الجزء الرابع والثلاثون من تفسير سورة البقرة
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة البقرة
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الرابع والثلاثون من تفسير سورة البقرة
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ
عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ
السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى
الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ
فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ
صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
(177)
اشتملت هذه الآية الكريمة، على جمَل عظيمة، وقواعد عميمة، وعقيدة مستقيمة، كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عُبيد
بن هشام الحلبي، حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن عامر بن شُفَي، عن عبد
الكريم،عن مجاهد، عن أبي ذر: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما
الإيمان؟ فتلا عليه:
( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ ) إلى آخر الآية. قال: ثم
سأله أيضًا، فتلاها عليه ثم سأله. فقال: "إذا عملت حسنة أحبها قلبك، وإذا عملت سيئة أبغضها قلبك" .
وهذا منقطع؛ فإن مجاهدًا لم يدرك أبا ذر؛ فإنه مات قديمًا.
وقال المسعودي: حدثنا القاسم بن عبد الرحمن، قال: جاء رجل إلى أبي ذر، فقال: ما الإيمان؟ فقرأ
عليه هذه الآية: ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ ) حتى فرغ
منها. فقال الرجل: ليس عن البر سألتُكَ. فقال أبو ذر: جاء رجل إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فسأله عما سألتني عنه، فقرأ عليه هذه الآية، فأبى
أن يرضى كما أبيت [أنت]
أ ن ترضى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم -وأشار بيده -: "المؤمن
إذا عمل حسنة سَرته ورجا ثوابها، وإذا عمل سيئة أحزنته وخاف عقابها" .
رواه ابن مَرْدُويه، وهذا أيضًا منقطع، والله أعلم.
وأما الكلام على تفسير هذه الآية، فإن الله تعالى لما أمر المؤمنين
أولا بالتوجه إلى بيت المقدس، ثم حوَّلهم إلى الكعبة، شق ذلك على نفوس
طائفة من أهل الكتاب وبعض المسلمين، فأنـزل الله تعالى بيان حكمته في ذلك،
وهو أن المراد إنما هو طاعة الله عز وجل، وامتثال أوامره، والتوجه حيثما
وجه، واتباع ما شرع، فهذا هو البر والتقوى والإيمان الكامل، وليس في لزوم
التوجه إلى جهة من المشرق إلى المغرب بر ولا طاعة، إن لم يكن عن أمر الله
وشرعه؛ ولهذا قال: ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) الآية، كما قال في الأضاحي والهدايا:
لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ
[الحج: 37] .
وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية: ليس البر أن تُصَلُّوا ولا
تعملوا. فهذا حين تحول من مكة إلى المدينة ونـزلت الفرائض والحدود، فأمر
الله بالفرائض والعمل بها.
< 1-486 >
وروي عن الضحاك ومقاتل نحو ذلك.
وقال أبو العالية: كانت اليهود تُقْبل قبل المغرب، وكانت النصارى تُقْبل
قبل المشرق، فقال الله تعالى: ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا
وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) يقول: هذا كلام الإيمان
وحقيقته العمل. وروي عن الحسن والربيع بن أنس مثله.
وقال مجاهد: ولكن البر ما ثبت في القلوب من طاعة الله، عز وجل.
وقال الضحاك: ولكن البر والتقوى أن تؤدوا الفرائض على وجوهها.
وقال الثوري: ( وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ) الآية، قال:
هذه أنواع البر كلها. وصدق رحمه الله؛ فإن من اتصف بهذه الآية، فقد دخل في
عرى الإسلام كلها، وأخذ بمجامع الخير كله، وهو الإيمان بالله، وهو أنه لا
إله إلا هو، وصدق بوجود الملائكة الذين هم سفرة بين الله ورسله (
وَالْكِتَابِ ) وهو اسم جنس يشمل الكتب المنـزلة من السماء على الأنبياء،
حتى ختمت بأشرفها، وهو القرآن المهيمن على ما قبله من الكتب، الذي انتهى
إليه كل خير، واشتمل على كل سعادة في الدنيا والآخرة، ونسخ [الله] به كل ما سواه من الكتب قبله، وآمن بأنبياء الله كلهم من أولهم إلى خاتمهم محمد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
وقوله: ( وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ) أي: أخرجه، وهو مُحب له،
راغب فيه. نص على ذلك ابن مسعود وسعيد بن جبير وغيرهما من السلف والخلف،
كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هُرَيرة مرفوعًا: "أفضل الصدقة أن
تَصَدَّقَ وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى، وتخشى الفقر".
وقد روى الحاكم في مستدركه، من حديث شعبة والثوري، عن منصور، عن
زُبَيد، عن مُرَّة، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" (
وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ) أن تعطيه وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر". ثم قال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه .
قلت وقد رواه وَكِيع عن الأعمش، وسفيان عن زبيد، عن مرة، عن ابن مسعود، موقوفًا، وهو أصح، والله أعلم.
وقال تعالى:
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا
[الإنسان
: 8، 9] .
وقال تعالى:
لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ
[آل عمران: 92] وقوله:
وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ
[الحشر: 9] نمَط آخرُ أرفع من هذا [ومن هذا] وهو أنهم آثروا بما هم مضطرون إليه، وهؤلاء أعطوا وأطعموا ما هم محبون له.
وقوله: ( ذَوِي الْقُرْبَى ) وهم: قرابات الرجل، وهم أولى من أعطى من الصدقة، كما ثبت في < 1-487 >
الحديث: "الصدقة على المساكين
صدقة، وعلى ذوي الرحم ثنتان: صدقة وصلة". فهم أولى الناس بك وببرك
وإعطائك. وقد أمر الله تعالى بالإحسان إليهم في غير ما موضع من كتابه
العزيز.
( وَالْيَتَامَى ) هم: الذين لا كاسب
لهم، وقد مات آباؤهم وهم ضعفاء صغار دون البلوغ والقدرة على التكسب، وقد
قال عبد الرزاق: أنبأنا مَعْمَر، عن جويبر، عن الضحاك، عن النـزال بن سبرة،
عن علي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا يُتْم بعد حُلُم".
( وَالْمَسَاكِينَ ) وهم: الذين لا يجدون ما يكفيهم في قوتهم وكسوتهم
وسكناهم، فيعطون ما تُسَدُّ به حاجتهم وخلتهم. وفي الصحيحين عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس المسكين بهذا الطوَّاف الذي
تَرده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى
يغنيه، ولا يفطن له فَيُتَصَدق عليه" .
( وَابْنَ السَّبِيلِ ) وهو: المسافر المجتاز الذي قد فرغت نفقته
فيعطى ما يوصله إلى بلده، وكذا الذي يريد سفرا في طاعة، فيعطى ما يكفيه في
ذهابه وإيابه، ويدخل في ذلك الضيف، كما قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس
أنه قال: ابن السبيل هو الضيف الذي ينـزل بالمسلمين، وكذا قال مجاهد، وسعيد
بن جبير، وأبو جعفر الباقر، والحسن، وقتادة، والضحاك والزهري، والربيع بن
أنس، ومقاتل بن حيان.
( وَالسَّائِلِينَ ) وهم: الذين يتعرضون للطلب فيعطون من الزكوات والصدقات، كما قال الإمام أحمد:
حدثنا وَكِيع وعبد الرحمن، قالا حدثنا سفيان، عن مصعب بن محمد، عن يعلى بن أبي يحيى، عن فاطمة بنت الحسين، عن أبيها -قال عبد الرحمن: حسين بن علي -قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للسائل حق وإن جاء على فرس". رواه أبو داود.
( وَفِي الرِّقَابِ ) وهم: المكاتبون الذين لا يجدون ما يؤدونه في كتابتهم.
وسيأتي الكلام على كثير من هذه الأصناف
في آية الصدقات من براءة، إن شاء الله تعالى. وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا
أبي، حدثنا يحيى بن عبد الحميد، حدثنا شريك، عن أبي حمزة، عن الشعبي،
حدثتني فاطمة بنت قيس: أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفي المال
حق سوى الزكاة؟ قالت: فتلا علي ( وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ) .
ورواه ابن مَرْدُويه من حديث آدم بن أبي إياس، ويحيى بن عبد الحميد، كلاهما، عن شريك، < 1-488 >
عن أبي حمزة عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في المال حق سوى الزكاة" ثم تلا ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) إلى قوله: ( وَفِي الرِّقَابِ )
[وقد أخرجه ابن ماجه والترمذي وضعف أبا حمزة ميمونًا الأعور، قال: وقد رواه بيان وإسماعيل بن سالم عن الشعبي] .
وقوله: ( وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ ) أي: وأتم أفعال
الصلاة في أوقاتها بركوعها، وسجودها، وطمأنينتها، وخشوعها على الوجه الشرعي
المرضي.
وقوله: ( وَآتَى الزَّكَاةَ ) يُحْتَمَلُ أن يكون المراد به زكاة النفس، وتخليصها من الأخلاق الدنية الرذيلة، كقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا
[الشمس:9 ، 10] وقول موسى لفرعون: هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى
[النازعات: 18، 19] وقوله تعالى: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
[فصلت: 6، 7] .
ويحتمل أن يكون المرادُ زكاة المال كما قاله سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان، ويكون المذكور من إعطاء
هذه الجهات والأصناف المذكورين إنما هو التطوع والبر والصلة؛ ولهذا تقدم
في الحديث عن فاطمة بنت قيس: أن في المال حقا سوى الزكاة، والله أعلم.
وقوله: ( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ) كقوله:
الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ
[الرعد: 20] وعكس هذه الصفة النفاق، كما صح في الحديث: "آية المنافق ثلاث:
إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان". وفي الحديث الآخر:"إذا حدث
كذب وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" .
وقوله: ( وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ
الْبَأْسِ ) أي: في حال الفقر، وهو البأساء، وفي حال المرض والأسقام، وهو
الضراء. ( وَحِينَ الْبَأْسِ ) أي: في حال القتال والتقاء الأعداء، قاله
ابن مسعود، وابن عباس، وأبو العالية، ومُرّة الهمداني، ومجاهد، وسعيد بن
جبير، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، والسدي، ومقاتل بن حيان، وأبو مالك،
والضحاك، وغيرهم.
وإنما نُصِبَ ( وَالصَّابِرِينَ ) على المدح والحث على الصبر في هذه
الأحوال لشدته وصعوبته، والله أعلم، وهو المستعان وعليه التكلان.
وقوله: ( أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ) أي: هؤلاء الذين اتصفوا بهذه
الصفات هم الذين صَدَقوا في إيمانهم؛ لأنهم حققوا الإيمان القلبي بالأقوال
والأفعال، فهؤلاء هم الذين صدقوا ( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )
< 1-489 >
لأنهم اتقوا المحارم وفعلوا الطاعات .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي
الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى
بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ
بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ
رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ
أَلِيمٌ
(178)
وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
(179)
يقول تعالى: ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ ) العدلُ في القصاص -أيّها المؤمنون -حُرّكم بحركم، وعبدكم بعبدكم، وأنثاكم بأنثاكم، ولا تتجاوزوا وتعتدوا، كما اعتدى من قبلكم وغيروا حكم الله فيهم، وسبب ذلك قريظة و[بنو]
النضير، كانت بنو النضير قد غزت قريظة في الجاهلية وقهروهم، فكان إذا قتل
النضري القرظيَّ لا يقتل به، بل يُفَادَى بمائة وسق من التمر، وإذا قتل
القرظي النضري قتل به، وإن فادَوْه فَدَوه بمائتي وسق من التمر ضعْف دية القرظي، فأمر الله بالعدل في القصاص، ولا يتبع سبيل المفسدين المحرفين ، المخالفين لأحكام الله فيهم، كفرا وبغيًا
، فقال تعالى: ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ
بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأنْثَى بِالأنْثَى ) .
وذكر في [سبب] نـزولها ما رواه الإمام أبو محمد بن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بُكَير
حدثني عبد الله بن لَهيعة، حدثني عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير، في قول
الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ) يعني: إذا كان عَمْدا، الحر بالحر. وذلك أن
حيَّيْنِ من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل، فكان بينهم قتل
وجراحات، حتى قتلوا العبيد والنساء، فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا،
فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال، فحلفوا ألا يرضوا حتى
يقتل بالعبد منا الحر منهم، وبالمرأة منا الرجل منهم ، فنـزلت فيهم.
(الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأنْثَى بِالأنْثَى ) منها منسوخة، نسختها
النَّفْسَ بِالنَّفْسِ
[المائدة: 45] .
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: ( وَالأنْثَى بِالأنْثَى )
وذلك أنهم لا يقتلون الرجل بالمرأة، ولكن يقتلون الرجل بالرجل، والمرأة
بالمرأة فأنـزل الله: النفس بالنفس والعين بالعين، فجعل الأحرار في القصاص سواء فيما بينهم من العمد رجالهم ونساؤهم في النفس، وفيما دون النفس، وجعل العبيد مستوين فيما بينهم من العمد في النفس وفيما دون النفس رجالهم
< 1-490 >
ونساؤهم، وكذلك روي عن أبي مالك أنها منسوخة بقوله:
النَّفْسَ بِالنَّفْسِ
. مسألة: مذهب أبي حنيفة أن الحر يقتل بالعبد لعموم آية المائدة،
وإليه ذهب الثوري وابن أبي ليلى وداود، وهو مروي عن علي، وابن مسعود،
وسعيد بن المسيب، وإبراهيم النخعي، وقتادة، والحكم، وقال البخاري، وعلي بن
المديني وإبراهيم النخعي والثوري في رواية عنه: ويقتل السيد بعبده؛ لعموم
حديث الحسن عن سمرة: "من قتل عبده قتلناه، ومن جذعه جذعناه، ومن خصاه
خصيناه"
وخالفهم الجمهور وقالوا: لا يقتل الحر بالعبد؛ لأن العبد سلعة لو قتل خطأ
لم تجب فيه دية، وإنما تجب فيه قيمته، وأنه لا يقاد بطرفه ففي النفس بطريق
أولى، وذهب الجمهور إلى أن المسلم لا يقتل بالكافر، كما ثبت في البخاري عن
علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل مسلم بكافر" ولا يصح حديث ولا تأويل يخالف هذا، وأما أبو حنيفة فذهب إلى أنه يقتل به لعموم آية المائدة. مسألة: قال الحسن وعطاء: لا يقتل الرجل بالمرأة لهذه الآية، وخالفهم
الجمهور لآية المائدة؛ ولقوله عليه السلام: "المسلمون تتكافأ دماؤهم" وقال الليث: إذا قتل الرجل امرأته لا يقتل بها خاصة.
مسألة: ومذهب الأئمة الأربعة والجمهور أن الجماعة يقتلون بالواحد؛
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في غلام قتله سبعة فقتلهم، وقال: لو تمالأ
عليه أهل صنعاء لقتلتهم، ولا يعرف له في زمانه مخالف من الصحابة، وذلك
كالإجماع. وحكي عن الإمام أحمد رواية: أن الجماعة لا يقتلون بالواحد، ولا
يقتل بالنفس إلا نفس واحدة. وحكاه ابن المنذر عن معاذ وابن الزبير، وعبد
الملك بن مروان والزهري ومحمد بن سيرين وحبيب بن أبي ثابت؛ ثم قال ابن
المنذر: وهذا أصح، ولا حجة لمن أباح قتل الجماعة . وقد ثبت عن ابن الزبير ما ذكرناه، وإذا اختلف الصحابة فسبيله النظر.
وقوله: ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ
بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ) قال مجاهد عن ابن عباس: (
فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ) فالعفو: أن يَقبل الدية في
العمد، وكذا روي عن أبي العالية، وأبي الشعثاء، ومجاهد، وسعيد بن جبير،
وعطاء، والحسن، وقتادة، ومقاتل بن حيان.
وقال الضحاك عن ابن عباس: ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ) يقول: فمن ترك له من أخيه شيء يعني: [بعد]
أخذ الدّية بعد استحقاق الدم، وذلك العفو ( فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ )
يقول: فعلى الطالب اتباع بالمعروف إذا قَبِل الدية ( وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ
بِإِحْسَانٍ ) يعني: من القاتل من غير ضرر ولا مَعْك، يعني : المدافعة.
وروى الحاكم من حديث سفيان، عن عمرو، عن مجاهد، عن ابن عباس: ويؤدي المطلوب
< 1-491 >
بإحسان. وكذا قال سعيد بن جُبَير، وأبو الشعثاء جابر بن زَيد، والحسن،
وقتادة، وعطاء الخراساني، والربيع بن أنس، والسدي، ومقاتل بن حيان.
مسألة: قال مالك -رحمه الله -في رواية ابن القاسم عنه وهو المشهور،
وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي في أحد قوليه: ليس لولي الدم أن يعفو على
الدية إلا برضا القاتل، وقال الباقون: له أن يعفو عليها وإن لم يرض القاتل،
وذهب طائفة من السلف إلى أنه ليس للنساء عفو، منهم الحسن، وقتادة،
والزهري، وابن شبرمة، والليث، والأوزاعي، وخالفهم الباقون.
وقوله: ( ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ) يقول تعالى:
إنما شرع لكم أخذ الدية في العمد تخفيفًا من الله عليكم ورحمة بكم، مما كان
محتوما على الأمم قبلكم من القتل أو العفو، كما قال سعيد بن منصور:
حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، أخبرني مجاهد، عن ابن عباس، قال: كتب
على بني إسرائيل القصاص في القتلى، ولم يكن فيهم العفو، فقال الله لهذه
الأمة
( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ
وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأنْثَى بِالأنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ
أَخِيهِ شَيْءٌ ) فالعفو أن يقبل الدية في العمد، ذلك تخفيف [من ربكم
ورحمة] مما كتب على من كان قبلكم، (فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) .
وقد رواه غير واحد عن عمرو [بن دينار] وأخرجه ابن حبان في صحيحه، عن عمرو بن دينار، به . [وقد رواه البخاري والنسائي عن ابن عباس] ؛ ورواه جماعة عن مجاهد عن ابن عباس، بنحوه.
وقال قتادة: ( ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ ) رحم الله هذه الأمة
وأطعمهم الدية، ولم تحل لأحد قبلهم، فكان أهل التوراة إنما هو القصاص وعفو
ليس بينهم أرش وكان أهل الإنجيل إنما هو عفو أمروا به، وجعل لهذه الأمة القصاص والعفو والأرش.
وهكذا روي عن سعيد بن جبير، ومقاتل بن حيان، والربيع بن أنس، نحو هذا.
وقوله: ( فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) يقول
تعالى: فمن قتل بعد أخذ الدية أو قبولها، فله عذاب من الله أليم موجع
شديد.
وكذا رُوي عن ابن عباس، ومجاهد، وعطاء، وعكرمة، والحسن، وقتادة،
والربيع بن أنس، والسدي، ومقاتل بن حيان: أنه هو الذي يقتل بعد أخذ الدية،
كما قال محمد بن إسحاق، عن الحارث بن فضيل، عن سفيان بن أبي العوجاء، عن
أبي شريح الخزاعي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
< 1-492 >
"من أصيب بقتل أو خَبْل
فإنه يختار إحدى ثلاث: إما أن يقتص، وإما أن يعفو، وإما أن يأخذ الدية؛
فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه. ومن اعتدى بعد ذلك فله نار جهنم خالدا
فيها" رواه أحمد .
وقال سعيد بن أبي عَرُوبَة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أعافي رجلا قتل بعد أخذ الدية -يعني: لا
أقبل منه الدية -بل أقتله" .
وقوله: ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ) يقول تعالى: وفي شَرْع
القصاص لكم -وهو قتل القاتل -حكمة عظيمة لكم، وهي بقاء المُهَج وصَوْنها؛
لأنه إذا علم القاتلُ أنه يقتل انكفّ عن صنيعه، فكان في ذلك حياة النفوس.
وفي الكتب المتقدمة: القتلُ أنفى للقتل. فجاءت هذه العبارة في القرآن أفصح،
وأبلغ، وأوجز.
( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ) قال أبو العالية: جعل الله القصاص حياة، فكم من رجل يريد أن يقتُل، فتمنعه مخافة أن يُقتل.
وكذا روي عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وأبي مالك، والحسن، وقتادة، والربيع
بن أنس، ومقاتل بن حيان، ( يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )
يقول: يا أولي العقول والأفهام والنهى، لعلكم تنـزجرون فتتركون محارم الله
ومآثمه، والتقوى: اسم جامع لفعل الطاعات وترك المنكرات.
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا
الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا
عَلَى الْمُتَّقِينَ
(180)
فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
(181)
اشتملت هذه الآية الكريمة على الأمر بالوصية للوالدين والأقربين. وقد
كان ذلك واجبًا -على أصح القولين -قبل نـزول آية المواريث، فلما نـزلت آية
الفرائض نسخت هذه، وصارت المواريث المقدرة فريضة من الله، يأخذها أهلوها
حتمًا من غير وصية ولا تحمل منَّة
الموصي، ولهذا جاء الحديث في السنن وغيرها عن عَمْرو بن خارجة قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وهو يقول: "إن الله قد أعطى كلّ ذي حق
حقه، فلا وصية لوارث" .
وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ابن عُلَية، عن يونس بن عبيد، عن محمد بن
< 1-493 >
سيرين، قال: جلس ابن عباس فقرأ سورة البقرة حتى أتى [على] هذه الآية: ( إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ ) فقال: نسخت هذه الآية.
وكذا رواه سعيد بن منصور، عن هشيم، عن يونس، به. ورواه الحاكم في مستدركه وقال: صحيح على شرطهما .
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ( الْوَصِيَّةُ
لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ ) قال: كان لا يرث مع الوالدين غيرهما إلا
وصية للأقربين، فأنـزل الله آية الميراث فبيَّن ميراث الوالدين، وأقر وصية الأقربين في ثلث مال الميت.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا حجاج بن
محمد، أخبرنا ابن جريج، وعثمان بن عطاء، عن عطاء، عن ابن عباس، في قوله: (
الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ ) نسختها هذه الآية:
لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ
وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا
قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا
[
النساء: 7].
ثم قال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن عمر
وأبي موسى، وسعيد بن المسيَّب، والحسن، ومجاهد، وعطاء، وسعيد بن جُبَير،
ومحمد بن سيرين، وعكرمة، وزيد بن أسلم، والربيع بن أنس، وقتادة، والسدي،
ومقاتل بن حَيّان، وطاوس، وإبراهيم النَّخَعي، وشُرَيح، والضحاك، والزهري:
أن هذه الآية منسوخة نسختها آية الميراث.
والعجب من أبي عبد الله محمد بن عمر الرازي -رحمه الله -كيف حكى في تفسيره الكبير عن أبي مسلم الأصفهاني أن هذه الآية غير منسوخة، وإنما هي مُفَسرة بآية المواريث، ومعناه: كتب عليكم ما أوصى الله به من توريث الوالدين والأقربين. من قوله:
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ
[
النساء: 11] قال: وهو قولُ أكثر المفسرين والمعتبرين من الفقهاء. قال:
ومنهم من قال: إنها منسوخة فيمن يرث، ثابتة فيمن لا يرث، وهو مذهب ابن
عباس، والحسن، ومسروق، وطاوس، والضحاك، ومسلم بن يَسَار، والعلاء بن زياد.
قلت: وبه قال أيضًا سعيدُ بن جُبَير، والربيع بن أنس، وقتادة، ومقاتل بن حيان. ولكن على قول هؤلاء
لا يسمى هذا نسخا في اصطلاحنا المتأخر؛ لأن آية الميراث إنما رفعت حكم بعض
أفراد ما دل عليه عموم آية الوصاية، لأن "الأقربين" أعم ممن يرث ومن
لا يرث، فرفع حكم من يرث بما عين له، وبقي الآخر على ما دلت عليه الآية
الأولى. وهذا إنما يتأتى على قول بعضهم: أن الوصاية في ابتداء الإسلام إنما
كانت ندبا حتى نسخت. فأما من يقول: إنها كانت واجبة وهو الظاهر من
< 1-494 >
سياق الآية -فيتعين أن تكون منسوخة بآية الميراث، كما قاله أكثر المفسرين
والمعتبرين من الفقهاء؛ فإنّ وجوب الوصية للوالدين والأقربين [الوارثين]
منسوخ بالإجماع. بل منهي عنه للحديث المتقدم: "إن الله قد أعطى كل ذي حق
حقه فلا وصية لوارث". فآية الميراث حكم مستقل، ووجوب من عند الله لأهل
الفروض وللعصبات
، رفع بها حكم هذه بالكلية. بقي الأقارب الذين لا ميراث لهم، يستحب له أن
يُوصَى لهم من الثلث، استئناسًا بآية الوصية وشمولها، ولما ثبت في
الصحيحين، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حق امرئ
مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده". قال ابن عمر
ما مرت عَلَيّ ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إلا
وعندي وصيتي .
والآيات والأحاديث بالأمر ببر الأقارب والإحسان إليهم، كثيرة جدا.
وقال عبد بن حميد في مسنده: أخبرنا عبيد الله، عن مبارك بن حسان، عن
نافع قال: قال عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله
تعالى: يا ابن آدم، ثنتان لم يكن لك واحدة منهما: جعلت لك نصيبا في مالك
حين أخذت بكظمك؛ لأطهرك به وأزكيك، وصلاة عبادي عليك بعد انقضاء أجلك".
وقوله: ( إِنْ تَرَكَ خَيْرًا ) أي: مالا. قاله ابن عباس، ومجاهد،
وعطاء، وسعيد بن جُبَير، وأبو العالية، وَعَطية العَوْفي، والضحاك، والسدي،
والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان، وقتادة، وغيرهم.
ثم منهم من قال: الوصية مشروعة سواء قَلّ المال أو كثُر كالوراثة ومنهم من قال: إنما يُوصِي إذا ترك مالا جزيلا ثم اختلفوا في مقداره، فقال ابن أبي حاتم:
حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري، أخبرنا سفيان، عن هشام بن
عُرْوَة، عن أبيه، قال: قيل لعلي، رضي الله عنه: إن رجلا من قريش قد مات،
وترك ثلاثمائة دينار أو أربعمائة ولم يوص. قال: ليس بشيء، إنما قال الله: ( إِنْ تَرَكَ خَيْرًا )
.
قال: وحدثنا هارون بن إسحاق الهمداني، حدثنا عَبْدة -يعني ابن سليمان
-عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن عليا دخل على رجل من قومه يعوده، فقال له:
أوصي؟ فقال له علي: إنما قال الله تعالى: ( إِنْ تَرَكَ خَيْرًا
الْوَصِيَّةُ ) إنما تركت شيئًا يسيرا، فاتركه لولدك.
وقال الحكم بن أبان: حدثني عن عكرمة، عن ابن عباس: ( إِنْ تَرَكَ خَيْرًا ) قال ابن عباس: من لم يترك ستين دينارا لم يترك خيرًا، قال الحكم
: قال طاوس: لم يترك خيرًا من لم يترك ثمانين دينارا. وقال قتادة: كان يقال: ألفا فما فوقها.
وقوله: ( بِالْمَعْرُوفِ ) أي: بالرفق والإحسان، كما قال ابن أبي حاتم:
< 1-495 >
حدثنا الحسن بن أحمد، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن يسار
،حدثني سرور بن المغيرة عن عباد بن منصور، عن الحسن، قوله: ( كُتِبَ
عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) فقال: نَعَم، الوصية حق،
على كل مسلم أن يوصي إذا حضره الموت بالمعروف غير المُنكر.
والمراد بالمعروف: أن يوصي لأقربيه وَصيَّةً لا تجحف بورثته، من غير
إسراف ولا تقتير، كما ثبت في الصحيحين أن سعدا قال: يا رسول الله، إن لي
مالا ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأوصي بثُلُثَيْ مالي؟ قال: "لا" قال:
فبالشَّطْر؟ قال: "لا" قال: فالثلث ؟ قال: "الثلث، والثلث كثير؛ إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس".
وفي صحيح البخاري: أن ابن عباس قال: لو أن الناس غَضوا من الثلث إلى
الربع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الثلث، والثلث كثير" .
وروى الإمام أحمد، عن أبي سعيد مولى بني هاشم، عن ذيال بن عبيد بن حنظلة، سمعت حنظلة بن حذيم
بن حنيفة: أن جده حنيفة أوصى ليتيم في حجره بمائة من الإبل، فشقّ ذلك على
بنيه، فارتفعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال حنيفة: إني أوصيت
ليتيم لي بمائة من الإبل، كنا نسميها المطيبة. فقال النبي صلى الله عليه
وسلم، "لا لا لا. الصدقة: خمس، وإلا فعَشْر، وإلا فخمس عشرة، وإلا فعشرون،
وإلا فخمس وعشرون، وإلا فثلاثون، وإلا فخمس وثلاثون، فإن أكثرت فأربعون".
وذكر الحديث بطوله .
وقوله: ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ
عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) يقول تعالى: فمن بدل الوصية وحرفها، فغير
حكمها وزاد فيها أو نقص -ويدخل في ذلك الكتمان لها بطريق الأولى -(
فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) قال ابن عباس وغير
واحد: وقد وقع أجر الميت على الله، وتعلَّق الإثم بالذين بدلوا ذلك ( إِنَّ
اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) أي: قد اطلع على ما أوصى به الميت، وهو عليم
بذلك، وبما بدله الموصى إليهم.
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الرابع والثلاثون من تفسير سورة البقرة
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الرابع والثلاثون من تفسير سورة البقرة
شكرا لك على الموضوع المميز
دمت بخير يا رب
دمت بخير يا رب
طريق النجاح- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 709
تاريخ الميلاد : 07/05/1997
العمر : 27
رد: الجزء الرابع والثلاثون من تفسير سورة البقرة
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الرابع والثلاثون من تفسير سورة البقرة
شكرا على الموضوع
أبو سليمان- المشرفون
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 3412
تاريخ الميلاد : 03/11/1996
العمر : 28
رد: الجزء الرابع والثلاثون من تفسير سورة البقرة
جزاك الله خيرا
الأمير- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 6081
تاريخ الميلاد : 29/10/1996
العمر : 28
رد: الجزء الرابع والثلاثون من تفسير سورة البقرة
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الخامس والثلاثون من تفسير سورة البقرة
» الجزء السادس والثلاثون من تفسير سورة البقرة
» الجزء السابع والثلاثون من تفسير سورة البقرة
» الجزء الثامن والثلاثون من تفسير سورة البقرة
» الجزء التاسع والثلاثون من تفسير سورة البقرة
» الجزء السادس والثلاثون من تفسير سورة البقرة
» الجزء السابع والثلاثون من تفسير سورة البقرة
» الجزء الثامن والثلاثون من تفسير سورة البقرة
» الجزء التاسع والثلاثون من تفسير سورة البقرة
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة البقرة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى