (
جَاثمِيِنَ ) أي: هامدين لا حِرَاك بهم. وذكر هاهنا أنه أتتهم صيحة، وفي
الأعراف رجفة، وفي الشعراء عذاب يوم الظلة، وهم أمة واحدة، اجتمع عليهم يوم
عذابهم هذه النقَمُ كلها. وإنما ذكر في كل سياق ما يناسبه، ففي الأعراف
لما قالوا:
لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا
[الأعراف:88]، ناسب أن يذكر هناك الرجفة، فرجفت بهم الأرض التي ظلموا بها،
وأرادوا إخراج نبيهم منها، وهاهنا لما أساءوا الأدب في مقالتهم على نبيهم
ناسب ذكر الصيحة التي أسكتتهم وأخمدتهم، وفي الشعراء لما قالوا:
فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
[الشعراء:187]، قال
فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
[الشعراء:189]، وهذا من الأسرار الغريبة الدقيقة، ولله الحمد والمنة كثيرًا دائمًا. < 4-348 >
وقوله: ( كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ) أي: يعيشوا في دارهم قبل ذلك،
( أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ ) وكانوا جيرانهم
قريبًا منهم في الدار، وشبيهًا بهم في الكفر وقَطْع الطريق، وكانوا عرَبا
شبههم.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ
(96)
إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ
(97)
يقول تعالى مخبرًا عن إرسال موسى، عليه السلام، بآياته وبيناته، وحججه
ودلائله الباهرة القاطعة إلى فرعون لعنه الله، وهو ملك ديار مصر على أمة
القبط، ( فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ ) أي: مسلكه ومنهجه وطريقته في
الغي والضلال، ( وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ) أي: ليس فيه رشد ولا
هدى، وإنما هو جهل وضلال، وكفر وعناد، وكما أنهم اتبعوه في الدنيا، وكان
مُقَدمهم ورئيسهم، كذلك هو يُقدمهم يوم القيامة إلى نار جهنم، فأوردهم
إياها، وشربوا من حياض رَدَاها، وله في ذلك الحظ الأوفر، من العذاب الأكبر، كما قال تعالى:
فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلا
[المزمل:16]، وقال تعالى:
فَكَذَّبَ وَعَصَى
*
ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى
*
فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى
*
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى
[النازعات:21 -26]،
رد: الجزء الثاني عشر من تفسير سورة هود
جزاك الله خيرا ونفعك بالعلم
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
M.AYMAN- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 1898
تاريخ الميلاد : 13/10/1985
العمر : 39
رد: الجزء الثاني عشر من تفسير سورة هود
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
رد: الجزء الثاني عشر من تفسير سورة هود
شكرا على الموضوع
لا تبخل علينا
لا تبخل علينا
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الثاني من تفسير سورة ص
» الجزء الثاني من تفسير سورة يس
» الجزء الثاني من تفسير سورة سبأ
» الجزء الثاني من تفسير سورة ق
» الجزء الثاني من تفسير سورة هود
» الجزء الثاني من تفسير سورة يس
» الجزء الثاني من تفسير سورة سبأ
» الجزء الثاني من تفسير سورة ق
» الجزء الثاني من تفسير سورة هود
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة هود
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى