الجزء الثاني من تفسير سورة الإسراء
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الإسراء
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الثاني من تفسير سورة الإسراء
رواية بريدة بن الحصيب الأسلمي:
قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا عبد الرحمن بن المتوكل ويعقوب بن
إبراهيم -واللفظ له-قالا حدثنا أبو نُميلَة، أخبرنا الزبير بن جنادة، عن
عبد الله بن بُرَيْدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لما كان ليلة أسري به قال: فأتى جبريل الصخرة التي ببيت المقدس، فوضع إصبعه فيها فخرقها فشد بها البراق".
ثم قال البزار: لا نعلم رواه عن الزبير بن جنادة إلا أبو نُميلَة، ولا نعلم هذا الحديث [يروى] إلا عن بريدة. وقد رواه الترمذي في التفسير من جامعه، عن يعقوب بن إبراهيم الدَّوْرَقِي به وقال: غريب.
رواية جابر بن عبد الله، رضي الله عنه :
قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب قال:
قال أبو سلمة: سمعت جابر بن عبد الله يحدث: أنه سمع رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول
: " لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس، قمت في الحجر فَجَلَّى
الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه".
أخرجاه في الصحيحين من طرق، عن الزهري به، .
وقال البيهقي: أخبرنا أحمد بن الحسن
القاضي، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا العباس بن محمد الدوري، حدثنا
يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن صالح بن كَيْسَان، عن ابن شهاب قال: سمعت
سعيد بن المسيب يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتهى إلى بيت
المقدس، لقي فيه إبراهيم وموسى وعيسى، وإنه أتي بقدحين: قدح من لبن وقدح
خمر، فنظر إليهما، ثم أخذ قدح اللبن. فقال جبريل : أصبت، هديت للفطرة , لو اخترت الخمر لغوت أمتك. ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فأخبر أنه أسري به، فافتتن ناس كثير كانوا قد صلوا معه.
قال ابن شهاب: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: فتجهز -أو كلمة نحوها-ناس من
قريش إلى أبي بكر فقالوا: هل لك في صاحبك؟ يزعم أنه جاء إلى بيت المقدس ثم
رجع إلى مكة في ليلة واحدة! فقال أبو بكر: أوقال ذلك؟ قالوا: نعم. قال:
فأشهد لئن كان قال ذلك لقد صدق. قالوا: فتصدقه بأن يأتي الشام في ليلة
واحدة ثم يرجع إلى مكة قبل أن يصبح؟ قال: نعم، إني أصدقه بأبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء. قال أبو سلمة: فبها سمي أبو بكر: الصديق.
قال أبو سلمة: فسمعت جابر بن عبد الله يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: "لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس، قمت في
الحجر، فجلى الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه" .
رواية حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه:
قال الإمام أحمد: ثنا أبو النضر، ثنا شيبان، عن عاصم، عن زِرَّ بن
حُبَيْش، قال: أتيت على حذيفة بن اليمان وهو يحدث، عن ليلة أسري بمحمد صلى
الله عليه وسلم، وهو يقول: "فانطلقنا حتى أتينا
بيت المقدس". فلم يدخلاه. قال: قلت: بل دخله رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليلتئذ وصلى فيه. قال: ما اسمك يا أصلع؟ فإني أعرف وجهك ولا أدري ما اسمك؟
قال: قلت: أنا زر بن حُبَيْش. قال: فما علمك بأن رسول الله صلى الله عليه
وسلم صلى فيه ليلتئذ؟ قال: قلت: القرآن يخبرني بذلك. قال: من تكلم بالقرآن
فلج
, اقرأ. قال: فقلت: ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى ) قال: يا أصلع، هل تجد
"صلى فيه"؟ قلت: لا. قال: والله ما صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليلتئذ، ولو صلى فيه لكتب عليكم صلاة فيه، كما كتب عليكم صلاة في البيت
العتيق، والله ما زايلا البراق حتى فتحت لهما أبواب السماء، فرأيا الجنة
والنار ووعد الآخرة أجمع، ثم عادا عودهما على بدئهما. قال: ثم ضحك حتى رأيت
نواجذه. قال: وتحدثوا أنه ربطه لا يفر منه، وإنما سخره له عالم الغيب والشهادة. قلت: أبا عبد الله أي دابة البراق؟ قال: دابة أبيض طويل هكذا، خطوه مد البصر.
ورواه أبو داود الطيالسي، عن حماد بن سلمة، عن عاصم، به. ورواه الترمذي والنسائي في التفسير من حديث عاصم -وهو ابن أبي النجود-به , وقال الترمذي: حسن صحيح.
وهذا الذي قاله حذيفة، رضي الله عنه، نفي، وما أثبته غيره، عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم من ربط الدابة بالحلقة ومن الصلاة بالبيت المقدس، مما
سبق وما سيأتي مقدم على قوله، والله أعلم بالصواب.
رواية أبي سعيد -سعد بن مالك بن سنان الخدري:
قال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب "دلائل النبوّة":
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن
يعقوب، حدثنا أبو بكر يحيى بن أبي طالب، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، أخبرنا
أبو محمد راشد الحماني، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، رضي
الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له أصحابه: يا رسول الله،
أخبرنا عن ليلة أسري بك فيها، قال: قال الله عز وجل: ( سُبْحَانَ الَّذِي
أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه
هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) قال: فأخبرهم فقال:
"فبينا أنا نائم عشاء في المسجد الحرام، إذ أتاني آت فأيقظني، فاستيقظت فلم
أر شيئًا، وإذا أنا بكهيئة خيال، فأتبعته بصري حتى خرجت من المسجد فإذا أنا بدابة أدنى في شبهه بدوابكم هذه، بغالكم هذه، مضطرب
الأذنين يقال له: البراق. وكانت الأنبياء تركبه قبلي، يقع حافره عند مَدِّ
بصره، فركبته، فبينما أنا أسير عليه، إذ دعاني داع، عن يميني: يا محمد،
انظرني أسألك، يا محمد، انظرني أسألك، فلم أجبه ولم أقم عليه، [فبينما أنا
أسير عليه، إذ دعاني داع، عن يساري: يا محمد، انظرني أسألك، فلم أجبه ولم
أقم عليه]
, فبينما أنا أسير، إذ أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها، وعليها من كل زينة
خلقها الله، فقالت: يا محمد، انظرني أسألك. فلم ألتفت إليها ولم أقم عليها.
حتى أتيت بيت المقدس، فأوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء توثقها
بها. فأتاني جبريل، عليه السلام بإناءين: أحدهما خمر، والآخر لبن، فشربت اللبن، وتركت الخمر، فقال جبريل: أصبت الفطرة
فقلت: الله أكبر، الله أكبر. فقال: جبريل: ما رأيت في وجهك هذا؟" قال:
"فقلت: بينما أنا أسير، إذ دعاني داع، عن يميني: يا محمد، انظرني أسألك.
فلم أجبه ولم أقم عليه. قال: ذاك داعي اليهود، أما إنك لو أجبته -أو: وقفت
عليه-لتهودت أمتك" . قال:
: فبينما أنا أسير، إذ دعاني داع عن يساري قال: يا محمد، انظرني أسألك.
فلم ألتفت إليه ولم أقم عليه. قال: ذاك داعي النصارى، أما إنك لو أجبته
لتنصرت أمتك". قال: "فبينما أنا أسير إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها
عليها من كل زينة خلقها الله تقول: يا محمد، انظرني أسألك. فلم أجبها ولم
أقم عليها". قال: تلك الدنيا، أما إنك لو أجبتها أو أقمت عليها، لاختارت
أمتك الدنيا على الآخرة".
قال: "ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس، فصلى كل واحد منا ركعتين.
ثم أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم
, فلم ير الخلائق أحسن من المعراج، أما رأيت الميت حين يشق بصره طامحًا
إلى السماء، فإنما يشق بصره طامحًا إلى السماء عجبه بالمعراج". قال: "فصعدت
أنا وجبريل، فإذا أنا بملك يقال: له: إسماعيل. وهو صاحب السماء الدنيا
وبين يديه سبعون ألف ملك، مع كل ملك جُنْده مائة ألف ملك". قال: "وقال:
الله [عز وجل] وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ [ المدثر: 31 ] فاستفتح
جبريل باب السماء، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد.
قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم. فإذا أنا بآدم كهيئته يوم خلقه الله، عز وجل
على صورته
, هو تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين، فيقول: روح طيبة، ونفس طيبة،
اجعلوها في عليين ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار فيقول: روح خبيثة، ونفس
خبيثة، اجعلوها في سجين.
ثم مضيت هنية
، فإذا أنا بأخونة عليها لحم مشرح ليس يقربها أحد، وإذا أنا بأخْوِنَة
أخرى عليها لحم قد أروح وأنتن، عندها أناس يأكلون منها، قلت: يا جبريل، من
هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك يتركون الحلال ويأتون الحرام."
قال: "ثم مضيت هنية
, فإذا أنا بأقوام بطونهم أمثال البيوت، كلما نهض أحدهم خرّ يقول: اللهم،
لا تقم الساعة"، قال: "وهم على سابلة آل فرعون". قال: "فتجيء السابلة
فتطؤهم". قال: "فسمعتهم يضجون إلى الله عز وجل". قال: "قلت: يا جبريل، من
هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [ البقرة: 275 ].
قال: "ثم مضيت هنية
, فإذا أنا بأقوام مشافرهم كمشافر الإبل". قال: "فتفتح على أفواههم
ويلقمون من ذلك الجمر، ثم يخرج من أسافلهم. فسمعتهم يضجون إلى الله ،عز
وجل، فقلت : من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء من أمتك الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [ النساء: 10 ].
قال: "ثم مضيت هنية، فإذا أنا بنساء يعلقن بثديهن فسمعتهن يضججن إلى الله عز وجل قلت: يا جبريل من هؤلاء النساء؟ قال: هؤلاء الزناة من أمتك".
قال: "ثم مضيت هنية
فإذا أنا بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم، فيلقمونه، فيقال له: كل كما كنت
تأكل من لحم أخيك. قلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الهمازون من أمتك
اللمازون".
قال: "ثم صعدنا إلى السماء الثانية، فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله، عز
وجل، قد فضل الناس في الحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب، قلت: يا
جبريل، من هذا؟ قال: هذا أخوك يوسف ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلم
عليّ.
ثم صعدت إلى السماء الثالثة، فإذا أنا بيحيى وعيسى، عليهما السلام، ومعهما نفر من قومهما، فسلمت عليهما وسلما عليّ.
ثم صعدت إلى السماء الرابعة، فإذا أنا بإدريس قد رفعه الله مكانًا عليًا، فسلمت عليه وسلم عليّ".
قال: "ثم صعدت إلى السماء الخامسة، فإذا [أنا]
بهارون ونصف لحيته بيضاء ونصفها سوداء، تكاد لحيته تصيب سرته من طولها،
قلت: يا جبريل، من هذا؟ قال: هذا المحبب في قومه، هذا هارون بن عمران، ومعه
نفر من قومه، فسلمت عليه وسلم عليّ.
ثم صعدت إلى السماء السادسة، فإذا أنا بموسى بن عمران، رجل آدم كثير الشعر، لو كان عليه قميصان لنفذ شعره دون القميص، فإذا
هو يقول: يزعم الناس أني أكرم على الله من هذا، بل هذا أكرم على الله
تعالى مني". قال: "قلت: يا جبريل، من هذا؟ قال: هذا أخوك موسى بن عمران،
عليه السلام، ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلم علي.
ثم صعدت إلى السماء السابعة، فإذا أنا بأبينا إبراهيم خليل الرحمن ساند ظهره إلى البيت المعمور كأحسن الرجال، قلت: يا جبريل، من هذا؟ قال: هذا أبوك خليل الرحمن ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه فسلم عليّ، وإذا [أنا]
بأمتي شطرين: شطر عليهم ثياب بيض كأنها القراطيس. وشطر عليهم ثياب رُمْد".
قال: "فدخلت البيت المعمور ودخل معي الذين عليهم الثياب البيض، وحجب
الآخرون الذين عليهم ثياب رمد، وهم على خير. فصليت أنا ومن معي في البيت
المعمور، ثم خرجت أنا ومن معي". قال: "والبيت المعمور يصلي فيه كل يوم
سبعون ألف ملك، لا يعودون فيه إلى يوم القيامة".
قال: "ثم دفعت لي سدرة المنتهى، فإذا كل ورقة منها تكاد أن تغطي هذه
الأمة، وإذا فيها عين تجري يقال لها: سلسبيل، فينشق منها نهران، أحدهما:
الكوثر، والآخر: يقال له: نهر الرحمة. فاغتسلت فيه، فغفر لي ما تقدم من
ذنبي وما تأخر.
ثم إني دفعت إلي الجنة، فاستقبلتني جارية، فقلت: لمن أنت يا جارية؟ فقالت لزيد بن حارثة، وإذا [أنا] بأنهار من [ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من]
عسل مصفى، وإذا رمانها كأنه الدلاء عظمًا، وإذا أنا بطيرها كأنها بختيكم
هذه". فقال عندها صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى قد أعد لعباده
الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" .
قال: "ثم عرضت علي النار، فإذا فيها غضب الله وزجره ونقمته، لو طرح فيها الحجارة والحديد لأكلتها، ثم أغلقت دوني.
ثم إني دفعت إلى سدرة المنتهى، فتغشاني فكان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى". قال: "ونـزل على كل ورقة ملك من الملائكة". قال: "وفرضت علي خمسون
وقال: لك بكل حسنة عشر، إذا هممت بالحسنة فلم تعملها كتبت لك حسنة، فإذا
عملتها كتبت لك عشرًا، وإذا هممت بالسيئة فلم تعملها لم يكتب عليك شيء، فإن
عملتها كتبت عليك سيئة واحدة.
ثم دفعت إلى موسى فقال: بما أمرك ربك؟ قلت: بخمسين صلاة. قال: ارجع إلى
ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فإن أمتك لا يطيقون ذلك، ومتى لا [تطيقه] تكفر فرجعت إلى ربي [عز . وجل] فقلت: يا رب، خفف عن أمتي، فإنها أضعف الأمم. فوضع عني عشرًا، وجعلها أربعين. فما زلت أختلف بين موسى وربي كلما أتيت عليه قال لي مثل مقالته، حتى رجعت إليه فقال لي: بم أمرت؟ فقلت: أمرت بعشر صلوات. قال: ارجع إلى ربك [عز وجل] فاسأله التخفيف لأمتك. فرجعت إلى ربي [سبحانه وتعالى]
فقلت: أي رب، خفف عن أمتي، فإنها أضعف الأمم. فوضع عني خمسًا، وجعلها
خمسًا. فناداني ملك عندها: تممت فريضتي، وخففت عن عبادي، وأعطيتهم بكل حسنة
عشر أمثالها.
ثم رجعت إلى موسى فقال: بم أمرت؟ فقلت: بخمس صلوات. قال: ارجع إلى ربك
فاسأله التخفيف، فإنه لا يؤوده شيء، فاسأله التخفيف لأمتك". "فقلت : رجعت إلى ربي حتى استحييته" ثم أصبح بمكة يخبرهم بالأعاجيب: "إني أتيت البارحة بيت المقدس، وعرج بي إلى السماء، ورأيت كذا وكذا
" . فقال أبو جهل -يعني ابن هشام-: ألا تعجبون مما يقول محمد؟ يزعم أنه
أتى البارحة بيت المقدس، ثم أصبح فينا. وأحدنا يضرب مطيته مصعدة شهرًا،
ومقفلة شهرًا، فهذا مسيرة شهرين في ليلة واحدة! قال: فأخبرهم بعير لقريش:
"لما كنت
في مصعدي رأيتها في مكان كذا وكذا، وأنها نفرت، فلما رجعت رأيتها عند
العقبة". وأخبرهم بكل رجل وبعيره كذا وكذا، ومتاعه كذا وكذا. فقال أبو جهل:
يخبرنا
بأشياء. فقال رجل من المشركين: أنا أعلم الناس ببيت المقدس، وكيف بناؤه؟
وكيف هيئته؟ وكيف قربه من الجبل؟ [فإن يك محمد صادقا فسأخبركم، وإن يك
كاذبًا فسأخبركم. فجاء ذلك المشرك فقال: يا محمد، أنا أعلم الناس ببيت
المقدس، فأخبرني كيف بناؤه؟ وكيف هيئته؟ وكيف قربه من الجبل]
. قال: فرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المقدس من مقعده، فنظر
إليه كنظر أحدنا إلى بيته: بناؤه كذا وكذا، وهيئته كذا وكذا، وقربه من
الجبل كذا وكذا. فقال الآخر: صدقت. فرجع إلى أصحابه فقال: صدق محمد فيما
قال أو نحو هذا الكلام .
وكذا رواه الإمام أبو جعفر بن جرير بطوله، عن محمد بن عبد الأعلى، عن
محمد بن ثور، عن معمر، عن أبي هارون العبدي، وعن الحسن بن يحيى، عن عبد
الرزاق، عن معمر، عن أبي هارون العبدي، به. ورواه، أيضًا، من حديث محمد بن
إسحاق: حدثني روح بن القاسم، عن أبي هارون، به نحو سياقه المتقدم .
ورواه ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن أحمد بن عبدة، عن أبي عبد الصمد عبد
العزيز بن عبد الصمد، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، فذكره بسياق طويل حسن أنيق، أجود مما ساقه غيره، على غرابته وما فيه من النكارة.
ثم ذكره البيهقي، أيضًا، من رواية نوح بن قيس الحُدَّاني وهُشَيم ومعمر، عن أبي هارون العبدي -واسمه عمارة بن جوين وهو مضعف عند الأئمة .
وإنما سقنا حديثه هاهنا لما في حديثه من الشواهد لغيره، ولما رواه البيهقي:
أخبرنا [الإمام] أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن , أنبأنا أبو نعيم أحمد بن محمد بن إبراهيم البزاز، حدثنا أبو حامد
بن بلال، حدثنا أبو الأزهر، حدثنا يزيد بن أبي حكيم قال: رأيت في النوم
رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله، رجل من أمتك يقال له:
"سفيان الثوري" لا بأس به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا بأس
به"، حدثنا عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، عنك ليلة أسري بك، قلت
"رأيت في السماء" فحدثته بالحديث؟ فقال لي: "نعم". فقلت له: يا رسول الله،
إن ناسًا من أمتك يحدثون عنك في السرى بعجائب؟ فقال لي: "ذلك حديث القصاص" .
رواية شداد بن أوس:
قال الإمام أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي: حدثنا إسحاق بن
إبراهيم بن العلاء بن الضحاك الزَّبيدي، حدثنا عمرو بن الحارث، عن عبد الله
بن سالم الأشعري، عن محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي، حدثنا الوليد بن عبد الرحمن، عن جبير بن نفير: حدثنا
شداد بن أوس قال: قلنا: يا رسول الله، كيف أسري بك؟ قال: "صليت لأصحابي
صلاة العتمة بمكة معتمًا". قال: "فأتاني جبريل، عليه السلام، بدابة أبيض
-أو قال: بيضاء-فوق الحمار ودون البغل، فقال: اركب. فاستصعبت علي، فرازها بأذنها، ثم حملني عليها. فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها، حتى بلغنا أرضًا ذات نخل فأنـزلني فقال: صل. فصليت، ثم ركبنا
فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. قال: صليت بيثرب صليت بطيبة.
فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها. ثم بلغنا أرضًا فقال: انـزل.
[فنـزلت]
ثم قال: صل. فصليت ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. قال:
صليت بمدين، صليت عند شجرة موسى. ثم انطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك
طرفها، ثم بلغنا أرضًا، بدت لنا قصور، فقال: انـزل. فنـزلت، فقال
صل فصليت ثم ركبنا فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. قال: صليت ببيت
لحم حيث ولد عيسى المسيح ابن مريم. ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها
اليماني، فأتى قبلة المسجد، فربط فيه دابته ودخلنا المسجد من باب فيه تميل
الشمس والقمر، فصليت من المسجد حيث شاء الله، وأخذني من العطش أشد ما
أخذني، فأتيت بإناءين , في أحدهما لبن وفي الآخر عسل، أرسل إليّ بهما جميعًا، فعدلت بينهما، ثم هداني الله عز وجل , فأخذت اللبن فشربت
حتى قَرَعت به جبيني، وبين يدي شيخ متكئ على مثواة له، فقال: أخذ صاحبك
الفطرة، إنه ليهدى. ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي الذي فيه المدينة، فإذا
جهنم [تنكشف] عن مثل الزرابي، قلت: يا رسول الله، كيف وجدتها؟ قال: مثل الحمة السخنة. ثم انصرف بي
فمررنا بعير لقريش بمكان كذا وكذا، قد أضلوا بعيرًا لهم، قد جمعه فلان،
فسلمت عليهم، فقال بعضهم: هذا صوت محمد. ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة"،
فأتاني أبو بكر، رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، أين كنت الليلة؟ فقد
التمستك في مظانك
. فقال: "علمت أني أتيت بيت المقدس الليلة؟". فقال: يا رسول الله، إنه
مسيرة شهر، فصفه لي. قال: "ففتح لي صراط كأني أنظر إليه لا يسألني عن شيء
إلا أنبأته عنه". قال أبو بكر: أشهد أنك رسول الله. فقال المشركون: انظروا
إلى ابن أبي كَبْشَة يزعم أنه أتى بيت المقدس الليلة!. قال: فقال: "إن من
آية ما أقول لكم أني مررت بعير لكم بمكان كذا وكذا، قد أضلوا بعيرًا لهم،
فجمعه فلان، وإن مسيرهم ينـزلون بكذا ثم بكذا، ويأتونكم يوم كذا وكذا،
يقدمهم جمل آدم، عليه مسح أسود وغرارتان سوداوان". فلما كان ذلك اليوم أشرف
الناس ينظرون حتى كان قريب من نصف النهار حتى أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هكذا رواه البيهقي من طريقين عن أبي إسماعيل الترمذي، به
. ثم قال بعد تمامه: "هذا إسناد صحيح، وروى ذلك مفرقًا في أحاديث غيره،
ونحن نذكر من ذلك إن شاء الله ما حضرنا". ثم ساق أحاديث كثيرة في الإسراء
كالشاهد لهذا الحديث. وقد روى هذا الحديث عن شداد بن أوس بطوله الإمام أبو
محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم في تفسيره، عن أبيه، عن إسحاق بن إبراهيم بن
العلاء الزبيدي، به. ولا شك أن هذا الحديث -أعني الحديث المروي عن شداد بن
أوس-مشتمل
على أشياء منها ما هو صحيح كما ذكره البيهقي، ومنها ما هو منكر، كالصلاة
في بيت لحم، وسؤال الصديق عن نعت بيت المقدس، وغير ذلك. والله أعلم.
رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
قال الإمام أحمد: حدثنا عثمان بن محمد، حدثنا جرير، عن قابوس، عن أبيه
قال: حدثنا ابن عباس قال: ليلة أسري بنبي الله صلى الله عليه وسلم دخل
الجنة، فسمع في جانبها وَجْسًا
فقال: "يا جبريل، ما هذا؟" قال: "هذا بلال المؤذن". فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم حين جاء إلى الناس: "قد أفلح بلال، قد رأيت له كذا وكذا".
قال: فلقيه موسى، عليه السلام، فرحب به، وقال: "مرحبًا بالنبي الأمي"، قال:
"وهو رجل آدم طويل، سبط شعره مع أذنيه أو فوقهما"، فقال: "من هذا يا
جبريل؟" قال: "هذا موسى. [قال: فمضى، فلقيه عيسى فرحب به، وقال: "من هذا يا
جبريل؟" قال: "هذا عيسى". قال]
فمضى فلقيه شيخ جليل متهيب فرحب به وسلم عليه وكلهم يسلم عليه، قال: "من
هذا يا جبريل؟" قال: "هذا أبوك إبراهيم"، قال: ونظر في النار، فإذا قوم
يأكلون الجيف، قال: "من هؤلاء يا جبريل؟" قال: "هؤلاء الذين يأكلون لحم الناس"، ورأى رجلا أحمر أزرق جدًا، قال: "من هذا يا جبريل؟" قال: "هذا عاقر الناقة"، قال: فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى قام يصلي، [فالتفت ثم التفت]
فإذا النبيون أجمعون يصلون معه. فلما انصرف جيء بقدحين، أحدهما عن اليمين
والآخر عن الشمال، في أحدهما لبن وفي الآخر عسل، فأخذ اللبن فشرب منه، فقال
الذي كان معه القدح: أصبت الفطرة. إسناد صحيح ولم يخرجوه .
طريق أخرى:
قال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ثابت أبو زيد، حدثنا هلال، حدثني
عكرمة، عن ابن عباس قال: أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس،
ثم جاء من ليلته فحدثهم بمسيره وبعلامة بيت المقدس وبعيرهم، فقال ناس: نحن
لا نصدق محمدًا بما يقول! فارتدوا كفارًا، فضرب الله رقابهم مع أبي جهل وقال أبو جهل
يخوفنا محمد بشجرة الزقوم، هاتوا تمرا وزبدا فتزقموا، ورأى الدجال في
صورته رؤيا عين ليس برؤيا منام، وعيسى وموسى وإبراهيم. فسئل النبي صلى الله
عليه وسلم عن الدجال فقال: "رأيته فيلمانيًا أقمر هجانا، إحدى عينيه قائمة
كأنها كوكب دري، كأن شعر رأسه أغصان شجرة. ورأيت عيسى أبيض، جعد الرأس،
حديد البصر، مبطن الخلق. ورأيت موسى أسحم آدم، كثير الشعر، شديد الخلق.
ونظرت إلى إبراهيم فلم أنظر إلى إرب منه إلا نظرت إليه مني، حتى كأنه
صاحبكم. قال جبريل: سلم على مالك فسلمت عليه".
ورواه النسائي من حديث أبي زيد ثابت بن يزيد عن هلال -وهو ابن خباب-به، وهو إسناد صحيح.
طريق أخرى:
وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو بكر الشافعي،
أنبأنا إسحاق بن الحسن، حدثنا الحسين بن محمد، حدثنا شيبان، عن قتادة، عن
أبي العالية قال: حدثنا ابن عم نبيكم صلى الله عليه وسلم ابن عباس قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران، رجلا
طوالا جعدًا، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى ابن مريم مربوع الخلق، إلى
الحمرة والبياض، سبط الرأس". وأرى مالكًا خازن جهنم والدجال، في آيات أراهن
الله إياه، قال: فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ [ السجدة: 23 ] فكان قتادة يفسرها: أن نبي الله [صلى الله عليه وسلم] قد لقي موسى [عليه السلام] وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ قال: جعل الله موسى هدى لبني إسرائيل .
رواه مسلم في الصحيح عن عبد بن حميد، عن يونس بن محمد، عن شيبان . وأخرجاه من حديث شعبة عن قتادة مختصرًا .
طريق أخرى:
قال [البيهقي: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد الصفَّار، حدثنا دُبَيْس المُعدَّل، حدثنا عفان قال: حدثنا]
حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أسري بي، مرت بي رائحة طيبة، فقلت: ما
هذه الرائحة؟ قالوا: ماشطة بنت فرعون وأولادها، سقط مُشْطُهَا من يدها
فقالت: باسم الله: فقالت ابنة فرعون: أبي؟ قالت: ربي وربك ورب أبيك. قالت:
أولك رب غير أبي؟ قالت: نعم، ربي وربك ورب أبيك الله" . قال: "فدعاها فقال:
ألك رب غيري؟ قالت: نعم، ربي وربك الله، عز وجل". قال: "فأمر بنقرة من نحاس فأحميت، ثم أمر بها لتلقى فيها، قالت: إن لي [إليك] حاجة. قال: ما هي؟ قالت: تجمع عظامي وعظام ولدي في موضع، قال ذاك لك، لما لك علينا من الحق"، قال: "فأمر بهم فألقوا واحدًا واحدًا، حتى بلغ رضيعًا فيهم، فقال: يا أمه، قعي ولا تقاعسي، فإنك على الحق". قال: "وتكلم أربعة وهم صغار: هذا، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى ابن مريم، عليه السلام" .
إسناد لا بأس به، ولم يخرجوه.
طريق أخرى:
وقال الإمام أحمد [أيضًا] حدثنا محمد بن جعفر وروح المعنى
قالا حدثنا عوف، عن زُرَارة بن أوفى، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "لما كان ليلة أسري بي وأصبحت بمكة، فظعت [بأمري] وعرفت أن الناس مكذبي" فقعد معتزلا حزينًا، فمرّ به عدو الله أبو جهل
فجاء حتى جلس إليه، فقال له كالمستهزئ: هل كان من شيء؟ فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "نعم" قال: وما هو؟ قال "إني أسري بي الليلة": قال إلى
أين؟ قال: "إلى بيت المقدس" قال: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟! قال: "نعم".
قال: فلم يره أنه يكذبه مخافة أن يجحده الحديث إن دعا قومه إليه، فقال:
أرأيت إن دعوت قومك أتحدثهم بما حدثتني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "نعم". قال: هيا معشر بني كعب بن لؤي، قال: فانتفضت
إليه المجالس وجاءوا حتى جلسوا إليهما. قال: حدث قومك بما حدثتني. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أسري بي الليلة". فقالوا: إلى أين؟
قال: "إلى بيت المقدس" قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: "نعم". قال: فمن
بين مصفق، ومن بين واضع يده على رأسه متعجبًا للكذب -زعم-قالوا: وتستطيع
أن تنعت [لنا] المسجد -وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد-قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فذهبت أنعت، فما زلت أنعت حتى التبس عليّ
بعض النعت" قال: "فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه، حتى وضع دون دار عقيل -أو
عقال-فَنَعتُّه وأنا أنظر إليه". قال: وكان مع هذا نعت لم أحفظه -يقول عوف-: قال: فقال القوم: أما النعت فوالله لقد أصاب.
وأخرجه
النسائي من حديث عوف بن أبي جميلة -وهو الأعرابي، به. ورواه البيهقي من
حديث النضر بن شميل وهوذة، عن عوف وهو ابن أبي جميلة الأعرابي، أحد الأئمة
الثقات، به .
رواية عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه:
قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو
عبد الله محمد بن يعقوب، حدثنا السري بن خزيمة، حدثنا يوسف بن بُهلول،
حدثنا عبد الله بن نمير، عن مالك بن مِغْوَل، عن الزبير بن عدي، عن طلحة بن
مُصَرِّف، عن مرة الهَمْدَاني، عن عبد الله بن مسعود قال: لما أسري برسول
الله صلى الله عليه وسلم، فانتهى إلى سدرة المنتهى، وهي في السماء السادسة،
وإليها ينتهي ما يصعد به حتى يقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط [به] من فوقها حتى يقبض [منها] إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى [ النجم: 16 ] قال: غشيها فراش من ذهب، وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس، وخواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لا يشرك بالله المقحمات، يعني الكبائر.
ورواه مسلم في صحيحه، عن محمد بن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب، كلاهما عن عبد الله بن نمير، به
. ثم قال البيهقي: "وهذا الذي ذكره عبد الله بن مسعود طرف من حديث
المعراج، وقد رواه أنس بن مالك، عن مالك بن صَعْصَعَة، عن النبي صلى الله
عليه وسلم، ثم عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رواه مرة مرسلا
دون ذكرهما" ثم إن البيهقي ساق الأحاديث الثلاثة كما تقدّم.
قلت: وقد روي عن ابن مسعود بأبسط من هذا، وفيه غرابة، وذلك فيما رواه
"الحسن بن عرفة" في جزئه المشهور. حدثنا مروان بن معاوية، عن قنان بن عبد
الله النهمي
, حدثنا أبو ظبيان الجنبي قال: كنا جلوسًا عند أبي عبيدة بن عبد الله
-يعني ابن مسعود-ومحمد بن سعد بن أبي وقاص، وهما جالسان، فقال محمد بن سعد
لأبي عبيدة: حدثنا عن أبيك ليلة أسري بمحمد صلى الله عليه وسلم. فقال أبو
عبيدة: لا بل حدثنا أنت عن أبيك. فقال محمد: لو سألتني قبل أن أسألك لفعلت!
قال: فأنشأ أبو عبيدة يحدث يعني عن أبيه كما سئل قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "أتاني جبريل بدابة فوق الحمار ودون البغل، فحملني عليه،
ثم انطلق يهوي بنا كلما صعد عقبة استوت رجلاه كذلك مع يديه، وإذا هبط استوت
يداه مع رجليه، حتى مررنا برجل طوال سبط آدم، كأنه من رجال أزد شنوءة، وهو
يقول -فيرفع صوته يقول-أكرمته وفضلته". قال: "فدفعنا إليه فسلمنا عليه فرد السلام، فقال: من هذا معك يا جبريل؟ قال: هذا أحمد
, قال: مرحبًا بالنبي الأمي العربي، الذي بلغ رسالة ربه، ونصح لأمته".
قال: "ثم اندفعنا فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا موسى بن عمران". قال: قلت: ومن يعاتب؟ قال: يعاتب ربه فيك! قلت: فيرفع صوته على ربه؟! قال: إن الله [عز وجل]
قد عرف له حدته". قال: "ثم اندفعنا حتى مررنا بشجرة كأن ثمرها السُّرُج
تحتها شيخ وعياله". قال: "فقال لي جبريل: اعمد إلى أبيك إبراهيم. فدفعنا
إليه فسلمنا عليه فرد السلام، فقال إبراهيم: من هذا معك يا جبريل؟ قال: هذا
ابنك أحمد". قال: "فقال: مرحبًا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح
لأمته، يا بني، إنك لاق ربك الليلة، وإن أمتك آخر الأمم وأضعفها، فإن
استطعت أن تكون حاجتك أو جلها في أمتك فافعل". قال: "ثم اندفعنا حتى
انتهينا إلى المسجد الأقصى، فنـزلت فربطت الدابة بالحلقة التي في باب
المسجد التي كانت الأنبياء تربط بها. ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين من بين
راكع وقائم وساجد". قال: "ثم أتيت بكأسين من عسل ولبن فأخذت اللبن فشربت
فضرب جبريل عليه السلام منكبي وقال: أصبت الفطرة ورب محمد". قال: "ثم أقيمت
الصلاة فأممتهم، ثم انصرفنا فأقبلنا" .
إسناد غريب ولم يخرجوه، فيه من الغرائب سؤال الأنبياء عنه عليه السلام ابتداء، ثم سؤاله عنهم بعد انصرافه. والمشهور في الصحاح كما تقدم: أن جبريل [عليه السلام] كان يعلمه بهم أولا ليسلم عليهم سلام معرفة. وفيه أنه اجتمع بالأنبياء عليهم السلام قبل دخوله المسجد
, والصحيح أنه إنما اجتمع بهم في السموات، ثم نـزل إلى بيت المقدس ثانيًا
وهم معه، وصلى بهم فيه، ثم إنه ركب البراق وكر راجعًا إلى مكة، والله أعلم.
طريق أخرى:
قال الإمام أحمد: حدثنا هُشَيم، أخبرنا العوام، عن جبلة بن سُحَيْم، عن مُوثَر
بن عفارة، عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لقيت ليلة أسري
بي إبراهيم وموسى وعيسى، فتذاكروا أمر الساعة" قال: "فردوا أمرهم إلى
إبراهيم عليه السلام
فقال: لا علم لي بها. فردوا أمرهم إلى موسى. فقال: لا علم لي بها فردوا
أمرهم إلى عيسى فقال: أما وجبتها فلا يعلم بها أحد إلا الله، عز وجل، وفيما
عهد إلي ربي أن الدجال خارج". قال: "ومعي قضيبان، فإذا رآني ذاب كما يذوب
الرصاص". قال: "فيهلكه الله إذا رآني، حتى إن الحجر والشجر يقول: يا مسلم
إن تحتي كافرًا، فتعال فاقتله". قال: "فيهلكهم الله، ثم يرجع الناس إلى
بلادهم وأوطانهم " . قال: "فعند
ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيطؤون بلادهم، فلا يأتون على
شيء إلا أهلكوه، ولا يمرون على ماء إلا شربوه" قال: "ثم يرجع الناس إليّ
فيشكونهم. فأدعو الله عليهم، فيهلكهم ويميتهم حتى تجوى الأرض من نتن ريحهم
-أي: تنتن" قال: "فينـزل الله المطر فيجترف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر.
ففيما عهد إلي ربي: أن ذلك إذا كان كذلك أن الساعة كالحامل المتم، لا يدري
أهلها متى تفجؤهم بولادها، ليلا أو نهارًا".
وأخرجه ابن ماجه، عن بُنْدار، عن يزيد بن هارون، عن العوام بن حوشب .
رواية عبد الرحمن بن قرط، أخي عبد الله بن قرط الثمالي:
قال سعيد بن منصور: حدثنا مسكين بن ميمون -مؤذن
مسجد الرملة-حدثني عُروة بن رُوَيْم، عن عبد الرحمن بن قُرط، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كان
بين زمزم
والمقام، جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فطارا به حتى بلغ السموات
العلى، فلما رجع قال: "سمعت تسبيحًا في السموات العلى مع تسبيح كثير ، سبحت السموات العلى من ذي المهابة مشفقات من ذي العلو بما علا سبحان العلي الأعلى، سبحانه وتعالى" .
ويذكر هذا الحديث عند قوله تعالى من هذه السورة: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ الآية [ الإسراء: 44 ] .
رواية عمر بن الخطاب، رضي الله عنه:
قال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي سنان،
عن عبيد بن آدم وأبي مريم وأبي شعيب؛ أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، كان
بالجابية، فذكر فتح بيت المقدس قال: قال أبو سلمة: فحدثني أبو سنان، عن
عبيد بن آدم قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لكعب: أين ترى أن أصلي؟ قال إن أخذت عني صليت خلف الصخرة، فكانت القدس كلها بين يديك، فقال عمر رضي الله عنه: ضاهيت اليهودية، [لا] ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم إلى القبلة، فصلى ثم جاء فبسط رداءه وكنس الكناسة في ردائه، وكنس الناس .
فلم يعظم الصخرة تعظيما يصلي وراءها وهي بين يديه، كما أشار كعب الأحبار
وهو من قوم يعظمونها حتى جعلوها قبلتهم. ولكن منّ الله عليه بالإسلام،
فهُدي إلى الحق؛ ولهذا لما أشار بذلك قال له أمير المؤمنين: ضاهيت
اليهودية، ولا أهانها إهانة النصارى الذين كانوا قد جعلوها مزبلة من أجل
أنها قبلة اليهود، ولكن أماط الأذى، وكنس عنها الكناس بردائه. وهذا شبيه
بما جاء في صحيح مسلم عن أبي مرثد الغَنَوِي قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها" .
رواية أبي هريرة، رضي الله عنه:
وهي مطولة جدًا وفيها غرابة. قال الإمام أبو جعفر بن جرير في تفسير
"سورة سبحان": حدثنا علي بن سهل، حدثنا حجاج، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن
الربيع بن أنس، عن أبي العالية الرياحي، عن أبي هريرة أو غيره -شك أبو
جعفر-في قول الله عز وجل: ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا
مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي
بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ ) قال: جاء جبريل [إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ميكائيل،
فقال جبريل] لميكائيل: ائتني بطَسْت من ماء زمزم، كيما أطهر قلبه وأشرح له صدره. قال: فشق عنه بطنه، فغسله ثلاث مرات. واختلف إليه ميكائيل
بثلاث طساس من ماء زمزم، فشرح صدره ونـزع ما كان فيه من غل، وملأه حلمًا
وعلمًا، وإيمانًا ويقينًا وإسلامًا، وختم بين كتفيه بخاتم النبوة.
ثم أتاه بفرس فحمل عليه، كل خطوة منه منتهى بصره -أو: أقصى بصره-قال: فسار وسار معه جبريل عليهما السلام قال: فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: "يا جبريل، ما هذا؟" قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل
الله، تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف، وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه، وهو
خير الرازقين.
ثم أتى على قوم تُرضَخ رءوسهم بالصخر، كلما رُضخت عادت كما كانت، ولا
يفتر عنهم من ذلك شيء، فقال: "ما هؤلاء يا جبريل؟" قال: هؤلاء الذين تتثاقل
رءوسهم عن الصلاة المكتوبة. ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع، وعلى
أدبارهم رقاع يسرحون كما تسرح الإبل والنعم، ويأكلون الضريع والزقوم ورضف
جهنم وحجارتها، قال : " ما هؤلاء يا جبريل؟" قال: هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم، وما ظلمهم الله شيئًا وما الله بظلام للعبيد.
ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدر
ولحم آخر نيئ في قدر خبيث، فجعلوا يأكلون من النيئ الخبيث ويدعون النضيج
الطيب، فقال: "ما هؤلاء يا جبريل؟" فقال: هذا الرجل من أمتك، تكون عنده
المرأة الحلال الطيبة، فيأتي امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح، [والمرأة
تقوم من عند زوجها حلالا طيبًا، فتأتي رجلا خبيثًا فتبيت معه حتى تصبح] .
قال: ثم أتى على خشبة على الطريق، لا يمر بها ثوب إلا شقته، ولا شيء إلا
خرقته، قال: "ما هذا يا جبريل؟" قال: هذا مثل أقوام من أمتك، يقعدون على
الطريق يقطعونه ثم تلا وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ [وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ] [ الأعراف: 86 ].
قال: ثم أتى على رجل قد جمع حزمة [حطب] عظيمة لا يستطيع حملها، وهو يزيد عليها، فقال: "ما هذا يا جبريل؟" فقال هذا الرجل من أمتك يكون عليه أمانات الناس لا يقدر على أدائها وهو يريد أن يحمل عليها.
ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت
كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء، قال: "ما هؤلاء يا جبريل؟" قال: هؤلاء
خطباء الفتنة.
ثم أتى على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم، فجعل الثور يريد أن يرجع من [حيث] خرج، فلا يستطيع، فقال: "ما هذا يا جبريل؟" فقال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة ثم يندم عليها فلا يستطيع أن يردها.
ثم أتى على واد فوجد ريحًا طيبة باردة، وريح مسك، وسمع صوتًا، فقال: "يا جبريل، ما هذه
الريح الطيبة ال
قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا عبد الرحمن بن المتوكل ويعقوب بن
إبراهيم -واللفظ له-قالا حدثنا أبو نُميلَة، أخبرنا الزبير بن جنادة، عن
عبد الله بن بُرَيْدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لما كان ليلة أسري به قال: فأتى جبريل الصخرة التي ببيت المقدس، فوضع إصبعه فيها فخرقها فشد بها البراق".
ثم قال البزار: لا نعلم رواه عن الزبير بن جنادة إلا أبو نُميلَة، ولا نعلم هذا الحديث [يروى] إلا عن بريدة. وقد رواه الترمذي في التفسير من جامعه، عن يعقوب بن إبراهيم الدَّوْرَقِي به وقال: غريب.
رواية جابر بن عبد الله، رضي الله عنه :
قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب قال:
قال أبو سلمة: سمعت جابر بن عبد الله يحدث: أنه سمع رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول
: " لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس، قمت في الحجر فَجَلَّى
الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه".
أخرجاه في الصحيحين من طرق، عن الزهري به، .
وقال البيهقي: أخبرنا أحمد بن الحسن
القاضي، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا العباس بن محمد الدوري، حدثنا
يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن صالح بن كَيْسَان، عن ابن شهاب قال: سمعت
سعيد بن المسيب يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتهى إلى بيت
المقدس، لقي فيه إبراهيم وموسى وعيسى، وإنه أتي بقدحين: قدح من لبن وقدح
خمر، فنظر إليهما، ثم أخذ قدح اللبن. فقال جبريل : أصبت، هديت للفطرة , لو اخترت الخمر لغوت أمتك. ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فأخبر أنه أسري به، فافتتن ناس كثير كانوا قد صلوا معه.
قال ابن شهاب: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: فتجهز -أو كلمة نحوها-ناس من
قريش إلى أبي بكر فقالوا: هل لك في صاحبك؟ يزعم أنه جاء إلى بيت المقدس ثم
رجع إلى مكة في ليلة واحدة! فقال أبو بكر: أوقال ذلك؟ قالوا: نعم. قال:
فأشهد لئن كان قال ذلك لقد صدق. قالوا: فتصدقه بأن يأتي الشام في ليلة
واحدة ثم يرجع إلى مكة قبل أن يصبح؟ قال: نعم، إني أصدقه بأبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء. قال أبو سلمة: فبها سمي أبو بكر: الصديق.
قال أبو سلمة: فسمعت جابر بن عبد الله يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: "لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس، قمت في
الحجر، فجلى الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه" .
رواية حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه:
قال الإمام أحمد: ثنا أبو النضر، ثنا شيبان، عن عاصم، عن زِرَّ بن
حُبَيْش، قال: أتيت على حذيفة بن اليمان وهو يحدث، عن ليلة أسري بمحمد صلى
الله عليه وسلم، وهو يقول: "فانطلقنا حتى أتينا
بيت المقدس". فلم يدخلاه. قال: قلت: بل دخله رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليلتئذ وصلى فيه. قال: ما اسمك يا أصلع؟ فإني أعرف وجهك ولا أدري ما اسمك؟
قال: قلت: أنا زر بن حُبَيْش. قال: فما علمك بأن رسول الله صلى الله عليه
وسلم صلى فيه ليلتئذ؟ قال: قلت: القرآن يخبرني بذلك. قال: من تكلم بالقرآن
فلج
, اقرأ. قال: فقلت: ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى ) قال: يا أصلع، هل تجد
"صلى فيه"؟ قلت: لا. قال: والله ما صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليلتئذ، ولو صلى فيه لكتب عليكم صلاة فيه، كما كتب عليكم صلاة في البيت
العتيق، والله ما زايلا البراق حتى فتحت لهما أبواب السماء، فرأيا الجنة
والنار ووعد الآخرة أجمع، ثم عادا عودهما على بدئهما. قال: ثم ضحك حتى رأيت
نواجذه. قال: وتحدثوا أنه ربطه لا يفر منه، وإنما سخره له عالم الغيب والشهادة. قلت: أبا عبد الله أي دابة البراق؟ قال: دابة أبيض طويل هكذا، خطوه مد البصر.
ورواه أبو داود الطيالسي، عن حماد بن سلمة، عن عاصم، به. ورواه الترمذي والنسائي في التفسير من حديث عاصم -وهو ابن أبي النجود-به , وقال الترمذي: حسن صحيح.
وهذا الذي قاله حذيفة، رضي الله عنه، نفي، وما أثبته غيره، عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم من ربط الدابة بالحلقة ومن الصلاة بالبيت المقدس، مما
سبق وما سيأتي مقدم على قوله، والله أعلم بالصواب.
رواية أبي سعيد -سعد بن مالك بن سنان الخدري:
قال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب "دلائل النبوّة":
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن
يعقوب، حدثنا أبو بكر يحيى بن أبي طالب، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، أخبرنا
أبو محمد راشد الحماني، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، رضي
الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له أصحابه: يا رسول الله،
أخبرنا عن ليلة أسري بك فيها، قال: قال الله عز وجل: ( سُبْحَانَ الَّذِي
أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه
هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) قال: فأخبرهم فقال:
"فبينا أنا نائم عشاء في المسجد الحرام، إذ أتاني آت فأيقظني، فاستيقظت فلم
أر شيئًا، وإذا أنا بكهيئة خيال، فأتبعته بصري حتى خرجت من المسجد فإذا أنا بدابة أدنى في شبهه بدوابكم هذه، بغالكم هذه، مضطرب
الأذنين يقال له: البراق. وكانت الأنبياء تركبه قبلي، يقع حافره عند مَدِّ
بصره، فركبته، فبينما أنا أسير عليه، إذ دعاني داع، عن يميني: يا محمد،
انظرني أسألك، يا محمد، انظرني أسألك، فلم أجبه ولم أقم عليه، [فبينما أنا
أسير عليه، إذ دعاني داع، عن يساري: يا محمد، انظرني أسألك، فلم أجبه ولم
أقم عليه]
, فبينما أنا أسير، إذ أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها، وعليها من كل زينة
خلقها الله، فقالت: يا محمد، انظرني أسألك. فلم ألتفت إليها ولم أقم عليها.
حتى أتيت بيت المقدس، فأوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء توثقها
بها. فأتاني جبريل، عليه السلام بإناءين: أحدهما خمر، والآخر لبن، فشربت اللبن، وتركت الخمر، فقال جبريل: أصبت الفطرة
فقلت: الله أكبر، الله أكبر. فقال: جبريل: ما رأيت في وجهك هذا؟" قال:
"فقلت: بينما أنا أسير، إذ دعاني داع، عن يميني: يا محمد، انظرني أسألك.
فلم أجبه ولم أقم عليه. قال: ذاك داعي اليهود، أما إنك لو أجبته -أو: وقفت
عليه-لتهودت أمتك" . قال:
: فبينما أنا أسير، إذ دعاني داع عن يساري قال: يا محمد، انظرني أسألك.
فلم ألتفت إليه ولم أقم عليه. قال: ذاك داعي النصارى، أما إنك لو أجبته
لتنصرت أمتك". قال: "فبينما أنا أسير إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها
عليها من كل زينة خلقها الله تقول: يا محمد، انظرني أسألك. فلم أجبها ولم
أقم عليها". قال: تلك الدنيا، أما إنك لو أجبتها أو أقمت عليها، لاختارت
أمتك الدنيا على الآخرة".
قال: "ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس، فصلى كل واحد منا ركعتين.
ثم أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم
, فلم ير الخلائق أحسن من المعراج، أما رأيت الميت حين يشق بصره طامحًا
إلى السماء، فإنما يشق بصره طامحًا إلى السماء عجبه بالمعراج". قال: "فصعدت
أنا وجبريل، فإذا أنا بملك يقال: له: إسماعيل. وهو صاحب السماء الدنيا
وبين يديه سبعون ألف ملك، مع كل ملك جُنْده مائة ألف ملك". قال: "وقال:
الله [عز وجل] وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ [ المدثر: 31 ] فاستفتح
جبريل باب السماء، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد.
قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم. فإذا أنا بآدم كهيئته يوم خلقه الله، عز وجل
على صورته
, هو تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين، فيقول: روح طيبة، ونفس طيبة،
اجعلوها في عليين ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار فيقول: روح خبيثة، ونفس
خبيثة، اجعلوها في سجين.
ثم مضيت هنية
، فإذا أنا بأخونة عليها لحم مشرح ليس يقربها أحد، وإذا أنا بأخْوِنَة
أخرى عليها لحم قد أروح وأنتن، عندها أناس يأكلون منها، قلت: يا جبريل، من
هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك يتركون الحلال ويأتون الحرام."
قال: "ثم مضيت هنية
, فإذا أنا بأقوام بطونهم أمثال البيوت، كلما نهض أحدهم خرّ يقول: اللهم،
لا تقم الساعة"، قال: "وهم على سابلة آل فرعون". قال: "فتجيء السابلة
فتطؤهم". قال: "فسمعتهم يضجون إلى الله عز وجل". قال: "قلت: يا جبريل، من
هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [ البقرة: 275 ].
قال: "ثم مضيت هنية
, فإذا أنا بأقوام مشافرهم كمشافر الإبل". قال: "فتفتح على أفواههم
ويلقمون من ذلك الجمر، ثم يخرج من أسافلهم. فسمعتهم يضجون إلى الله ،عز
وجل، فقلت : من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء من أمتك الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [ النساء: 10 ].
قال: "ثم مضيت هنية، فإذا أنا بنساء يعلقن بثديهن فسمعتهن يضججن إلى الله عز وجل قلت: يا جبريل من هؤلاء النساء؟ قال: هؤلاء الزناة من أمتك".
قال: "ثم مضيت هنية
فإذا أنا بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم، فيلقمونه، فيقال له: كل كما كنت
تأكل من لحم أخيك. قلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الهمازون من أمتك
اللمازون".
قال: "ثم صعدنا إلى السماء الثانية، فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله، عز
وجل، قد فضل الناس في الحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب، قلت: يا
جبريل، من هذا؟ قال: هذا أخوك يوسف ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلم
عليّ.
ثم صعدت إلى السماء الثالثة، فإذا أنا بيحيى وعيسى، عليهما السلام، ومعهما نفر من قومهما، فسلمت عليهما وسلما عليّ.
ثم صعدت إلى السماء الرابعة، فإذا أنا بإدريس قد رفعه الله مكانًا عليًا، فسلمت عليه وسلم عليّ".
قال: "ثم صعدت إلى السماء الخامسة، فإذا [أنا]
بهارون ونصف لحيته بيضاء ونصفها سوداء، تكاد لحيته تصيب سرته من طولها،
قلت: يا جبريل، من هذا؟ قال: هذا المحبب في قومه، هذا هارون بن عمران، ومعه
نفر من قومه، فسلمت عليه وسلم عليّ.
ثم صعدت إلى السماء السادسة، فإذا أنا بموسى بن عمران، رجل آدم كثير الشعر، لو كان عليه قميصان لنفذ شعره دون القميص، فإذا
هو يقول: يزعم الناس أني أكرم على الله من هذا، بل هذا أكرم على الله
تعالى مني". قال: "قلت: يا جبريل، من هذا؟ قال: هذا أخوك موسى بن عمران،
عليه السلام، ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلم علي.
ثم صعدت إلى السماء السابعة، فإذا أنا بأبينا إبراهيم خليل الرحمن ساند ظهره إلى البيت المعمور كأحسن الرجال، قلت: يا جبريل، من هذا؟ قال: هذا أبوك خليل الرحمن ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه فسلم عليّ، وإذا [أنا]
بأمتي شطرين: شطر عليهم ثياب بيض كأنها القراطيس. وشطر عليهم ثياب رُمْد".
قال: "فدخلت البيت المعمور ودخل معي الذين عليهم الثياب البيض، وحجب
الآخرون الذين عليهم ثياب رمد، وهم على خير. فصليت أنا ومن معي في البيت
المعمور، ثم خرجت أنا ومن معي". قال: "والبيت المعمور يصلي فيه كل يوم
سبعون ألف ملك، لا يعودون فيه إلى يوم القيامة".
قال: "ثم دفعت لي سدرة المنتهى، فإذا كل ورقة منها تكاد أن تغطي هذه
الأمة، وإذا فيها عين تجري يقال لها: سلسبيل، فينشق منها نهران، أحدهما:
الكوثر، والآخر: يقال له: نهر الرحمة. فاغتسلت فيه، فغفر لي ما تقدم من
ذنبي وما تأخر.
ثم إني دفعت إلي الجنة، فاستقبلتني جارية، فقلت: لمن أنت يا جارية؟ فقالت لزيد بن حارثة، وإذا [أنا] بأنهار من [ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من]
عسل مصفى، وإذا رمانها كأنه الدلاء عظمًا، وإذا أنا بطيرها كأنها بختيكم
هذه". فقال عندها صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى قد أعد لعباده
الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" .
قال: "ثم عرضت علي النار، فإذا فيها غضب الله وزجره ونقمته، لو طرح فيها الحجارة والحديد لأكلتها، ثم أغلقت دوني.
ثم إني دفعت إلى سدرة المنتهى، فتغشاني فكان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى". قال: "ونـزل على كل ورقة ملك من الملائكة". قال: "وفرضت علي خمسون
وقال: لك بكل حسنة عشر، إذا هممت بالحسنة فلم تعملها كتبت لك حسنة، فإذا
عملتها كتبت لك عشرًا، وإذا هممت بالسيئة فلم تعملها لم يكتب عليك شيء، فإن
عملتها كتبت عليك سيئة واحدة.
ثم دفعت إلى موسى فقال: بما أمرك ربك؟ قلت: بخمسين صلاة. قال: ارجع إلى
ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فإن أمتك لا يطيقون ذلك، ومتى لا [تطيقه] تكفر فرجعت إلى ربي [عز . وجل] فقلت: يا رب، خفف عن أمتي، فإنها أضعف الأمم. فوضع عني عشرًا، وجعلها أربعين. فما زلت أختلف بين موسى وربي كلما أتيت عليه قال لي مثل مقالته، حتى رجعت إليه فقال لي: بم أمرت؟ فقلت: أمرت بعشر صلوات. قال: ارجع إلى ربك [عز وجل] فاسأله التخفيف لأمتك. فرجعت إلى ربي [سبحانه وتعالى]
فقلت: أي رب، خفف عن أمتي، فإنها أضعف الأمم. فوضع عني خمسًا، وجعلها
خمسًا. فناداني ملك عندها: تممت فريضتي، وخففت عن عبادي، وأعطيتهم بكل حسنة
عشر أمثالها.
ثم رجعت إلى موسى فقال: بم أمرت؟ فقلت: بخمس صلوات. قال: ارجع إلى ربك
فاسأله التخفيف، فإنه لا يؤوده شيء، فاسأله التخفيف لأمتك". "فقلت : رجعت إلى ربي حتى استحييته" ثم أصبح بمكة يخبرهم بالأعاجيب: "إني أتيت البارحة بيت المقدس، وعرج بي إلى السماء، ورأيت كذا وكذا
" . فقال أبو جهل -يعني ابن هشام-: ألا تعجبون مما يقول محمد؟ يزعم أنه
أتى البارحة بيت المقدس، ثم أصبح فينا. وأحدنا يضرب مطيته مصعدة شهرًا،
ومقفلة شهرًا، فهذا مسيرة شهرين في ليلة واحدة! قال: فأخبرهم بعير لقريش:
"لما كنت
في مصعدي رأيتها في مكان كذا وكذا، وأنها نفرت، فلما رجعت رأيتها عند
العقبة". وأخبرهم بكل رجل وبعيره كذا وكذا، ومتاعه كذا وكذا. فقال أبو جهل:
يخبرنا
بأشياء. فقال رجل من المشركين: أنا أعلم الناس ببيت المقدس، وكيف بناؤه؟
وكيف هيئته؟ وكيف قربه من الجبل؟ [فإن يك محمد صادقا فسأخبركم، وإن يك
كاذبًا فسأخبركم. فجاء ذلك المشرك فقال: يا محمد، أنا أعلم الناس ببيت
المقدس، فأخبرني كيف بناؤه؟ وكيف هيئته؟ وكيف قربه من الجبل]
. قال: فرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المقدس من مقعده، فنظر
إليه كنظر أحدنا إلى بيته: بناؤه كذا وكذا، وهيئته كذا وكذا، وقربه من
الجبل كذا وكذا. فقال الآخر: صدقت. فرجع إلى أصحابه فقال: صدق محمد فيما
قال أو نحو هذا الكلام .
وكذا رواه الإمام أبو جعفر بن جرير بطوله، عن محمد بن عبد الأعلى، عن
محمد بن ثور، عن معمر، عن أبي هارون العبدي، وعن الحسن بن يحيى، عن عبد
الرزاق، عن معمر، عن أبي هارون العبدي، به. ورواه، أيضًا، من حديث محمد بن
إسحاق: حدثني روح بن القاسم، عن أبي هارون، به نحو سياقه المتقدم .
ورواه ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن أحمد بن عبدة، عن أبي عبد الصمد عبد
العزيز بن عبد الصمد، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، فذكره بسياق طويل حسن أنيق، أجود مما ساقه غيره، على غرابته وما فيه من النكارة.
ثم ذكره البيهقي، أيضًا، من رواية نوح بن قيس الحُدَّاني وهُشَيم ومعمر، عن أبي هارون العبدي -واسمه عمارة بن جوين وهو مضعف عند الأئمة .
وإنما سقنا حديثه هاهنا لما في حديثه من الشواهد لغيره، ولما رواه البيهقي:
أخبرنا [الإمام] أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن , أنبأنا أبو نعيم أحمد بن محمد بن إبراهيم البزاز، حدثنا أبو حامد
بن بلال، حدثنا أبو الأزهر، حدثنا يزيد بن أبي حكيم قال: رأيت في النوم
رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله، رجل من أمتك يقال له:
"سفيان الثوري" لا بأس به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا بأس
به"، حدثنا عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، عنك ليلة أسري بك، قلت
"رأيت في السماء" فحدثته بالحديث؟ فقال لي: "نعم". فقلت له: يا رسول الله،
إن ناسًا من أمتك يحدثون عنك في السرى بعجائب؟ فقال لي: "ذلك حديث القصاص" .
رواية شداد بن أوس:
قال الإمام أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي: حدثنا إسحاق بن
إبراهيم بن العلاء بن الضحاك الزَّبيدي، حدثنا عمرو بن الحارث، عن عبد الله
بن سالم الأشعري، عن محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي، حدثنا الوليد بن عبد الرحمن، عن جبير بن نفير: حدثنا
شداد بن أوس قال: قلنا: يا رسول الله، كيف أسري بك؟ قال: "صليت لأصحابي
صلاة العتمة بمكة معتمًا". قال: "فأتاني جبريل، عليه السلام، بدابة أبيض
-أو قال: بيضاء-فوق الحمار ودون البغل، فقال: اركب. فاستصعبت علي، فرازها بأذنها، ثم حملني عليها. فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها، حتى بلغنا أرضًا ذات نخل فأنـزلني فقال: صل. فصليت، ثم ركبنا
فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. قال: صليت بيثرب صليت بطيبة.
فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها. ثم بلغنا أرضًا فقال: انـزل.
[فنـزلت]
ثم قال: صل. فصليت ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. قال:
صليت بمدين، صليت عند شجرة موسى. ثم انطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك
طرفها، ثم بلغنا أرضًا، بدت لنا قصور، فقال: انـزل. فنـزلت، فقال
صل فصليت ثم ركبنا فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. قال: صليت ببيت
لحم حيث ولد عيسى المسيح ابن مريم. ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها
اليماني، فأتى قبلة المسجد، فربط فيه دابته ودخلنا المسجد من باب فيه تميل
الشمس والقمر، فصليت من المسجد حيث شاء الله، وأخذني من العطش أشد ما
أخذني، فأتيت بإناءين , في أحدهما لبن وفي الآخر عسل، أرسل إليّ بهما جميعًا، فعدلت بينهما، ثم هداني الله عز وجل , فأخذت اللبن فشربت
حتى قَرَعت به جبيني، وبين يدي شيخ متكئ على مثواة له، فقال: أخذ صاحبك
الفطرة، إنه ليهدى. ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي الذي فيه المدينة، فإذا
جهنم [تنكشف] عن مثل الزرابي، قلت: يا رسول الله، كيف وجدتها؟ قال: مثل الحمة السخنة. ثم انصرف بي
فمررنا بعير لقريش بمكان كذا وكذا، قد أضلوا بعيرًا لهم، قد جمعه فلان،
فسلمت عليهم، فقال بعضهم: هذا صوت محمد. ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة"،
فأتاني أبو بكر، رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، أين كنت الليلة؟ فقد
التمستك في مظانك
. فقال: "علمت أني أتيت بيت المقدس الليلة؟". فقال: يا رسول الله، إنه
مسيرة شهر، فصفه لي. قال: "ففتح لي صراط كأني أنظر إليه لا يسألني عن شيء
إلا أنبأته عنه". قال أبو بكر: أشهد أنك رسول الله. فقال المشركون: انظروا
إلى ابن أبي كَبْشَة يزعم أنه أتى بيت المقدس الليلة!. قال: فقال: "إن من
آية ما أقول لكم أني مررت بعير لكم بمكان كذا وكذا، قد أضلوا بعيرًا لهم،
فجمعه فلان، وإن مسيرهم ينـزلون بكذا ثم بكذا، ويأتونكم يوم كذا وكذا،
يقدمهم جمل آدم، عليه مسح أسود وغرارتان سوداوان". فلما كان ذلك اليوم أشرف
الناس ينظرون حتى كان قريب من نصف النهار حتى أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هكذا رواه البيهقي من طريقين عن أبي إسماعيل الترمذي، به
. ثم قال بعد تمامه: "هذا إسناد صحيح، وروى ذلك مفرقًا في أحاديث غيره،
ونحن نذكر من ذلك إن شاء الله ما حضرنا". ثم ساق أحاديث كثيرة في الإسراء
كالشاهد لهذا الحديث. وقد روى هذا الحديث عن شداد بن أوس بطوله الإمام أبو
محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم في تفسيره، عن أبيه، عن إسحاق بن إبراهيم بن
العلاء الزبيدي، به. ولا شك أن هذا الحديث -أعني الحديث المروي عن شداد بن
أوس-مشتمل
على أشياء منها ما هو صحيح كما ذكره البيهقي، ومنها ما هو منكر، كالصلاة
في بيت لحم، وسؤال الصديق عن نعت بيت المقدس، وغير ذلك. والله أعلم.
رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
قال الإمام أحمد: حدثنا عثمان بن محمد، حدثنا جرير، عن قابوس، عن أبيه
قال: حدثنا ابن عباس قال: ليلة أسري بنبي الله صلى الله عليه وسلم دخل
الجنة، فسمع في جانبها وَجْسًا
فقال: "يا جبريل، ما هذا؟" قال: "هذا بلال المؤذن". فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم حين جاء إلى الناس: "قد أفلح بلال، قد رأيت له كذا وكذا".
قال: فلقيه موسى، عليه السلام، فرحب به، وقال: "مرحبًا بالنبي الأمي"، قال:
"وهو رجل آدم طويل، سبط شعره مع أذنيه أو فوقهما"، فقال: "من هذا يا
جبريل؟" قال: "هذا موسى. [قال: فمضى، فلقيه عيسى فرحب به، وقال: "من هذا يا
جبريل؟" قال: "هذا عيسى". قال]
فمضى فلقيه شيخ جليل متهيب فرحب به وسلم عليه وكلهم يسلم عليه، قال: "من
هذا يا جبريل؟" قال: "هذا أبوك إبراهيم"، قال: ونظر في النار، فإذا قوم
يأكلون الجيف، قال: "من هؤلاء يا جبريل؟" قال: "هؤلاء الذين يأكلون لحم الناس"، ورأى رجلا أحمر أزرق جدًا، قال: "من هذا يا جبريل؟" قال: "هذا عاقر الناقة"، قال: فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى قام يصلي، [فالتفت ثم التفت]
فإذا النبيون أجمعون يصلون معه. فلما انصرف جيء بقدحين، أحدهما عن اليمين
والآخر عن الشمال، في أحدهما لبن وفي الآخر عسل، فأخذ اللبن فشرب منه، فقال
الذي كان معه القدح: أصبت الفطرة. إسناد صحيح ولم يخرجوه .
طريق أخرى:
قال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ثابت أبو زيد، حدثنا هلال، حدثني
عكرمة، عن ابن عباس قال: أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس،
ثم جاء من ليلته فحدثهم بمسيره وبعلامة بيت المقدس وبعيرهم، فقال ناس: نحن
لا نصدق محمدًا بما يقول! فارتدوا كفارًا، فضرب الله رقابهم مع أبي جهل وقال أبو جهل
يخوفنا محمد بشجرة الزقوم، هاتوا تمرا وزبدا فتزقموا، ورأى الدجال في
صورته رؤيا عين ليس برؤيا منام، وعيسى وموسى وإبراهيم. فسئل النبي صلى الله
عليه وسلم عن الدجال فقال: "رأيته فيلمانيًا أقمر هجانا، إحدى عينيه قائمة
كأنها كوكب دري، كأن شعر رأسه أغصان شجرة. ورأيت عيسى أبيض، جعد الرأس،
حديد البصر، مبطن الخلق. ورأيت موسى أسحم آدم، كثير الشعر، شديد الخلق.
ونظرت إلى إبراهيم فلم أنظر إلى إرب منه إلا نظرت إليه مني، حتى كأنه
صاحبكم. قال جبريل: سلم على مالك فسلمت عليه".
ورواه النسائي من حديث أبي زيد ثابت بن يزيد عن هلال -وهو ابن خباب-به، وهو إسناد صحيح.
طريق أخرى:
وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو بكر الشافعي،
أنبأنا إسحاق بن الحسن، حدثنا الحسين بن محمد، حدثنا شيبان، عن قتادة، عن
أبي العالية قال: حدثنا ابن عم نبيكم صلى الله عليه وسلم ابن عباس قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران، رجلا
طوالا جعدًا، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى ابن مريم مربوع الخلق، إلى
الحمرة والبياض، سبط الرأس". وأرى مالكًا خازن جهنم والدجال، في آيات أراهن
الله إياه، قال: فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ [ السجدة: 23 ] فكان قتادة يفسرها: أن نبي الله [صلى الله عليه وسلم] قد لقي موسى [عليه السلام] وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ قال: جعل الله موسى هدى لبني إسرائيل .
رواه مسلم في الصحيح عن عبد بن حميد، عن يونس بن محمد، عن شيبان . وأخرجاه من حديث شعبة عن قتادة مختصرًا .
طريق أخرى:
قال [البيهقي: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد الصفَّار، حدثنا دُبَيْس المُعدَّل، حدثنا عفان قال: حدثنا]
حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أسري بي، مرت بي رائحة طيبة، فقلت: ما
هذه الرائحة؟ قالوا: ماشطة بنت فرعون وأولادها، سقط مُشْطُهَا من يدها
فقالت: باسم الله: فقالت ابنة فرعون: أبي؟ قالت: ربي وربك ورب أبيك. قالت:
أولك رب غير أبي؟ قالت: نعم، ربي وربك ورب أبيك الله" . قال: "فدعاها فقال:
ألك رب غيري؟ قالت: نعم، ربي وربك الله، عز وجل". قال: "فأمر بنقرة من نحاس فأحميت، ثم أمر بها لتلقى فيها، قالت: إن لي [إليك] حاجة. قال: ما هي؟ قالت: تجمع عظامي وعظام ولدي في موضع، قال ذاك لك، لما لك علينا من الحق"، قال: "فأمر بهم فألقوا واحدًا واحدًا، حتى بلغ رضيعًا فيهم، فقال: يا أمه، قعي ولا تقاعسي، فإنك على الحق". قال: "وتكلم أربعة وهم صغار: هذا، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى ابن مريم، عليه السلام" .
إسناد لا بأس به، ولم يخرجوه.
طريق أخرى:
وقال الإمام أحمد [أيضًا] حدثنا محمد بن جعفر وروح المعنى
قالا حدثنا عوف، عن زُرَارة بن أوفى، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "لما كان ليلة أسري بي وأصبحت بمكة، فظعت [بأمري] وعرفت أن الناس مكذبي" فقعد معتزلا حزينًا، فمرّ به عدو الله أبو جهل
فجاء حتى جلس إليه، فقال له كالمستهزئ: هل كان من شيء؟ فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "نعم" قال: وما هو؟ قال "إني أسري بي الليلة": قال إلى
أين؟ قال: "إلى بيت المقدس" قال: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟! قال: "نعم".
قال: فلم يره أنه يكذبه مخافة أن يجحده الحديث إن دعا قومه إليه، فقال:
أرأيت إن دعوت قومك أتحدثهم بما حدثتني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "نعم". قال: هيا معشر بني كعب بن لؤي، قال: فانتفضت
إليه المجالس وجاءوا حتى جلسوا إليهما. قال: حدث قومك بما حدثتني. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أسري بي الليلة". فقالوا: إلى أين؟
قال: "إلى بيت المقدس" قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: "نعم". قال: فمن
بين مصفق، ومن بين واضع يده على رأسه متعجبًا للكذب -زعم-قالوا: وتستطيع
أن تنعت [لنا] المسجد -وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد-قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فذهبت أنعت، فما زلت أنعت حتى التبس عليّ
بعض النعت" قال: "فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه، حتى وضع دون دار عقيل -أو
عقال-فَنَعتُّه وأنا أنظر إليه". قال: وكان مع هذا نعت لم أحفظه -يقول عوف-: قال: فقال القوم: أما النعت فوالله لقد أصاب.
وأخرجه
النسائي من حديث عوف بن أبي جميلة -وهو الأعرابي، به. ورواه البيهقي من
حديث النضر بن شميل وهوذة، عن عوف وهو ابن أبي جميلة الأعرابي، أحد الأئمة
الثقات، به .
رواية عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه:
قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو
عبد الله محمد بن يعقوب، حدثنا السري بن خزيمة، حدثنا يوسف بن بُهلول،
حدثنا عبد الله بن نمير، عن مالك بن مِغْوَل، عن الزبير بن عدي، عن طلحة بن
مُصَرِّف، عن مرة الهَمْدَاني، عن عبد الله بن مسعود قال: لما أسري برسول
الله صلى الله عليه وسلم، فانتهى إلى سدرة المنتهى، وهي في السماء السادسة،
وإليها ينتهي ما يصعد به حتى يقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط [به] من فوقها حتى يقبض [منها] إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى [ النجم: 16 ] قال: غشيها فراش من ذهب، وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس، وخواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لا يشرك بالله المقحمات، يعني الكبائر.
ورواه مسلم في صحيحه، عن محمد بن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب، كلاهما عن عبد الله بن نمير، به
. ثم قال البيهقي: "وهذا الذي ذكره عبد الله بن مسعود طرف من حديث
المعراج، وقد رواه أنس بن مالك، عن مالك بن صَعْصَعَة، عن النبي صلى الله
عليه وسلم، ثم عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رواه مرة مرسلا
دون ذكرهما" ثم إن البيهقي ساق الأحاديث الثلاثة كما تقدّم.
قلت: وقد روي عن ابن مسعود بأبسط من هذا، وفيه غرابة، وذلك فيما رواه
"الحسن بن عرفة" في جزئه المشهور. حدثنا مروان بن معاوية، عن قنان بن عبد
الله النهمي
, حدثنا أبو ظبيان الجنبي قال: كنا جلوسًا عند أبي عبيدة بن عبد الله
-يعني ابن مسعود-ومحمد بن سعد بن أبي وقاص، وهما جالسان، فقال محمد بن سعد
لأبي عبيدة: حدثنا عن أبيك ليلة أسري بمحمد صلى الله عليه وسلم. فقال أبو
عبيدة: لا بل حدثنا أنت عن أبيك. فقال محمد: لو سألتني قبل أن أسألك لفعلت!
قال: فأنشأ أبو عبيدة يحدث يعني عن أبيه كما سئل قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "أتاني جبريل بدابة فوق الحمار ودون البغل، فحملني عليه،
ثم انطلق يهوي بنا كلما صعد عقبة استوت رجلاه كذلك مع يديه، وإذا هبط استوت
يداه مع رجليه، حتى مررنا برجل طوال سبط آدم، كأنه من رجال أزد شنوءة، وهو
يقول -فيرفع صوته يقول-أكرمته وفضلته". قال: "فدفعنا إليه فسلمنا عليه فرد السلام، فقال: من هذا معك يا جبريل؟ قال: هذا أحمد
, قال: مرحبًا بالنبي الأمي العربي، الذي بلغ رسالة ربه، ونصح لأمته".
قال: "ثم اندفعنا فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا موسى بن عمران". قال: قلت: ومن يعاتب؟ قال: يعاتب ربه فيك! قلت: فيرفع صوته على ربه؟! قال: إن الله [عز وجل]
قد عرف له حدته". قال: "ثم اندفعنا حتى مررنا بشجرة كأن ثمرها السُّرُج
تحتها شيخ وعياله". قال: "فقال لي جبريل: اعمد إلى أبيك إبراهيم. فدفعنا
إليه فسلمنا عليه فرد السلام، فقال إبراهيم: من هذا معك يا جبريل؟ قال: هذا
ابنك أحمد". قال: "فقال: مرحبًا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح
لأمته، يا بني، إنك لاق ربك الليلة، وإن أمتك آخر الأمم وأضعفها، فإن
استطعت أن تكون حاجتك أو جلها في أمتك فافعل". قال: "ثم اندفعنا حتى
انتهينا إلى المسجد الأقصى، فنـزلت فربطت الدابة بالحلقة التي في باب
المسجد التي كانت الأنبياء تربط بها. ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين من بين
راكع وقائم وساجد". قال: "ثم أتيت بكأسين من عسل ولبن فأخذت اللبن فشربت
فضرب جبريل عليه السلام منكبي وقال: أصبت الفطرة ورب محمد". قال: "ثم أقيمت
الصلاة فأممتهم، ثم انصرفنا فأقبلنا" .
إسناد غريب ولم يخرجوه، فيه من الغرائب سؤال الأنبياء عنه عليه السلام ابتداء، ثم سؤاله عنهم بعد انصرافه. والمشهور في الصحاح كما تقدم: أن جبريل [عليه السلام] كان يعلمه بهم أولا ليسلم عليهم سلام معرفة. وفيه أنه اجتمع بالأنبياء عليهم السلام قبل دخوله المسجد
, والصحيح أنه إنما اجتمع بهم في السموات، ثم نـزل إلى بيت المقدس ثانيًا
وهم معه، وصلى بهم فيه، ثم إنه ركب البراق وكر راجعًا إلى مكة، والله أعلم.
طريق أخرى:
قال الإمام أحمد: حدثنا هُشَيم، أخبرنا العوام، عن جبلة بن سُحَيْم، عن مُوثَر
بن عفارة، عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لقيت ليلة أسري
بي إبراهيم وموسى وعيسى، فتذاكروا أمر الساعة" قال: "فردوا أمرهم إلى
إبراهيم عليه السلام
فقال: لا علم لي بها. فردوا أمرهم إلى موسى. فقال: لا علم لي بها فردوا
أمرهم إلى عيسى فقال: أما وجبتها فلا يعلم بها أحد إلا الله، عز وجل، وفيما
عهد إلي ربي أن الدجال خارج". قال: "ومعي قضيبان، فإذا رآني ذاب كما يذوب
الرصاص". قال: "فيهلكه الله إذا رآني، حتى إن الحجر والشجر يقول: يا مسلم
إن تحتي كافرًا، فتعال فاقتله". قال: "فيهلكهم الله، ثم يرجع الناس إلى
بلادهم وأوطانهم " . قال: "فعند
ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيطؤون بلادهم، فلا يأتون على
شيء إلا أهلكوه، ولا يمرون على ماء إلا شربوه" قال: "ثم يرجع الناس إليّ
فيشكونهم. فأدعو الله عليهم، فيهلكهم ويميتهم حتى تجوى الأرض من نتن ريحهم
-أي: تنتن" قال: "فينـزل الله المطر فيجترف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر.
ففيما عهد إلي ربي: أن ذلك إذا كان كذلك أن الساعة كالحامل المتم، لا يدري
أهلها متى تفجؤهم بولادها، ليلا أو نهارًا".
وأخرجه ابن ماجه، عن بُنْدار، عن يزيد بن هارون، عن العوام بن حوشب .
رواية عبد الرحمن بن قرط، أخي عبد الله بن قرط الثمالي:
قال سعيد بن منصور: حدثنا مسكين بن ميمون -مؤذن
مسجد الرملة-حدثني عُروة بن رُوَيْم، عن عبد الرحمن بن قُرط، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كان
بين زمزم
والمقام، جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فطارا به حتى بلغ السموات
العلى، فلما رجع قال: "سمعت تسبيحًا في السموات العلى مع تسبيح كثير ، سبحت السموات العلى من ذي المهابة مشفقات من ذي العلو بما علا سبحان العلي الأعلى، سبحانه وتعالى" .
ويذكر هذا الحديث عند قوله تعالى من هذه السورة: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ الآية [ الإسراء: 44 ] .
رواية عمر بن الخطاب، رضي الله عنه:
قال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي سنان،
عن عبيد بن آدم وأبي مريم وأبي شعيب؛ أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، كان
بالجابية، فذكر فتح بيت المقدس قال: قال أبو سلمة: فحدثني أبو سنان، عن
عبيد بن آدم قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لكعب: أين ترى أن أصلي؟ قال إن أخذت عني صليت خلف الصخرة، فكانت القدس كلها بين يديك، فقال عمر رضي الله عنه: ضاهيت اليهودية، [لا] ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم إلى القبلة، فصلى ثم جاء فبسط رداءه وكنس الكناسة في ردائه، وكنس الناس .
فلم يعظم الصخرة تعظيما يصلي وراءها وهي بين يديه، كما أشار كعب الأحبار
وهو من قوم يعظمونها حتى جعلوها قبلتهم. ولكن منّ الله عليه بالإسلام،
فهُدي إلى الحق؛ ولهذا لما أشار بذلك قال له أمير المؤمنين: ضاهيت
اليهودية، ولا أهانها إهانة النصارى الذين كانوا قد جعلوها مزبلة من أجل
أنها قبلة اليهود، ولكن أماط الأذى، وكنس عنها الكناس بردائه. وهذا شبيه
بما جاء في صحيح مسلم عن أبي مرثد الغَنَوِي قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها" .
رواية أبي هريرة، رضي الله عنه:
وهي مطولة جدًا وفيها غرابة. قال الإمام أبو جعفر بن جرير في تفسير
"سورة سبحان": حدثنا علي بن سهل، حدثنا حجاج، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن
الربيع بن أنس، عن أبي العالية الرياحي، عن أبي هريرة أو غيره -شك أبو
جعفر-في قول الله عز وجل: ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا
مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي
بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ ) قال: جاء جبريل [إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ميكائيل،
فقال جبريل] لميكائيل: ائتني بطَسْت من ماء زمزم، كيما أطهر قلبه وأشرح له صدره. قال: فشق عنه بطنه، فغسله ثلاث مرات. واختلف إليه ميكائيل
بثلاث طساس من ماء زمزم، فشرح صدره ونـزع ما كان فيه من غل، وملأه حلمًا
وعلمًا، وإيمانًا ويقينًا وإسلامًا، وختم بين كتفيه بخاتم النبوة.
ثم أتاه بفرس فحمل عليه، كل خطوة منه منتهى بصره -أو: أقصى بصره-قال: فسار وسار معه جبريل عليهما السلام قال: فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: "يا جبريل، ما هذا؟" قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل
الله، تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف، وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه، وهو
خير الرازقين.
ثم أتى على قوم تُرضَخ رءوسهم بالصخر، كلما رُضخت عادت كما كانت، ولا
يفتر عنهم من ذلك شيء، فقال: "ما هؤلاء يا جبريل؟" قال: هؤلاء الذين تتثاقل
رءوسهم عن الصلاة المكتوبة. ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع، وعلى
أدبارهم رقاع يسرحون كما تسرح الإبل والنعم، ويأكلون الضريع والزقوم ورضف
جهنم وحجارتها، قال : " ما هؤلاء يا جبريل؟" قال: هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم، وما ظلمهم الله شيئًا وما الله بظلام للعبيد.
ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدر
ولحم آخر نيئ في قدر خبيث، فجعلوا يأكلون من النيئ الخبيث ويدعون النضيج
الطيب، فقال: "ما هؤلاء يا جبريل؟" فقال: هذا الرجل من أمتك، تكون عنده
المرأة الحلال الطيبة، فيأتي امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح، [والمرأة
تقوم من عند زوجها حلالا طيبًا، فتأتي رجلا خبيثًا فتبيت معه حتى تصبح] .
قال: ثم أتى على خشبة على الطريق، لا يمر بها ثوب إلا شقته، ولا شيء إلا
خرقته، قال: "ما هذا يا جبريل؟" قال: هذا مثل أقوام من أمتك، يقعدون على
الطريق يقطعونه ثم تلا وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ [وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ] [ الأعراف: 86 ].
قال: ثم أتى على رجل قد جمع حزمة [حطب] عظيمة لا يستطيع حملها، وهو يزيد عليها، فقال: "ما هذا يا جبريل؟" فقال هذا الرجل من أمتك يكون عليه أمانات الناس لا يقدر على أدائها وهو يريد أن يحمل عليها.
ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت
كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء، قال: "ما هؤلاء يا جبريل؟" قال: هؤلاء
خطباء الفتنة.
ثم أتى على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم، فجعل الثور يريد أن يرجع من [حيث] خرج، فلا يستطيع، فقال: "ما هذا يا جبريل؟" فقال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة ثم يندم عليها فلا يستطيع أن يردها.
ثم أتى على واد فوجد ريحًا طيبة باردة، وريح مسك، وسمع صوتًا، فقال: "يا جبريل، ما هذه
الريح الطيبة ال
رد: الجزء الثاني من تفسير سورة الإسراء
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الثاني من تفسير سورة الإسراء
شكرا على الموضوع
لا تبخل علينا
لا تبخل علينا
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الثاني عشر من تفسير سورة الإسراء
» الجزء الثامن من تفسير سورة الإسراء
» الجزء التاسع من تفسير سورة الإسراء
» الجزء العاشر من تفسير سورة الإسراء
» الجزء الحادي عشر من تفسير سورة الإسراء
» الجزء الثامن من تفسير سورة الإسراء
» الجزء التاسع من تفسير سورة الإسراء
» الجزء العاشر من تفسير سورة الإسراء
» الجزء الحادي عشر من تفسير سورة الإسراء
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الإسراء
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى