الجزء الثاني عشر من تفسير سورة الأعراف
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الاعراف
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الثاني عشر من تفسير سورة الأعراف
قَالَ
الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا
شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ
فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ
افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ
إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا
إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا
عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)
هذا إخبار من الله [تعالى] عما واجهت به الكفار نبي الله شعيبًا ومن معه من المؤمنين، في
توعدهم إياه ومن معه بالنفي من القرية، أو الإكراه على الرجوع في مِلَّتهم
والدخول معهم فيما هم فيه. وهذا خطاب مع الرسول والمراد أتباعه الذين
كانوا معه على الملة.
وقوله: ( أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ) يقول: أو أنتم فاعلون ذلك ولو كنا
كارهين ما تدعونا إليه؟ فإنا إن رجعنا إلى ملتكم ودخلنا معكم فيما أنتم
فيه، فقد أعظمنا الفِرْية على الله في جعل الشركاء معه أندادًا. وهذا تعبير
منه عن اتباعه. ( وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ
يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا ) وهذا ردّ إلى المشيئة، فإنه يعلم كل شيء، وقد
أحاط بكل شيء علمًا، ( عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ) أي: في أمورنا ما نأتي
منها وما نذر، (رَبَّنَا افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ) أي: افصل بيننا وبين قومنا،
وانصرنا عليهم، ( وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ) أي: خير الحاكمين، فإنك
العادل الذي لا يجور أبدًا.
وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92)
يخبر تعالى عن شدة كفر قوم شعيب وتمردهم وعتوهم، وما هم فيه من الضلال، وما جبلت عليه قلوبهم من المخالفة للحق، ولهذا أقسموا وقالوا
: لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ، فلهذا
عقب ذلك بقوله: ( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ
جَاثِمِينَ ) أخبر تعالى هاهنا أنهم أخذتهم الرجفة كما أرجفوا شعيبًا وأصحابه وتوعدوهم بالجلاء، كما أخبر عنهم في سورة "هود" فقال: وَلَمَّا
جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ
بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا
فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ [هود:94] والمناسبة في ذلك -والله أعلم -أنهم لما تهكموا بنبي الله شعيب في قولهم: أَصَلاتُكَ
تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي
أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ [ هود : 87 ] فجاءت الصيحة فأسكتتهم.
وقال تعالى إخبارا عنهم في سورة الشعراء: فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الشعراء:189] وما ذاك إلا لأنهم قالوا له في سياق القصة: فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ [ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ] [الشعراء:187] فأخبر أنه أصابهم عذاب يوم الظلة، وقد اجتمع عليهم ذلك كله: أصابهم عذاب يوم الظلة،" وهي سحابة أظلتهم فيها شرر من نار ولَهَب
ووهَج عظيم، ثم جاءتهم صيحة من السماء ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم،
فزهقت الأرواح، وفاضت النفوس وخمدت الأجساد، ( فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ
جَاثِمِينَ )
ثم قال تعالى: ( كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ) أي: كأنهم لما أصابتهم
النقمة لم يقيموا بديارهم التي أرادوا إجلاء الرسول وصحبه منها.
ثم قال مقابلا لقيلهم: ( الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ )
فَتَوَلَّى
عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي
وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)
أي: فتولى عنهم "شعيب" عليه السلام بعد ما أصابهم ما أصابهم من العذاب
والنقمة والنكال، وقال مقرعًا لهم وموبخًا: ( يَا قَوْمِ لَقَدْ
أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ ) أي: قد أديتُ إليكم
ما أُرْسِلْت به، فلا أسفة عليكم وقد كفرتم بما جئتم به، ولهذا قال: ( فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ ) ؟.
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ
بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا
قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً
وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (95)
يقول تعالى مخبرًا عما اختبر به الأمم الماضية، الذين أرسل إليهم
الأنبياء بالبأساء والضراء، يعني ( بالْبَأْسَاءِ ) ما يصيبهم في أبدانهم
من أمراض وأسقام. ( وَالضَّرَّاءِ ) ما يصيبهم من فقر وحاجة ونحو ذلك، (
لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ) أي: يدعون ويخشعون ويبتهلون إلى الله تعالى في
كشف ما نـزل بهم.
وتقدير الكلام: أنه ابتلاهم بالشدة ليتضرعوا، فما فعلوا شيئا من الذي
أراد الله منهم، فقلب الحال إلى الرخاء ليختبرهم فيه؛ ولهذا قال: ( ثُمَّ
بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ ) أي: حولَّنا الحال من شدة إلى رخاء، ومن مرض وسقم إلى صحة وعافية، ومن فقر إلى غنى، ليشكروا على ذلك، فما فعلوا.
وقوله: ( حَتَّى عَفَوْا ) أي: كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم، يقال: عفا
الشيء إذا كثر، ( وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ
وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) يقول
تعالى: ابتلاهم بهذا وهذا ليتضرعوا ويُنيبوا إلى الله، فما نَجَع فيهم لا هذا ولا هذا، ولا انتهوا بهذا ولا بهذا
بل قالوا: قد مسنا من البأساء والضراء، ثم بعده من الرخاء مثل ما أصاب
آباءنا في قديم الدهر، وإنما هو الدهر تارات وتارات، ولم يتفطنوا لأمر الله
فيهم، ولا استشعروا ابتلاء الله لهم في الحالين. وهذا بخلاف حال المؤمنين
الذين يشكرون الله على السراء، ويصبرون على الضراء، كما ثبت في الصحيحين:
"عجبًا للمؤمن، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرًا له، وإن أصابته سَراء
شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضَرَّاء صَبَر فكان خيرا له" فالمؤمن من يتفطن لما ابتلاه الله به من السراء والضراء ؛ ولهذا جاء في الحديث: "لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يخرج نَقِيِّا
من ذنوبه، والمنافق مثله كمثل الحمار، لا يدري فيم ربطه أهله، ولا فيم
أرسلوه"، أو كما قال. ولهذا عقب هذه الصفة بقوله: ( فَأَخَذْنَاهُمْ
بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) أي: أخذناهم بالعقوبة بغتة، أي: على بغتة
منهم، وعدم شعور منهم، أي: أخذناهم فجأة كما جاء في الحديث: "موت الفجأة رحمة للمؤمن وأخذة أسف للكافر".
الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا
شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ
فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ
افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ
إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا
إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا
عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)
هذا إخبار من الله [تعالى] عما واجهت به الكفار نبي الله شعيبًا ومن معه من المؤمنين، في
توعدهم إياه ومن معه بالنفي من القرية، أو الإكراه على الرجوع في مِلَّتهم
والدخول معهم فيما هم فيه. وهذا خطاب مع الرسول والمراد أتباعه الذين
كانوا معه على الملة.
وقوله: ( أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ) يقول: أو أنتم فاعلون ذلك ولو كنا
كارهين ما تدعونا إليه؟ فإنا إن رجعنا إلى ملتكم ودخلنا معكم فيما أنتم
فيه، فقد أعظمنا الفِرْية على الله في جعل الشركاء معه أندادًا. وهذا تعبير
منه عن اتباعه. ( وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ
يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا ) وهذا ردّ إلى المشيئة، فإنه يعلم كل شيء، وقد
أحاط بكل شيء علمًا، ( عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ) أي: في أمورنا ما نأتي
منها وما نذر، (رَبَّنَا افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ) أي: افصل بيننا وبين قومنا،
وانصرنا عليهم، ( وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ) أي: خير الحاكمين، فإنك
العادل الذي لا يجور أبدًا.
وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92)
يخبر تعالى عن شدة كفر قوم شعيب وتمردهم وعتوهم، وما هم فيه من الضلال، وما جبلت عليه قلوبهم من المخالفة للحق، ولهذا أقسموا وقالوا
: لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ، فلهذا
عقب ذلك بقوله: ( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ
جَاثِمِينَ ) أخبر تعالى هاهنا أنهم أخذتهم الرجفة كما أرجفوا شعيبًا وأصحابه وتوعدوهم بالجلاء، كما أخبر عنهم في سورة "هود" فقال: وَلَمَّا
جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ
بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا
فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ [هود:94] والمناسبة في ذلك -والله أعلم -أنهم لما تهكموا بنبي الله شعيب في قولهم: أَصَلاتُكَ
تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي
أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ [ هود : 87 ] فجاءت الصيحة فأسكتتهم.
وقال تعالى إخبارا عنهم في سورة الشعراء: فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الشعراء:189] وما ذاك إلا لأنهم قالوا له في سياق القصة: فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ [ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ] [الشعراء:187] فأخبر أنه أصابهم عذاب يوم الظلة، وقد اجتمع عليهم ذلك كله: أصابهم عذاب يوم الظلة،" وهي سحابة أظلتهم فيها شرر من نار ولَهَب
ووهَج عظيم، ثم جاءتهم صيحة من السماء ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم،
فزهقت الأرواح، وفاضت النفوس وخمدت الأجساد، ( فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ
جَاثِمِينَ )
ثم قال تعالى: ( كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ) أي: كأنهم لما أصابتهم
النقمة لم يقيموا بديارهم التي أرادوا إجلاء الرسول وصحبه منها.
ثم قال مقابلا لقيلهم: ( الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ )
فَتَوَلَّى
عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي
وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)
أي: فتولى عنهم "شعيب" عليه السلام بعد ما أصابهم ما أصابهم من العذاب
والنقمة والنكال، وقال مقرعًا لهم وموبخًا: ( يَا قَوْمِ لَقَدْ
أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ ) أي: قد أديتُ إليكم
ما أُرْسِلْت به، فلا أسفة عليكم وقد كفرتم بما جئتم به، ولهذا قال: ( فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ ) ؟.
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ
بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا
قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً
وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (95)
يقول تعالى مخبرًا عما اختبر به الأمم الماضية، الذين أرسل إليهم
الأنبياء بالبأساء والضراء، يعني ( بالْبَأْسَاءِ ) ما يصيبهم في أبدانهم
من أمراض وأسقام. ( وَالضَّرَّاءِ ) ما يصيبهم من فقر وحاجة ونحو ذلك، (
لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ) أي: يدعون ويخشعون ويبتهلون إلى الله تعالى في
كشف ما نـزل بهم.
وتقدير الكلام: أنه ابتلاهم بالشدة ليتضرعوا، فما فعلوا شيئا من الذي
أراد الله منهم، فقلب الحال إلى الرخاء ليختبرهم فيه؛ ولهذا قال: ( ثُمَّ
بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ ) أي: حولَّنا الحال من شدة إلى رخاء، ومن مرض وسقم إلى صحة وعافية، ومن فقر إلى غنى، ليشكروا على ذلك، فما فعلوا.
وقوله: ( حَتَّى عَفَوْا ) أي: كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم، يقال: عفا
الشيء إذا كثر، ( وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ
وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) يقول
تعالى: ابتلاهم بهذا وهذا ليتضرعوا ويُنيبوا إلى الله، فما نَجَع فيهم لا هذا ولا هذا، ولا انتهوا بهذا ولا بهذا
بل قالوا: قد مسنا من البأساء والضراء، ثم بعده من الرخاء مثل ما أصاب
آباءنا في قديم الدهر، وإنما هو الدهر تارات وتارات، ولم يتفطنوا لأمر الله
فيهم، ولا استشعروا ابتلاء الله لهم في الحالين. وهذا بخلاف حال المؤمنين
الذين يشكرون الله على السراء، ويصبرون على الضراء، كما ثبت في الصحيحين:
"عجبًا للمؤمن، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرًا له، وإن أصابته سَراء
شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضَرَّاء صَبَر فكان خيرا له" فالمؤمن من يتفطن لما ابتلاه الله به من السراء والضراء ؛ ولهذا جاء في الحديث: "لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يخرج نَقِيِّا
من ذنوبه، والمنافق مثله كمثل الحمار، لا يدري فيم ربطه أهله، ولا فيم
أرسلوه"، أو كما قال. ولهذا عقب هذه الصفة بقوله: ( فَأَخَذْنَاهُمْ
بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) أي: أخذناهم بالعقوبة بغتة، أي: على بغتة
منهم، وعدم شعور منهم، أي: أخذناهم فجأة كما جاء في الحديث: "موت الفجأة رحمة للمؤمن وأخذة أسف للكافر".
رد: الجزء الثاني عشر من تفسير سورة الأعراف
جميل جدا ونشاط مميز شكرا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الثاني عشر من تفسير سورة الأعراف
شكرا على الموضوع
لا تبخل علينا
لا تبخل علينا
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الثاني من تفسير سورة الأعراف
» الجزء الثاني والعشرون من تفسير سورة الأعراف
» الجزء الخامس عشر من تفسير سورة الأعراف
» الجزء السادس عشر من تفسير سورة الأعراف
» الجزء الأول من تفسير سورة الأعراف
» الجزء الثاني والعشرون من تفسير سورة الأعراف
» الجزء الخامس عشر من تفسير سورة الأعراف
» الجزء السادس عشر من تفسير سورة الأعراف
» الجزء الأول من تفسير سورة الأعراف
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الاعراف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى