الجزء الثاني عشر والأخير من تفسير سورة القصص
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة القصص
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الثاني عشر والأخير من تفسير سورة القصص
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ
رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ
(85)
وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ
(86)
وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
(87)
وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ
هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
(88)
.
يقول تعالى آمرًا رسولَه، صلوات الله وسلامه عليه، ببلاغ الرسالة
وتلاوة القرآن على الناس، ومخبرًا له بأنه سيرده إلى معاد، وهو يوم
القيامة، فيسأله عما استرعاه من أعباء النبوة؛ ولهذا قال: ( إِنَّ الَّذِي
فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ) أي: افترض عليك
أداءه إلى الناس ، ( لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ) أي: إلى يوم القيامة
فيسألك عن ذلك، كما قال تعالى: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ
[ الأعراف : 6 ]، وقال يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ [قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ]
[ المائدة : 109 ] [وقال]: وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ
[ الزمر : 69 ].
وقال السدي عن أبي صالح، عن
ابن عباس: ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى
مَعَادٍ ) ، يقول: لرادُّك إلى الجنة، ثم سائلك عن القرآن. قال السدي: وقال
أبو سعيد مثلها.
وقال الحكم بن أَبان، عن عِكْرمِة ، [و] عن ابن عباس، رضي الله عنهما: ( لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ) قال: إلى يوم القيامة. ورواه مالك، عن الزهري.
< 6-260 >
وقال الثوري، عن الأعمش، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس : ( لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ) : إلى الموت.
ولهذا طُرُقٌ عن ابن عباس، رضي الله عنهما، وفي بعضها: لرادك إلى معدنك من الجنة.
وقال مجاهد: يحييك يوم القيامة. وكذا روي عن عكرمة، وعطاء، وسعيد بن جبير، وأبي قَزَعَةَ، وأبي مالك، وأبي صالح.
وقال الحسن البصري: أي والله، إن له لمعادًا ، يبعثه الله يوم القيامة ثم يدخله الجنة.
وقد رُوي عن ابن عباس غير ذلك، كما قال البخاري في التفسير من صحيحه :
حدثنا محمد بن مقاتل، أنبأنا يعلى، حدثنا سفيان العُصْفُريّ، عن عكرمة، عن ابن عباس: ( لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ) قال: إلى مكة.
وهكذا رواه النسائي في تفسير سننه، وابن جرير من حديث يعلى -وهو ابن عبيد الطَّنَافِسيّ -به . وهكذا روى العَوْفيّ، عن ابن عباس: ( لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ) أي: لرادك إلى مكة كما أخرجك منها.
وقال محمد بن إسحاق، عن مجاهد في قوله: ( لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ) : إلى مولدك بمكة.
قال ابن أبي حاتم: وقد روى عن ابن عباس، ويحيى بن الجزار، وسعيد بن جبير، وعطية، والضحاك، نحو ذلك.
[وحدثنا أبي، حدثنا ابن أبي عمر قال: قال سفيان: فسمعناه من مقاتل منذ سبعين سنة، عن الضحاك]
قال: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، فبلغ الجُحْفَة، اشتاق إلى
مكة، فأنـزل الله عليه: ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ
لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ) إلى مكة.
وهذا من كلام الضحاك يقتضي أن هذه الآية مدنية، وإن كان مجموع السورة مكيا، والله أعلم.
وقد قال عبد الرزاق: حدثنا مَعْمَر، عن قتادة في قوله: ( لَرَادُّكَ
إِلَى مَعَادٍ ) قال: هذه مما كان ابن عباس يكتمها، وقد رَوَى ابنُ أبي
حاتم بسنده عن نعيم القارئ أنه قال في قوله: ( لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ )
قال: إلى بيت المقدس.
وهذا -والله أعلم -يرجع إلى قول من فسر ذلك بيوم القيامة؛ لأن بيت المقدس هو أرض المحشر والمنشر، والله الموفق للصواب.
ووجه الجمع بين هذه الأقوال أن ابن عباس فسر ذلك تارة برجوعه إلى مكة،
وهو الفتح الذي هو عند ابن عباس أمارة على اقتراب أجله، صلوات الله وسلامه
عليه ، كما فسره ابن عباس < 6-261 >
بسورة إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا
أنه أجَلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم نُعي إليه، وكان ذلك بحضرة عمر بن
الخطاب، ووافقه عمر على ذلك، وقال: لا أعلم منها غير الذي تعلم. ولهذا فسر
ابن عباس تارة أخرى قوله: ( لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ) بالموت، وتارة بيوم
القيامة الذي هو بعد الموت، وتارة بالجنة التي هي جزاؤه ومصيره على أداء
رسالة الله وإبلاغها إلى الثقلين: الجن والإنس، ولأنه أكمل خلق الله، وأفصح
خلق الله، وأشرف خلق الله على الإطلاق.
وقوله: ( قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي
ضَلالٍ مُبِينٍ ) أي: قل -لِمَنْ خالفك وكذبك يا محمد من قومك من المشركين
ومَنْ تبعهم على كفرهم -قل: ربي أعلم بالمهتدي منكم ومني، وستعلمون لمن
تكون عاقبة الدار، ولِمَنْ تكون العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة.
ثم قال تعالى مذكِّرًا لنبيه نعمته العظيمة عليه وعلى العباد إذ أرسله
إليهم: ( وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ ) أي: ما
كنت تظن قبل إنـزال الوحي إليك أن الوحي ينـزل عليك، ( إِلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ) أي: إنما نـزل
الوحي عليك من الله من رحمته بك وبالعباد بسببك، فإذا منحك بهذه النعمة
العظيمة ( فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا ) أي: معينًا ( لِلْكَافِرِينَ ) [أي] : ولكن فارقهم ونابذهم وخالفهم.
( وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنـزلَتْ إِلَيْكَ ) أي: لا تتأثر لمخالفتهم لك وصدهم الناس عن طريقك لا تلوي على ذلك ولا تباله؛ فإن الله مُعْلٍ كلمتك، ومؤيدٌ دينك، ومظهر ما أرسلت
به على سائر الأديان؛ ولهذا قال: ( وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ ) أي: إلى عبادة
ربك وحده لا شريك له، ( وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) .
وقوله: ( وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ ) أي: لا تليق العبادة إلا له ولا تنبغي الإلهية إلا لعظمته.
وقوله: ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ ) : إخبار بأنه الدائم
الباقي الحي القيوم، الذي تموت الخلائق ولا يموت، كما قال تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ
[ الرحمن : 26 ، 27 ]، فعبر بالوجه عن الذات، وهكذا قوله ها هنا: ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ ) أي: إلا إياه.
وقد ثبت في الصحيح، من طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أصدق كلمة قالها شاعر [كلمة] لبيد:
ألا كلُّ شَيْء مَا خَلا اللهَ بَاطِلُ |
وقال مجاهد والثوري في قوله: ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ ) أي: إلا ما أريد به وجهه، < 6-262 >
وحكاه البخاري في صحيحه كالمقرر له.
قال ابن جرير: ويستشهد من قال ذلك بقول الشاعر:
أسْـتَغْفِرُ اللـهَ ذنبًـا لَسْـتُ مُحْصِيَـهُ | | رَبّ العبَــاد, إلَيـه الوَجْـهُ والعَمَـلُ |
قال
أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا في كتاب "التفكر والاعتبار":
حدثنا أحمد بن محمد بن أبي بكر، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا عمر بن سليم
الباهلي، حدثنا أبو الوليد قال: كان
ابن عمر إذا أراد أن يتعاهد قلبه، يأتي الخربة فيقف على بابها، فينادي
بصوت حزين فيقول: أين أهلك؟ ثم يرجع إلى نفسه فيقول : ( كُلُّ شَيْءٍ
هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ )
.
وقوله: ( لَهُ الْحُكْمُ ) أي: الملك والتصرف، ولا معقب لحكمه، ( وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) أي: يوم معادكم، فيجزيكم بأعمالكم، إن كان خيرا فخير، وإن شرا فشر.
[والله أعلم.
آخر تفسير سورة "القصص"]
رد: الجزء الثاني عشر والأخير من تفسير سورة القصص
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الثاني عشر والأخير من تفسير سورة القصص
جزاك الله خيرا على الموضوع
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
رد: الجزء الثاني عشر والأخير من تفسير سورة القصص
جزاك الله خيرا على الموضوع
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الثاني من تفسير سورة القصص
» الجزء الثاني والأخير من تفسير سورة المرسلات
» الجزء الثاني والأخير من تفسير سورة الطلاق
» الجزء الثاني والأخير من تفسير سورة النبأ
» الجزء الثاني والأخير من تفسير سورة التحريم
» الجزء الثاني والأخير من تفسير سورة المرسلات
» الجزء الثاني والأخير من تفسير سورة الطلاق
» الجزء الثاني والأخير من تفسير سورة النبأ
» الجزء الثاني والأخير من تفسير سورة التحريم
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة القصص
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى