الجزء الثامن من تفسير سورة الكهف
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الكهف
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الثامن من تفسير سورة الكهف
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا (54).
يقول تعالى: ولقد بينا للناس في هذا القرآن، ووضحنا لهم الأمور، وفصلناها، كيلا
يضلوا عن الحق، ويخرجوا عن طريق الهدى. ومع هذا البيان وهذا الفرقان،
الإنسان كثير المجادلة والمخاصمة والمعارضة للحق بالباطل، إلا من هدى الله
وبصره لطريق النجاة.
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني علي
بن الحسين، أن حسين بن علي أخبره، أن علي بن أبي طالب أخبره، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة،
فقال: "ألا تصليان؟" فقلت: يا رسول الله، إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء
أن يبعثنا بَعَثنا. فانصرف حين قلت ذلك، ولم يَرْجع إلي شيئًا، ثم سمعته
وهو مولّ يضرب فخذه [ويقول] ( وَكَانَ الإنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا ) أخرجاه في الصحيحين .
وَمَا
مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى
وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ
أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا (55) وَمَا
نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا
آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56).
يخبر تعالى عن تمرد الكفرة في قديم الزمان وحديثه، وتكذيبهم بالحق البين الظاهر مع ما يشاهدون من الآيات [والآثار] والدلالات الواضحات، وأنه ما منعهم من اتباع ذلك إلا طلبهم أن يشاهدوا العذاب الذي وعدوا به عيانًا، كما قال أولئك لنبيهم: فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الشعراء:187] ، وآخرون قالوا: ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [العنكبوت:29] ، وقالت قريش: اللَّهُمَّ
إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا
حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الأنفال:32] ، وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الحجر:6، 7] إلى غير ذلك [من الآيات الدالة على ذلك].
ثم قال: ( إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ ) من غشيانهم
بالعذاب وأخذهم عن آخرهم، ( أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا ) أي:
يرونه عيانًا مواجهة [ومقابلة]
، ثم قال: ( وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ
وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا
بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا ) أي: قبل
العذاب مبشرين من صدقهم وآمن بهم، ومنذرين مَنْ كذبهم وخالفهم.
ثم أخبر عن الكفار بأنهم يجادلون بالباطل ( لِيُدْحِضُوا بِهِ ) أي:
ليضعفوا به ( الْحَقَّ ) الذي جاءتهم به الرسل، وليس ذلك بحاصل لهم. (
وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا ) أي: اتخذوا الحجج
والبراهين وخوارق العادات التي بعث بها الرسل وما أنذروهم وخوفوهم به من العذاب ( هُزُوًا ) أي: سخروا منهم في ذلك، وهو أشد التكذيب.
وَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ
مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ
يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى
فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ
الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ
لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ
مَوْئِلا (58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59).
يقول تعالى: وأي عباد الله أظلم ممن ذكر بآيات الله فأعرض عنها، أي: تناساها وأعرض عنها، ولم يصغ
لها، ولا ألقى إليها بالا ( وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ) أي: من
الأعمال السيئة والأفعال القبيحة. ( إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ )
أي: قلوب هؤلاء ( أَكِنَّةً ) أي: أغطية وغشاوة، ( أَنْ يَفْقَهُوهُ ) أي:
لئلا يفهموا
هذا القرآن والبيان، ( وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ) أي: صمم معنوي عن
الرشاد، ( وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا
أَبَدًا ) .
وقوله: ( وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ) أي: ربك -يا محمد-غفور ذو رحمة واسعة، ( لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ )، كَمَا قَالَ: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ [فاطر:45] ، وقال: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ [الرعد:6]. والآيات في هذا كثيرة.
ثم أخبر أنه يحلم ويستر ويغفر، وربما هدى بعضهم من الغي إلى الرشاد، ومن
استمر منهم فله يوم يشيب فيه الوليد، وتضع كل ذات حمل حملها؛ ولهذا قال: (
بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلا ) أي: ليس لهم
عنه محيد ولا محيص ولا معدل.
وقوله: ( وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ) أي:
الأمم السالفة والقرون الخالية أهلكناهم بسبب كفرهم وعنادهم ( وَجَعَلْنَا
لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ) أي: جعلناه إلى مدة معلومة ووقت [معلوم] معين، لا يزيد ولا ينقص، أي: وكذلك أنتم أيها المشركون، احذروا أن يصيبكم ما أصابهم، فقد كذبتم أشرف رسول وأعظم نبي، ولستم بأعز علينا منهم، فخافوا عذابي ونذر.
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)
سبب قول موسى [عليه السلام]
لفتاه -وهو يُشوع بن نُون-هذا الكلام: أنه ذكر له أن عبدًا من عباد الله
بمجمع البحرين، عنده من العلم ما لم يحط به موسى، فأحب الذهاب إليه، وقال
لفتاه ذلك: ( لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ ) أي لا
أزال سائرًا حتى أبلغ هذا المكان الذي فيه مجمع البحرين، قال الفرزدق:
قال قتادة وغير واحد: وهما بحر فارس مما يلي المشرق، وبحر الروم مما يلي المغرب.
وقال محمد بن كعب القُرظي: مجمع البحرين عند طنجة، يعني في أقصى بلاد المغرب، فالله أعلم.
وقوله: ( أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ) أي: ولو أني أسير حقبًا من الزمان.
قال ابن جرير، رحمه الله: ذكر بعض أهل العلم بكلام العرب أن الحُقُب في لغة قيس
: سنة. ثم قد روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال: الحُقُب ثمانون سنة. وقال
مجاهد: سبعون خريفًا. وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: ( أَوْ
أَمْضِيَ حُقُبًا ) قال: دهرًا. وقال قتادة، وابن زيد، مثل ذلك.
وقوله: ( فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا ) ،
وذلك أنه كان قد أمر بحمل حوت مملوح معه، وقيل له: متى فقدتَ الحوت فهو
ثَمّة. فسارا حتى بلغا مجمع البحرين؛ وهناك عين يقال لها: "عين الحياة"،
فناما هنالك، وأصاب الحوت من رشاش ذلك الماء فاضطرب ، وكان في مكتل مع يوشع [عليه السلام]
، وطَفَر من المَكْتل إلى البحر، فاستيقظ يُوشع، عليه السلام، وسقط الحوت
في البحر وجعل يسير فيه، والماء له مثل الطاق لا يلتئم بعده؛ ولهذا قال: (
فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ) أي: مثل السَرَب في الأرض.
قال ابن جريح : قال ابن عباس: صار أثره كأنه حَجَر.
وقال العوفي، عن ابن عباس: جعل الحوت لا يمس شيئًا من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة .
وقال محمد -[هو]
بن إسحاق-عن الزهري، عن عُبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن أبيّ بن
كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر حديث ذلك: "ما انجاب
ماء منذ كان الناس غيره ثبت مكان الحوت الذي فيه، فانجاب كالكُوّة حتى رجع إليه موسى فرأى مسلكه"، فقال: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ .
وقال قتادة: سَرب من البر ، حتى أفضى إلى البحر، ثم سلك فيه فجعل لا يسلك فيه طريقًا إلا جعل ماء جامدًا.
يقول تعالى: ولقد بينا للناس في هذا القرآن، ووضحنا لهم الأمور، وفصلناها، كيلا
يضلوا عن الحق، ويخرجوا عن طريق الهدى. ومع هذا البيان وهذا الفرقان،
الإنسان كثير المجادلة والمخاصمة والمعارضة للحق بالباطل، إلا من هدى الله
وبصره لطريق النجاة.
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني علي
بن الحسين، أن حسين بن علي أخبره، أن علي بن أبي طالب أخبره، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة،
فقال: "ألا تصليان؟" فقلت: يا رسول الله، إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء
أن يبعثنا بَعَثنا. فانصرف حين قلت ذلك، ولم يَرْجع إلي شيئًا، ثم سمعته
وهو مولّ يضرب فخذه [ويقول] ( وَكَانَ الإنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا ) أخرجاه في الصحيحين .
وَمَا
مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى
وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ
أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا (55) وَمَا
نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا
آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56).
يخبر تعالى عن تمرد الكفرة في قديم الزمان وحديثه، وتكذيبهم بالحق البين الظاهر مع ما يشاهدون من الآيات [والآثار] والدلالات الواضحات، وأنه ما منعهم من اتباع ذلك إلا طلبهم أن يشاهدوا العذاب الذي وعدوا به عيانًا، كما قال أولئك لنبيهم: فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الشعراء:187] ، وآخرون قالوا: ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [العنكبوت:29] ، وقالت قريش: اللَّهُمَّ
إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا
حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الأنفال:32] ، وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الحجر:6، 7] إلى غير ذلك [من الآيات الدالة على ذلك].
ثم قال: ( إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ ) من غشيانهم
بالعذاب وأخذهم عن آخرهم، ( أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا ) أي:
يرونه عيانًا مواجهة [ومقابلة]
، ثم قال: ( وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ
وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا
بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا ) أي: قبل
العذاب مبشرين من صدقهم وآمن بهم، ومنذرين مَنْ كذبهم وخالفهم.
ثم أخبر عن الكفار بأنهم يجادلون بالباطل ( لِيُدْحِضُوا بِهِ ) أي:
ليضعفوا به ( الْحَقَّ ) الذي جاءتهم به الرسل، وليس ذلك بحاصل لهم. (
وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا ) أي: اتخذوا الحجج
والبراهين وخوارق العادات التي بعث بها الرسل وما أنذروهم وخوفوهم به من العذاب ( هُزُوًا ) أي: سخروا منهم في ذلك، وهو أشد التكذيب.
وَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ
مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ
يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى
فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ
الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ
لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ
مَوْئِلا (58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59).
يقول تعالى: وأي عباد الله أظلم ممن ذكر بآيات الله فأعرض عنها، أي: تناساها وأعرض عنها، ولم يصغ
لها، ولا ألقى إليها بالا ( وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ) أي: من
الأعمال السيئة والأفعال القبيحة. ( إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ )
أي: قلوب هؤلاء ( أَكِنَّةً ) أي: أغطية وغشاوة، ( أَنْ يَفْقَهُوهُ ) أي:
لئلا يفهموا
هذا القرآن والبيان، ( وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ) أي: صمم معنوي عن
الرشاد، ( وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا
أَبَدًا ) .
وقوله: ( وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ) أي: ربك -يا محمد-غفور ذو رحمة واسعة، ( لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ )، كَمَا قَالَ: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ [فاطر:45] ، وقال: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ [الرعد:6]. والآيات في هذا كثيرة.
ثم أخبر أنه يحلم ويستر ويغفر، وربما هدى بعضهم من الغي إلى الرشاد، ومن
استمر منهم فله يوم يشيب فيه الوليد، وتضع كل ذات حمل حملها؛ ولهذا قال: (
بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلا ) أي: ليس لهم
عنه محيد ولا محيص ولا معدل.
وقوله: ( وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ) أي:
الأمم السالفة والقرون الخالية أهلكناهم بسبب كفرهم وعنادهم ( وَجَعَلْنَا
لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ) أي: جعلناه إلى مدة معلومة ووقت [معلوم] معين، لا يزيد ولا ينقص، أي: وكذلك أنتم أيها المشركون، احذروا أن يصيبكم ما أصابهم، فقد كذبتم أشرف رسول وأعظم نبي، ولستم بأعز علينا منهم، فخافوا عذابي ونذر.
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)
سبب قول موسى [عليه السلام]
لفتاه -وهو يُشوع بن نُون-هذا الكلام: أنه ذكر له أن عبدًا من عباد الله
بمجمع البحرين، عنده من العلم ما لم يحط به موسى، فأحب الذهاب إليه، وقال
لفتاه ذلك: ( لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ ) أي لا
أزال سائرًا حتى أبلغ هذا المكان الذي فيه مجمع البحرين، قال الفرزدق:
فَمَـا بَرحُـوا حَـتَّى تَهَـادَتْ نسَاؤهُم | بِبَطْحَــاء ذي قـار عيـابَ اللطَـائم |
وقال محمد بن كعب القُرظي: مجمع البحرين عند طنجة، يعني في أقصى بلاد المغرب، فالله أعلم.
وقوله: ( أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ) أي: ولو أني أسير حقبًا من الزمان.
قال ابن جرير، رحمه الله: ذكر بعض أهل العلم بكلام العرب أن الحُقُب في لغة قيس
: سنة. ثم قد روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال: الحُقُب ثمانون سنة. وقال
مجاهد: سبعون خريفًا. وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: ( أَوْ
أَمْضِيَ حُقُبًا ) قال: دهرًا. وقال قتادة، وابن زيد، مثل ذلك.
وقوله: ( فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا ) ،
وذلك أنه كان قد أمر بحمل حوت مملوح معه، وقيل له: متى فقدتَ الحوت فهو
ثَمّة. فسارا حتى بلغا مجمع البحرين؛ وهناك عين يقال لها: "عين الحياة"،
فناما هنالك، وأصاب الحوت من رشاش ذلك الماء فاضطرب ، وكان في مكتل مع يوشع [عليه السلام]
، وطَفَر من المَكْتل إلى البحر، فاستيقظ يُوشع، عليه السلام، وسقط الحوت
في البحر وجعل يسير فيه، والماء له مثل الطاق لا يلتئم بعده؛ ولهذا قال: (
فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ) أي: مثل السَرَب في الأرض.
قال ابن جريح : قال ابن عباس: صار أثره كأنه حَجَر.
وقال العوفي، عن ابن عباس: جعل الحوت لا يمس شيئًا من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة .
وقال محمد -[هو]
بن إسحاق-عن الزهري، عن عُبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن أبيّ بن
كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر حديث ذلك: "ما انجاب
ماء منذ كان الناس غيره ثبت مكان الحوت الذي فيه، فانجاب كالكُوّة حتى رجع إليه موسى فرأى مسلكه"، فقال: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ .
وقال قتادة: سَرب من البر ، حتى أفضى إلى البحر، ثم سلك فيه فجعل لا يسلك فيه طريقًا إلا جعل ماء جامدًا.
رد: الجزء الثامن من تفسير سورة الكهف
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الثامن من تفسير سورة الكهف
شكرا على الموضوع
لا تبخل علينا
لا تبخل علينا
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الحادي عشر من تفسير سورة الكهف
» الجزء السابع من تفسير سورة الكهف
» الجزء الثاني من تفسير سورة الكهف
» الجزء الرابع من تفسير سورة الكهف
» الجزء الخامس من تفسير سورة الكهف
» الجزء السابع من تفسير سورة الكهف
» الجزء الثاني من تفسير سورة الكهف
» الجزء الرابع من تفسير سورة الكهف
» الجزء الخامس من تفسير سورة الكهف
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الكهف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى