الجزء الأول من تفسير سورة الأحزاب
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الأحزاب
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الأول من تفسير سورة الأحزاب
[وهي] مدنية.
قال [عبد الله بن] الإمام أحمد
: حدثنا خلف بن هشام، حدثنا حماد بن زيد، عن عاصم بن بَهْدَلَة، عن زِرِّ
قال: قال لي أُبي بن كعب: كَأين تقرأ سورة الأحزاب؟ أو كَأين تعدها؟ قال:
قلت: ثلاثا وسبعين آية: فقال: قَط! لقد رأيتها وإنها لتعادل "سورة البقرة" ،
ولقد قرأنا فيها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، نكالا من الله،
والله عليم حكيم" .
ورواه النسائي من وجه آخر، عن عاصم -وهو ابن أبي النجود، وهو ابن بَهْدَلَة -به . وهذا إسناد حسن، وهو يقتضي أنه كان فيها قرآن ثم نسخ لفظه وحكمه أيضا، والله أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا
(1)
وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا
(2)
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا
(3) .
هذا تنبيه بالأعلى على الأدنى، فإنه تعالى إذا كان يأمر عبده ورسوله
بهذا، فَلأن يأتمر من دونه بذلك بطريق الأولى والأحرى. وقد قال طَلْق بن
حبيب: التقوى: أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن
تترك معصية الله، على نور من الله، مخافة عذاب الله.
وقوله: ( وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ) أي: لا تسمع
منهم ولا تستشرهم، ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) أي: فهو أحق
أن تتبع أوامره وتطيعه، فإنه عليم بعواقب الأمور، حكيم في أقواله وأفعاله.
ولهذا قال: ( وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) أي: من قرآن
وسنة، ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) أي: فلا تخفى
عليه خافية.
( وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) أي: في جميع أمورك وأحوالك، ( وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا ) < 6-376 >
أي: وكفى به وكيلا لمن توكل عليه وأناب إليه.
مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ
أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ
أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ
وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ
(4)
ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ
تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ
وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا
تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
(5) .
يقول تعالى موطئا قبل المقصود المعنوي أمرا حسيا معروفا، وهو أنه كما لا
يكون للشخص الواحد قلبان في جوفه، ولا تصير زوجته التي يظاهر منها بقوله:
أنت عَلَيَّ كظهر أمي أمًا له، كذلك لا يصير الدَّعيّ ولدًا للرجل إذا
تبنَّاه فدعاه ابنا له، فقال: ( مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ
قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ
مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ) ، كقوله:
مَا
هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ
وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا
.[المجادلة:3].
وقوله: ( وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ) : هذا هو
المقصود بالنفي؛ فإنها نـزلت في شأن زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه
وسلم، كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبناه قبل النبوة، وكان يقال له:
"زيد بن محمد" فأراد الله تعالى أن يقطع هذا الإلحاق وهذه النسبة بقوله: (
وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ) كما قال في أثناء السورة:
مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ
اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
[الأحزاب:40] وقال هاهنا: ( ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ ) يعني:
تبنيكم لهم قول لا يقتضي أن يكون ابنا حقيقيا، فإنه مخلوق من صلب رجل آخر،
فما يمكن أن يكون له أبوان، كما لا يمكن أن يكون للبشر الواحد قلبان.
( وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) : قال سعيد
بن جبير ( يَقُولُ الْحَقَّ ) أي: العدل. وقال قتادة: ( وَهُوَ يَهْدِي
السَّبِيلَ ) أي: الصراط المستقيم.
وقد ذكر غير واحد: أن هذه الآية نـزلت في رجل من قريش، كان يقال له: "ذو
القلبين"، وأنه كان يزعم أن له قلبين، كل منهما بعقل وافر. فأنـزل الله
هذه الآية ردا عليه. هكذا روى العَوْفي عن ابن عباس. قاله مجاهد، وعكرمة،
والحسن، وقتادة، واختاره ابن جرير.
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا زهير، عن قابوس -يعني ابن أبي ظِبْيَان -أن أباه حدثه قال: قلت لابن عباس: أرأيت قول الله تعالى
:
( مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) ، ما عنى
بذلك؟ قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يصلي، فخَطَر خَطْرَة،
فقال المنافقون الذين يصلون معه: ألا ترون له قلبين، قلبا معكم وقلبا معهم؟
فأنـزل الله، عز وجل: ( مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي
جَوْفِهِ ) .
< 6-377 >
وهكذا رواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن صاعد الحراني
-وعن عبد بن حميد، عن أحمد بن يونس -كلاهما عن زهير، وهو ابن معاوية، به.
ثم قال: وهذا حديث حسن. وكذا رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم من حديث زهير،
به.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا مَعْمَر، عن الزهري، في قوله: ( مَا جَعَلَ
اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) قال: بلغنا أن ذلك كان في
زيد بن حارثة، ضُرب له مثل، يقول: ليس ابن رجل آخر ابنك .
وكذا قال مجاهد، وقتادة، وابن زيد: أنها نـزلت في زيد بن حارثة. وهذا يوافق ما قدَّمناه من التفسير، والله أعلم.
وقوله: ( ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ) : هذا
أمر ناسخ لما كان في ابتداء الإسلام من جواز ادعاء الأبناء الأجانب، وهم
الأدعياء، فأمر [الله] تعالى برد نسبهم إلى آبائهم في الحقيقة، وأن هذا هو العدل والقسط.
قال البخاري، رحمه الله: حدثنا مُعَلى
بن أسد، حدثنا عبد العزيز بن المختار، حدثنا موسى بن عقبة قال: حدثني سالم
عن عبد الله بن عمر؛ أن زيدًا بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه
وسلم، ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد، حتى نـزل القرآن: ( ادْعُوهُمْ
لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ) .
وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي، من طرق، عن موسى بن عقبة، به .
وقد كانوا يعاملونهم معاملة الأبناء من كل وجه، في الخلوة بالمحارم وغير
ذلك؛ ولهذا قالت سهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة: يا رسول الله، كنا
ندعو سالما ابنا، وإن الله قد أنـزل ما أنـزل، وإنه كان يدخل عَلَيّ، وإني
أجد في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا، فقال صلى الله عليه وسلم: "أرضعيه
تحرمي عليه" الحديث.
ولهذا لما نسخ هذا الحكم، أباح تعالى زوجة الدعي، وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش زوجة زيد بن حارثة، وقال:
لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا
[الأحزاب:37]، وقال في آية التحريم:
وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ
[النساء:23]، احترازا عن زوجة الدعيّ، فإنه ليس من الصلب، فأما الابن من الرضاعة، فمنـزل منـزلة ابن الصلب شرعا، بقوله عليه السلام في الصحيحين: "حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب"
. فأما دعوة الغير ابنا على سبيل التكريم والتحبيب، فليس مما نهى عنه في
هذه الآية، بدليل ما رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا الترمذي، من حديث
سفيان الثوري، عن سلمة بن كُهَيْل، < 6-378 >
عن الحسن العُرَني، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: قدمنا على رسول
الله صلى الله عليه وسلم أغيلمة بني عبد المطلب على حُمُرَات لنا من جَمْع،
فجعل يَلْطَخ أفخاذنا ويقول: "أُبَيْنيّ لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس " . قال أبو عبيد وغيره: "أُبَيْنيّ" تصغير بني
. وهذا ظاهر الدلالة، فإن هذا كان في حجة الوداع سنة عشر، وقوله: (
ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ ) في شأن زيد بن حارثة، وقد قتل في يوم مؤتة سنة
ثمان، وأيضا ففي صحيح مسلم، من حديث أبي عَوَانة الوضاح بن عبد الله
اليَشْكُري، عن الجَعْد أبي عثمان البصري، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه،
قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بُني". ورواه أبو داود
والترمذي .
وقوله: ( فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ) : أمر [الله] تعالى برد أنساب الأدعياء إلى آبائهم، إن عرفوا، فإن لم يعرفوا
آباءهم، فهم إخوانهم في الدين ومواليهم، أي: عوضًا عما فاتهم من النسب.
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خرج من مكة عام عُمرة القضاء،
وتبعتهم ابنة حمزة تنادي: يا عم، يا عم. فأخذها علي وقال لفاطمة: دونَك
ابنة عَمّك فاحتمليها . فاختصم فيها علي، وزيد، وجعفر في أيّهم يكفلها، فكل أدلى بحجة
؛ فقال علي: أنا أحق بها وهي ابنة عميس -وقال زيد: ابنة أخي. وقال جعفر بن
أبي طالب: ابنة عمي، وخالتها تحتي -يعني أسماء بنت عميس. فقضى النبي
صلى الله عليه وسلم لخالتها، وقال: "الخالة بمنـزلة الأم". وقال لعلي:
"أنت مني، وأنا منك". وقال لجعفر: "أشبهت خَلْقي وخُلُقي". وقال لزيد: "أنت
أخونا ومولانا" .
ففي هذا الحديث أحكام كثيرة من أحسنها: أنه، عليه الصلاة والسلام
حكم بالحق، وأرضى كلا من المتنازعين، وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا"، كما
قال تعالى : ( فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ) .
وقال ابن جرير: حدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن عُلَيَّة، عن عيينة
بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: قال أبو بَكْرَة: قال الله، عز وجل: (
ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ
تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ) ،
فأنا ممن لا يُعرَف أبوه، وأنا من إخوانكم في الدين. قال أبي: والله إني
لأظنه لو علم أن أباه كان حمارا لانتمى إليه.
< 6-379 >
وقد جاء في الحديث: "من ادعى لغير أبيه، وهو يعلمه، كفر .
وهذا تشديد وتهديد ووعيد أكيد، في التبري من النسب المعلوم؛ ولهذا قال: (
ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ
تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ) . ثم
قال: ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ ) أي: إذا
نسبتم بعضهم إلى غير أبيه في الحقيقة خطأ، بعد الاجتهاد واستفراغ الوسع؛
فإن الله قد وضع الحرج في الخطأ ورفع إثمه، كما أرشد إليه في قوله آمرًا
عباده أن يقولوا: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286] . وثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله: قد فعلت"
. وفي صحيح البخاري، عن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب، فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ، فله أجر" . وفي الحديث الآخر: "إن الله رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما يُكرَهُون عليه" . وقال
هاهنا: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ
مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا أي: وإنما
الإثم على مَنْ تعمد الباطل كما قال تعالى :
لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ
. وفي الحديث المتقدم: "من ادعى إلى غير أبيه، وهو يعلمه، إلا كفر". وفي القرآن المنسوخ: "فإن كفرًا بكم أن ترغبوا عن آبائكم". قال
الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا مَعْمَر، عن الزهري، عن عبيد الله
بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس، عن عمر أنه قال: بعث الله
محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنـزل معه الكتاب، فكان فيما أنـزل عليه
آية الرجم، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده. ثم قال: قد
كنا نقرأ: "ولا ترغبوا عن آبائكم [فإنه كفر بكم -أو: إن كفرًا بكم -أن
ترغبوا عن آبائكم] ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تطروني [كما أطري] عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبده ورسوله" . وربما قال مَعْمَر: "كما أطرت النصارى ابن مريم" .
ورواه في الحديث الآخر: "ثلاث في الناس كفر: الطَّعْن في النَّسبَ، والنيِّاحة على الميت، والاستسقاء بالنجوم"
.
< 6-380 >
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ
أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي
كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلا أَنْ
تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ
مَسْطُورًا
(6) .
قد علم الله تعالى شفقة رسوله صلى الله عليه وسلم على أمته، ونصحَه لهم،
فجعله أولى بهم من أنفسهم، وحكمه فيهم مُقَدّمًا على اختيارهم لأنفسهم،
كما قال تعالى:
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ
بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
[النساء: 65] . وفي الصحيح: "والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين"
. وفي الصحيح أيضا أن عمر، رضي الله عنه، قال: يا رسول الله، والله لأنت
أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي. فقال: "لا يا عمر، حتى أكون أحب إليك من
نفسك". فقال: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء حتى من نفسي. فقال: "الآن يا عمر" .
ولهذا قال تعالى في هذه الآية: ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) .
وقال البخاري عندها: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا [محمد بن]
فُلَيح، حدثنا أبي، عن هلال بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي عَمْرَة، عن أبي
هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مؤمن إلا
وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة. اقرؤوا إن شئتم: ( النَّبِيُّ
أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) ، فأيما مؤمن ترك مالا
فليرثه عَصَبَتُه مَن كانوا. فإن ترك دَيْنًا أو ضَياعًا، فليأتني فأنا
مولاه". تفرد به البخاري .
ورواه أيضا في "الاستقراض" وابن جرير، وابن أبي حاتم، من طرق، عن فليح، به مثله . ورواه الإمام أحمد، من حديث أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه .
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن الزهري في قوله
تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) عن أبي
سلمة، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "أنا
أولى بكل مؤمن من نفسه، فأيما رجل مات وترك دينا، فإلي. ومَنْ ترك مالا
فلورثته " . ورواه أبو داود، عن أحمد بن حنبل ، به نحوه.
وقوله: ( وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) أي: في الحرمة والاحترام، والإكرام والتوقير والإعظام، ولكن لا < 6-381 >
تجوز الخلوة بهن، ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع، وإن
سمى بعض العلماء بناتهن أخوات المؤمنين، كما هو منصوص الشافعي في المختصر،
وهو من باب إطلاق العبارة لا إثبات الحكم. وهل يقال لمعاوية وأمثاله: خال
المؤمنين؟ فيه قولان للعلماء. ونص الشافعي على أنه يقال ذلك. وهل يقال لهن:
أمهات المؤمنات، فيدخل النساء
في جمع المذكر السالم تغليبا؟ فيه قولان: صح عن عائشة، رضي الله عنها،
أنها قالت: لا يقال ذلك. وهذا أصح الوجهين في مذهب الشافعي، رحمه الله.
وقد روي عن أُبي بن كعب، وابن عباس أنهما قرآ: "النبي أولى بالمؤمنين من
أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم"، وروي نحو هذا عن معاوية، ومجاهد،
وعِكْرِمة، والحسن: وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعي. حكاه البغوي وغيره،
واستأنسوا عليه بالحديث الذي رواه أبو داود:
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، حدثنا ابن المبارك، عن محمد بن
عَجْلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا لكم بمنـزلة الوالد أعَلِّمكم، فإذا
أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ولا يستطب بيمينه"، وكان
يأمر بثلاثة أحجار، وينهى عن الروث والرمة.
وأخرجه النسائي وابن ماجه، من حديث ابن عجلان .
والوجه الثاني: أنه لا يقال ذلك، واحتجوا بقوله:
مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ
: وقوله: ( وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ
اللَّهِ ) أي: في حكم الله ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ ) أي:
القرابات أولى بالتوارث من المهاجرين والأنصار. وهذه ناسخة لما كان قبلها
من التوارث بالحلف والمؤاخاة التي كانت بينهم، كما قال ابن عباس وغيره: كان
المهاجري يرث الأنصاري دون قراباته وذوي رحمه، للأخوة التي آخى بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا قال سعيد بن جبير، وغير واحد من السلف والخلف.
وقد أورد فيه ابن أبي حاتم حديثا عن الزبير بن العوام، رضي الله عنه،
فقال: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن أبي بكر المصعبي -من ساكني بغداد -عن عبد
الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن الزبير بن العوام قال:
أنـزل الله، عز وجل، فينا خاصة معشر قريش والأنصار: ( وَأُولُو الأرْحَامِ
بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ) ، وذلك أنا معشر قريش لما قَدمنا المدينة،
قَدمنا ولا أموال لنا، فوجدنا الأنصار نِعْمَ الإخوانُ، فواخيناهم
ووارثناهم. فآخى أبو بكر خارجة بن زيد، وآخى عمر فلانا، وآخى عثمان بن عفان
رضي الله عنه رجلا من بني زُرَيق، سعد الزرقي، ويقول بعض الناس غيره. قال
الزبير: < 6-382 >
وواخيت أنا كعب بن مالك، فجئته فابتعلته فوجدت السلاح قد ثقله فيما يرى،
فوالله يا بني، لو مات يومئذ عن الدنيا، ما ورثه غيري، حتى أنـزل الله هذه
الآية فينا معشر قريش والأنصار خاصة، فرجعنا إلى مواريثنا.
وقوله: ( إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا ) أي: ذهب الميراث، وبقي النصر والبر والصلة والإحسان والوصية.
وقوله: ( كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ) أي: هذا الحكم، وهو
أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض، حكم من الله مقدر مكتوب في الكتاب الأول،
الذي لا يبدل، ولا يغير . قاله مجاهد وغير واحد. وإن كان قد يقال : قد شرع خلافه في وقت لما له في ذلك من الحكمة البالغة، وهو يعلم أنه سينسخه إلى ما هو جار في قدره الأزلي ، وقضائه القدري الشرعي.
قال [عبد الله بن] الإمام أحمد
: حدثنا خلف بن هشام، حدثنا حماد بن زيد، عن عاصم بن بَهْدَلَة، عن زِرِّ
قال: قال لي أُبي بن كعب: كَأين تقرأ سورة الأحزاب؟ أو كَأين تعدها؟ قال:
قلت: ثلاثا وسبعين آية: فقال: قَط! لقد رأيتها وإنها لتعادل "سورة البقرة" ،
ولقد قرأنا فيها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، نكالا من الله،
والله عليم حكيم" .
ورواه النسائي من وجه آخر، عن عاصم -وهو ابن أبي النجود، وهو ابن بَهْدَلَة -به . وهذا إسناد حسن، وهو يقتضي أنه كان فيها قرآن ثم نسخ لفظه وحكمه أيضا، والله أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا
(1)
وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا
(2)
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا
(3) .
هذا تنبيه بالأعلى على الأدنى، فإنه تعالى إذا كان يأمر عبده ورسوله
بهذا، فَلأن يأتمر من دونه بذلك بطريق الأولى والأحرى. وقد قال طَلْق بن
حبيب: التقوى: أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن
تترك معصية الله، على نور من الله، مخافة عذاب الله.
وقوله: ( وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ) أي: لا تسمع
منهم ولا تستشرهم، ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) أي: فهو أحق
أن تتبع أوامره وتطيعه، فإنه عليم بعواقب الأمور، حكيم في أقواله وأفعاله.
ولهذا قال: ( وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) أي: من قرآن
وسنة، ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) أي: فلا تخفى
عليه خافية.
( وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) أي: في جميع أمورك وأحوالك، ( وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا ) < 6-376 >
أي: وكفى به وكيلا لمن توكل عليه وأناب إليه.
مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ
أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ
أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ
وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ
(4)
ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ
تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ
وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا
تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
(5) .
يقول تعالى موطئا قبل المقصود المعنوي أمرا حسيا معروفا، وهو أنه كما لا
يكون للشخص الواحد قلبان في جوفه، ولا تصير زوجته التي يظاهر منها بقوله:
أنت عَلَيَّ كظهر أمي أمًا له، كذلك لا يصير الدَّعيّ ولدًا للرجل إذا
تبنَّاه فدعاه ابنا له، فقال: ( مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ
قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ
مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ) ، كقوله:
مَا
هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ
وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا
.[المجادلة:3].
وقوله: ( وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ) : هذا هو
المقصود بالنفي؛ فإنها نـزلت في شأن زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه
وسلم، كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبناه قبل النبوة، وكان يقال له:
"زيد بن محمد" فأراد الله تعالى أن يقطع هذا الإلحاق وهذه النسبة بقوله: (
وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ) كما قال في أثناء السورة:
مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ
اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
[الأحزاب:40] وقال هاهنا: ( ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ ) يعني:
تبنيكم لهم قول لا يقتضي أن يكون ابنا حقيقيا، فإنه مخلوق من صلب رجل آخر،
فما يمكن أن يكون له أبوان، كما لا يمكن أن يكون للبشر الواحد قلبان.
( وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) : قال سعيد
بن جبير ( يَقُولُ الْحَقَّ ) أي: العدل. وقال قتادة: ( وَهُوَ يَهْدِي
السَّبِيلَ ) أي: الصراط المستقيم.
وقد ذكر غير واحد: أن هذه الآية نـزلت في رجل من قريش، كان يقال له: "ذو
القلبين"، وأنه كان يزعم أن له قلبين، كل منهما بعقل وافر. فأنـزل الله
هذه الآية ردا عليه. هكذا روى العَوْفي عن ابن عباس. قاله مجاهد، وعكرمة،
والحسن، وقتادة، واختاره ابن جرير.
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا زهير، عن قابوس -يعني ابن أبي ظِبْيَان -أن أباه حدثه قال: قلت لابن عباس: أرأيت قول الله تعالى
:
( مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) ، ما عنى
بذلك؟ قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يصلي، فخَطَر خَطْرَة،
فقال المنافقون الذين يصلون معه: ألا ترون له قلبين، قلبا معكم وقلبا معهم؟
فأنـزل الله، عز وجل: ( مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي
جَوْفِهِ ) .
< 6-377 >
وهكذا رواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن صاعد الحراني
-وعن عبد بن حميد، عن أحمد بن يونس -كلاهما عن زهير، وهو ابن معاوية، به.
ثم قال: وهذا حديث حسن. وكذا رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم من حديث زهير،
به.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا مَعْمَر، عن الزهري، في قوله: ( مَا جَعَلَ
اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) قال: بلغنا أن ذلك كان في
زيد بن حارثة، ضُرب له مثل، يقول: ليس ابن رجل آخر ابنك .
وكذا قال مجاهد، وقتادة، وابن زيد: أنها نـزلت في زيد بن حارثة. وهذا يوافق ما قدَّمناه من التفسير، والله أعلم.
وقوله: ( ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ) : هذا
أمر ناسخ لما كان في ابتداء الإسلام من جواز ادعاء الأبناء الأجانب، وهم
الأدعياء، فأمر [الله] تعالى برد نسبهم إلى آبائهم في الحقيقة، وأن هذا هو العدل والقسط.
قال البخاري، رحمه الله: حدثنا مُعَلى
بن أسد، حدثنا عبد العزيز بن المختار، حدثنا موسى بن عقبة قال: حدثني سالم
عن عبد الله بن عمر؛ أن زيدًا بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه
وسلم، ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد، حتى نـزل القرآن: ( ادْعُوهُمْ
لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ) .
وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي، من طرق، عن موسى بن عقبة، به .
وقد كانوا يعاملونهم معاملة الأبناء من كل وجه، في الخلوة بالمحارم وغير
ذلك؛ ولهذا قالت سهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة: يا رسول الله، كنا
ندعو سالما ابنا، وإن الله قد أنـزل ما أنـزل، وإنه كان يدخل عَلَيّ، وإني
أجد في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا، فقال صلى الله عليه وسلم: "أرضعيه
تحرمي عليه" الحديث.
ولهذا لما نسخ هذا الحكم، أباح تعالى زوجة الدعي، وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش زوجة زيد بن حارثة، وقال:
لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا
[الأحزاب:37]، وقال في آية التحريم:
وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ
[النساء:23]، احترازا عن زوجة الدعيّ، فإنه ليس من الصلب، فأما الابن من الرضاعة، فمنـزل منـزلة ابن الصلب شرعا، بقوله عليه السلام في الصحيحين: "حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب"
. فأما دعوة الغير ابنا على سبيل التكريم والتحبيب، فليس مما نهى عنه في
هذه الآية، بدليل ما رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا الترمذي، من حديث
سفيان الثوري، عن سلمة بن كُهَيْل، < 6-378 >
عن الحسن العُرَني، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: قدمنا على رسول
الله صلى الله عليه وسلم أغيلمة بني عبد المطلب على حُمُرَات لنا من جَمْع،
فجعل يَلْطَخ أفخاذنا ويقول: "أُبَيْنيّ لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس " . قال أبو عبيد وغيره: "أُبَيْنيّ" تصغير بني
. وهذا ظاهر الدلالة، فإن هذا كان في حجة الوداع سنة عشر، وقوله: (
ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ ) في شأن زيد بن حارثة، وقد قتل في يوم مؤتة سنة
ثمان، وأيضا ففي صحيح مسلم، من حديث أبي عَوَانة الوضاح بن عبد الله
اليَشْكُري، عن الجَعْد أبي عثمان البصري، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه،
قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بُني". ورواه أبو داود
والترمذي .
وقوله: ( فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ) : أمر [الله] تعالى برد أنساب الأدعياء إلى آبائهم، إن عرفوا، فإن لم يعرفوا
آباءهم، فهم إخوانهم في الدين ومواليهم، أي: عوضًا عما فاتهم من النسب.
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خرج من مكة عام عُمرة القضاء،
وتبعتهم ابنة حمزة تنادي: يا عم، يا عم. فأخذها علي وقال لفاطمة: دونَك
ابنة عَمّك فاحتمليها . فاختصم فيها علي، وزيد، وجعفر في أيّهم يكفلها، فكل أدلى بحجة
؛ فقال علي: أنا أحق بها وهي ابنة عميس -وقال زيد: ابنة أخي. وقال جعفر بن
أبي طالب: ابنة عمي، وخالتها تحتي -يعني أسماء بنت عميس. فقضى النبي
صلى الله عليه وسلم لخالتها، وقال: "الخالة بمنـزلة الأم". وقال لعلي:
"أنت مني، وأنا منك". وقال لجعفر: "أشبهت خَلْقي وخُلُقي". وقال لزيد: "أنت
أخونا ومولانا" .
ففي هذا الحديث أحكام كثيرة من أحسنها: أنه، عليه الصلاة والسلام
حكم بالحق، وأرضى كلا من المتنازعين، وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا"، كما
قال تعالى : ( فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ) .
وقال ابن جرير: حدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن عُلَيَّة، عن عيينة
بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: قال أبو بَكْرَة: قال الله، عز وجل: (
ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ
تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ) ،
فأنا ممن لا يُعرَف أبوه، وأنا من إخوانكم في الدين. قال أبي: والله إني
لأظنه لو علم أن أباه كان حمارا لانتمى إليه.
< 6-379 >
وقد جاء في الحديث: "من ادعى لغير أبيه، وهو يعلمه، كفر .
وهذا تشديد وتهديد ووعيد أكيد، في التبري من النسب المعلوم؛ ولهذا قال: (
ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ
تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ) . ثم
قال: ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ ) أي: إذا
نسبتم بعضهم إلى غير أبيه في الحقيقة خطأ، بعد الاجتهاد واستفراغ الوسع؛
فإن الله قد وضع الحرج في الخطأ ورفع إثمه، كما أرشد إليه في قوله آمرًا
عباده أن يقولوا: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286] . وثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله: قد فعلت"
. وفي صحيح البخاري، عن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب، فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ، فله أجر" . وفي الحديث الآخر: "إن الله رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما يُكرَهُون عليه" . وقال
هاهنا: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ
مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا أي: وإنما
الإثم على مَنْ تعمد الباطل كما قال تعالى :
لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ
. وفي الحديث المتقدم: "من ادعى إلى غير أبيه، وهو يعلمه، إلا كفر". وفي القرآن المنسوخ: "فإن كفرًا بكم أن ترغبوا عن آبائكم". قال
الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا مَعْمَر، عن الزهري، عن عبيد الله
بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس، عن عمر أنه قال: بعث الله
محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنـزل معه الكتاب، فكان فيما أنـزل عليه
آية الرجم، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده. ثم قال: قد
كنا نقرأ: "ولا ترغبوا عن آبائكم [فإنه كفر بكم -أو: إن كفرًا بكم -أن
ترغبوا عن آبائكم] ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تطروني [كما أطري] عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبده ورسوله" . وربما قال مَعْمَر: "كما أطرت النصارى ابن مريم" .
ورواه في الحديث الآخر: "ثلاث في الناس كفر: الطَّعْن في النَّسبَ، والنيِّاحة على الميت، والاستسقاء بالنجوم"
.
< 6-380 >
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ
أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي
كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلا أَنْ
تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ
مَسْطُورًا
(6) .
قد علم الله تعالى شفقة رسوله صلى الله عليه وسلم على أمته، ونصحَه لهم،
فجعله أولى بهم من أنفسهم، وحكمه فيهم مُقَدّمًا على اختيارهم لأنفسهم،
كما قال تعالى:
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ
بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
[النساء: 65] . وفي الصحيح: "والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين"
. وفي الصحيح أيضا أن عمر، رضي الله عنه، قال: يا رسول الله، والله لأنت
أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي. فقال: "لا يا عمر، حتى أكون أحب إليك من
نفسك". فقال: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء حتى من نفسي. فقال: "الآن يا عمر" .
ولهذا قال تعالى في هذه الآية: ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) .
وقال البخاري عندها: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا [محمد بن]
فُلَيح، حدثنا أبي، عن هلال بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي عَمْرَة، عن أبي
هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مؤمن إلا
وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة. اقرؤوا إن شئتم: ( النَّبِيُّ
أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) ، فأيما مؤمن ترك مالا
فليرثه عَصَبَتُه مَن كانوا. فإن ترك دَيْنًا أو ضَياعًا، فليأتني فأنا
مولاه". تفرد به البخاري .
ورواه أيضا في "الاستقراض" وابن جرير، وابن أبي حاتم، من طرق، عن فليح، به مثله . ورواه الإمام أحمد، من حديث أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه .
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن الزهري في قوله
تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) عن أبي
سلمة، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "أنا
أولى بكل مؤمن من نفسه، فأيما رجل مات وترك دينا، فإلي. ومَنْ ترك مالا
فلورثته " . ورواه أبو داود، عن أحمد بن حنبل ، به نحوه.
وقوله: ( وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) أي: في الحرمة والاحترام، والإكرام والتوقير والإعظام، ولكن لا < 6-381 >
تجوز الخلوة بهن، ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع، وإن
سمى بعض العلماء بناتهن أخوات المؤمنين، كما هو منصوص الشافعي في المختصر،
وهو من باب إطلاق العبارة لا إثبات الحكم. وهل يقال لمعاوية وأمثاله: خال
المؤمنين؟ فيه قولان للعلماء. ونص الشافعي على أنه يقال ذلك. وهل يقال لهن:
أمهات المؤمنات، فيدخل النساء
في جمع المذكر السالم تغليبا؟ فيه قولان: صح عن عائشة، رضي الله عنها،
أنها قالت: لا يقال ذلك. وهذا أصح الوجهين في مذهب الشافعي، رحمه الله.
وقد روي عن أُبي بن كعب، وابن عباس أنهما قرآ: "النبي أولى بالمؤمنين من
أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم"، وروي نحو هذا عن معاوية، ومجاهد،
وعِكْرِمة، والحسن: وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعي. حكاه البغوي وغيره،
واستأنسوا عليه بالحديث الذي رواه أبو داود:
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، حدثنا ابن المبارك، عن محمد بن
عَجْلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا لكم بمنـزلة الوالد أعَلِّمكم، فإذا
أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ولا يستطب بيمينه"، وكان
يأمر بثلاثة أحجار، وينهى عن الروث والرمة.
وأخرجه النسائي وابن ماجه، من حديث ابن عجلان .
والوجه الثاني: أنه لا يقال ذلك، واحتجوا بقوله:
مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ
: وقوله: ( وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ
اللَّهِ ) أي: في حكم الله ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ ) أي:
القرابات أولى بالتوارث من المهاجرين والأنصار. وهذه ناسخة لما كان قبلها
من التوارث بالحلف والمؤاخاة التي كانت بينهم، كما قال ابن عباس وغيره: كان
المهاجري يرث الأنصاري دون قراباته وذوي رحمه، للأخوة التي آخى بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا قال سعيد بن جبير، وغير واحد من السلف والخلف.
وقد أورد فيه ابن أبي حاتم حديثا عن الزبير بن العوام، رضي الله عنه،
فقال: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن أبي بكر المصعبي -من ساكني بغداد -عن عبد
الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن الزبير بن العوام قال:
أنـزل الله، عز وجل، فينا خاصة معشر قريش والأنصار: ( وَأُولُو الأرْحَامِ
بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ) ، وذلك أنا معشر قريش لما قَدمنا المدينة،
قَدمنا ولا أموال لنا، فوجدنا الأنصار نِعْمَ الإخوانُ، فواخيناهم
ووارثناهم. فآخى أبو بكر خارجة بن زيد، وآخى عمر فلانا، وآخى عثمان بن عفان
رضي الله عنه رجلا من بني زُرَيق، سعد الزرقي، ويقول بعض الناس غيره. قال
الزبير: < 6-382 >
وواخيت أنا كعب بن مالك، فجئته فابتعلته فوجدت السلاح قد ثقله فيما يرى،
فوالله يا بني، لو مات يومئذ عن الدنيا، ما ورثه غيري، حتى أنـزل الله هذه
الآية فينا معشر قريش والأنصار خاصة، فرجعنا إلى مواريثنا.
وقوله: ( إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا ) أي: ذهب الميراث، وبقي النصر والبر والصلة والإحسان والوصية.
وقوله: ( كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ) أي: هذا الحكم، وهو
أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض، حكم من الله مقدر مكتوب في الكتاب الأول،
الذي لا يبدل، ولا يغير . قاله مجاهد وغير واحد. وإن كان قد يقال : قد شرع خلافه في وقت لما له في ذلك من الحكمة البالغة، وهو يعلم أنه سينسخه إلى ما هو جار في قدره الأزلي ، وقضائه القدري الشرعي.
رد: الجزء الأول من تفسير سورة الأحزاب
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الأول من تفسير سورة الأحزاب
جزاك الله خيرا على الموضوع
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
رد: الجزء الأول من تفسير سورة الأحزاب
بآرك آلله فيكـم ونفع بكـم
اسأل الله العظيم
أن يرزقكم الفردوس الأعلى من الجنان
وأن يثيبكم البارئ على ما طرحتـم / خير الثواب
في انتظار جديدكم المميز
مواضيع مماثلة
» الجزء الثاني من تفسير سورة الأحزاب
» الجزء الثالث من تفسير سورة الأحزاب
» الجزء الخامس من تفسير سورة الأحزاب
» الجزء السادس من تفسير سورة الأحزاب
» الجزء الأول من تفسير سورة ق
» الجزء الثالث من تفسير سورة الأحزاب
» الجزء الخامس من تفسير سورة الأحزاب
» الجزء السادس من تفسير سورة الأحزاب
» الجزء الأول من تفسير سورة ق
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الأحزاب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى