الفقيه العلامة الشيخ ناصر المرموري
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الفقيه العلامة الشيخ ناصر المرموري
الفقيه العلامة الشيخ ناصر المرموري رحمه الله
الشيخ مرموري الناصر بن محمد بن الحاج عمر، ولد يوم 01 رجب 1345 هـ الموافق لـ 07 جانفي 1927م بالقرارة ولاية غرداية، أمه بسيس عائشة بنت أحمد.
تربى بين أحضان عائلة متواضعة وتلقى تعليمه الأول بمسقط رأسه على يد الشيخ أبو الحسن علي بن صالح والشيخ بسيس قاسم بن الحاج سعيد.
استظهر القرآن كاملا على يد أستاذه بسيس عمر بن الحاج سعيد يوم 15 جوان 1942 وهو شاب يافع ذو الخمسة عشر ربيعا، بعد هذا انضم مباشرة إلى معهد الحياة لمواصلة مشواره الدراسي الثانوي.
تلقى الشيخ الناصر تعليمه في معهد الحياة على يد رائد الإصلاح في وادي ميزاب الشيخ ابراهيم بيوض ومساعده الشيخ عدون رحمهما الله، إلى جانب مشائخ وعلماء ذلك العصر منهم الشيخ علي يحي معمر والشيخ بكير بيوض والشيخ عمر بن صالح آداود حيث أخذ عنهم علوم اللغة العربية والفقه والحساب والميراث.
بعد الاستزادة من مختلف العلوم بدأ الشيخ الناصر مسيرته التعليمية بمعهد الحياة يوم 1 أكتوبر 1947 وهو لا يزال حاملا مشعل التعليم والإصلاح إلى يومنا هذا.
سنة 1962 طلب الإمام غالب العماني من مشائخ وادي ميزاب إيفاد أحد أساتذة المعهد إلى مصر للإشراف على مكتب عمان في القاهرة ورعاية شؤون البعثة العلمية العمانية هناك، وفاوض في هذا الأمر كلا من الشيخ عدون والشيخ عبد الرحمن بكلي رحمهم الله، فوقع الاختيار على الشيخ الناصر المرموري ليضطلع بهذه المهمة العلمية في القاهرة، فانتقل الشيخ إلى القاهرة بتاريخ 01 سبتمبر 1962 ليمكث فيها مدة ثلاث سنوات إلى أن أنهى مهمته يوم 01 جوان 1962 (2).
سنوات الشيخ الناصر في القاهرة تعتبر نقطة تحول مهمة في حياته حيث كانت فرصة للاغتراف من بحر العلوم الشرعية فكان يلازم مشائخ الأزهر ويواظب على حضور محاضراتهم بمركز المؤتمر الإسلامي في الزمالك، وعلى رأسهم الشيخ محمد الغزالي ومحمد أبو زهرة والسيد سابق ومحمود حسن ربيع وفتح الله بدران والشيخ أحمد الشرباصي وغيرهم، كما كان يستقدم بعضهم للتدريس في الداخلية التي كان يشرف عليها، كما كان هو أيضا مدرسا لمادة الفقه فيها.
كان الشيخ خلال تواجده بالقاهرة يلتقي بالشيخ البشير الابراهيمي في مقر إقامته بمصر الجديدة في جلسات أدبية رفيعة، كما كان ملازما للشيخ أبو إسحاق ابراهيم اطفيش في أمسيات يتبادلان فيها أطراف الحديث عن السياسة والتاريخ و أحوال الأمة العربية و الإسلامية.
واصل الشيخ الناصر مشواره التعليمي بمعهد الحياة بعد رجوعه من مصر سنة 1965 مدرسا للعلوم الشرعية من أصول الفقه والحديث والتفسير، وقد كان يلازم الشيخ صديق دربه الشيخ أبو اليقظان مساء كل جمعة ولمدة طويلة حيث كانا يجولان معا في عالم الشعر والأدب ويستطلعان أمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
مما يشتهر به الشيخ الناصر أسلوبه المتميز في التدريس والوعظ والإرشاد وذلك لغزارة علمه وتفقهه في الدين، فأول بداياته في هذا المنهاج كانت بدار العلم (الشيخ بالحاج) بالقرارة أين كان يلقي دروسا على التلاميذ والطلبة وعامة الناس وذلك من سنة 1947 إلى غاية 1971 سنة انضمامه إلى حلقة العزابة بمدينة القرارة، وفي السنة نفسها عُين عضوا في مجلس عمي سعيد الهيئة العرفية التي تتولى الشؤون الدينية في وادي ميزاب.
بداية من سنة 1975 اعتلى الشيخ الناصر منبر المسجد الكبير واعظا وخطيبا وإماما بتكليف من الشيخ بيوض؛ وبعد وفاة الشيخ شريفي سعيد الشيخ عدون رحمه الله أصبح الشيخ الناصر رئيسا لحلقة العزابة بالقرارة سنة 2004 إلى أن وافته المنية، فكان مرشدا دينيا ومصلحا اجتماعيا في قرى وادي ميزاب والجزائر متبعا المنهج الإصلاحي للشيخ بيوض رحمه الله.
تولى الشيخ الناصر المرموري لعشرات السنين مهمة مرافقة الحجاج الميامين إلى البقاع المقدسة كمرجعية فقهية وتاريخية للحجاج باعتباره عضوا دائما في البعثة الميزابية إلى البقاع المقدسة، كما اشتهر بالرحلات العديدة التي قام بها في ربوع الوطن الإسلامي بهدف نشر العلم والمعرفة حيث زار تونس، ليبيا، عُمان، السعودية وجزيرة زنجبار بتنزانيا، واستقدم العديد من البعثات العلمية العُمانية والزنجبارية للدراسة في معهد الحياة بالقرارة، كما أرسل عدة بعثات علمية جزائرية للدراسة في معهد القضاء الشرعي بمسقط والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
يعرف الشيخ الناصر بالأدب الراقي الذي أبدع فيه منذ كان طالبا بمعهد الحياة في أربعينات القرن الماضي، حيث كتب عشرات القصائد ومئات المقالات في مختلف المجالات و المناسبات، و أول قصيدة كتبها كانت سنة 1946 و عمره تسعة عشر سنة كانت بمناسبة استقبال الشيخ بيوض رحمه الله من الجولة الاستطلاعية التي قادته إلى مختلف المدن الجزائرية وذلك بعد رجوعه من المنفى، و مطلع القصيدة:
أهـلا بـمـن ورث الـنـبيء مـحـمـدا فـي الـعـلـم والـعـرفـان والإحـسـان
ومن أشهر ما كتب كذلك قصيدة بمناسبة استقبال مصالي الحاج في العاصمة سنة 1947؛ أما مقالات الشيخ فقد كان ينشرها بمجلة الشباب الصادرة عن معهد الحياة والتي كانت تعتبر عصارة النتاج الأدبي لطلبة وأساتذة المعهد، كما نشر الشيخ بعض مقالاته في جريدة الإصلاح للشيخ الطيب العقبي، والبصائر لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
وللشيخ الناصر المرموري مؤلف تحت عنوان مختصر تفسير الشيخ بيوض رحمه الله في ثماني مجلدات، جمع فيه ملخصات للدروس التي كان يلقيها الشيخ بيوض بالمسجد الكبير بالقرارة في تفسير القرآن الكريم.
استقبل الشيخ الناصر المرموري صبيحة يوم الأحد 12 جمادى الثانية 1432 هـ الموافق لـ 15 ماي 2011م بمعهد الحياة بالقرارة سماحة الشيخ أحمد بن حمد بن سليمان الخليلي مفتي سلطنة عمان الذي كان في زيارة علمية إلى الجزائر، ثم تشاء الأقدار أن يصاب الشيخ الناصر بنوبة قلبية مفاجئة مساء اليوم نفسه بعد عودته من القرارة إلى مكان إقامته بقصر تافيلالت بأعالي مدينة بن يزقن بغرداية، نقل على إثرها إلى عيادة الواحات أين لفظ أنفاسه الأخيرة، عن عمر يناهز أربعة وثمانين عاما. رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه - إنا لله وإنا إليه راجعون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ الناصر المرموري كما عرفته
- أبي بكر بهون علي-
يشاء الله تعالى في يوم الأحد 15 ماي 2011 أن تفقد الأمة الإسلامية والشعب الجزائري عالما من علمائها، الفقيه الورع التقي، فضيلة الشيخ ناصر بن محمد المرموري رحمة الله عليه، وإنّ لذلك وقع كبير في نفوس من عرفه وخبره وتربّى على يديه، ولا نملك إلاّ أن نقول إنّا لله وإنّا إليه راجعون، اللهم آجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها، ومن واجب الأبوة الروحية والمرافقة الودّية للشيخ الناصر المرموري عليّ أجدني مجبراً أن أضع بين أيديكم هذه الكلمات، لتستفيدوا وتفيدوا وتدعوا للشيخ بالقبول والمغفرة والرحمة فإليكموها:
من هو الشيخ ناصر بن محمد المرموري؟
1) اسمه الكامل: ناصر بن محمّد بن باحمد بن إبراهيم المرموري، من عشيرة آل جهلان، أمّه بسيس عائشة بنت محمد .
- ميلاده: من مواليد 7 جانفي سنة 1927 بمدينة القرارة.
- إخوته: الحاج أحمد وهو أكبر منه والحاج عمر وهو أصغر منه، ويتوسّطهم الشيخ الناصر.
- زوجته: بسيس عائشة .
- أولاده: إبراهيم، لالة، أحمد، رحمية.
2) ظروفه المعيشية: لم تكن ظروف الشيخ ميسورة الحال، لكن حبّه للعلم وأهله جعله يصبر هذا الجانب، وقد تغرّب أبوه لمدة أربع سنوات إلى تونس الشقيقة للعمل بـها، وكان يرسل لهم ما يلزم لمعاشهم، كما كانت أمّه تعمل وتنسج لتسديد نفقات الضرورية للحياة، إلاّ أن الله تعالى لم ولن يخيّب ظنّ عبده به، فقد فتح الله تعالى على الشيخ وعوّضه خيرا من المال، فكرّمه بالعلم وشرّفه بالأخلاق الحميدة وكفاه بـما يـحفظ ماء وجهه ليعيش كريما، كما حبّبه إلى الخلائق، رجالا ونساء، شبابا وشيبا، عواماً وعلماء، فقد ألقى محبة الله في قلوب الخلائق
3) أهمّ مـحطاته العلمية:
- بدأ دراسته بالـمحضرة منذ 5 سنوات. ثم التحق بـمدرسة الحياة والمدرسة الرسمية الفرنسية.
- تـحصّل على شهادة التعليم الأساسي SERTAFICAT D'ETUDE
- حفظ القرآن الكريم واستظهره سنة 1939 وعمره 12 سنة.
- التحق بـمعهد الحياة طالبا، وتتلمذ على كثير من العلماء مـمن عاشرهم:كالشيخ بيوض، الشيخ عدوّن، الشيخ عبد الله أبو العلا، الشيخ أبو اليقظان، الشيخ أبي اسحاق إبراهيم اطفيش، الشيخ صالح أداود الشيخ علي يـحي امعمّر، والشيخ محمّد علي دبوز، الشيخ حمو فخار.
- كان يقرأ للشيخ بيوض في حلقة الوعظ والإرشاد بالمسجد الكبير، حينما كان يشرح صحيح البخاري.
- كان مرافقا للشيخ أبي اليقظان ويطالع له.
- تـحصّل على إجازة في الحديث بالمدينة المنوّرة.
4) مواهبه:
- الشعر والأدب: للشيخ قوة كبيرة على الوصف فهو أديب وبليغ، يحفظ من الشعر الشيء الكثير بمختلف العصور الجاهلية والإسلام والأموي والعباسي، القديم والحديث..
كما أنّ له قصائد عديدة، وقد أحرق جلّها عندما تعدّى الاستعمار الغاشم على مدينة القرارة باحثا عن الجنود والمناضلين، إلاّ أن منها ما هو منشور والآخر مخطوط ومسطور.
- الحفظ: وقد امتلك الشيخ ذاكرة قوية فهو حفّاظة، وقد سألته يوما كيف حفظت هذا الكم الـهائل من العلم والشعر والحكم والتاريخ والأسماء...، فقال "أذكر ما تعّلمته في كل مناسبة تسمح بذلك".
- علم الأنساب: لا يكاد يقف أحد أمام الشيخ معرّفا نفسه، إلاّ وواصل الشيخ ذكر حالته المدنية، أنت ابن فلان وفلانه خالتك فلانة وعمّك فلان، جدّك كان يعمل كذا... إلى غيرها من التفاصيل، ولم يقتصر هذا على القرارة بل تعدّاه إلى بعض قصور وادي مزاب فضلا عن التاريخ الإسلامي، والإباضي سواء المشرقي منه أو المغربي.
5) مسؤوليات ومهام أشرف عليها:
تمحورت حياة الشيخ الناصر على التربية والتعليم والوعظ والإرشاد بدرجة كبيرة، كما كانت له مهام ومسؤوليات أخرى نذكر أهمّها على سبيل المثال لا الحصر.
- تفرّغ لمهمة التدريس معهد الحياة سنة 1947 رفقة عدد من المشايخ والعلماء.
- كان شاعراً وأديباً وفقيهاً ومؤرّخاً.
- أشرف على إقامة الطلبة العمانيين بـجمهورية مصر الشقيقة من سنة 63 إلى 1965.
- تكفّل وأشرف على الطلبة الزنجباريين.
- مرشد وواعظ، وقد كان أول درس ألقاه أمام الملأ بتكليف من الشيخ بيوض في مدينة ورجلان
- مفتي.
- خطيب جمعة بالمسجد الكبير القرارة.
- مرشد الحجاج لبعثة الإباضية الميزابيين.
- عضو مجلس عمّي سعيد.
- رئيس هيئة العزابة بالقرارة.
- مرشد وواعظ
6) صفاته وأخلاقه:
- الحلم والأناة:كان الشيخ حليما حكيما وقورا، تبدوا على ملامحه التواضع وسعة الصدر، ولا يفضل الجدال ولا النقاش العقيم،
- الكلمة الطيبة: كان طيب الكلام حلو اللسان، صافي الجنان يصدق عليه قول شاعر:
لا أحمل الحقد القديم عليهم وليس كبير القوم من يحمل الحقدا.
بعيد كلّ البعد عن الغيبة، ولا يسكت عمن يغتاب أحدا أمامه، فينهاه ويذكره بقوله تعالى" أيحب أحدكم أن ياكل لحم أخيه ميّتا فكرهتموه"
- الوقار والمهابة: مـمّا ترسّخ في ذهني، تلكم الصورة الخالدة للشيخ، وهو يستعد لينطلق في التدريس والتعليم فتكسوه مهابة ووقار، واجلال واحترام، يتجلّى عليه نور العلم، وروح الإخلاص، وصدق الحديث وفصاحة اللسان، فيلقي دررا من العلم مـمرزجة بروح الحب والخير، مختصرا مركزاً على الجيّد المفيد، ناطقا بالقول السديد، محترما للوقت بالتحديد، سكوته تأمّل وتفكّير وكلامه علم وتذكّير.
- الكرم والصدق:
كثيرا ما تـجد للشيخ أناس يقصدونه بين الفينة والأخرى يتودّدون إليه ليمنح لهم ما يحتاجونه ستحقونه من صدقة أو زكاة، كما أنّه يسعى جاهدا ألا تفوته الصدقة يوم الجمعة، فكم كان يتأسف عندما يذهب إلى صلاة الجمعة ولم يأخذ معه مبلغا ليتصدّق به وبخاصة في أسفاره.
كما كان رحمة الله عليه يخصص للطلبة لقاءات وولائم وبخاصة الغرباء منهم والبعيدين عن أهاليهم وذويهم.
- الإنصاف: في بعض المواقف أشعر أن الشيخ قد تجاوز دود الآخرين، فأسدي له النصيحة، مبديا وجهة نظري، كونه أستاذي ومرشدي وأبي الروحي، وكوني تلميذا ومرافقا بل خادما وفياً له، فأجده منصفا متواضعا معترفا، بل شاكرا إيّاي قائلا الحمد لله أن جعلك هكذا فمن الأشياء الثمينة أن تجد من ينصحك فبارك الله فيك، فرحمة الله على شيخي ما دامت السموات والأراضين.
- الورد اليومي: كان للشيخ الناصر وردا يوميا، لا يؤجله ولا يؤخره، فقد تعهّد على حزبين لليوم، مواضبا على ذلك ليختم القرآن مرة في كلّ شهر فرحمة الله عليه.
- قيامه لليل: اذكر في إحدى أيام الصائفة، بينما كنت غارقا في النوم في سطح دار الشيخ بالقرارة وفي قرابة الساعة 2:45 أسمع صوتا خافتا تتقطّعه أنات البكاء، يسري إلى أذنيّ ففتحت عينيّ فإذا بالشيخ قائما راكعا ساجدا لله تعالى متضرّعا.
وفي الصبيحة لم أملك نفسي وسألته يا شيخ كيف بلغت ما أنت من هذا الخير، فقال: الحمد لله...إنّ الظروف الصعبة التي مررنا عليها، حيث لا نستطيع أن نسخن الماء في بيوتنا لصلاة الفجر ، فكان لزاما أن نستيقظ باكرين " غيرو"، ونتوجه إلى المسجد فنجد الماء الساخن ونتهيأ للصلاة، وكان هذا منذ مرحلة شبابي والحمد لله على نعمه. فرب ضارّة نافعة.
7) رحلاتـه:
كان الشيخ الناصر كثير الترحال حتى في آخر أيام حياته، وقد سألته يوما عن ذلك فقال: "مادامت أتحرك فلن أتوانى عن السفر والترحال"، فقد كانت له رحلات سنوية داخل الوطن وخارجه سواء للتواصل أو الاستجمام، ومن بين الدول التي زارها:
المملكة العربية السعودية، فلسطين، ليبيا، تونس، تنزانيا، عُمان، الكويت، العراق، مصر...
الشيخ مرموري الناصر بن محمد بن الحاج عمر، ولد يوم 01 رجب 1345 هـ الموافق لـ 07 جانفي 1927م بالقرارة ولاية غرداية، أمه بسيس عائشة بنت أحمد.
تربى بين أحضان عائلة متواضعة وتلقى تعليمه الأول بمسقط رأسه على يد الشيخ أبو الحسن علي بن صالح والشيخ بسيس قاسم بن الحاج سعيد.
استظهر القرآن كاملا على يد أستاذه بسيس عمر بن الحاج سعيد يوم 15 جوان 1942 وهو شاب يافع ذو الخمسة عشر ربيعا، بعد هذا انضم مباشرة إلى معهد الحياة لمواصلة مشواره الدراسي الثانوي.
تلقى الشيخ الناصر تعليمه في معهد الحياة على يد رائد الإصلاح في وادي ميزاب الشيخ ابراهيم بيوض ومساعده الشيخ عدون رحمهما الله، إلى جانب مشائخ وعلماء ذلك العصر منهم الشيخ علي يحي معمر والشيخ بكير بيوض والشيخ عمر بن صالح آداود حيث أخذ عنهم علوم اللغة العربية والفقه والحساب والميراث.
بعد الاستزادة من مختلف العلوم بدأ الشيخ الناصر مسيرته التعليمية بمعهد الحياة يوم 1 أكتوبر 1947 وهو لا يزال حاملا مشعل التعليم والإصلاح إلى يومنا هذا.
سنة 1962 طلب الإمام غالب العماني من مشائخ وادي ميزاب إيفاد أحد أساتذة المعهد إلى مصر للإشراف على مكتب عمان في القاهرة ورعاية شؤون البعثة العلمية العمانية هناك، وفاوض في هذا الأمر كلا من الشيخ عدون والشيخ عبد الرحمن بكلي رحمهم الله، فوقع الاختيار على الشيخ الناصر المرموري ليضطلع بهذه المهمة العلمية في القاهرة، فانتقل الشيخ إلى القاهرة بتاريخ 01 سبتمبر 1962 ليمكث فيها مدة ثلاث سنوات إلى أن أنهى مهمته يوم 01 جوان 1962 (2).
سنوات الشيخ الناصر في القاهرة تعتبر نقطة تحول مهمة في حياته حيث كانت فرصة للاغتراف من بحر العلوم الشرعية فكان يلازم مشائخ الأزهر ويواظب على حضور محاضراتهم بمركز المؤتمر الإسلامي في الزمالك، وعلى رأسهم الشيخ محمد الغزالي ومحمد أبو زهرة والسيد سابق ومحمود حسن ربيع وفتح الله بدران والشيخ أحمد الشرباصي وغيرهم، كما كان يستقدم بعضهم للتدريس في الداخلية التي كان يشرف عليها، كما كان هو أيضا مدرسا لمادة الفقه فيها.
كان الشيخ خلال تواجده بالقاهرة يلتقي بالشيخ البشير الابراهيمي في مقر إقامته بمصر الجديدة في جلسات أدبية رفيعة، كما كان ملازما للشيخ أبو إسحاق ابراهيم اطفيش في أمسيات يتبادلان فيها أطراف الحديث عن السياسة والتاريخ و أحوال الأمة العربية و الإسلامية.
واصل الشيخ الناصر مشواره التعليمي بمعهد الحياة بعد رجوعه من مصر سنة 1965 مدرسا للعلوم الشرعية من أصول الفقه والحديث والتفسير، وقد كان يلازم الشيخ صديق دربه الشيخ أبو اليقظان مساء كل جمعة ولمدة طويلة حيث كانا يجولان معا في عالم الشعر والأدب ويستطلعان أمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
مما يشتهر به الشيخ الناصر أسلوبه المتميز في التدريس والوعظ والإرشاد وذلك لغزارة علمه وتفقهه في الدين، فأول بداياته في هذا المنهاج كانت بدار العلم (الشيخ بالحاج) بالقرارة أين كان يلقي دروسا على التلاميذ والطلبة وعامة الناس وذلك من سنة 1947 إلى غاية 1971 سنة انضمامه إلى حلقة العزابة بمدينة القرارة، وفي السنة نفسها عُين عضوا في مجلس عمي سعيد الهيئة العرفية التي تتولى الشؤون الدينية في وادي ميزاب.
بداية من سنة 1975 اعتلى الشيخ الناصر منبر المسجد الكبير واعظا وخطيبا وإماما بتكليف من الشيخ بيوض؛ وبعد وفاة الشيخ شريفي سعيد الشيخ عدون رحمه الله أصبح الشيخ الناصر رئيسا لحلقة العزابة بالقرارة سنة 2004 إلى أن وافته المنية، فكان مرشدا دينيا ومصلحا اجتماعيا في قرى وادي ميزاب والجزائر متبعا المنهج الإصلاحي للشيخ بيوض رحمه الله.
تولى الشيخ الناصر المرموري لعشرات السنين مهمة مرافقة الحجاج الميامين إلى البقاع المقدسة كمرجعية فقهية وتاريخية للحجاج باعتباره عضوا دائما في البعثة الميزابية إلى البقاع المقدسة، كما اشتهر بالرحلات العديدة التي قام بها في ربوع الوطن الإسلامي بهدف نشر العلم والمعرفة حيث زار تونس، ليبيا، عُمان، السعودية وجزيرة زنجبار بتنزانيا، واستقدم العديد من البعثات العلمية العُمانية والزنجبارية للدراسة في معهد الحياة بالقرارة، كما أرسل عدة بعثات علمية جزائرية للدراسة في معهد القضاء الشرعي بمسقط والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
يعرف الشيخ الناصر بالأدب الراقي الذي أبدع فيه منذ كان طالبا بمعهد الحياة في أربعينات القرن الماضي، حيث كتب عشرات القصائد ومئات المقالات في مختلف المجالات و المناسبات، و أول قصيدة كتبها كانت سنة 1946 و عمره تسعة عشر سنة كانت بمناسبة استقبال الشيخ بيوض رحمه الله من الجولة الاستطلاعية التي قادته إلى مختلف المدن الجزائرية وذلك بعد رجوعه من المنفى، و مطلع القصيدة:
أهـلا بـمـن ورث الـنـبيء مـحـمـدا فـي الـعـلـم والـعـرفـان والإحـسـان
ومن أشهر ما كتب كذلك قصيدة بمناسبة استقبال مصالي الحاج في العاصمة سنة 1947؛ أما مقالات الشيخ فقد كان ينشرها بمجلة الشباب الصادرة عن معهد الحياة والتي كانت تعتبر عصارة النتاج الأدبي لطلبة وأساتذة المعهد، كما نشر الشيخ بعض مقالاته في جريدة الإصلاح للشيخ الطيب العقبي، والبصائر لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
وللشيخ الناصر المرموري مؤلف تحت عنوان مختصر تفسير الشيخ بيوض رحمه الله في ثماني مجلدات، جمع فيه ملخصات للدروس التي كان يلقيها الشيخ بيوض بالمسجد الكبير بالقرارة في تفسير القرآن الكريم.
استقبل الشيخ الناصر المرموري صبيحة يوم الأحد 12 جمادى الثانية 1432 هـ الموافق لـ 15 ماي 2011م بمعهد الحياة بالقرارة سماحة الشيخ أحمد بن حمد بن سليمان الخليلي مفتي سلطنة عمان الذي كان في زيارة علمية إلى الجزائر، ثم تشاء الأقدار أن يصاب الشيخ الناصر بنوبة قلبية مفاجئة مساء اليوم نفسه بعد عودته من القرارة إلى مكان إقامته بقصر تافيلالت بأعالي مدينة بن يزقن بغرداية، نقل على إثرها إلى عيادة الواحات أين لفظ أنفاسه الأخيرة، عن عمر يناهز أربعة وثمانين عاما. رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه - إنا لله وإنا إليه راجعون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ الناصر المرموري كما عرفته
- أبي بكر بهون علي-
يشاء الله تعالى في يوم الأحد 15 ماي 2011 أن تفقد الأمة الإسلامية والشعب الجزائري عالما من علمائها، الفقيه الورع التقي، فضيلة الشيخ ناصر بن محمد المرموري رحمة الله عليه، وإنّ لذلك وقع كبير في نفوس من عرفه وخبره وتربّى على يديه، ولا نملك إلاّ أن نقول إنّا لله وإنّا إليه راجعون، اللهم آجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها، ومن واجب الأبوة الروحية والمرافقة الودّية للشيخ الناصر المرموري عليّ أجدني مجبراً أن أضع بين أيديكم هذه الكلمات، لتستفيدوا وتفيدوا وتدعوا للشيخ بالقبول والمغفرة والرحمة فإليكموها:
من هو الشيخ ناصر بن محمد المرموري؟
1) اسمه الكامل: ناصر بن محمّد بن باحمد بن إبراهيم المرموري، من عشيرة آل جهلان، أمّه بسيس عائشة بنت محمد .
- ميلاده: من مواليد 7 جانفي سنة 1927 بمدينة القرارة.
- إخوته: الحاج أحمد وهو أكبر منه والحاج عمر وهو أصغر منه، ويتوسّطهم الشيخ الناصر.
- زوجته: بسيس عائشة .
- أولاده: إبراهيم، لالة، أحمد، رحمية.
2) ظروفه المعيشية: لم تكن ظروف الشيخ ميسورة الحال، لكن حبّه للعلم وأهله جعله يصبر هذا الجانب، وقد تغرّب أبوه لمدة أربع سنوات إلى تونس الشقيقة للعمل بـها، وكان يرسل لهم ما يلزم لمعاشهم، كما كانت أمّه تعمل وتنسج لتسديد نفقات الضرورية للحياة، إلاّ أن الله تعالى لم ولن يخيّب ظنّ عبده به، فقد فتح الله تعالى على الشيخ وعوّضه خيرا من المال، فكرّمه بالعلم وشرّفه بالأخلاق الحميدة وكفاه بـما يـحفظ ماء وجهه ليعيش كريما، كما حبّبه إلى الخلائق، رجالا ونساء، شبابا وشيبا، عواماً وعلماء، فقد ألقى محبة الله في قلوب الخلائق
3) أهمّ مـحطاته العلمية:
- بدأ دراسته بالـمحضرة منذ 5 سنوات. ثم التحق بـمدرسة الحياة والمدرسة الرسمية الفرنسية.
- تـحصّل على شهادة التعليم الأساسي SERTAFICAT D'ETUDE
- حفظ القرآن الكريم واستظهره سنة 1939 وعمره 12 سنة.
- التحق بـمعهد الحياة طالبا، وتتلمذ على كثير من العلماء مـمن عاشرهم:كالشيخ بيوض، الشيخ عدوّن، الشيخ عبد الله أبو العلا، الشيخ أبو اليقظان، الشيخ أبي اسحاق إبراهيم اطفيش، الشيخ صالح أداود الشيخ علي يـحي امعمّر، والشيخ محمّد علي دبوز، الشيخ حمو فخار.
- كان يقرأ للشيخ بيوض في حلقة الوعظ والإرشاد بالمسجد الكبير، حينما كان يشرح صحيح البخاري.
- كان مرافقا للشيخ أبي اليقظان ويطالع له.
- تـحصّل على إجازة في الحديث بالمدينة المنوّرة.
4) مواهبه:
- الشعر والأدب: للشيخ قوة كبيرة على الوصف فهو أديب وبليغ، يحفظ من الشعر الشيء الكثير بمختلف العصور الجاهلية والإسلام والأموي والعباسي، القديم والحديث..
كما أنّ له قصائد عديدة، وقد أحرق جلّها عندما تعدّى الاستعمار الغاشم على مدينة القرارة باحثا عن الجنود والمناضلين، إلاّ أن منها ما هو منشور والآخر مخطوط ومسطور.
- الحفظ: وقد امتلك الشيخ ذاكرة قوية فهو حفّاظة، وقد سألته يوما كيف حفظت هذا الكم الـهائل من العلم والشعر والحكم والتاريخ والأسماء...، فقال "أذكر ما تعّلمته في كل مناسبة تسمح بذلك".
- علم الأنساب: لا يكاد يقف أحد أمام الشيخ معرّفا نفسه، إلاّ وواصل الشيخ ذكر حالته المدنية، أنت ابن فلان وفلانه خالتك فلانة وعمّك فلان، جدّك كان يعمل كذا... إلى غيرها من التفاصيل، ولم يقتصر هذا على القرارة بل تعدّاه إلى بعض قصور وادي مزاب فضلا عن التاريخ الإسلامي، والإباضي سواء المشرقي منه أو المغربي.
5) مسؤوليات ومهام أشرف عليها:
تمحورت حياة الشيخ الناصر على التربية والتعليم والوعظ والإرشاد بدرجة كبيرة، كما كانت له مهام ومسؤوليات أخرى نذكر أهمّها على سبيل المثال لا الحصر.
- تفرّغ لمهمة التدريس معهد الحياة سنة 1947 رفقة عدد من المشايخ والعلماء.
- كان شاعراً وأديباً وفقيهاً ومؤرّخاً.
- أشرف على إقامة الطلبة العمانيين بـجمهورية مصر الشقيقة من سنة 63 إلى 1965.
- تكفّل وأشرف على الطلبة الزنجباريين.
- مرشد وواعظ، وقد كان أول درس ألقاه أمام الملأ بتكليف من الشيخ بيوض في مدينة ورجلان
- مفتي.
- خطيب جمعة بالمسجد الكبير القرارة.
- مرشد الحجاج لبعثة الإباضية الميزابيين.
- عضو مجلس عمّي سعيد.
- رئيس هيئة العزابة بالقرارة.
- مرشد وواعظ
6) صفاته وأخلاقه:
- الحلم والأناة:كان الشيخ حليما حكيما وقورا، تبدوا على ملامحه التواضع وسعة الصدر، ولا يفضل الجدال ولا النقاش العقيم،
- الكلمة الطيبة: كان طيب الكلام حلو اللسان، صافي الجنان يصدق عليه قول شاعر:
لا أحمل الحقد القديم عليهم وليس كبير القوم من يحمل الحقدا.
بعيد كلّ البعد عن الغيبة، ولا يسكت عمن يغتاب أحدا أمامه، فينهاه ويذكره بقوله تعالى" أيحب أحدكم أن ياكل لحم أخيه ميّتا فكرهتموه"
- الوقار والمهابة: مـمّا ترسّخ في ذهني، تلكم الصورة الخالدة للشيخ، وهو يستعد لينطلق في التدريس والتعليم فتكسوه مهابة ووقار، واجلال واحترام، يتجلّى عليه نور العلم، وروح الإخلاص، وصدق الحديث وفصاحة اللسان، فيلقي دررا من العلم مـمرزجة بروح الحب والخير، مختصرا مركزاً على الجيّد المفيد، ناطقا بالقول السديد، محترما للوقت بالتحديد، سكوته تأمّل وتفكّير وكلامه علم وتذكّير.
- الكرم والصدق:
كثيرا ما تـجد للشيخ أناس يقصدونه بين الفينة والأخرى يتودّدون إليه ليمنح لهم ما يحتاجونه ستحقونه من صدقة أو زكاة، كما أنّه يسعى جاهدا ألا تفوته الصدقة يوم الجمعة، فكم كان يتأسف عندما يذهب إلى صلاة الجمعة ولم يأخذ معه مبلغا ليتصدّق به وبخاصة في أسفاره.
كما كان رحمة الله عليه يخصص للطلبة لقاءات وولائم وبخاصة الغرباء منهم والبعيدين عن أهاليهم وذويهم.
- الإنصاف: في بعض المواقف أشعر أن الشيخ قد تجاوز دود الآخرين، فأسدي له النصيحة، مبديا وجهة نظري، كونه أستاذي ومرشدي وأبي الروحي، وكوني تلميذا ومرافقا بل خادما وفياً له، فأجده منصفا متواضعا معترفا، بل شاكرا إيّاي قائلا الحمد لله أن جعلك هكذا فمن الأشياء الثمينة أن تجد من ينصحك فبارك الله فيك، فرحمة الله على شيخي ما دامت السموات والأراضين.
- الورد اليومي: كان للشيخ الناصر وردا يوميا، لا يؤجله ولا يؤخره، فقد تعهّد على حزبين لليوم، مواضبا على ذلك ليختم القرآن مرة في كلّ شهر فرحمة الله عليه.
- قيامه لليل: اذكر في إحدى أيام الصائفة، بينما كنت غارقا في النوم في سطح دار الشيخ بالقرارة وفي قرابة الساعة 2:45 أسمع صوتا خافتا تتقطّعه أنات البكاء، يسري إلى أذنيّ ففتحت عينيّ فإذا بالشيخ قائما راكعا ساجدا لله تعالى متضرّعا.
وفي الصبيحة لم أملك نفسي وسألته يا شيخ كيف بلغت ما أنت من هذا الخير، فقال: الحمد لله...إنّ الظروف الصعبة التي مررنا عليها، حيث لا نستطيع أن نسخن الماء في بيوتنا لصلاة الفجر ، فكان لزاما أن نستيقظ باكرين " غيرو"، ونتوجه إلى المسجد فنجد الماء الساخن ونتهيأ للصلاة، وكان هذا منذ مرحلة شبابي والحمد لله على نعمه. فرب ضارّة نافعة.
7) رحلاتـه:
كان الشيخ الناصر كثير الترحال حتى في آخر أيام حياته، وقد سألته يوما عن ذلك فقال: "مادامت أتحرك فلن أتوانى عن السفر والترحال"، فقد كانت له رحلات سنوية داخل الوطن وخارجه سواء للتواصل أو الاستجمام، ومن بين الدول التي زارها:
المملكة العربية السعودية، فلسطين، ليبيا، تونس، تنزانيا، عُمان، الكويت، العراق، مصر...
الأمير- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 6081
تاريخ الميلاد : 29/10/1996
العمر : 28
مواضيع مماثلة
» الشيخ أبو اليقظان الفقيه
» الفقيه الشيخ أحمد حماني
» الفقيه الشيخ محمد شارف
» الفقيه الحافظ الشيخ محمد باي بلعالم
» العلامة الشيخ الطاهر العبيدي السوفي
» الفقيه الشيخ أحمد حماني
» الفقيه الشيخ محمد شارف
» الفقيه الحافظ الشيخ محمد باي بلعالم
» العلامة الشيخ الطاهر العبيدي السوفي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى