الجزء السادس عشر من تفسير سورة النساء لابن كثير
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة النساء
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء السادس عشر من تفسير سورة النساء لابن كثير
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ
اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ
أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ
تَثْبِيتًا
(66)
وَإِذًا لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا
(67)
وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا
(68)
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ
وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا
(69)
ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا
(70)
يخبر تعالى عن أكثر الناس أنهم لو أمروا بما هم مرتكبونه من المناهي لما
فعلوه ؛ لأن طباعهم الرديئة مجبولة على مخالفة الأمر، وهذا من علمه -تبارك
وتعالى-بما لم يكن أو كان فكيف كان يكون؛ ولهذا قال تعالى: ( وَلَوْ
أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا
مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ )
قال ابن جرير : حدثني المثنى، حدثني إسحاق، حدثنا أبو زهير
عن إسماعيل، عن أبي إسحاق السبيعي، قال: لما نـزلت: ( وَلَوْ أَنَّا
كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ
دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهْ إلا قَلِيلٌ [مِنْهُمْ]
)الآية، قال رجل: لو أمرنا لفعلنا، والحمد لله الذي عافانا. فبلغ ذلك
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن من أمتي لرجالا الإيمان أثبت في قلوبهم
من الجبال الرواسي" .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا جعفر بن منير، حدثنا روح، حدثنا هشام، عن
الحسن قال: لما نـزلت هذه الآية: ( وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ
أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) الآية. قال أناس من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم: لو فعل ربنا لفعلنا، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
"لَلإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرواسي".
وقال السدي: افتخر ثابت بن قيس بن شَمَّاس ورجل من اليهود، فقال
اليهودي: والله لقد كتب الله علينا القتل فقتلنا أنفسنا. فقال ثابت: والله
لو كتب علينا: ( أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) لقتلنا. فأنـزل الله هذه
الآية. رواه ابن أبي حاتم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمود بن غَيْلان، حدثنا بشر بن السَّرِي، حدثنا مصعب < 2-353 >
بن ثابت، عن عمه عامر بن عبد الله بن الزبير، قال: لما نـزلت [ ( وَلَوْ
أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) قال أبو بكر:
يا رسول الله، والله لو أمرتني أن أقتل نفسي لفعلت، قال: "صدقت يا أبا
بكر".
حدثنا أبي، حدثنا محمد بن أبي عمر العَدَنيّ قال: سئل سفيان عن قوله]
( وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ
اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ) قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو نـزلت لكان ابن أم عبد منهم".
وحدثنا أبي، حدثنا أبو اليمان، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن
عمرو، عن شُرَيْح بن عُبَيْد قال: لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذه الآية: ( وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا
أَنْفُسَكُمْ [أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ
مِنْهُمْ]
)الآية، أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى عبد الله بن رَواحة،
فقال: "لو أن الله كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل" يعني: ابن رواحة.
ولهذا قال تعالى: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ )
أي: ولو أنهم فعلوا ما يؤمرون به، وتركوا ما ينهون عنه ( لَكَانَ خَيْرًا
لَهُمْ ) أي: من مخالفة الأمر وارتكاب النهي ( وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ) قال
السدي: أي: وأشد تصديقا.
( وَإِذًا لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا ) أي: من عندنا، ( أَجْرًا
عَظِيمًا ) يعني: الجنة. ( وَلَهَدَيناهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) أي في
الدنيا والآخرة.
ثم قال تعالى: ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ
الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ
وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ
رَفِيقًا ) أي: من عمل بما أمره الله ورسوله، وترك ما نهاه الله عنه
ورسوله، فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته، ويجعله مرافقًا للأنبياء ثم لمن
بعدهم في الرتبة، وهم الصديقون، ثم الشهداء، ثم عموم المؤمنين وهم
الصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم.
ثم أثنى عليهم تعالى فقال: ( وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا )
وقال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله بن حَوْشَب، حدثنا إبراهيم بن
سعد، عن أبيه، عن عُرْوَة، عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: "ما من نبي يَمْرَضُ إلا خُيِّر بين الدنيا والآخرة" وكان في
شكواه التي قبض فيه، فأخذته بُحَّة شديدة فسمعته يقول: ( مَعَ الَّذِينَ
أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ
وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ) فعلمت أنه خُيِّر.
وكذا رواه مسلم من حديث شعبة، عن سعد بن إبراهيم به .
وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: "اللهم في الرفيق الأعلى" ثلاثا ثم قضى، عليه أفضل الصلاة والتسليم .
ذكر سبب نـزول هذه الآية الكريمة:
قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا يعقوب القُمي، عن جعفر بن أبي
المغيرة، عن سعيد بن جُبير قال: جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله
عليه وسلم وهو محزون، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا فلان، ما لي < 2-354 >
أراك محزونًا؟" قال: يا نبي الله
شيء فكرت فيه؟ قال: "ما هو؟" قال: نحن نغدو عليك ونروح، ننظر إلى وجهك
ونجالسك، وغدا ترفع مع النبيين فلا نصل إليك. فلم يرد النبي صلى الله عليه
وسلم عليه شيئا، فأتاه جبريل بهذه الآية: ( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ
وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَم اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ
النَّبِيِّينَ [وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ
أُولَئِكَ رَفِيقًا] ) فبعث النبي صلى الله عليه وسلم فبشره.
قد روي هذا الأثر مرسلا عن مسروق، وعكرمة، وعامر الشَّعْبي، وقتادة، وعن الربيع بن أنس، وهو من أحسنها سندًا.
قال ابن جرير: حدثنا المثنى، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع،
قوله: ( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ [فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ
أَنْعَم اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ]
)
الآية، قال: إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: قد علمنا أن النبي
صلى الله عليه وسلم له فضل على من آمن به في درجات الجنة ممن اتبعه وصدقه،
وكيف لهم إذا اجتمعوا في الجنة أن يرى بعضهم بعضا؟ فأنـزل الله في ذلك
-يعني هذه الآية-فقال: يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الأعْلَيْنَ
ينحدرون إلى من هو أسفل منهم، فيجتمعون في رياضها، فيذكرون ما أنعم الله
عليهم ويثنون عليه، وينـزل لهم أهل الدرجات فيسعون عليهم بما يشتهُون وما
يدعون به، فهم في روضة يحبرون ويتنعمون فيه" .
وقد روي مرفوعا من وجه آخر، فقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبد الرحيم
بن محمد بن مسلم، حدثنا إسماعيل بن أحمد بن أسيد، حدثنا عبد الله بن عمران،
حدثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: جاء
رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: إنك لأحب إلي من
نفسي وأحب إلي من أهلي، وأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما
أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة
رفعت مع النبيين، وإن دخلت الجنة خشيت ألا أراك. فلم يرد عليه النبي صلى
الله عليه وسلم حتى نـزلت عليه: ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ
فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ
النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ
أُولَئِكَ رَفِيقًا )
وهكذا رواه الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتابه: "صفة الجنة"، من طريق
الطبراني، عن أحمد بن عمرو بن مسلم الخلال، عن عبد الله بن عمران العابدي،
به. ثم قال: لا أرى بإسناده بأسا والله أعلم.
< 2-355 >
وقال ابن مردويه أيضًا: حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي، حدثنا أبو بكر بن ثابت بن عباس المصري
حدثنا خالد بن عبد الله، عن عطاء بن السائب، عن عامر الشعبي، عن ابن عباس،
أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني لأحبك حتى
إني لأذكرك في المنـزل فيشق ذلك علي
وأحب أن أكون معك في الدرجة. فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
شيئا، فأنـزل الله عز وجل [ ( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ
فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَم اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ
وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وِالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ
رَفِيقًا ) ] .
وقد رواه ابن جرير، عن ابن حُمَيْد، عن جرير، عن عطاء، عن الشعبي، مرسلا
. وثبت في صحيح مسلم من حديث هقل بن زياد، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي
كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن ربيعة بن كعب الأسلمي أنه قال: كنت
أبيت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: "سَلْ".
فقلت: يا رسول الله، أسألك مرافقتك في الجنة. فقال: " أوغَيْرَ ذلك؟" قلت:
هو ذاك. قال: "فَأَعِنِّي على نفسك بكثرة السجود" .
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، أخبرنا ابن لهيعة، عن عبيد الله
بن أبي جعفر، عن عيسى بن طلحة، عن عمرو بن مُرَّةَ الجُهَنِيّ قال: جاء
رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله شهدت أن لا إله إلا
الله وأنك رسول الله وصليت الخمس وأديت زكاة مالي وصمت شهر رمضان. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين
والشهداء يوم القيامة هكذا -ونصب أصبعيه-ما لم يعق والديه" تفرد به أحمد .
قال الإمام أحمد أيضا: حدثنا أبو سعيد مولى أبي هاشم، حدثنا ابن لهيعة، عن زَبَّان
بن فائد، عن سهل بن معاذ بن أنس، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: "من قرأ ألف آية في سبيل الله كتب يوم القيامة مع النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، إن شاء الله" .
وروى الترمذي من طريق سفيان الثوري، عن أبي حمزة، عن الحسن البصري، عن
أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التاجر الصدوق الأمين مع
النبيين والصديقين والشهداء".
ثم قال: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأبو حمزة اسمه عبد الله بن جابر شيخ بصري .
وأعظم من هذا كله بشارة ما ثبت في الصحاح والمسانيد وغيرهما، من طرق
متواترة عن جماعة من الصحابة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن
الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟ فقال: "المرء مع من < 2-356 >
أحب" قال أنس: فما فرح المسلمون فرحهم بهذا الحديث .
وفي رواية عن أنس أنه قال: إني أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحب أبا بكر وعمر، رضي الله عنهما وأرجو أن الله يبعثني الله معهم وإن لم أعمل كعملهم .
وقال الإمام مالك بن أنس، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي
سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة ليتراءون
أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من
الأفق من المشرق أو المغرب لِتَفَاضُلِ ما بينهم". قالوا: يا رسول الله،
تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: "بلى، والذي نفسي بيده، رجال
آمنوا بالله وصدقوا المرسلين".
أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك ولفظه لمسلم.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا فزارة، أخبرني فُلَيْح، عن هلال -يعني
ابن علي-عن عطاء، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن
أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون -أو تَرون-الكوكب الدري الغارب في
الأفق والطالع في تفاضل الدرجات". قالوا: يا رسول الله، أولئك النبيون؟
قال: "بلى، والذي نفسي بيده، وأقوام آمنوا بالله وصدقوا المرسلين".
قال الحافظ الضياء المقدسي: هذا الحديث على شرط البخاري والله أعلم.
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير: حدثنا علي بن عبد
العزيز، حدثنا محمد بن عمار الموصلي، حدثنا عُفَيْف بن سالم، عن أيوب بن
عُتْبة
عن عطاء، عن ابن عمر قال: أتى رجل من الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم يسأله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سَلْ واسْتَفْهِمْ".
فقال: يا رسول الله، فُضِّلتُم علينا بالصور والألوان والنبوة، أفرأيت إن
آمنتُ بما آمنتَ به، وعملتُ مثلَ ما عملتَ به، إني لكائن معك في الجنة؟ قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم، والذي نفسي بيده إنه ليضيء بياض
الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام" قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "من قال: لا إله إلا الله، كان له بها عهد عند الله، ومن قال: سبحان
الله وبحمده، كتب له بها مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة" فقال رجل:
كيف نهلك بعدها يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن
الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضع على جبل لأثقله، فتقوم النعمة من
نعم الله فتكاد أن تستنفد ذلك كله إلا أن يتطاول الله برحمته" ونـزلت هذه
الآيات
هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا
إلى قوله:
نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا
[الإنسان: 1-20] فقال الحبشي: وإن عيني لتريان ما ترى عيناك في الجنة؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم". فاستبكى حتى فاضت نفسه، قال ابن
عمر: لقد < 2-357 >
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدليه في حفرته بيديه.
فيه غرابة ونكارة، وسنده ضعيف .
ولهذا قال تعالى: ( ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ) أي: من عند الله
برحمته، هو الذي أهلهم لذلك، لا بأعمالهم. ( وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا )
أي: هو عليم بمن يستحق الهداية والتوفيق.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا
(71)
وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ
قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا
(72)
وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ
تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ
فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا
(73)
فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ
أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا
(74)
يأمر الله عباده المؤمنين بأخذ الحذر من عدوهم، وهذا يستلزم التأهب لهم بإعداد الأسلحة والعدد وتكثير العدد بالنفير في سبيله.
( ثُبَاتٍ ) أي: جماعة بعد جماعة، وفرقة بعد فرقة، وسرية بعد سرية، والثبات: جمع ثُبَة، وقد تجمع الثبة على ثُبين.
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: ( فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ ) أي:
عُصبا يعني: سرايا متفرقين ( أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ) يعني: كلكم.
وكذا رُوي عن مجاهد، وعكرمة، والسدي، وقتادة، والضحاك، وعطاء الخراساني، ومُقاتل بن حَيَّان، وخُصَيف الجَزَري.
وقوله: ( وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ ) قال مجاهد وغير
واحد: نـزلت في المنافقين، وقال مقاتل بن حيان: ( ليبطئن ) أي: ليتخلفن عن
الجهاد.
ويحتمل أن يكون المراد أنه يتباطأ هو في نفسه، ويبطئ غيره عن الجهاد،
كما كان عبد الله بن أبي ابن سلول -قبحه الله-يفعل، يتأخر عن الجهاد،
ويُثَبّط الناس عن الخروج فيه. وهذا قول ابن جُرَيْج وابن جَرِيرٍ؛ ولهذا
قال تعالى إخبارا عن المنافق أنه يقول إذا تأخر عن الجهاد: ( فَإِنْ
أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ ) أي: قتل وشهادة وغلب العدو لكم، لما لله في ذلك
من الحكمة ( قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ
مَعَهُمْ شَهِيدًا ) أي: إذ لم أحضر معهم وقعة القتال، يعد ذلك من نعم الله
عليه، ولم يدر ما فاته من الأجر في الصبر أو الشهادة إن قتل.
( وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ ) أي: نصر وظفر وغنيمة (
لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَه مَوَدَّةٌ ) أي: < 2-358 >
كأنه ليس من أهل دينكم ( يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا
عَظِيمًا ) أي: بأن يضرب لي بسهم معهم فأحصل عليه. وهو أكبر قصده وغاية
مراده.
ثم قال تعالى: ( فَلْيُقَاتِلْ ) أي: المؤمن النافر ( فِي سَبِيلِ
اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ ) أي:
يبيعون دينهم بعَرَض قليل من الدنيا، وما ذلك إلا لكفرهم وعدم إيمانهم.
ثم قال تعالى: ( وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ
يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) أي: كل من قاتل في سبيل
الله -سواء قتل أو غَلَب وسَلَب-فله عند الله مثوبة عظيمة وأجر جزيل، كما
ثبت في الصحيحين وتكفل الله للمجاهد في سبيله، إن توفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة.
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء السادس عشر من تفسير سورة النساء لابن كثير
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
رد: الجزء السادس عشر من تفسير سورة النساء لابن كثير
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء السادس عشر من تفسير سورة النساء لابن كثير
شكرا على الموضوع
أبو سليمان- المشرفون
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 3412
تاريخ الميلاد : 03/11/1996
العمر : 28
رد: الجزء السادس عشر من تفسير سورة النساء لابن كثير
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء السادس من تفسير سورة النساء لابن كثير
» الجزء السادس والعشرون من تفسير سورة النساء لابن كثير
» الجزء الرابع عشر من تفسير سورة النساء لابن كثير
» الجزء الخامس عشر من تفسير سورة النساء لابن كثير
» الجزء الأول من تفسير سورة النساء لابن كثير
» الجزء السادس والعشرون من تفسير سورة النساء لابن كثير
» الجزء الرابع عشر من تفسير سورة النساء لابن كثير
» الجزء الخامس عشر من تفسير سورة النساء لابن كثير
» الجزء الأول من تفسير سورة النساء لابن كثير
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة النساء
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى