الجزء العشرون من تفسير سورة البقرة
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة البقرة
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء العشرون من تفسير سورة البقرة
المسألة الخامسة في أن العلم بالسحر ليس بقبيح ولا محظور: اتفق المحققون على ذلك؛ لأن العلم لذاته شريف وأيضًا لعموم قوله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ
[الزمر: 9] ؛ ولأن السحر لو لم يكن يعلم لما أمكن الفرق بينه وبين
المعجزة، والعلم بكون المعجز مُعْجِزًا واجب، وما يتوقف الواجب عليه فهو
واجب؛ فهذا يقتضي أن يكون تحصيل العلم بالسحر واجبًا، وما يكون واجبًا فكيف
يكون حرامًا وقبيحًا؟!
هذا لفظه بحروفه في هذه المسألة، وهذا الكلام فيه نظر من وجوه، أحدها:
قولُهُ: "العلم بالسحر ليس بقبيح". إن عنى به ليس بقبيح عقلا فمخالفوه من
المعتزلة يمنعون هذا وإن عنى أنه ليس بقبيح شرعًا، ففي هذه الآية الكريمة تبشيع لتعلم السحر، وفي الصحيح: "من أتى عرافًا أو كاهنًا، فقد كفر بما أنـزل على محمد" . وفي السنن: "من عقد عقدة ونفث فيها فقد سحر" . وقوله: "ولا محظور اتفق المحققون على ذلك". كيف لا يكون محظورًا مع ما ذكرناه من الآية والحديث؟! واتفاق المحققين يقتضي أن يكون قد نص على هذه المسألة أئمة العلماء أو أكثرهم، وأين نصوصهم على ذلك؟ ثم إدخاله [علم] السحر في عموم قوله: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ فيه نظر؛ لأن هذه الآية إنما دلت على مدح العالمين بالعلم الشرعي، ولم قلتَ إن هذا منه؟ ثم تَرَقيه إلى وجوب تعلمه بأنه لا يحصل العلم بالمعجز إلا به، ضعيف بل فاسد؛ لأن معظم معجزات رسولنا، عليه الصلاة والسلام
هي القرآن العظيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنـزيل
من حكيم حميد. ثم إن العلم بأنه معجز لا يتوقف على علم السحر أصلا ثم من
المعلوم بالضرورة أن الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وعامتهم، كانوا
يعلمون المعجز، ويفرّقُون بينه وبين غيره، ولم يكونوا يعلمون السحر ولا
تعلموه ولا علموه، والله أعلم.
ثم قد ذكر أبو عبد الله الرازي أن أنواع السحر ثمانية:
الأول: سحر الكلُدْانيين والكُشْدانيين، الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة المتحيرة، وهي السيارة، وكانوا يعتقدون أنها مُدَبّرة العالم وأنها تأتي بالخير والشر، وهم الذين بَعث إليهم إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم مبطلا لمقالتهم ورادا لمذهبهم وقد استقصى في "كتاب السر المكتوم، في مخاطبة الشمس والنجوم" المنسوب إليه فيما ذكره القاضي ابن خلكان وغيره ويقال: إنه تاب منه. وقيل إنه
صنفه على وجه إظهار الفضيلة لا على سبيل الاعتقاد. وهذا هو المظنون به،
إلا أنه ذكر فيه طرائقهم في مخاطبة كل من هذه الكواكب السبعة، وكيفية ما
يفعلون وما يلبسونه، وما يتنسكون به.
قال: والنوع الثاني: سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية، ثم
استدلّ على أن الوهم له تأثير، بأن الإنسان يمكنه أن يمشي على الجسر
الموضوع على وجه الأرض، ولا يمكنه المشي عليه إذا كان ممدودًا على نهر أو
نحوه. قال: وكما أجمعت الأطباء على نهي المَرْعُوف عن النظر إلى الأشياء الحُمْر، والمصروع إلى الأشياء القوية اللمعان أو الدوران، وما ذاك إلا لأن النفوس خلقت مُطِيعة للأوهام.
قال: وقد اتفق العقلاء على أن الإصابة بالعين حق.
وله أن يستدل على ذلك بما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم، قال: "العين حَقّ، ولو كان شيء سَابِقَ القدر لسبقته العين" .
قال: فإذا عرفت هذا، فنقول: النفس التي تفعل هذه الأفاعيل قد تكون قوية جدًا، فتستغني في هذه الأفاعيل عن الاستعانة بالآلات والأدوات، وقد تكون ضعيفة فتحتاج إلى الاستعانة بهذه الآلات. وتحقيقه أن النفس إذا كانت مستعلية
على البدن شديدة الانجذاب إلى عالم السماوات، صارت كأنها رُوح من الأرواح
السماوية، فكانت قوية على التأثير في مواد هذا العالم. وإذا كانت ضعيفة
شديدة التعلق بهذه الذات
البدنية، فحينئذ لا يكون لها تصرف البتة إلا في هذا البدن. ثم أرشد إلى
مداواة هذا الداء بتقليل الغذاء، والانقطاع عن الناس والرياء .
قلت: وهذا الذي يشير إليه هو التصرف بالحال، وهو على قسمين: تارة تكون
حالا صحيحة شرعية يتصرف بها فيما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم،
ويترك ما نهى الله عنه ورسوله، وهذه الأحوال مواهب من الله تعالى وكرامات
للصالحين من هذه الأمة، ولا يسمى هذا سحرًا في الشرع. وتارة تكون الحال
فاسدة لا يمتثل صاحبها ما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا يتصرف
بها في ذلك. فهذه حال الأشقياء المخالفين للشريعة، ولا يدل إعطاء الله إيَّاهم هذه الأحوال على محبته لهم، كما أن الدجَّال -لعنه الله-له من الخوارق للعادات
ما دلت عليه الأحاديث الكثيرة، مع أنه مذموم شرعًا لعنه الله. وكذلك من
شابهه من مخالفي الشريعة المحمدية، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. وبسط
هذا يطول جدًا، وليس هذا موضعه.
قال: النوع الثالث من السحر: الاستعانة بالأرواح الأرضية، وهم
الجن، خلافًا للفلاسفة والمعتزلة: وهم على قسمين: مؤمنون، وكفار، وهم
الشياطينُ. قال: واتصال النفوس الناطقة بها أسهل من اتصالها بالأرواح
السماوية، لما بينهما من المناسبة والقرب، ثم إن أصحاب الصنعة وأرباب التجربة شاهدوا أن الاتصال بهذه الأرواح الأرضية يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرقى والدخل والتجريد. وهذا النوع هو المسمى بالعزائم وعمل التسخير .
النوع الرابع من السحر: التخيلات، والأخذ بالعيون والشعبذة، ومبناه [على]
أن البصر قد يخطئ ويشتغل بالشيء المعين دون غيره، ألا ترى أن المشعبذ
الحاذق يظهر عمل شيء يذهل أذهان الناظرين به، ويأخذ عيونهم إليه، حتى إذا
استفرغهم
الشغل بذلك الشيء بالتحديق ونحوه، عمل شيئًا آخر عَمَلا بسرعة شديدة،
وحينئذ يظهر لهم شيء آخر غير ما انتظروه. فيتعجَّبون منه جدًا، ولو أنه سكت
ولم يتكلم بما يصرف الخواطر إلى ضد ما يريد أن يعمله، ولم تتحرك النفوس والأوهام إلى غير ما يريد إخراجه، لفطن الناظرون لكل ما يفعله.
قال: وكلما كانت الأحوال التي تفيد حسن البصر نوعًا من أنواع الخلل أشد، كان العمل
أحسنَ، مثل أن يجلس المشعبذ في موضع مضيء جدًا، أو مظلم، فلا تقف القوة الناظرة على أحوالها بكلالها والحالة هذه.
قلت: وقد قال بعض المفسرين: إن سحر السحرة بين يدي فرعون إنما كان من باب الشعبذة، ولهذا قال تعالى: فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف: 116] وقال تعالى: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه: 66] قالوا: ولم تكن تسعى في نفس الأمر. والله أعلم.
النوع الخامس من السحر: الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات المركبة من النسب الهندسية، كفارس على فرس في يده بوق، كلما مضت ساعة من النهار ضرب
بالبوق، من غير أن يمسه أحد. ومنها الصور التي تُصَوِّرها الرومُ والهند،
حتى لا يفرق الناظر بينها وبين الإنسان، حتى يصورونها ضاحكة وباكية.
إلى أن قال: فهذه الوجوه من لطيف أمور المخاييل. قال: وكان سحر سحرة فرعون من هذا القبيل.
قلت: يعني ما قاله بعض المفسرين: أنهم عمدوا إلى تلك الحبال والعصي،
فحشوها زئبقًا فصارت تتلوى بسبب ما فيها من ذلك الزئبق، فيخيل إلى الرائي
أنها تسعى باختيارها.
قال الرازي: ومن هذا الباب تركيب صندوق الساعات، ويندرج في هذا الباب علم جَرِّ الأثقال بالآلات الخفيفة.
قال: وهذا في الحقيقة لا ينبغي أن يعد من باب السحر؛ لأن لها أسبابًا معلومة يقينية من اطلع عليها قدر عليها.
قلت: ومن هذا القبيل حيل النصارى على عامتهم، بما يُرُونَهم إياه من الأنوار، كقضية قُمَامة الكنيسة التي لهم ببلد المقدس، وما يحتالون به من إدخال النار خفية إلى الكنيسة، وإشعال ذلك القنديل بصنعة لطيفة تروج على العوام [منهم] وأما الخواص فهم يعترفون بذلك، ولكن يتأولون أنهم يجمعون شمل أصحابهم على دينهم، فيرون ذلك سائغًا لهم. وفيه شبه للجهلة الأغبياء من متعبدي الكَرّامية الذين يرون جواز وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب، فيدخلون في عداد من قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم : "من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار ". وقوله: "حدثوا عني ولا تكذبوا عَلَيّ فإنه من يكذب عليّ يلج النار" .
ثم ذكر ههنا حكاية عن بعض الرهبان، وهو أنه سمع صوت طائر حزين الصوت ضعيف الحركة، فإذا سمعته الطيور تَرِقّ له فتذهب فتلقي في وَكْره من ثمر الزيتون، ليتبلغ به، فعَمَد هذا الراهبُ إلى صنعة طائر على شكله، وتوصل إلى أن جعله أجوف، فإذا دخلته الريح يسمع له
صوت كصوت ذلك الطائر، وانقطع في صومعة ابتناها، وزعم أنها على قبر بعض
صالحيهم، وعلق ذلك الطائر في مكان منها، فإذا كان زمان الزيتون فتح بابًا
من ناحيه، فتدخل الريح إلى داخل هذه الصورة، فَيُسْمَعُ صوتها كذلك الطائر
في شكله أيضًا، فتأتي الطيور فتحمل من الزيتون شيئًا كثيرًا فلا ترى
النصارى إلا ذلك الزيتون في هذه الصومعة، ولا يدرون ما سببه؟ ففتنهم بذلك،
وأوهم أن هذا من كرامات صاحب هذا القبر، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة.
قال الرازي: النوع السادس من السحر: الاستعانة بخواص الأدوية يعني في الأطعمة والدهانات . قال: واعلم أن لا سبيل إلى إنكار الخواص، فإن أثر المغناطيس مشاهد.
قلت: يدخل في هذا القبيل كثير ممن يَدّعي الفقر ويتحيل على جهلة الناس بهذه الخواص، مدعيًا أنها أحوال له من مخالطة النيران ومسك الحيات إلى غير ذلك من المحالات.
قال: النوع السابع من السحر: تعليق
القلب، وهو أن يدعي الساحرُ أنه عرف الاسم الأعظم، وأن الجن يطيعونه
وينقادون له في أكثر الأمور، فإذا اتفق أن يكون ذلك السامع لذلك ضعيف العقل
قليل التمييز اعتقد أنه حق، وتعلق قلبه بذلك وحصل في نفسه نوع من الرهب والمخافة، فإذا حصل الخوف ضعفت القوى الحساسة فحينئذ يتمكن الساحر أن يفعل ما يشاء.
قلت: هذا النمط يقال له التنبلة، وإنما يروج على الضعفاء العقول من بني
آدم. وفي علم الفراسة ما يرشد إلى معرفة كامل العقل من ناقصه، فإذا كان
المُتَنْبِلُ حاذقًا في علم الفراسة عرف من ينقاد له مِنَ الناس مِنْ غيره.
قال: النوع الثامن من السحر: السعي بالنميمة والتضريب من وجوه خفيفة لطيفة، وذلك شائع في الناس.
قلت: النميمة على قسمين، تارة تكون على وجه التحريش [بين الناس] وتفريق قلوب المؤمنين، فهذا حرام متفق عليه. فأما إذا كانت على وجه الإصلاح [بين الناس]
وائتلاف كلمة المسلمين، كما جاء في الحديث: "ليس بالكذاب من يَنمّ خيرًا"
أو يكون على وجه التخذيل والتفريق بين جموع الكفرة" فهذا أمر مطلوب، كما
جاء في الحديث: "الحرب خدعة". وكما فعل نعيم بن مسعود في تفريقه بين كلمة الأحزاب وبين
قريظة، وجاء إلى هؤلاء فنمى إليهم عن هؤلاء كلامًا، ونقل من هؤلاء إلى
أولئك شيئًا آخر، ثم لأم بين ذلك، فتناكرت النفوس وافترقت. وإنما يحذو على
مثل هذا الذكاء والبصيرة النافذة. والله المستعان.
ثم قال الرازي: فهذه جملة الكلام في أقسام السحر وشرح أنواعه وأصنافه.
قلت: وإنما أدخل كثيرًا من هذه الأنواع المذكورة في فَنّ السحر، للطافة
مداركها؛ لأن السحر في اللغة: عبارة عما لطُف وخفي سببه. ولهذا جاء في
الحديث: "إن من البيان لسحرًا . وسمي السحور لكونه يقع خفيًا آخر الليل
والسَّحْر: الرئة، وهي محل الغذاء، وسميت بذلك لخفائها ولطف مجاريها إلى
أجزاء البدن وغضونه، كما قال أبو جهل يوم بدر لعتبة: انتفخ سحرك أي: انتفخت رئته من الخوف. وقالت عائشة، رضي الله عنها: توفي رسول صلى الله عليه وسلم بين سَحْري ونَحْري. وقال: سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ [الأعراف : 116] أي: أخفوا عنهم عملهم، والله أعلم .
[فصل]
وقد ذكر الوزير أبو المظفر يحيى بن هَبيرة بن محمد بن هبيرة في كتابه:
"الإشراف على مذاهب الأشراف" بابًا في السحر، فقال: أجمعوا على أن السحر له
حقيقة إلا أبا حنيفة، فإنه قال: لا حقيقة له عنده. واختلفوا فيمن يتعلم
السحر ويستعمله، فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: يكفر بذلك. ومن أصحاب أبي
حنيفة من قال: إن تعلمه ليتقيه أو ليجتنبه فلا يكفر، ومن تعلمه معتقدًا
جوازه أو أنه ينفعه كَفَر. وكذا من اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء فهو
كافر. وقال الشافعي، رحمه الله: إذا تعلم السحر قلنا له: صف لنا سحرك. فإن
وصف ما يوجب الكفر مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب إلى الكواكب السبعة،
وأنها تفعل ما يلتمس منها، فهو كافر. وإن كان لا يوجب الكفر فإن اعتقد
إباحته فهو كافر.
قال ابن هبيرة: وهل يقتل بمجرد فعله واستعماله؟ فقال مالك وأحمد: نعم.
وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا. فأما إن قتل بسحره إنسانا فإنه يُقْتل عند
مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا يقتل حتى يتكرر منه ذلك أو يقر بذلك في حَقّ شخص معين. وإذا قُتل فإنه يُقْتَل حدًا عندهم إلا الشافعي، فإنه قال: يقتل -والحالة هذه-قصاصًا.
قال: وهل إذا تاب الساحر تقبل توبته؟ فقال مالك، وأبو حنيفة وأحمد في
المشهور عنهما: لا تقبل. وقال الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى: تقبل. وأما
ساحر أهل الكتاب فعند أبي حنيفة أنه يقتل، كما يقتل الساحر المسلم. وقال
مالك والشافعي وأحمد: لا يقتل. يعني لقصة لبيد بن أعصم .
واختلفوا في المسلمة الساحرة، فعند أبي حنيفة لا تقتل، ولكن تحبس. وقال الثلاثة: حكمها حكم الرجل، والله أعلم.
وقال أبو بكر الخلال: أخبرنا أبو بكر المروزي، قال: قَرَأ على أبي عبد
الله -يعني أحمد بن حنبل-عُمَرُ بن هارون، حدثنا يونس، عن الزهري، قال:
يقتل ساحر المسلمين ولا يقتل ساحر المشركين؛ لأن رسول الله صلى الله عليه
وسلم سحرته امرأة من اليهود فلم يقتلها.
وقد نقل القرطبي عن مالك، رحمه الله، أنه قال في الذمي إذا سحر يقتل إن
قتل سحره، وحكى ابن خويز منداد عن مالك روايتين في الذمي إذا سحر: إحداهما:
أنه يستتاب فإن أسلم وإلا قتل، والثانية: أنه يقتل وإن أسلم، وأما الساحر
المسلم فإن تضمن سحره كفرًا كفر عند الأئمة الأربعة وغيرهم لقوله تعالى: "
وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ
فَلا تَكْفُرْ " . لكن قال مالك: إذا ظهر عليه لم تقبل توبته لأنه
كالزنديق، فإن تاب قبل أن يظهر عليه وجاءنا تائبًا قبلناه ولم نقتله، فإن
قتل سحره قتل. قال الشافعي: فإن قال: لم أتعمد القتل فهو مخطئ تجب عليه
الدية.
مسألة: وهل يسأل الساحر حل سحره؟ فأجاز سعيد بن المسيب فيما نقله
عنه البخاري، وقال عامر الشعبي: لا بأس بالنشرة، وكره ذلك الحسن البصري،
وفي الصحيح عن عائشة: أنها قالت: يا رسول الله، هلا تنشرت، فقال: "أما الله
فقد شفاني، وخشيت أن أفتح على الناس شرًا"
. وحكى القرطبي عن وهب: أنه قال: يؤخذ سبع ورقات من سدر فتدق بين حجرين ثم
تضرب بالماء ويقرأ عليها آية الكرسي ويشرب منها المسحور ثلاث حسوات ثم
يغتسل بباقيه فإنه يذهب ما به، وهو جيد للرجل الذي يؤخذ عن امرأته.
قلت: أنفع ما يستعمل لإذهاب السحر ما أنـزل الله على رسوله صلى الله
عليه وسلم في إذهاب ذلك وهما المعوذتان، وفي الحديث: "لم يتعوذ المتعوذون
بمثلهما" وكذلك قراءة آية الكرسي فإنها مطردة للشيطان. وقال أبو عبد الله القرطبي: وعندنا أن السحر حق، وله حقيقة يخلق الله عنده ما يشاء.
خلافًا للمعتزلة وأبي إسحاق الإسفرايني من الشافعية
حيث قالوا: إنه تمويه وتخيل. قال: ومن السحر ما يكون بخفة اليد كالشعوذة
والشعوذي البريد؛ لخفة سيره. قال ابن فارس: هذه الكلمة من كلام أهل
البادية. قال القرطبي: ومنه ما يكون كلامًا يحفظ ورقى من أسماء الله تعالى،
وقد يكون من عهود الشياطين ويكون أدوية وأدخنة وغير ذلك. قال: وقوله، عليه
السلام: "إن من البيان لسحرا"
يحتمل أن يكون مدحًا كما تقوله طائفة، ويحتمل أن يكون ذمًا للبلاغة. قال:
وهذا الأصح. قال: لأنها تصوب الباطل حين يوهم السامع أنه حق كما قال: "فلعل
بعضكم أن يكون ألحن لحجته من بعض" فأقتضي له، الحديث.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا
يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ
أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ
بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)
نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، وذلك
أن اليهود كانوا يُعَانُون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص
-عليهم لعائن الله-فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا يقولون: راعنا. يورون بالرعونة، كما قال تعالى: مِنَ
الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ
سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا
بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا
سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ
وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ
إِلا قَلِيلا [النساء: 46] وكذلك جاءت الأحاديث بالإخبار عنهم، بأنهم كانوا إذا سَلَّموا إنما يقولون: السامُ عليكم. والسام هو: الموت. ولهذا أمرنا أن نرد عليهم بـ "وعليكم". وإنه يستجاب لنا فيهم، ولا يستجاب لهم فينا.
والغرض: أن الله تعالى نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولا وفعلا.
فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا
انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت، حدثنا
حسان بن عطية، عن أبي مُنيب الجُرَشي، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت بين يدي الساعة بالسيف، حتى يُعبد
الله وحده لا شريك له. وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصَّغارُ على
من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم".
وروى أبو داود، عن عثمان بن أبي شيبة، عن أبي النضر هاشم بن القاسم به "من تشبه بقوم فهو منهم"
ففيه دلالة على النهي الشديد والتهديد والوعيد، على التشبه بالكفار في
أقوالهم وأفعالهم، ولباسهم وأعيادهم، وعبادتهم وغير ذلك من أمورهم التي لم
تشرع لنا ولا نُقَرر عليها.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا عبد الله بن
المبارك، حدثنا مِسْعَر، عن مَعْن وعَوْن -أو أحدهما-أن رجلا أتى عبد الله
بن مسعود، فقال: اعهد إلي. فقال: إذا سمعت الله يقول ( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا ) فأرعها سَمْعك، فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه .
وقال الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) فإنه في التوراة: "يا أيها المساكين".
وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس: ( راعنا ) أي: أرعنا سمعك.
وقال الضحاك، عن ابن عباس: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَقُولُوا رَاعِنَا ) قال: كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم أرعنا
سمعك. وإنما ( راعنا ) كقولك: عاطنا.
وقال ابن أبي حاتم: وروي عن أبي العالية، وأبي مالك، والربيع بن أنس، وعطية العوفي، وقتادة، نحو ذلك.
وقال مجاهد: ( لا تَقُولُوا رَاعِنَا ) لا تقولوا خلافا. وفي رواية: لا تقولوا: اسمع منا ونسمع منك.
وقال عطاء: ( لا تَقُولُوا رَاعِنَا ) كانت لُغة يقولها الأنصار فنهى الله عنها.
وقال الحسن: ( لا تَقُولُوا رَاعِنَا ) قال: الراعن من القول السخري
منه. نهاهم الله أن يسخروا من قول محمد صلى الله عليه وسلم، وما يدعوهم
إليه من الإسلام. وكذا روي عن ابن جُرَيج أنه قال مثله.
وقال أبو صخر: ( لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا
وَاسْمَعُوا ) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أدبر ناداه من
كانت له حاجة من المؤمنين، فيقول: أرعنا سمعك. فأعظم الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقال ذلك له .
وقال السدي: كان رجل من اليهود من بني قينقاع، يدعى رفاعة بن زيد
يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا لقيه فكلمه قال: أرعني سمعك واسمع
غير مُسْمع. وكان المسلمون يحسبون أن الأنبياء كانت تُفَخم بهذا، فكان ناس
منهم يقولون: اسمع غير مسمع: غَيْرَ صاغر. وهي كالتي في سورة النساء. فتقدم الله إلى المؤمنين أن لا يقولوا: راعنا.
وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، بنحو من هذا.
قال ابن جرير: والصواب من القول في ذلك عندنا: أن الله نهى المؤمنين أن
يقولوا لنبيه صلى الله عليه وسلم: راعنا؛ لأنها كلمة كرهها الله تعالى أن
يقولها لنبيه صلى الله عليه وسلم، نظير الذي ذكر عن النبي أنه قال: "لا
تقولوا للعنب الكرم، ولكن قولوا: الحَبَلَة. ولا تقولوا: عبدي، ولكن قولوا:
فتاي". وما أشبه ذلك.
وقوله تعالى: ( مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنـزلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ )
يبين بذلك تعالى شدة عداوة
الكافرين من أهل الكتاب والمشركين، الذين حذر تعالى من مشابهتهم للمؤمنين؛
ليقطع المودة بينهم وبينهم. وينبِّه تعالى على ما أنعم به على المؤمنين من
الشرع التام الكامل، الذي شرعه لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، حيث يقول
تعالى: ( وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو
الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
[الزمر: 9] ؛ ولأن السحر لو لم يكن يعلم لما أمكن الفرق بينه وبين
المعجزة، والعلم بكون المعجز مُعْجِزًا واجب، وما يتوقف الواجب عليه فهو
واجب؛ فهذا يقتضي أن يكون تحصيل العلم بالسحر واجبًا، وما يكون واجبًا فكيف
يكون حرامًا وقبيحًا؟!
هذا لفظه بحروفه في هذه المسألة، وهذا الكلام فيه نظر من وجوه، أحدها:
قولُهُ: "العلم بالسحر ليس بقبيح". إن عنى به ليس بقبيح عقلا فمخالفوه من
المعتزلة يمنعون هذا وإن عنى أنه ليس بقبيح شرعًا، ففي هذه الآية الكريمة تبشيع لتعلم السحر، وفي الصحيح: "من أتى عرافًا أو كاهنًا، فقد كفر بما أنـزل على محمد" . وفي السنن: "من عقد عقدة ونفث فيها فقد سحر" . وقوله: "ولا محظور اتفق المحققون على ذلك". كيف لا يكون محظورًا مع ما ذكرناه من الآية والحديث؟! واتفاق المحققين يقتضي أن يكون قد نص على هذه المسألة أئمة العلماء أو أكثرهم، وأين نصوصهم على ذلك؟ ثم إدخاله [علم] السحر في عموم قوله: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ فيه نظر؛ لأن هذه الآية إنما دلت على مدح العالمين بالعلم الشرعي، ولم قلتَ إن هذا منه؟ ثم تَرَقيه إلى وجوب تعلمه بأنه لا يحصل العلم بالمعجز إلا به، ضعيف بل فاسد؛ لأن معظم معجزات رسولنا، عليه الصلاة والسلام
هي القرآن العظيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنـزيل
من حكيم حميد. ثم إن العلم بأنه معجز لا يتوقف على علم السحر أصلا ثم من
المعلوم بالضرورة أن الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وعامتهم، كانوا
يعلمون المعجز، ويفرّقُون بينه وبين غيره، ولم يكونوا يعلمون السحر ولا
تعلموه ولا علموه، والله أعلم.
ثم قد ذكر أبو عبد الله الرازي أن أنواع السحر ثمانية:
الأول: سحر الكلُدْانيين والكُشْدانيين، الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة المتحيرة، وهي السيارة، وكانوا يعتقدون أنها مُدَبّرة العالم وأنها تأتي بالخير والشر، وهم الذين بَعث إليهم إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم مبطلا لمقالتهم ورادا لمذهبهم وقد استقصى في "كتاب السر المكتوم، في مخاطبة الشمس والنجوم" المنسوب إليه فيما ذكره القاضي ابن خلكان وغيره ويقال: إنه تاب منه. وقيل إنه
صنفه على وجه إظهار الفضيلة لا على سبيل الاعتقاد. وهذا هو المظنون به،
إلا أنه ذكر فيه طرائقهم في مخاطبة كل من هذه الكواكب السبعة، وكيفية ما
يفعلون وما يلبسونه، وما يتنسكون به.
قال: والنوع الثاني: سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية، ثم
استدلّ على أن الوهم له تأثير، بأن الإنسان يمكنه أن يمشي على الجسر
الموضوع على وجه الأرض، ولا يمكنه المشي عليه إذا كان ممدودًا على نهر أو
نحوه. قال: وكما أجمعت الأطباء على نهي المَرْعُوف عن النظر إلى الأشياء الحُمْر، والمصروع إلى الأشياء القوية اللمعان أو الدوران، وما ذاك إلا لأن النفوس خلقت مُطِيعة للأوهام.
قال: وقد اتفق العقلاء على أن الإصابة بالعين حق.
وله أن يستدل على ذلك بما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم، قال: "العين حَقّ، ولو كان شيء سَابِقَ القدر لسبقته العين" .
قال: فإذا عرفت هذا، فنقول: النفس التي تفعل هذه الأفاعيل قد تكون قوية جدًا، فتستغني في هذه الأفاعيل عن الاستعانة بالآلات والأدوات، وقد تكون ضعيفة فتحتاج إلى الاستعانة بهذه الآلات. وتحقيقه أن النفس إذا كانت مستعلية
على البدن شديدة الانجذاب إلى عالم السماوات، صارت كأنها رُوح من الأرواح
السماوية، فكانت قوية على التأثير في مواد هذا العالم. وإذا كانت ضعيفة
شديدة التعلق بهذه الذات
البدنية، فحينئذ لا يكون لها تصرف البتة إلا في هذا البدن. ثم أرشد إلى
مداواة هذا الداء بتقليل الغذاء، والانقطاع عن الناس والرياء .
قلت: وهذا الذي يشير إليه هو التصرف بالحال، وهو على قسمين: تارة تكون
حالا صحيحة شرعية يتصرف بها فيما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم،
ويترك ما نهى الله عنه ورسوله، وهذه الأحوال مواهب من الله تعالى وكرامات
للصالحين من هذه الأمة، ولا يسمى هذا سحرًا في الشرع. وتارة تكون الحال
فاسدة لا يمتثل صاحبها ما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا يتصرف
بها في ذلك. فهذه حال الأشقياء المخالفين للشريعة، ولا يدل إعطاء الله إيَّاهم هذه الأحوال على محبته لهم، كما أن الدجَّال -لعنه الله-له من الخوارق للعادات
ما دلت عليه الأحاديث الكثيرة، مع أنه مذموم شرعًا لعنه الله. وكذلك من
شابهه من مخالفي الشريعة المحمدية، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. وبسط
هذا يطول جدًا، وليس هذا موضعه.
قال: النوع الثالث من السحر: الاستعانة بالأرواح الأرضية، وهم
الجن، خلافًا للفلاسفة والمعتزلة: وهم على قسمين: مؤمنون، وكفار، وهم
الشياطينُ. قال: واتصال النفوس الناطقة بها أسهل من اتصالها بالأرواح
السماوية، لما بينهما من المناسبة والقرب، ثم إن أصحاب الصنعة وأرباب التجربة شاهدوا أن الاتصال بهذه الأرواح الأرضية يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرقى والدخل والتجريد. وهذا النوع هو المسمى بالعزائم وعمل التسخير .
النوع الرابع من السحر: التخيلات، والأخذ بالعيون والشعبذة، ومبناه [على]
أن البصر قد يخطئ ويشتغل بالشيء المعين دون غيره، ألا ترى أن المشعبذ
الحاذق يظهر عمل شيء يذهل أذهان الناظرين به، ويأخذ عيونهم إليه، حتى إذا
استفرغهم
الشغل بذلك الشيء بالتحديق ونحوه، عمل شيئًا آخر عَمَلا بسرعة شديدة،
وحينئذ يظهر لهم شيء آخر غير ما انتظروه. فيتعجَّبون منه جدًا، ولو أنه سكت
ولم يتكلم بما يصرف الخواطر إلى ضد ما يريد أن يعمله، ولم تتحرك النفوس والأوهام إلى غير ما يريد إخراجه، لفطن الناظرون لكل ما يفعله.
قال: وكلما كانت الأحوال التي تفيد حسن البصر نوعًا من أنواع الخلل أشد، كان العمل
أحسنَ، مثل أن يجلس المشعبذ في موضع مضيء جدًا، أو مظلم، فلا تقف القوة الناظرة على أحوالها بكلالها والحالة هذه.
قلت: وقد قال بعض المفسرين: إن سحر السحرة بين يدي فرعون إنما كان من باب الشعبذة، ولهذا قال تعالى: فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف: 116] وقال تعالى: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه: 66] قالوا: ولم تكن تسعى في نفس الأمر. والله أعلم.
النوع الخامس من السحر: الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات المركبة من النسب الهندسية، كفارس على فرس في يده بوق، كلما مضت ساعة من النهار ضرب
بالبوق، من غير أن يمسه أحد. ومنها الصور التي تُصَوِّرها الرومُ والهند،
حتى لا يفرق الناظر بينها وبين الإنسان، حتى يصورونها ضاحكة وباكية.
إلى أن قال: فهذه الوجوه من لطيف أمور المخاييل. قال: وكان سحر سحرة فرعون من هذا القبيل.
قلت: يعني ما قاله بعض المفسرين: أنهم عمدوا إلى تلك الحبال والعصي،
فحشوها زئبقًا فصارت تتلوى بسبب ما فيها من ذلك الزئبق، فيخيل إلى الرائي
أنها تسعى باختيارها.
قال الرازي: ومن هذا الباب تركيب صندوق الساعات، ويندرج في هذا الباب علم جَرِّ الأثقال بالآلات الخفيفة.
قال: وهذا في الحقيقة لا ينبغي أن يعد من باب السحر؛ لأن لها أسبابًا معلومة يقينية من اطلع عليها قدر عليها.
قلت: ومن هذا القبيل حيل النصارى على عامتهم، بما يُرُونَهم إياه من الأنوار، كقضية قُمَامة الكنيسة التي لهم ببلد المقدس، وما يحتالون به من إدخال النار خفية إلى الكنيسة، وإشعال ذلك القنديل بصنعة لطيفة تروج على العوام [منهم] وأما الخواص فهم يعترفون بذلك، ولكن يتأولون أنهم يجمعون شمل أصحابهم على دينهم، فيرون ذلك سائغًا لهم. وفيه شبه للجهلة الأغبياء من متعبدي الكَرّامية الذين يرون جواز وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب، فيدخلون في عداد من قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم : "من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار ". وقوله: "حدثوا عني ولا تكذبوا عَلَيّ فإنه من يكذب عليّ يلج النار" .
ثم ذكر ههنا حكاية عن بعض الرهبان، وهو أنه سمع صوت طائر حزين الصوت ضعيف الحركة، فإذا سمعته الطيور تَرِقّ له فتذهب فتلقي في وَكْره من ثمر الزيتون، ليتبلغ به، فعَمَد هذا الراهبُ إلى صنعة طائر على شكله، وتوصل إلى أن جعله أجوف، فإذا دخلته الريح يسمع له
صوت كصوت ذلك الطائر، وانقطع في صومعة ابتناها، وزعم أنها على قبر بعض
صالحيهم، وعلق ذلك الطائر في مكان منها، فإذا كان زمان الزيتون فتح بابًا
من ناحيه، فتدخل الريح إلى داخل هذه الصورة، فَيُسْمَعُ صوتها كذلك الطائر
في شكله أيضًا، فتأتي الطيور فتحمل من الزيتون شيئًا كثيرًا فلا ترى
النصارى إلا ذلك الزيتون في هذه الصومعة، ولا يدرون ما سببه؟ ففتنهم بذلك،
وأوهم أن هذا من كرامات صاحب هذا القبر، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة.
قال الرازي: النوع السادس من السحر: الاستعانة بخواص الأدوية يعني في الأطعمة والدهانات . قال: واعلم أن لا سبيل إلى إنكار الخواص، فإن أثر المغناطيس مشاهد.
قلت: يدخل في هذا القبيل كثير ممن يَدّعي الفقر ويتحيل على جهلة الناس بهذه الخواص، مدعيًا أنها أحوال له من مخالطة النيران ومسك الحيات إلى غير ذلك من المحالات.
قال: النوع السابع من السحر: تعليق
القلب، وهو أن يدعي الساحرُ أنه عرف الاسم الأعظم، وأن الجن يطيعونه
وينقادون له في أكثر الأمور، فإذا اتفق أن يكون ذلك السامع لذلك ضعيف العقل
قليل التمييز اعتقد أنه حق، وتعلق قلبه بذلك وحصل في نفسه نوع من الرهب والمخافة، فإذا حصل الخوف ضعفت القوى الحساسة فحينئذ يتمكن الساحر أن يفعل ما يشاء.
قلت: هذا النمط يقال له التنبلة، وإنما يروج على الضعفاء العقول من بني
آدم. وفي علم الفراسة ما يرشد إلى معرفة كامل العقل من ناقصه، فإذا كان
المُتَنْبِلُ حاذقًا في علم الفراسة عرف من ينقاد له مِنَ الناس مِنْ غيره.
قال: النوع الثامن من السحر: السعي بالنميمة والتضريب من وجوه خفيفة لطيفة، وذلك شائع في الناس.
قلت: النميمة على قسمين، تارة تكون على وجه التحريش [بين الناس] وتفريق قلوب المؤمنين، فهذا حرام متفق عليه. فأما إذا كانت على وجه الإصلاح [بين الناس]
وائتلاف كلمة المسلمين، كما جاء في الحديث: "ليس بالكذاب من يَنمّ خيرًا"
أو يكون على وجه التخذيل والتفريق بين جموع الكفرة" فهذا أمر مطلوب، كما
جاء في الحديث: "الحرب خدعة". وكما فعل نعيم بن مسعود في تفريقه بين كلمة الأحزاب وبين
قريظة، وجاء إلى هؤلاء فنمى إليهم عن هؤلاء كلامًا، ونقل من هؤلاء إلى
أولئك شيئًا آخر، ثم لأم بين ذلك، فتناكرت النفوس وافترقت. وإنما يحذو على
مثل هذا الذكاء والبصيرة النافذة. والله المستعان.
ثم قال الرازي: فهذه جملة الكلام في أقسام السحر وشرح أنواعه وأصنافه.
قلت: وإنما أدخل كثيرًا من هذه الأنواع المذكورة في فَنّ السحر، للطافة
مداركها؛ لأن السحر في اللغة: عبارة عما لطُف وخفي سببه. ولهذا جاء في
الحديث: "إن من البيان لسحرًا . وسمي السحور لكونه يقع خفيًا آخر الليل
والسَّحْر: الرئة، وهي محل الغذاء، وسميت بذلك لخفائها ولطف مجاريها إلى
أجزاء البدن وغضونه، كما قال أبو جهل يوم بدر لعتبة: انتفخ سحرك أي: انتفخت رئته من الخوف. وقالت عائشة، رضي الله عنها: توفي رسول صلى الله عليه وسلم بين سَحْري ونَحْري. وقال: سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ [الأعراف : 116] أي: أخفوا عنهم عملهم، والله أعلم .
[فصل]
وقد ذكر الوزير أبو المظفر يحيى بن هَبيرة بن محمد بن هبيرة في كتابه:
"الإشراف على مذاهب الأشراف" بابًا في السحر، فقال: أجمعوا على أن السحر له
حقيقة إلا أبا حنيفة، فإنه قال: لا حقيقة له عنده. واختلفوا فيمن يتعلم
السحر ويستعمله، فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: يكفر بذلك. ومن أصحاب أبي
حنيفة من قال: إن تعلمه ليتقيه أو ليجتنبه فلا يكفر، ومن تعلمه معتقدًا
جوازه أو أنه ينفعه كَفَر. وكذا من اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء فهو
كافر. وقال الشافعي، رحمه الله: إذا تعلم السحر قلنا له: صف لنا سحرك. فإن
وصف ما يوجب الكفر مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب إلى الكواكب السبعة،
وأنها تفعل ما يلتمس منها، فهو كافر. وإن كان لا يوجب الكفر فإن اعتقد
إباحته فهو كافر.
قال ابن هبيرة: وهل يقتل بمجرد فعله واستعماله؟ فقال مالك وأحمد: نعم.
وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا. فأما إن قتل بسحره إنسانا فإنه يُقْتل عند
مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا يقتل حتى يتكرر منه ذلك أو يقر بذلك في حَقّ شخص معين. وإذا قُتل فإنه يُقْتَل حدًا عندهم إلا الشافعي، فإنه قال: يقتل -والحالة هذه-قصاصًا.
قال: وهل إذا تاب الساحر تقبل توبته؟ فقال مالك، وأبو حنيفة وأحمد في
المشهور عنهما: لا تقبل. وقال الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى: تقبل. وأما
ساحر أهل الكتاب فعند أبي حنيفة أنه يقتل، كما يقتل الساحر المسلم. وقال
مالك والشافعي وأحمد: لا يقتل. يعني لقصة لبيد بن أعصم .
واختلفوا في المسلمة الساحرة، فعند أبي حنيفة لا تقتل، ولكن تحبس. وقال الثلاثة: حكمها حكم الرجل، والله أعلم.
وقال أبو بكر الخلال: أخبرنا أبو بكر المروزي، قال: قَرَأ على أبي عبد
الله -يعني أحمد بن حنبل-عُمَرُ بن هارون، حدثنا يونس، عن الزهري، قال:
يقتل ساحر المسلمين ولا يقتل ساحر المشركين؛ لأن رسول الله صلى الله عليه
وسلم سحرته امرأة من اليهود فلم يقتلها.
وقد نقل القرطبي عن مالك، رحمه الله، أنه قال في الذمي إذا سحر يقتل إن
قتل سحره، وحكى ابن خويز منداد عن مالك روايتين في الذمي إذا سحر: إحداهما:
أنه يستتاب فإن أسلم وإلا قتل، والثانية: أنه يقتل وإن أسلم، وأما الساحر
المسلم فإن تضمن سحره كفرًا كفر عند الأئمة الأربعة وغيرهم لقوله تعالى: "
وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ
فَلا تَكْفُرْ " . لكن قال مالك: إذا ظهر عليه لم تقبل توبته لأنه
كالزنديق، فإن تاب قبل أن يظهر عليه وجاءنا تائبًا قبلناه ولم نقتله، فإن
قتل سحره قتل. قال الشافعي: فإن قال: لم أتعمد القتل فهو مخطئ تجب عليه
الدية.
مسألة: وهل يسأل الساحر حل سحره؟ فأجاز سعيد بن المسيب فيما نقله
عنه البخاري، وقال عامر الشعبي: لا بأس بالنشرة، وكره ذلك الحسن البصري،
وفي الصحيح عن عائشة: أنها قالت: يا رسول الله، هلا تنشرت، فقال: "أما الله
فقد شفاني، وخشيت أن أفتح على الناس شرًا"
. وحكى القرطبي عن وهب: أنه قال: يؤخذ سبع ورقات من سدر فتدق بين حجرين ثم
تضرب بالماء ويقرأ عليها آية الكرسي ويشرب منها المسحور ثلاث حسوات ثم
يغتسل بباقيه فإنه يذهب ما به، وهو جيد للرجل الذي يؤخذ عن امرأته.
قلت: أنفع ما يستعمل لإذهاب السحر ما أنـزل الله على رسوله صلى الله
عليه وسلم في إذهاب ذلك وهما المعوذتان، وفي الحديث: "لم يتعوذ المتعوذون
بمثلهما" وكذلك قراءة آية الكرسي فإنها مطردة للشيطان. وقال أبو عبد الله القرطبي: وعندنا أن السحر حق، وله حقيقة يخلق الله عنده ما يشاء.
خلافًا للمعتزلة وأبي إسحاق الإسفرايني من الشافعية
حيث قالوا: إنه تمويه وتخيل. قال: ومن السحر ما يكون بخفة اليد كالشعوذة
والشعوذي البريد؛ لخفة سيره. قال ابن فارس: هذه الكلمة من كلام أهل
البادية. قال القرطبي: ومنه ما يكون كلامًا يحفظ ورقى من أسماء الله تعالى،
وقد يكون من عهود الشياطين ويكون أدوية وأدخنة وغير ذلك. قال: وقوله، عليه
السلام: "إن من البيان لسحرا"
يحتمل أن يكون مدحًا كما تقوله طائفة، ويحتمل أن يكون ذمًا للبلاغة. قال:
وهذا الأصح. قال: لأنها تصوب الباطل حين يوهم السامع أنه حق كما قال: "فلعل
بعضكم أن يكون ألحن لحجته من بعض" فأقتضي له، الحديث.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا
يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ
أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ
بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)
نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، وذلك
أن اليهود كانوا يُعَانُون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص
-عليهم لعائن الله-فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا يقولون: راعنا. يورون بالرعونة، كما قال تعالى: مِنَ
الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ
سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا
بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا
سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ
وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ
إِلا قَلِيلا [النساء: 46] وكذلك جاءت الأحاديث بالإخبار عنهم، بأنهم كانوا إذا سَلَّموا إنما يقولون: السامُ عليكم. والسام هو: الموت. ولهذا أمرنا أن نرد عليهم بـ "وعليكم". وإنه يستجاب لنا فيهم، ولا يستجاب لهم فينا.
والغرض: أن الله تعالى نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولا وفعلا.
فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا
انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت، حدثنا
حسان بن عطية، عن أبي مُنيب الجُرَشي، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت بين يدي الساعة بالسيف، حتى يُعبد
الله وحده لا شريك له. وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصَّغارُ على
من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم".
وروى أبو داود، عن عثمان بن أبي شيبة، عن أبي النضر هاشم بن القاسم به "من تشبه بقوم فهو منهم"
ففيه دلالة على النهي الشديد والتهديد والوعيد، على التشبه بالكفار في
أقوالهم وأفعالهم، ولباسهم وأعيادهم، وعبادتهم وغير ذلك من أمورهم التي لم
تشرع لنا ولا نُقَرر عليها.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا عبد الله بن
المبارك، حدثنا مِسْعَر، عن مَعْن وعَوْن -أو أحدهما-أن رجلا أتى عبد الله
بن مسعود، فقال: اعهد إلي. فقال: إذا سمعت الله يقول ( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا ) فأرعها سَمْعك، فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه .
وقال الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) فإنه في التوراة: "يا أيها المساكين".
وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس: ( راعنا ) أي: أرعنا سمعك.
وقال الضحاك، عن ابن عباس: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَقُولُوا رَاعِنَا ) قال: كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم أرعنا
سمعك. وإنما ( راعنا ) كقولك: عاطنا.
وقال ابن أبي حاتم: وروي عن أبي العالية، وأبي مالك، والربيع بن أنس، وعطية العوفي، وقتادة، نحو ذلك.
وقال مجاهد: ( لا تَقُولُوا رَاعِنَا ) لا تقولوا خلافا. وفي رواية: لا تقولوا: اسمع منا ونسمع منك.
وقال عطاء: ( لا تَقُولُوا رَاعِنَا ) كانت لُغة يقولها الأنصار فنهى الله عنها.
وقال الحسن: ( لا تَقُولُوا رَاعِنَا ) قال: الراعن من القول السخري
منه. نهاهم الله أن يسخروا من قول محمد صلى الله عليه وسلم، وما يدعوهم
إليه من الإسلام. وكذا روي عن ابن جُرَيج أنه قال مثله.
وقال أبو صخر: ( لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا
وَاسْمَعُوا ) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أدبر ناداه من
كانت له حاجة من المؤمنين، فيقول: أرعنا سمعك. فأعظم الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقال ذلك له .
وقال السدي: كان رجل من اليهود من بني قينقاع، يدعى رفاعة بن زيد
يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا لقيه فكلمه قال: أرعني سمعك واسمع
غير مُسْمع. وكان المسلمون يحسبون أن الأنبياء كانت تُفَخم بهذا، فكان ناس
منهم يقولون: اسمع غير مسمع: غَيْرَ صاغر. وهي كالتي في سورة النساء. فتقدم الله إلى المؤمنين أن لا يقولوا: راعنا.
وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، بنحو من هذا.
قال ابن جرير: والصواب من القول في ذلك عندنا: أن الله نهى المؤمنين أن
يقولوا لنبيه صلى الله عليه وسلم: راعنا؛ لأنها كلمة كرهها الله تعالى أن
يقولها لنبيه صلى الله عليه وسلم، نظير الذي ذكر عن النبي أنه قال: "لا
تقولوا للعنب الكرم، ولكن قولوا: الحَبَلَة. ولا تقولوا: عبدي، ولكن قولوا:
فتاي". وما أشبه ذلك.
وقوله تعالى: ( مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنـزلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ )
يبين بذلك تعالى شدة عداوة
الكافرين من أهل الكتاب والمشركين، الذين حذر تعالى من مشابهتهم للمؤمنين؛
ليقطع المودة بينهم وبينهم. وينبِّه تعالى على ما أنعم به على المؤمنين من
الشرع التام الكامل، الذي شرعه لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، حيث يقول
تعالى: ( وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو
الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء العشرون من تفسير سورة البقرة
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء العشرون من تفسير سورة البقرة
جزاك الله خيرا على المواضيع القيمة بارك الله فيك
طريق النجاح- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 709
تاريخ الميلاد : 07/05/1997
العمر : 27
رد: الجزء العشرون من تفسير سورة البقرة
شكرا على الموضوع
أبو سليمان- المشرفون
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 3412
تاريخ الميلاد : 03/11/1996
العمر : 28
الأمير- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 6081
تاريخ الميلاد : 29/10/1996
العمر : 28
رد: الجزء العشرون من تفسير سورة البقرة
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء العشرون من تفسير سورة الأعراف
» الجزء العشرون من تفسير سورة آل عمران
» الجزء العاشر من تفسير سورة البقرة
» الجزء الحادي عشر من تفسير سورة البقرة
» الجزء الثاني عشر من تفسير سورة البقرة
» الجزء العشرون من تفسير سورة آل عمران
» الجزء العاشر من تفسير سورة البقرة
» الجزء الحادي عشر من تفسير سورة البقرة
» الجزء الثاني عشر من تفسير سورة البقرة
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة البقرة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى