الجزء الواحد والثلاثون من تفسير سورة البقرة
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة البقرة
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الواحد والثلاثون من تفسير سورة البقرة
وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154)
وقوله تعالى: ( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ ) يخبر تعالى أن الشهداء في بَرْزَخِهم أحياء
يرزقون، كما جاء في صحيح مسلم: "إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في
الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل مُعَلَّقة تحت العرش، فاطَّلع عليهم ربك اطِّلاعَة، فقال:
ماذا تبغون؟ فقالوا: يا ربنا، وأيّ شيء نبغي، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا
من خلقك؟ ثم عاد إليهم بمثل هذا، فلما رأوا أنهم لا يُتْرَكُون من أن
يسألوا، قالوا: نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا، فنقاتل في سبيلك، حتى نقتل
فيك مرة أخرى؛ لما يرون من ثواب الشهادة -فيقول الرب جلّ جلاله: إني كتبتُ
أنَّهم إليها لا يرجعون" .
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد، عن الإمام الشافعي، عن الإمام مالك،
عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "نَسَمَةُ المؤمن طائر تَعْلَقُ في شجر الجنة، حتى يرجعه
الله إلى جسده يوم يبعثه" .
ففيه دلالة لعموم المؤمنين أيضًا، وإن كان الشهداء قد خصِّصُوا بالذكر في القرآن، تشريفًا لهم وتكريمًا وتعظيما .
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ
وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)
أخبر تعالى أنه يبتلي عباده [المؤمنين] أي: يختبرهم ويمتحنهم، كما قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد: 31] فتارة بالسراء، وتارة بالضراء من خوف وجوع، كما قال تعالى: فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ
[النحل: 112] فإن الجائع والخائف كل منهما يظهر ذلك عليه؛ ولهذا قال: لباس
الجوع والخوف. وقال هاهنا ( بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ) أي:
بقليل من ذلك ( وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ ) أي: ذهاب بعضها ( وَالأنْفُسِ )
كموت الأصحاب والأقارب والأحباب ( وَالثَّمَرَاتِ ) أي: لا تُغِلّ الحدائق
والمزارع كعادتها. كما قال بعض السلف: فكانت بعض النخيل لا تثمر غير
واحدة. وكل هذا وأمثاله مما يختبر الله به عباده، فمن صبر أثابه [الله] ومن قنط أحل [الله] به عقابه. ولهذا قال: ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ )
وقد حكى بعضُ المفسرين أن المراد من الخوف هاهنا: خوف الله، وبالجوع: صيام رمضان، ونقص الأموال: الزكاة، والأنفس: الأمراض، والثمرات: الأولاد.
وفي هذا نظر، والله أعلم.
ثم بيَنَّ تعالى مَنِ الصابرون
الذين شكرهم، قال: ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) أي: تسلَّوا بقولهم هذا عما
أصابهم، وعلموا أنَّهم ملك لله يتصرف في عبيده بما
يشاء، وعلموا أنه لا يضيع لديه مثْقال ذرَّة يوم القيامة، فأحدث لهم ذلك
اعترافهم بأنهم عبيده، وأنهم إليه راجعون في الدار الآخرة. ولهذا أخبر
تعالى عما أعطاهم على ذلك فقال: ( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ ) أي: ثناء من الله عليهم ورحمة.
قال سعيد بن جبير: أي أَمَنَةٌ من العذاب ( وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُهْتَدُونَ ) قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: نعم العدْلان ونعمت
العلاوة ( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ )
فهذان العدلان ( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) فهذه العلاوة، وهي ما
توضع بين العدلين، وهي زيادة في الحمل وكذلك هؤلاء، أعطوا ثوابهم وزيدوا أيضًا.
وقد ورد في ثواب الاسترجاع، وهو قول ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) عند المصائب أحاديث كثيرة. فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد:
حدثنا يونس، حدثنا ليث -يعني ابن سعد -عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن
الهاد، عن عمرو بن أبي عَمْرو، عن المطلب، عن أم سلمة قالت: أتاني أبو سلمة
يومًا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لقد سمعت من رسول الله
صلى الله عليه وسلم قولا سُررْتُ به. قال: "لا يصيب أحدا من المسلمين مصيبة
فيسترجع عند مصيبته، ثم يقول: اللهم أجُرني في مصيبتي واخلُف لي خيرًا
منها، إلا فُعِل ذلك به". قالت أم سلمة: فحفظت ذلك منه، فلما توفي أبو سلمة
استرجعت وقلت: اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منه، ثم رجعت إلى
نفسي. فقلت: من أين لي خير من أبي سلمة؟ فلما انقضت عدَّتي استأذن علي رسول الله صلى الله عليه وسلم -وأنا أدبغ إهابا لي -فغسلت يدي من القَرَظ
وأذنت له، فوضعت له وسادة أدم حَشْوُها ليف، فقعد عليها، فخطبني إلى نفسي،
فلما فرغ من مقالته قلت: يا رسول الله، ما بي ألا يكون بك الرغبة، ولكني
امرأة، فيّ غَيْرة شديدة، فأخاف أن ترى مني شيئًا يعذبني الله به، وأنا
امرأة قد دخلتُ في السن، وأنا ذات عيال، فقال: "أما ما ذكرت من الغيرة فسوف
يُذهبها
الله، عز وجل عنك. وأما ما ذكرت من السِّن فقد أصابني مثلُ الذي أصابك،
وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي". قالت: فقد سلَّمْتُ لرسول الله
صلى الله عليه وسلم. فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت أم سلمة
بعد: أبدلني الله بأبي سلمة خيرًا منه، رسولُ الله صلى الله عليه وسلم .
وفي صحيح مسلم، عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: "ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ
رَاجِعُونَ ) اللهم أجُرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها، إلا آجره الله
من مصيبته، وأخلف له خيرا منها" قالت: فلما تُوُفي أبو سلمة قلت كما أمرني
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله لي خيرا منه: رسولَ الله صلى
الله عليه وسلم .
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، وعَبَّاد بن عباد قالا حدثنا هشام بن أبي هشام، حدثنا عباد بن زياد، عن أمه، عن فاطمة ابنة
الحسين، عن أبيها الحسين بن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من
مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها وإن طال عهدها -وقال عباد: قدم عهدها
-فيحدث لذلك استرجاعا، إلا جدد الله له عند ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب"
.
ورواه ابنُ ماجه في سُنَنه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وَكِيع، عن هشام بن زياد، عن أمه، عن فاطمة بنت الحسين، عن أبيها [الحسين] .
وقد رواه إسماعيل بن عُلَية، ويزيد بن هارون، عن هشام بن زياد عن أبيه، كذا عن، فاطمة، عن أبيها.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق السالحيني، أخبرنا حماد بن سلمة،
عن أبي سنان قال: دفنتُ ابنًا لي، فإني لفي القبر إذ أخذ بيدي أبو طلحة
-يعني الخولاني -فأخرجني، وقال لي: ألا أبشرك؟ قلت: بلى. قال: حدثني الضحاك
بن عبد الرحمن بن عرْزَب، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "قال الله :يا ملك الموت، قبضتَ ولد عبدي؟ قبضت قُرَّة عينه وثمرة فؤاده؟ قال نعم. قال: فما قال؟ قال: حَمِدَك واسترجع، قال: ابنو له بيتًا في الجنة، وسمُّوه بيتَ الحمد".
ثم رواه عن علي بن إسحاق، عن عبد الله بن المبارك. فذكره . وهكذا رواه الترمذي عن سُوَيد بن نصر، عن ابن المبارك ، به. وقال: حسن غريب. واسم أبي سنان: عيسى بن سنان.
إِنَّ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ
أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ
تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)
قال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، أخبرنا إبراهيم بن سعد،
عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قلت: أرأيت قول الله تعالى: ( إِنَّ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ
أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) قلت:
فوالله ما على أحد جناح أن لا يطَّوف بهما؟ فقالت عائشة: بئسما قلت يا ابن
أختي إنها لو كانت على ما أوّلتَها عليه كانت: فلا جناح عليه ألا
يطوف بهما، ولكنها إنما أنـزلت أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا كانوا
يُهِلّون لمناة الطاغية، التي كانوا يعبدونها عند المُشلَّل. وكان من أهلَّ
لها يتحرج أن يطوَّف بالصفا والمروة، فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، إنا كنا نتحرج أن نطَّوف بالصفا والمروة
في الجاهلية. فأنـزل الله عز وجل: ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ
شَعَائِرِ اللَّهِ ) إلى قوله: ( فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ
بِهِمَا ) قالت عائشة: ثم قد سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف
بهما، فليس لأحد أن يَدع الطواف بهما. أخرجاه في الصحيحين .
وفي رواية عن الزهري أنه قال: فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن عبد الرحمن
بن الحارث بن هشام، فقال: إن هذا العلم، ما كنت سمعته، ولقد سمعتُ رجالا من أهل العلم يقولون
إن الناس -إلا من ذكرتْ عائشة -كانوا يقولون: إن طوافنا بين هذين الحجرين
من أمر الجاهلية. وقال آخرون من الأنصار: إنما أمرنا بالطواف بالبيت، ولم
نؤمر بالطواف بين الصفا والمروة، فأنـزل الله تعالى: ( إِنَّ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) قال أبو بكر بن عبد الرحمن: فلعلها
نـزلت في هؤلاء وهؤلاء.
ورواه البخاري من حديث مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة
بنحو ما تقدم. ثم قال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن عاصم
بن سُليمان قال: سألت أنسًا عن الصفا والمروة قال: كنا نرى ذلك من أمر الجاهلية، فلما جاء الإسلام أمسكنا عنهما، فأنـزل الله عز وجل: ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) .
وذكر القرطبي
في تفسيره عن ابن عباس قال: كانت الشياطين تفرق بين الصفا والمروة الليل
كله، وكانت بينهما آلهة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم، عن الطواف بينهما، فنـزلت هذه الآية. وقال الشعبي: كان إساف على
الصفا، وكانت نائلة على المروة، وكانوا يستلمونهما فتحرجوا بعد الإسلام من
الطواف بينهما، فنـزلت هذه الآية. قلت: وذكر ابن إسحاق في كتاب السيرة
أن إسافا ونائلة كانا بشرين، فزنيا داخل الكعبة فمسخا حجرين فنصبتهما
قُريش تجاه الكعبة ليعتبر بهما الناس، فلما طال عهدهما عبدا، ثم حولا إلى
الصفا والمروة، فنصبا هنالك، فكان من طاف بالصفا والمروة يستلمهما، ولهذا
يقول أبو طالب، في قصيدته المشهورة:
وفي صحيح مسلم [من] حديثُ جابر الطويلُ، وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه بالبيت،
عاد إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من باب الصفا، وهو يقول: ( إِنَّ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) ثم قال: "أبدأ بما بدأ الله به".
وفي رواية النسائي: "ابدؤوا بما بدأ الله به" .
وقال الإمام أحمد: حدثنا شريح، حدثنا عبد الله بن المؤمل، عن عطاء بن أبي رباح، عن صفية بنت شيبة، عن حَبِيبة بنت أبي تجراة
قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة، والناس
بين يديه، وهو وراءهم، وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به
إزاره، وهو يقول: "اسعَوا، فإن الله كتب عليكم السعي" .
ثم رواه الإمام أحمد، عن عبد الرزاق، أخبرنا مَعْمَر، عن واصل -مولى أبي عُيَينة -عن موسى بن عبيدة عن صفية بنت شيبة، أن امرأة أخبرتها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة يقول: "كتب عليكم السعي، فاسعوا" .
وقد استُدلّ بهذا الحديث على مذهب من يرى أن السعي بين الصفا والمروة
ركن في الحج، كما هو مذهب الشافعي، ومن وافقه [ورواية عن أحمد وهو المشهور
عن مالك]
. وقيل: إنه واجب، وليس بركن [فإن تركه عمدًا أو سهوا جبره بدم وهو رواية
عن أحمد وبه تقول طائفة وقيل: بل مستحب، وإليه ذهب أبو حنيفة والثوري
والشعبي وابن سيرين، وروي عن أنس وابن عمر وابن عباس، وحكي عن مالك في
العتبية، قال القرطبي: واحتجوا بقوله: ( فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا ) ]
. وقيل: بل مستحب. والقول الأول أرجح، لأنه عليه السلام طاف بينهما، وقال:
"لتأخذوا عني مناسككم". فكل ما فعله في حَجته تلك واجب لا بد من فعله في
الحج، إلا ما خرج بدليل، والله أعلم [وقد تقدم قوله عليه السلام: "اسعوا
فإن الله كتب عليكم السعي"] .
فقد بين الله-تعالى -أن الطواف بين الصفا والمروة من شعائر الله، أي:
مما شرع الله تعالى لإبراهيم الخليل في مناسك الحج، وقد تقدم في حديث ابن
عباس أن أصل ذلك مأخوذ من تطواف
هاجر وتردادها بين الصفا والمروة في طلب الماء لولدها، لما نفد ماؤها
وزادُها، حين تركهما إبراهيم -عليه السلام -هنالك ليس عندهما أحد من الناس،
فلما خافت الضيعة على ولدها هنالك، ونفد ما عندها قامت تطلب الغوث من
الله، عز وجل، فلم تزل تردد
في هذه البقعة المشرفة بين الصفا والمروة متذللة خائفة وجلة مضطرة فقيرة
إلى الله، عز وجل، حتى كشف الله كربتها، وآنس غربتها، وفرج شدتها، وأنبع
لها زمزم التي ماؤها طعام طعم، وشفاء سقم، فالساعي بينهما ينبغي له أن
يستحضر فقره وذله وحاجته إلى الله في هداية قلبه وصلاح حاله وغفران ذنبه،
وأن يلتجئ إلى الله، عز وجل ،ليُزيح ما هو به من النقائص والعيوب، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم
وأن يثبته عليه إلى مماته، وأن يحوّله من حاله الذي هو عليه من الذنوب
والمعاصي، إلى حال الكمال والغُفران والسداد والاستقامة، كما فعل بهاجر
-عليها السلام.
وقوله: ( فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا ) قيل: زاد في طوافه بينهما على قدر الواجب ثامنة وتاسعة ونحو ذلك. وقيل: يطوف بينهما في حجة تطوع، أو عمرة تطوع. وقيل: المراد تطوع خيرًا في سائر العبادات. حكى ذلك [فخر الدين]
الرازي، وعزي الثالث إلى الحسن البصري، والله أعلم. وقوله: ( فَإِنَّ
اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ) أي: يثيب على القليل بالكثير ( عَلِيمٌ ) بقدر
الجزاء فلا يبخس أحدا ثوابه و لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 40].
إِنَّ
الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى
مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ
يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ (159) إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)
هذا وعيد شديد لمن كتم ما جاءت به الرسلُ من الدلالات البينة على
المقاصد الصحيحة والهدى النافع للقلوب، من بعد ما بينه الله -تعالى -لعباده
في كتبه، التي أنـزلها على رسله.
قال أبو العالية: نـزلت في أهل الكتاب، كتمُوا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ثم أخبر أنهم . يلعنهم كلّ شيء على صنيعهم ذلك، فكما أن العالم يستغفر له كلّ شيء، حتى الحوت في الماء والطير في الهواء، فهؤلاء بخلاف العلماء [الذين يكتمون]
فيلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون. وقد ورد في الحديث المسند من طرق يشد
بعضها بعضًا، عن أبي هريرة، وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من سُئِل عن علم فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار"
. والذي في الصحيح عن أبي هريرة أنه قال: لولا آية في كتاب الله ما حدثتُ
أحدًا شيئًا: ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنـزلْنَا مِنَ
الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ) الآية .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا عمار بن محمد، عن ليث بن أبي سليم،
عن المنهال بن عمرو، عن زاذان أبي عُمَر عن البراء بن عازب، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فقال: "إن الكافر يضرب ضربة بين عينيه، فيسمع كل
دابة غير الثقلين، فتلعنه كل دابة سمعت صوته، فذلك قول الله تعالى: (
أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ ) يعني: دواب
الأرض" .
[ورواه ابن ماجة عن محمد بن الصباح عن عمار بن محمد به] .
وقال عطاء بن أبي رباح: كل دابة والجن والإنس. وقال مجاهد: إذا أجدبت
الأرض قالت البهائم: هذا من أجل عُصاة بني آدم، لعن الله عصاة بني آدم.
وقال أبو العالية، والربيع بن أنس، وقتادة ( وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ ) يعني تلعنهم ملائكة الله، والمؤمنون.
[وقد جاء في الحديث، أن العالم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان، وجاء في
هذه الآية: أن كاتم العلم يلعنه الله والملائكة والناس أجمعون، واللاعنون
أيضًا، وهم كل فصيح وأعجمي إما بلسان المقال، أو الحال، أو لو كان له عقل،
أو يوم القيامة، والله أعلم] .
ثم استثنى الله تعالى من هؤلاء من تاب إليه فقال: ( إِلا الَّذِينَ
تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا ) أي: رجعوا عما كانوا فيه وأصلحوا
أعمالهم وأحوالهم وبينوا للناس ما كانوا كتموه ( فَأُولَئِكَ أَتُوبُ
عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) وفي هذا دلالة على أن الداعية
إلى كفر، أو بدعة إذا تاب إلى الله تاب الله عليه.
وقد ورد أن الأمم السالفة لم تكن التوبة تقبل من مثل هؤلاء منهم، ولكن هذا من شريعة نبي التوبة ونبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه.
ثم أخبر تعالى عمن كفر به واستمرّ به الحالُ إلى مماته بأن ( عَلَيْهِمْ
لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ
فِيهَا ) أي: في اللعنة التابعة لهم إلى يوم القيامة
ثم المصاحبة لهم في نار جهنم التي ( لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ )
فيها، أي: لا ينقص عَمَّا هم فيه ( وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ) أي: لا يغير عنهم ساعة واحدة، ولا يفتَّر، بل هو متواصل دائم، فنعوذ بالله من ذلك.
وقال أبو العالية وقتادة: إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله، ثم تلعنه الملائكة، ثم يلعنه الناس أجمعون.
فصل: لا خلاف في جواز لعن الكفار، وقد كان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وعمن بعده من
الأئمة، يلعنون الكفرة في القنوت وغيره؛ فأما الكافر المعين، فقد ذهب
جماعة من العلماء إلى أنه لا يلعن لأنا لا ندري بما يختم له، واستدل بعضهم
بهذه الآية: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ ) وقالت طائفة أخرى: بل يجوز لعن الكافر المعين. واختار ذلك
الفقيه أبو بكر بن العربي المالكي، ولكنه احتج بحديث فيه ضعف، واستدل غيره
بقوله، عليه السلام، في صحيح البخاري في قصة الذي كان يؤتى به سكران فيحده،
فقال رجل: لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله" قالوا: فعلَّة المنع من لعنه؛ بأنه يحب الله ورسوله فدل على أن من لا يحب الله ورسوله يلعن، والله أعلم.
وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)
يُخبرُ تعالى عن تفرده بالإلهية، وأنه لا شريك له ولا عَديل له، بل هو
الله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لا إله إلا هو وأنه الرحمن الرحيم.
وقد تقدم تفسير هذين الاسمين في أول السورة
. وفي الحديث عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد بن السكن، عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: (
وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ )
و الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران: 1، 2] "
وقوله تعالى: ( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ ) يخبر تعالى أن الشهداء في بَرْزَخِهم أحياء
يرزقون، كما جاء في صحيح مسلم: "إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في
الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل مُعَلَّقة تحت العرش، فاطَّلع عليهم ربك اطِّلاعَة، فقال:
ماذا تبغون؟ فقالوا: يا ربنا، وأيّ شيء نبغي، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا
من خلقك؟ ثم عاد إليهم بمثل هذا، فلما رأوا أنهم لا يُتْرَكُون من أن
يسألوا، قالوا: نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا، فنقاتل في سبيلك، حتى نقتل
فيك مرة أخرى؛ لما يرون من ثواب الشهادة -فيقول الرب جلّ جلاله: إني كتبتُ
أنَّهم إليها لا يرجعون" .
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد، عن الإمام الشافعي، عن الإمام مالك،
عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "نَسَمَةُ المؤمن طائر تَعْلَقُ في شجر الجنة، حتى يرجعه
الله إلى جسده يوم يبعثه" .
ففيه دلالة لعموم المؤمنين أيضًا، وإن كان الشهداء قد خصِّصُوا بالذكر في القرآن، تشريفًا لهم وتكريمًا وتعظيما .
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ
وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)
أخبر تعالى أنه يبتلي عباده [المؤمنين] أي: يختبرهم ويمتحنهم، كما قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد: 31] فتارة بالسراء، وتارة بالضراء من خوف وجوع، كما قال تعالى: فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ
[النحل: 112] فإن الجائع والخائف كل منهما يظهر ذلك عليه؛ ولهذا قال: لباس
الجوع والخوف. وقال هاهنا ( بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ) أي:
بقليل من ذلك ( وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ ) أي: ذهاب بعضها ( وَالأنْفُسِ )
كموت الأصحاب والأقارب والأحباب ( وَالثَّمَرَاتِ ) أي: لا تُغِلّ الحدائق
والمزارع كعادتها. كما قال بعض السلف: فكانت بعض النخيل لا تثمر غير
واحدة. وكل هذا وأمثاله مما يختبر الله به عباده، فمن صبر أثابه [الله] ومن قنط أحل [الله] به عقابه. ولهذا قال: ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ )
وقد حكى بعضُ المفسرين أن المراد من الخوف هاهنا: خوف الله، وبالجوع: صيام رمضان، ونقص الأموال: الزكاة، والأنفس: الأمراض، والثمرات: الأولاد.
وفي هذا نظر، والله أعلم.
ثم بيَنَّ تعالى مَنِ الصابرون
الذين شكرهم، قال: ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) أي: تسلَّوا بقولهم هذا عما
أصابهم، وعلموا أنَّهم ملك لله يتصرف في عبيده بما
يشاء، وعلموا أنه لا يضيع لديه مثْقال ذرَّة يوم القيامة، فأحدث لهم ذلك
اعترافهم بأنهم عبيده، وأنهم إليه راجعون في الدار الآخرة. ولهذا أخبر
تعالى عما أعطاهم على ذلك فقال: ( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ ) أي: ثناء من الله عليهم ورحمة.
قال سعيد بن جبير: أي أَمَنَةٌ من العذاب ( وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُهْتَدُونَ ) قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: نعم العدْلان ونعمت
العلاوة ( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ )
فهذان العدلان ( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) فهذه العلاوة، وهي ما
توضع بين العدلين، وهي زيادة في الحمل وكذلك هؤلاء، أعطوا ثوابهم وزيدوا أيضًا.
وقد ورد في ثواب الاسترجاع، وهو قول ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) عند المصائب أحاديث كثيرة. فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد:
حدثنا يونس، حدثنا ليث -يعني ابن سعد -عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن
الهاد، عن عمرو بن أبي عَمْرو، عن المطلب، عن أم سلمة قالت: أتاني أبو سلمة
يومًا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لقد سمعت من رسول الله
صلى الله عليه وسلم قولا سُررْتُ به. قال: "لا يصيب أحدا من المسلمين مصيبة
فيسترجع عند مصيبته، ثم يقول: اللهم أجُرني في مصيبتي واخلُف لي خيرًا
منها، إلا فُعِل ذلك به". قالت أم سلمة: فحفظت ذلك منه، فلما توفي أبو سلمة
استرجعت وقلت: اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منه، ثم رجعت إلى
نفسي. فقلت: من أين لي خير من أبي سلمة؟ فلما انقضت عدَّتي استأذن علي رسول الله صلى الله عليه وسلم -وأنا أدبغ إهابا لي -فغسلت يدي من القَرَظ
وأذنت له، فوضعت له وسادة أدم حَشْوُها ليف، فقعد عليها، فخطبني إلى نفسي،
فلما فرغ من مقالته قلت: يا رسول الله، ما بي ألا يكون بك الرغبة، ولكني
امرأة، فيّ غَيْرة شديدة، فأخاف أن ترى مني شيئًا يعذبني الله به، وأنا
امرأة قد دخلتُ في السن، وأنا ذات عيال، فقال: "أما ما ذكرت من الغيرة فسوف
يُذهبها
الله، عز وجل عنك. وأما ما ذكرت من السِّن فقد أصابني مثلُ الذي أصابك،
وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي". قالت: فقد سلَّمْتُ لرسول الله
صلى الله عليه وسلم. فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت أم سلمة
بعد: أبدلني الله بأبي سلمة خيرًا منه، رسولُ الله صلى الله عليه وسلم .
وفي صحيح مسلم، عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: "ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ
رَاجِعُونَ ) اللهم أجُرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها، إلا آجره الله
من مصيبته، وأخلف له خيرا منها" قالت: فلما تُوُفي أبو سلمة قلت كما أمرني
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله لي خيرا منه: رسولَ الله صلى
الله عليه وسلم .
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، وعَبَّاد بن عباد قالا حدثنا هشام بن أبي هشام، حدثنا عباد بن زياد، عن أمه، عن فاطمة ابنة
الحسين، عن أبيها الحسين بن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من
مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها وإن طال عهدها -وقال عباد: قدم عهدها
-فيحدث لذلك استرجاعا، إلا جدد الله له عند ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب"
.
ورواه ابنُ ماجه في سُنَنه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وَكِيع، عن هشام بن زياد، عن أمه، عن فاطمة بنت الحسين، عن أبيها [الحسين] .
وقد رواه إسماعيل بن عُلَية، ويزيد بن هارون، عن هشام بن زياد عن أبيه، كذا عن، فاطمة، عن أبيها.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق السالحيني، أخبرنا حماد بن سلمة،
عن أبي سنان قال: دفنتُ ابنًا لي، فإني لفي القبر إذ أخذ بيدي أبو طلحة
-يعني الخولاني -فأخرجني، وقال لي: ألا أبشرك؟ قلت: بلى. قال: حدثني الضحاك
بن عبد الرحمن بن عرْزَب، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "قال الله :يا ملك الموت، قبضتَ ولد عبدي؟ قبضت قُرَّة عينه وثمرة فؤاده؟ قال نعم. قال: فما قال؟ قال: حَمِدَك واسترجع، قال: ابنو له بيتًا في الجنة، وسمُّوه بيتَ الحمد".
ثم رواه عن علي بن إسحاق، عن عبد الله بن المبارك. فذكره . وهكذا رواه الترمذي عن سُوَيد بن نصر، عن ابن المبارك ، به. وقال: حسن غريب. واسم أبي سنان: عيسى بن سنان.
إِنَّ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ
أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ
تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)
قال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، أخبرنا إبراهيم بن سعد،
عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قلت: أرأيت قول الله تعالى: ( إِنَّ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ
أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) قلت:
فوالله ما على أحد جناح أن لا يطَّوف بهما؟ فقالت عائشة: بئسما قلت يا ابن
أختي إنها لو كانت على ما أوّلتَها عليه كانت: فلا جناح عليه ألا
يطوف بهما، ولكنها إنما أنـزلت أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا كانوا
يُهِلّون لمناة الطاغية، التي كانوا يعبدونها عند المُشلَّل. وكان من أهلَّ
لها يتحرج أن يطوَّف بالصفا والمروة، فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، إنا كنا نتحرج أن نطَّوف بالصفا والمروة
في الجاهلية. فأنـزل الله عز وجل: ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ
شَعَائِرِ اللَّهِ ) إلى قوله: ( فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ
بِهِمَا ) قالت عائشة: ثم قد سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف
بهما، فليس لأحد أن يَدع الطواف بهما. أخرجاه في الصحيحين .
وفي رواية عن الزهري أنه قال: فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن عبد الرحمن
بن الحارث بن هشام، فقال: إن هذا العلم، ما كنت سمعته، ولقد سمعتُ رجالا من أهل العلم يقولون
إن الناس -إلا من ذكرتْ عائشة -كانوا يقولون: إن طوافنا بين هذين الحجرين
من أمر الجاهلية. وقال آخرون من الأنصار: إنما أمرنا بالطواف بالبيت، ولم
نؤمر بالطواف بين الصفا والمروة، فأنـزل الله تعالى: ( إِنَّ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) قال أبو بكر بن عبد الرحمن: فلعلها
نـزلت في هؤلاء وهؤلاء.
ورواه البخاري من حديث مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة
بنحو ما تقدم. ثم قال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن عاصم
بن سُليمان قال: سألت أنسًا عن الصفا والمروة قال: كنا نرى ذلك من أمر الجاهلية، فلما جاء الإسلام أمسكنا عنهما، فأنـزل الله عز وجل: ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) .
وذكر القرطبي
في تفسيره عن ابن عباس قال: كانت الشياطين تفرق بين الصفا والمروة الليل
كله، وكانت بينهما آلهة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم، عن الطواف بينهما، فنـزلت هذه الآية. وقال الشعبي: كان إساف على
الصفا، وكانت نائلة على المروة، وكانوا يستلمونهما فتحرجوا بعد الإسلام من
الطواف بينهما، فنـزلت هذه الآية. قلت: وذكر ابن إسحاق في كتاب السيرة
أن إسافا ونائلة كانا بشرين، فزنيا داخل الكعبة فمسخا حجرين فنصبتهما
قُريش تجاه الكعبة ليعتبر بهما الناس، فلما طال عهدهما عبدا، ثم حولا إلى
الصفا والمروة، فنصبا هنالك، فكان من طاف بالصفا والمروة يستلمهما، ولهذا
يقول أبو طالب، في قصيدته المشهورة:
وحــيث ينيـخ الأشـعرون ركـابهم | بمفضـى السـيول مـن إساف ونائل |
عاد إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من باب الصفا، وهو يقول: ( إِنَّ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) ثم قال: "أبدأ بما بدأ الله به".
وفي رواية النسائي: "ابدؤوا بما بدأ الله به" .
وقال الإمام أحمد: حدثنا شريح، حدثنا عبد الله بن المؤمل، عن عطاء بن أبي رباح، عن صفية بنت شيبة، عن حَبِيبة بنت أبي تجراة
قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة، والناس
بين يديه، وهو وراءهم، وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به
إزاره، وهو يقول: "اسعَوا، فإن الله كتب عليكم السعي" .
ثم رواه الإمام أحمد، عن عبد الرزاق، أخبرنا مَعْمَر، عن واصل -مولى أبي عُيَينة -عن موسى بن عبيدة عن صفية بنت شيبة، أن امرأة أخبرتها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة يقول: "كتب عليكم السعي، فاسعوا" .
وقد استُدلّ بهذا الحديث على مذهب من يرى أن السعي بين الصفا والمروة
ركن في الحج، كما هو مذهب الشافعي، ومن وافقه [ورواية عن أحمد وهو المشهور
عن مالك]
. وقيل: إنه واجب، وليس بركن [فإن تركه عمدًا أو سهوا جبره بدم وهو رواية
عن أحمد وبه تقول طائفة وقيل: بل مستحب، وإليه ذهب أبو حنيفة والثوري
والشعبي وابن سيرين، وروي عن أنس وابن عمر وابن عباس، وحكي عن مالك في
العتبية، قال القرطبي: واحتجوا بقوله: ( فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا ) ]
. وقيل: بل مستحب. والقول الأول أرجح، لأنه عليه السلام طاف بينهما، وقال:
"لتأخذوا عني مناسككم". فكل ما فعله في حَجته تلك واجب لا بد من فعله في
الحج، إلا ما خرج بدليل، والله أعلم [وقد تقدم قوله عليه السلام: "اسعوا
فإن الله كتب عليكم السعي"] .
فقد بين الله-تعالى -أن الطواف بين الصفا والمروة من شعائر الله، أي:
مما شرع الله تعالى لإبراهيم الخليل في مناسك الحج، وقد تقدم في حديث ابن
عباس أن أصل ذلك مأخوذ من تطواف
هاجر وتردادها بين الصفا والمروة في طلب الماء لولدها، لما نفد ماؤها
وزادُها، حين تركهما إبراهيم -عليه السلام -هنالك ليس عندهما أحد من الناس،
فلما خافت الضيعة على ولدها هنالك، ونفد ما عندها قامت تطلب الغوث من
الله، عز وجل، فلم تزل تردد
في هذه البقعة المشرفة بين الصفا والمروة متذللة خائفة وجلة مضطرة فقيرة
إلى الله، عز وجل، حتى كشف الله كربتها، وآنس غربتها، وفرج شدتها، وأنبع
لها زمزم التي ماؤها طعام طعم، وشفاء سقم، فالساعي بينهما ينبغي له أن
يستحضر فقره وذله وحاجته إلى الله في هداية قلبه وصلاح حاله وغفران ذنبه،
وأن يلتجئ إلى الله، عز وجل ،ليُزيح ما هو به من النقائص والعيوب، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم
وأن يثبته عليه إلى مماته، وأن يحوّله من حاله الذي هو عليه من الذنوب
والمعاصي، إلى حال الكمال والغُفران والسداد والاستقامة، كما فعل بهاجر
-عليها السلام.
وقوله: ( فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا ) قيل: زاد في طوافه بينهما على قدر الواجب ثامنة وتاسعة ونحو ذلك. وقيل: يطوف بينهما في حجة تطوع، أو عمرة تطوع. وقيل: المراد تطوع خيرًا في سائر العبادات. حكى ذلك [فخر الدين]
الرازي، وعزي الثالث إلى الحسن البصري، والله أعلم. وقوله: ( فَإِنَّ
اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ) أي: يثيب على القليل بالكثير ( عَلِيمٌ ) بقدر
الجزاء فلا يبخس أحدا ثوابه و لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 40].
إِنَّ
الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى
مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ
يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ (159) إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)
هذا وعيد شديد لمن كتم ما جاءت به الرسلُ من الدلالات البينة على
المقاصد الصحيحة والهدى النافع للقلوب، من بعد ما بينه الله -تعالى -لعباده
في كتبه، التي أنـزلها على رسله.
قال أبو العالية: نـزلت في أهل الكتاب، كتمُوا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ثم أخبر أنهم . يلعنهم كلّ شيء على صنيعهم ذلك، فكما أن العالم يستغفر له كلّ شيء، حتى الحوت في الماء والطير في الهواء، فهؤلاء بخلاف العلماء [الذين يكتمون]
فيلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون. وقد ورد في الحديث المسند من طرق يشد
بعضها بعضًا، عن أبي هريرة، وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من سُئِل عن علم فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار"
. والذي في الصحيح عن أبي هريرة أنه قال: لولا آية في كتاب الله ما حدثتُ
أحدًا شيئًا: ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنـزلْنَا مِنَ
الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ) الآية .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا عمار بن محمد، عن ليث بن أبي سليم،
عن المنهال بن عمرو، عن زاذان أبي عُمَر عن البراء بن عازب، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فقال: "إن الكافر يضرب ضربة بين عينيه، فيسمع كل
دابة غير الثقلين، فتلعنه كل دابة سمعت صوته، فذلك قول الله تعالى: (
أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ ) يعني: دواب
الأرض" .
[ورواه ابن ماجة عن محمد بن الصباح عن عمار بن محمد به] .
وقال عطاء بن أبي رباح: كل دابة والجن والإنس. وقال مجاهد: إذا أجدبت
الأرض قالت البهائم: هذا من أجل عُصاة بني آدم، لعن الله عصاة بني آدم.
وقال أبو العالية، والربيع بن أنس، وقتادة ( وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ ) يعني تلعنهم ملائكة الله، والمؤمنون.
[وقد جاء في الحديث، أن العالم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان، وجاء في
هذه الآية: أن كاتم العلم يلعنه الله والملائكة والناس أجمعون، واللاعنون
أيضًا، وهم كل فصيح وأعجمي إما بلسان المقال، أو الحال، أو لو كان له عقل،
أو يوم القيامة، والله أعلم] .
ثم استثنى الله تعالى من هؤلاء من تاب إليه فقال: ( إِلا الَّذِينَ
تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا ) أي: رجعوا عما كانوا فيه وأصلحوا
أعمالهم وأحوالهم وبينوا للناس ما كانوا كتموه ( فَأُولَئِكَ أَتُوبُ
عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) وفي هذا دلالة على أن الداعية
إلى كفر، أو بدعة إذا تاب إلى الله تاب الله عليه.
وقد ورد أن الأمم السالفة لم تكن التوبة تقبل من مثل هؤلاء منهم، ولكن هذا من شريعة نبي التوبة ونبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه.
ثم أخبر تعالى عمن كفر به واستمرّ به الحالُ إلى مماته بأن ( عَلَيْهِمْ
لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ
فِيهَا ) أي: في اللعنة التابعة لهم إلى يوم القيامة
ثم المصاحبة لهم في نار جهنم التي ( لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ )
فيها، أي: لا ينقص عَمَّا هم فيه ( وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ) أي: لا يغير عنهم ساعة واحدة، ولا يفتَّر، بل هو متواصل دائم، فنعوذ بالله من ذلك.
وقال أبو العالية وقتادة: إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله، ثم تلعنه الملائكة، ثم يلعنه الناس أجمعون.
فصل: لا خلاف في جواز لعن الكفار، وقد كان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وعمن بعده من
الأئمة، يلعنون الكفرة في القنوت وغيره؛ فأما الكافر المعين، فقد ذهب
جماعة من العلماء إلى أنه لا يلعن لأنا لا ندري بما يختم له، واستدل بعضهم
بهذه الآية: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ ) وقالت طائفة أخرى: بل يجوز لعن الكافر المعين. واختار ذلك
الفقيه أبو بكر بن العربي المالكي، ولكنه احتج بحديث فيه ضعف، واستدل غيره
بقوله، عليه السلام، في صحيح البخاري في قصة الذي كان يؤتى به سكران فيحده،
فقال رجل: لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله" قالوا: فعلَّة المنع من لعنه؛ بأنه يحب الله ورسوله فدل على أن من لا يحب الله ورسوله يلعن، والله أعلم.
وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)
يُخبرُ تعالى عن تفرده بالإلهية، وأنه لا شريك له ولا عَديل له، بل هو
الله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لا إله إلا هو وأنه الرحمن الرحيم.
وقد تقدم تفسير هذين الاسمين في أول السورة
. وفي الحديث عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد بن السكن، عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: (
وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ )
و الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران: 1، 2] "
|
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الواحد والثلاثون من تفسير سورة البقرة
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الواحد والثلاثون من تفسير سورة البقرة
شكرا لك على الموضوع المميز
دمت بخير يا رب
دمت بخير يا رب
طريق النجاح- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 709
تاريخ الميلاد : 07/05/1997
العمر : 27
رد: الجزء الواحد والثلاثون من تفسير سورة البقرة
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الواحد والثلاثون من تفسير سورة البقرة
شكرا على الموضوع
أبو سليمان- المشرفون
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 3412
تاريخ الميلاد : 03/11/1996
العمر : 27
رد: الجزء الواحد والثلاثون من تفسير سورة البقرة
جزاك الله خيرا
الأمير- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 6081
تاريخ الميلاد : 29/10/1996
العمر : 28
رد: الجزء الواحد والثلاثون من تفسير سورة البقرة
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الثالث والثلاثون من تفسير سورة البقرة
» الجزء الرابع والثلاثون من تفسير سورة البقرة
» الجزء الخامس والثلاثون من تفسير سورة البقرة
» الجزء السادس والثلاثون من تفسير سورة البقرة
» الجزء السابع والثلاثون من تفسير سورة البقرة
» الجزء الرابع والثلاثون من تفسير سورة البقرة
» الجزء الخامس والثلاثون من تفسير سورة البقرة
» الجزء السادس والثلاثون من تفسير سورة البقرة
» الجزء السابع والثلاثون من تفسير سورة البقرة
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة البقرة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى