الجزء الثاني من تفسير سورة الروم
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الروم
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الثاني من تفسير سورة الروم
وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ
(6)
يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ
(7)
.
وقوله: ( وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ ) أي: هذا
الذي أخبرناك به -يا محمد -من أنا سننصر الروم على فارس، وعد من الله حق،
وخَبَر صدق لا يخلف، ولا بد من كونه ووقوعه؛ لأن الله قد جرت سنته أن ينصر
أقرب الطائفتين المقتتلتين إلى الحق، ويجعل لها العاقبة، ( وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) أي: بحكم الله في كونه وأفعاله المحكمة
الجارية على وفق العدل.
وقوله: ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ
الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ) أي: أكثر الناس ليس لهم علم إلا بالدنيا
وأكسابها وشؤونها وما فيها، فهم حذاق أذكياء في تحصيلها ووجوه مكاسبها، وهم
غافلون عما ينفعهم في الدار الآخرة، كأن أحدهم مُغَفّل لا ذهن له ولا فكرة.
قال الحسن البصري: والله لَبَلَغَ من أحدهم بدنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره، فيخبرك بوزنه، وما يحسن أن يصلي.
وقال ابن عباس في قوله: ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ) يعني: الكفار، يعرفون
عمران الدنيا، وهم في أمر الدين جهال.
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ
مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ
(
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا
الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ
رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ
كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
(9)
ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ
(10) .
يقول تعالى منبهًا على التفكر في مخلوقاته، الدالة على وجوده وانفراده
بخلقها، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه، فقال: ( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي
أَنْفُسِهِمْ ) يعني به: النظر والتدبر والتأمل لخلق الله الأشياء من
العالم العلوي والسفلي، وما بينهما من المخلوقات المتنوعة، والأجناس
المختلفة، فيعلموا أنها ما خلقت سُدًى ولا باطلا بل بالحق، وأنها مؤجلة إلى أجل مسمى، وهو يوم القيامة؛ ولهذا قال: ( وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ) .
ثم نبههم على صدق رسله فيما جاءوا به عنه، بما أيدهم به من المعجزات، والدلائل
الواضحات، من إهلاك مَنْ كفر بهم، ونجاة مَنْ صدقهم، فقال: ( أَوَلَمْ
يَسِيرُوا فِي الأرْضِ ) أي: بأفهامهم وعقولهم ونظرهم وسماعهم أخبار
الماضين؛ ولهذا قال: ( فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ) < 6-306 >
أي: كانت الأمم الماضية والقرون السالفة أشد منكم -أيها المبعوث إليهم محمد صلوات الله وسلامه عليه
وأكثر أموالا وأولادا، وما أوتيتم معشار ما أوتوا، ومُكنوا في الدنيا
تمكينا لم تبلغوا إليه، وعمروا فيها أعمارًا طوالا فعمروها أكثر منكم.
واستغلوها أكثر من استغلالكم، ومع هذا لما جاءتهم رسلهم بالبينات وفرحوا
بما أوتوا، أخذهم الله بذنوبهم، وما كان لهم من الله مِنْ واق، ولا حالت
أموالهم ولا أولادهم بينهم وبين بأس
الله، ولا دفعوا عنهم مثقال ذرة، وما كان الله ليظلمهم فيما أحل بهم من
العذاب والنكال ( وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) أي: وإنما
أوتوا من أنفسهم حيث كذبوا بآيات الله، واستهزؤوا بها، وما ذاك إلا بسبب
ذنوبهم السالفة وتكذيبهم المتقدم؛ ولهذا قال: ( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ
الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا
بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ) ، كما قال تعالى:
وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ
أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
[الأنعام: 110]، وقوله : فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ
[الصف: 5]، وقال: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ
[المائدة: 49].
وعلى هذا تكون
السوءى منصوبة مفعولا لأساءوا. وقيل: بل المعنى في ذلك: ( ثُمَّ كَانَ
عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى ) أي: كانت السوءى عاقبتهم؛ لأنهم
كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون. فعلى هذا تكون السوءى منصوبة خبر
كان. هذا توجيه ابن جرير ، ونقله
عن ابن عباس وقتادة. ورواه ابن أبي حاتم عنهما وعن الضحاك بن مُزاحم، وهو
الظاهر، والله أعلم، ( وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ) .
اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
(11)
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ
(12)
وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ
(13)
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ
(14)
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ
(15)
يقول تعالى: ( اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ )
أي: كما هو قادر على بَداءته فهو قادر على إعادته، ( ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) ، أي: يوم القيامة فيجازي كل عامل بعمله.
ثم قال : ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ ) قال ابن عباس: ييأس المجرمون.
وقال مجاهد: يفتضح المجرمون. وفي رواية: يكتئب المجرمون.
( وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ ) أي: ما شفعت
فيهم الآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله، وكفروا بهم وخانوهم أحوج ما
كانوا إليهم.
< 6-307 >
ثم قال: ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ) :
قال قتادة: هي -والله -الفرقة التي لا اجتماع بعدها، يعني: إذا رفع هذا إلى
عليين، وخفض هذا إلى أسفل السافلين، فذاك آخر العهد بينهما ؛ ولهذا قال: (
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ
يُحْبَرُونَ ) قال مجاهد وقتادة: ينعمون.
وقال يحيى بن أبي كثير: يعني سماع الغناء. والحبرة أعم من هذا كله، قال العجاج:
الحمد لله الــذي أعْطَى الحَبَرْ | | مَــوَالِيَ الْحَــقّ إن المَـوْلى شَـكَر |
رد: الجزء الثاني من تفسير سورة الروم
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الثاني من تفسير سورة الروم
جزاك الله خيرا على الموضوع
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الاول من تفسير سورة الروم
» الجزء الثالث من تفسير سورة الروم
» الجزء الرابع من تفسير سورة الروم
» الجزء الخامس من تفسير سورة الروم
» الجزء السادس من تفسير سورة الروم
» الجزء الثالث من تفسير سورة الروم
» الجزء الرابع من تفسير سورة الروم
» الجزء الخامس من تفسير سورة الروم
» الجزء السادس من تفسير سورة الروم
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الروم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى