الجزء الثالث من تفسير سورة الأحزاب
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الأحزاب
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الثالث من تفسير سورة الأحزاب
قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلا قَلِيلا
(16)
قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ
سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا
(17) .
ثم أخبرهم أن فرَارهم ذلك لا يؤخر آجالهم، ولا يطول أعمارهم، بل ربما
كان ذلك سببًا في تعجيل أخذهم غرّة؛ ولهذا قال: ( وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ
إِلا قَلِيلا ) أي: بعد هَرَبكم وفراركم،
قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى
[النساء: 77 ].
ثم قال: ( قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ ) أي:
يمنعكم، ( إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا
يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا ) أي: ليس لهم
ولا لغيرهم من دون الله مجير ولا مغيث .
قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ
لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلا قَلِيلا
(18)
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ
إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ
فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً
عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ
أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا
(19) .
يخبر تعالى عن إحاطة علمه بالمعوقين لغيرهم عن شهود الحرب، والقائلين لإخوانهم، أي: أصحابهم
وعُشَرائهمِ وخلطائهم ( هَلُمَّ إِلَيْنَا ) أي: إلى ما نحن فيه من
الإقامة في الظلال والثمار، وهم مع ذلك ( لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلا
قَلِيلا * أشحةً عليكم ) أي: بخلاء بالمودة، والشفقة عليكم.
وقال السُّدي: ( أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ) أي: في الغنائم.
فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ
أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ) أي: من شدة خوفه
وجزعه، وهكذا خوف هؤلاء الجبناء من القتال ( فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ
سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ ) أي: فإذا كان الأمن، تكلموا كلامًا
بليغًا فصيحًا عاليًا، وادعوا لأنفسهم المقامات العالية في الشجاعة
والنجدة، وهم يكذبون في ذلك.
وقال ابن عباس: ( سَلَقُوكُمْ
أي: استقبلوكم.
< 6-391 >
وقال قتادة: أما عند الغنيمة فأشح قوم، وأسوأه مقاسمة: أعطونا، أعطونا، قد شهدنا معكم. وأما عند البأس فأجبن قوم، وأخذله للحق.
وهم مع ذلك أشحة على الخير، أي: ليس فيهم خير، قد جَمَعُوا الجبن والكذب وقلة الخير، فهم كما قال في أمثالهم الشاعر
:
أفـي السّـلم أعْيَـارًا جَفَـاءً وغلظَــةً | وَفـي الحَـربْ أمْثَـالَ النِّسَاء العَوَاركِ |
في حال المسالمة كأنهم الحمير. والأعيار: جمع عير، وهو الحمار، وفي الحرب
كأنهم النساء الحُيَّض؛ ولهذا قال تعالى: ( أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا
فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا )
أي: سهلا هينا عنده.
يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ
يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ
أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلا قَلِيلا
(20) .
وهذا أيضا من صفاتهم القبيحة في الجبن والخوف والخور، ( يَحْسَبُونَ
الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا ) بل هم قريب منهم، وإن لهم عودة إليهم (
وَإِنْ يَأْتِ الأحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي
الأعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ ) أي: ويَوَدّون إذا جاءت
الأحزاب أنهم لا يكونون
حاضرين معكم في المدينة بل في البادية، يسألون عن أخباركم، وما كان من
أمركم مع عدوكم ، ( وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلا قَلِيلا )
أي: ولو كانوا بين أظهركم، لما قاتلوا معكم إلا قليلا؛ لكثرة جبنهم وذلتهم
وضعف يقينهم.
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ
يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا
(21)
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا
اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا
إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا
(22) .
هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله؛ ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنبي
صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته
وانتظاره الفرج من ربه، عز وجل، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم
الدين؛ ولهذا قال تعالى للذين تقلقوا وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم
يوم الأحزاب: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
) أي: هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله؟ ولهذا قال: ( لِمَنْ كَانَ يَرْجُو
اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) .
ثم قال تعالى مخبرًا عن عباده المؤمنين المصدقين بموعود الله لهم، وجَعْله العاقبةَ حاصلةً لهم في < 6-392 >
الدنيا والآخرة، فقال: ( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ
قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ ) .
قال ابن عباس وقتادة: يعنون قوله تعالى في "سورة البقرة"
أَمْ
حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ
الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ
وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى
نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ
[البقرة: 214].
أي هذا ما وعدنا الله ورسوله من الابتلاء والاختبار والامتحان الذي
يعقبه النصر القريب؛ ولهذا قال: ( وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ) .
وقوله: ( وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ) : دليل على زيادة الإيمان وقوته بالنسبة إلى الناس وأحوالهم، كما قاله جمهور الأئمة: إنه يزيد وينقص. وقد قررنا ذلك في أول "شرح البخاري" ولله الحمد والمنة.
ومعنى قوله: ( وَمَا زَادَهُمْ ) أي: ذلك الحال والضيق والشدة [ما زادهم] إِلا إِيمَانًا ) بالله ، ( وَتَسْلِيمًا ) أي: انقيادا لأوامره، وطاعة لرسوله.
رد: الجزء الثالث من تفسير سورة الأحزاب
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الثالث من تفسير سورة الأحزاب
جزاك الله خيرا على الموضوع
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الأول من تفسير سورة الأحزاب
» الجزء الثاني من تفسير سورة الأحزاب
» الجزء الخامس من تفسير سورة الأحزاب
» الجزء السادس من تفسير سورة الأحزاب
» الجزء الثالث من تفسير سورة ص
» الجزء الثاني من تفسير سورة الأحزاب
» الجزء الخامس من تفسير سورة الأحزاب
» الجزء السادس من تفسير سورة الأحزاب
» الجزء الثالث من تفسير سورة ص
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الأحزاب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى