الجزء الخامس من تفسير سورة يوسف
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة يوسف
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الخامس من تفسير سورة يوسف
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ
لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ
اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ
أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلا
مَلَكٌ كَرِيمٌ
(31)
قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ
عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ
لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ
(32)
قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ
وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ
الْجَاهِلِينَ
(33)
فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
(34)
( فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ ) قال بعضهم: بقولهن. وقال محمد بن إسحاق: بل
بَلَغهُنَّ حُسْنُ يوسف، فأحببن أن يرينه، فقلن ذلك ليتوصلن إلى رؤيته
ومشاهدته، فعند ذلك ( أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ ) أي: دعتهن إلى منـزلها
لتضيفهن ( وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً ) .
قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والحسن، والسدي، وغيرهم: هو
المجلس المعد، فيه مفارش ومخاد وطعام، فيه ما يقطع بالسكاكين من أترج
ونحوه. ولهذا قال تعالى: ( وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا )
وكان هذا مكيدة منها، ومقابلة لهن في احتيالهن على رؤيته، ( وَقَالَتِ
اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ) وذلك أنها كانت قد خبأته في مكان آخر، ( فَلَمَّا )
خرج و ( رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ ) أي: أعظمن شأنه، وأجللن قدره؛ وجعلن
يقطعن أيديهن دَهَشا برؤيته، وهن يظنن أنهن يقطعن الأترج بالسكاكين، والمراد: أنهن حززن أيديهن بها، قاله غير واحد.
وعن مجاهد، وقتادة: قطعن أيديهن حتى ألقينها، فالله أعلم.
وقد ذكر عن زيد بن أسلم أنها قالت لهن بعدما أكلن وطابت أنفسهن، ثم وضعت بين أيديهن أترجا وآتت كل واحدة منهن سكينا: هل لكن في النظر إلى يوسف؟ قلن: نعم. فبعثت إليه تأمره أن اخرج إليهن
فلما رأينه جعلن يقطعن أيديهن، ثم أمرته أن يرجع فرجع ليرينه مقبلا
ومدبرا، وهن يحززن في أيديهن، فلما أحسسن بالألم جعلن يولولن، فقالت: أنتن
من نظرة واحدة فعلتن هكذا، فكيف ألام أنا؟ فقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا
إلا ملك كريم، ثم قلن لها: وما نرى عليك من لوم بعد الذي رأينا، لأنهن لم
يرين في البشر شبهه ولا قريبا منه، فإنه، صلوات الله عليه وسلم
كان قد أعطي شطر الحسن، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح في حديث الإسراء: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بيوسف، عليه السلام، في السماء الثالثة،
قال: "فإذا هو قد أعطي شطر الحسن" .
وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطي يوسف وأمه شطر < 4-386 >
الحسن" وقال سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود قال: أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن.
وقال أبو إسحاق أيضا، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: كان وجه يوسف
مثل البرق، وكانت المرأة إذا أتته لحاجة غطى وجهه مخافة أن تفتتن به.
ورواه الحسن البصري مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أعطي
يوسف وأمه ثلث حسن أهل الدنيا، وأعطى الناس الثلثين -أو قال: أعطي يوسف
وأمه الثلثين والناس الثلث"
وقال سفيان، عن منصور، عن مجاهد عن ربيعة الجُرَشي قال: قسم الحسن
نصفين، فأعطي يوسف وأمه سارة نصف الحسن. والنصف الآخر بين سائر الخلق.
وقال الإمام أبو القاسم السهيلي: معناه: أن يوسف كان على النصف من حسن
آدم، عليه السلام، فإن الله خلق آدم بيده على أكمل صورة وأحسنها، ولم يكن
في ذريته من يوازيه في جماله، وكان يوسف قد أعطي شطر حسنه.
فلهذا قال هؤلاء النسوة عند رؤيته: ( حَاشَ لِلَّهِ ) قال مجاهد وغير
واحد: معاذ الله، ( مَا هَذَا بَشَرًا ) وقرأ بعضهم: "ما هذا بِشِرًى" أي:
بمشترى.
( إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي
لُمْتُنَّنِي فِيهِ ) تقول هذا معتذرة إليهن بأن هذا حقيق بأن يحبّ لجماله
وكماله.
( وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ) أي: فامتنع.
قال بعضهم: لما رأين جماله الظاهر، أخبرتهن بصفاته الحسنة التي تخفى عنهن،
وهي العفة مع هذا الجمال، ثم قالت تتوعد
( وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ
الصَّاغِرِينَ ) فعند ذلك استعاذ يوسف، عليه السلام، من شرهن وكيدهن، وقال:
( رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) أي: من
الفاحشة، ( وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ) أي:
إن وكلتني إلى نفسي، فليس لي من نفسي قدرة، ولا أملك لها ضرا ولا نفعا إلا
بحولك وقوتك، أنت المستعان وعليك التكلان، فلا تكلني إلى نفسي.
( أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ
لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ ) وذلك أن يوسف، عليه السلام، عَصَمه الله عصمة عظيمة، وحماه
فامتنع منها أشد الامتناع، واختار السجن < 4-387 >
على ذلك، وهذا في غاية مقامات الكمال: أنه مع شبابه وجماله وكماله تدعوه سيدته، وهي امرأة عزيز مصر، وهي مع هذا في غاية الجمال والمال، والرياسة ويمتنع من ذلك، ويختار السجن على ذلك، خوفا من الله ورجاء ثوابه.
ولهذا ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة
يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا
عليه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، ورجل
ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات جمال ومنصب، فقال: إني
أخاف الله"
ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ
(35)
يقول تعالى: ثم ظهر لهم من المصلحة فيما رأوه أنهم يسجنونه إلى حين،
أي: إلى مدة، وذلك بعدما عرفوا براءته، وظهرت الآيات -وهي الأدلة -على صدقه
في عفته ونـزاهته. فكأنهم -والله أعلم -إنما سجنوه لما شاع الحديث إيهاما
أن هذا راودها عن نفسها، وأنهم سجنوه على ذلك. ولهذا لما طلبه الملك
الكبير في آخر المدة، امتنع من الخروج حتى تتبين براءته مما نسب إليه من
الخيانة، فلما تقرر ذلك خرج وهو نَقِيّ العرض، صلوات الله عليه وسلامه.
وذكر السُّدِّي: أنهم إنما سجنوه لئلا يشيع ما كان منها في حقه، ويبرأ عرضه فيفضحها.
وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي
أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي
خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا
نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ
(36)
قال قتادة: كان أحدهما ساقي الملك، والآخر خبازه.
قال محمد بن إسحاق: كان اسم الذي على الشراب "نبوا"، والآخر "مجلث".
قال السدي: وكان سبب حبس الملك إياهما أنه توهم أنهما تمالآ على سمه في طعامه وشرابه.
وكان يوسف، عليه السلام، قد اشتهر في السجن بالجود والأمانة وصدق الحديث، وحسن السّمت وكثرة العبادة، صلوات الله عليه وسلامه، ومعرفة التعبير والإحسان إلى أهل السجن وعيادة < 4-388 >
مرضاهم والقيام بحقوقهم. ولما دخل هذان الفتيان إلى السجن، تآلفا به وأحباه حبا شديدا، وقالا له: والله لقد أحببناك حبا زائدا. قال
بارك الله فيكما، إنه ما أحبني أحد إلا دخل عليّ من محبته ضرر، أحبتني
عمتي فدخل علي الضرر بسببها، وأحبني أبي فأوذيت بسببه، وأحبتني امرأة
العزيز فكذلك، فقالا والله ما نستطيع إلا ذلك، ثم إنهما رأيا مناما، فرأى
الساقي أنه يعصر خمرا -يعني عنبا -وكذلك هي في قراءة عبد الله بن مسعود:
"إني أراني أعصر عنبا". ورواه ابن أبي حاتم، عن أحمد بن سِنَان، عن يزيد بن
هارون، عن شَرِيك، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن ابن مسعود: أنه قرأها:
"أعصر عنبا".
وقال الضحاك في قوله: ( إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ) يعني: عنبا. قال: وأهل عمان يسمُّون العنب خمرا.
وقال عكرمة: رأيت فيما يرى النائم أني غرست حَبَلة من عنب، فنبتت. فخرج فيه عناقيد، فعصرتهن ثم سقيتهن الملك. قال تمكث في السجن ثلاثة أيام، ثم تخرج فتسقيه خمرا.
وقال الآخر -وهو الخباز -: ( إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي
خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا
نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) والمشهور عند الأكثرين ما ذكرناه، وأنهما
رأيا مناما وطلبا تعبيره.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن وَكِيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن عمارة
بن القعقاع، عن إبراهيم، عن عبد الله قال: ما رأى صاحبا يوسف شيئا، إنما
كانا تحالما ليجربا عليه.
قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا
بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي
رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ
بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
(37)
يخبرهما يوسف، عليه السلام، أنهما مهما رأيا في نومهما من حلم، فإنه عارف
بتفسيره ويخبرهما بتأويله قبل وقوعه؛ ولهذا قال: ( لا يَأْتِيكُمَا
طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ
يَأْتِيَكُمَا ) < 4-389 >
قال مجاهد: يقول: ( لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ ) [في نومكما] ( إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ) وكذا قال السدي.
وقال ابن أبي حاتم، رحمه الله: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن
العلاء، حدثنا محمد بن يزيد -شيخ له -حدثنا رشدين، عن الحسن بن ثوبان، عن
عِكْرِمة، عن ابن عباس قال: ما أدري لعل يوسف، عليه السلام، كان يعتاف وهو
كذلك، لأني أجد في كتاب الله حين قال للرجلين: ( لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ
تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ ) قال: إذا جاء الطعام
حلوا أو مرا أعتاف عند ذلك. ثم قال ابن عباس: إنما علم فعلم. وهذا أثر غريب.
ثم قال: وهذا إنما هو من تعليم الله إياي؛ لأني اجتنبت ملة الكافرين بالله واليوم الآخر، فلا يرجون ثوابا ولا عقابا في المعاد.
رد: الجزء الخامس من تفسير سورة يوسف
جزاك الله خيرا ونفعك بالعلم
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
M.AYMAN- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 1898
تاريخ الميلاد : 13/10/1985
العمر : 39
رد: الجزء الخامس من تفسير سورة يوسف
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
رد: الجزء الخامس من تفسير سورة يوسف
شكرا على الموضوع
لا تبخل علينا
لا تبخل علينا
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
رد: الجزء الخامس من تفسير سورة يوسف
بارك الله فيك
وجزاك الله خيرا
زدنا من مواضيعك الرائعه والمنفعه
تفبل تحياتي ومروري أخوك عبدالله
agiliedi
وجزاك الله خيرا
زدنا من مواضيعك الرائعه والمنفعه
تفبل تحياتي ومروري أخوك عبدالله
agiliedi
agiliedi- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 145
تاريخ الميلاد : 30/11/1999
العمر : 24
مواضيع مماثلة
» الجزء الثامن من تفسير سورة يوسف
» الجزء التاسع من تفسير سورة يوسف
» الجزء العاشر من تفسير سورة يوسف
» الجزء الثاني عشر من تفسير سورة يوسف
» الجزء الثالث عشر من تفسير سورة يوسف
» الجزء التاسع من تفسير سورة يوسف
» الجزء العاشر من تفسير سورة يوسف
» الجزء الثاني عشر من تفسير سورة يوسف
» الجزء الثالث عشر من تفسير سورة يوسف
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة يوسف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى