الجزء الرابع من تفسير سورة الكهف
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الكهف
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الرابع من تفسير سورة الكهف
وَكَذَلِكَ
أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ
السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ
فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ
الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)
يقول تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ) أي: أطلعنا عليهم
الناس ( لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا
رَيْبَ فِيهَا )
ذكر غير واحد من السلف أنه كان قد حصل لأهل ذلك الزمان شك في البعث وفي
أمر القيامة. وقال عكرمة: كان منهم طائفة قد قالوا: تبعث الأرواح ولا تبعث
الأجساد. فبعث الله أهل الكهف حجة ودلالة وآية على ذلك.
وذكروا أنه لما أراد أحدهم الخروج ليذهب إلى المدينة، في شراء شيء لهم
ليأكلوه، تنكر وخرج يمشي في غير الجادة، حتى انتهى إلى المدينة، وذكروا أن
اسمها دقسوس
وهو يظن أنه قريب العهد بها، وكان الناس قد تبدلوا قرنًا بعد قرن، وجيلا
بعد جيل، وأمة بعد أمة، وتغيرت البلاد ومن عليها، كما قال الشاعر:
فجعل لا يرى شيئًا من معالم البلد التي يعرفها، ولا يعرف أحدًا من أهلها، لا خواصها ولا عوامها، فجعل يتحير في نفسه ويقول: لعل بي جنونًا أو مسًا، أو أنا حالم، ويقول: والله ما بي شيء
من ذلك، وإن عهدي بهذه البلدة عشية أمس على غير هذه الصفة. ثم قال: إن
تعجيل الخروج من هاهنا لأولى لي. ثم عمد إلى رجل ممن يبيع الطعام، فدفع
إليه ما معه من النفقة، وسأله أن يبيعه بها طعامًا. فلما رآها ذلك الرجل
أنكرها وأنكر ضَرْبها، فدفعها إلى جاره، وجعلوا يتداولونها بينهم ويقولون:
لعل هذا قد وجد كنـزا. فسألوه عن أمره، ومن أين له هذه النفقة؟ لعله وجدها
من كنـز. ومن أنت؟ فجعل يقول: أنا من أهل هذه المدينة
وعهدي بها عشية أمس وفيها دقيانوس. فنسبوه إلى الجنون، فحملوه إلى وليّ
أمرهم، فسأله عن شأنه وعن أمره حتى أخبرهم بأمره، وهو متحير في حاله، وما
هو فيه. فلما أعلمهم بذلك قاموا معه إلى الكهف: مُتَوَلّى البلد وأهلها،
حتى انتهى بهم إلى الكهف، فقال: دعوني حتى أتقدمكم في الدخول لأعلم أصحابي،
فيقال: إنهم لا يدرون كيف ذهب فيه، وأخفى الله عليهم خبره ويقال: بل دخلوا عليهم، ورأوهم وسلم عليهم الملك واعتنقهم، وكان مسلمًا فيما قيل، واسمه تيدوسيس ففرحوا به وآنسوه الكلام، ثم ودعوه وسلموا عليه، وعادوا إلى مضاجعهم، وتوفاهم الله، عز وجل، فالله أعلم.
قال قتادة: غزا
ابن عباس مع حبيب بن مسلمة، فمروا بكهف في بلاد الروم، فرأوا فيه عظامًا،
فقال قائل: هذه عظام أهل الكهف؟ فقال ابن عباس: لقد بليت عظامهم من أكثر من
ثلاثمائة سنة. رواه ابن جرير.
وقوله: ( وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ )
أي: كما أرقدناهم وأيقظناهم بهيآتهم، أطلعنا عليهم أهل ذلك الزمان (
لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ
فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ) أي: في أمر القيامة،
فمن مثبت لها ومن منكر، فجعل الله ظهورهم على أصحاب الكهف حجة لهم وعليهم (
فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ) أي:
سدوا عليهم باب كهفهم، وذروهم على حالهم ( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى
أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا )
حكى ابن جرير في القائلين ذلك قولين: أحدهما: أنهم المسلمون منهم. والثاني: أهل الشرك منهم، فالله أعلم
والظاهر أن الذين قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ. ولكن هل هم
محمودون أم لا؟ فيه نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله
اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد"
يحذر ما فعلوا. وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه،
أنه لما وجد قبر دانيال في زمانه بالعراق، أمر أن يخفى عن الناس، وأن تدفن
تلك الرقعة التي وجدوها عنده، فيها شيء من الملاحم وغيرها.
سَيَقُولُونَ
ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ
كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ
كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا
قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ
فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)
يقول تعالى مخبرًا عن اختلاف الناس في عدة أصحاب الكهف، فحكى ثلاثة
أقوال، فدل على أنه لا قائل برابع، ولما ضَعَّف القولين الأولين بقوله: (
رَجْمًا بِالْغَيْبِ ) أي: قول بلا علم، كمن
يرمي إلى مكان لا يعرفه، فإنه لا يكاد يصيب، وإن أصاب فبلا قصد، ثم حكى
الثالث وسكت عليه أو قرره بقوله: ( وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ) دل على
صحته، وأنه هو الواقع في نفس الأمر.
وقوله: ( قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ) إرشاد إلى أن الأحسن في
مثل هذا المقام رد العلم إلى الله تعالى، إذ لا احتياج إلى الخوض في مثل
ذلك بلا علم، لكن إذا أطلعنا على أمر قلنا به، وإلا وَقَفْنَا حيث وقفنا.
وقوله: ( مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ ) أي: من الناس. قال قتادة: قال
ابن عباس: أنا من القليل الذي استثنى الله، عز وجل، كانوا سبعة. وكذا روى
ابن جريج، عن عطاء الخراساني عنه أنه كان يقول: أنا ممن استثنى الله، ويقول: عدتهم سبعة.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار
حدثنا عبد الرحمن، حدثنا إسرائيل، عن سِمَاك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (
مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ ) قال: أنا من القليل، كانوا سبعة.
فهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس: أنهم كانوا سبعة، وهو موافق لما قدمناه.
وقال محمد بن إسحاق بن يَسَار عن عبد الله بن أبي نَجِيح، عن مجاهد قال:
لقد حُدّثتُ أنه كان على بعضهم من حداثة سنه وَضَح الوَرِق. قال ابن عباس:
فكانوا كذلك ليلهم ونهارهم في عبادة الله، يبكون ويستغيثون بالله، وكانوا ثمانية نفر: مكسلمينا وكان أكبرهم وهو الذي كلم الملك عنهم، و مجسيميلنينا وتمليخا ومرطونس، وكشطونس، وبيرونس، وديموس، ويطونس وقالوش.
هكذا وقع في هذه الرواية، ويحتمل
هذا من كلام ابن إسحاق، أو من بينه وبينه، فإن الصحيح عن ابن عباس أنهم
كانوا سبعة، وهو ظاهر الآية. وقد تقدم عن شعيب الجبائي أن اسم كلبهم حمران ، وفي تسميتهم بهذه
الأسماء واسم كلبهم نظر في صحته، والله أعلم؛ فإن غالب ذلك مُتَلَقَّى من
أهل الكتاب، وقد قال تعالى: ( فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا )
أي: سهلا هينًا؛ فإن الأمر في معرفة ذلك لا يترتب عليه كبير
فائدة ( وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا ) أي: فإنهم لا علم لهم
بذلك إلا ما يقولونه من تلقاء أنفسهم رجما بالغيب، من غير استناد إلى كلام
معصوم، وقد جاءك الله يا محمد بالحق الذي لا شك فيه ولا مرية، فهو المقدم
الحاكم على كل ما تقدمه من الكتب والأقوال.
وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)
هذا إرشاد من الله لرسوله صلوات الله وسلامه عليه، إلى الأدب فيما إذا
عزم على شيء ليفعله في المستقبل، أن يرد ذلك إلى مشيئة الله، عز وجل، علام
الغيوب، الذي يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، كما
ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه [قال] قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة على سبعين
امرأة -وفي رواية تسعين امرأة. وفي رواية: مائة امرأة-تلد كل امرأة منهن
غلامًا يقاتل في سبيل الله، فقيل له -وفي رواية: فقال له الملك-قل: إن شاء
الله. فلم يقل فطاف بهن فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان"، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لو قال: "إن شاء الله" لم
يحنث، وكان دركا لحاجته"، وفي رواية: "ولقاتلوا في سبيل الله فرسانًا
أجمعون
وقد تقدم في أول السورة ذكر سبب نـزول هذه الآية في قول النبي صلى الله
عليه وسلم، لما سئل عن قصة أصحاب الكهف: "غدًا أجيبكم". فتأخر الوحي خمسة
عشر يومًا، وقد ذكرناه بطوله في أول السورة، فأغنى عن إعادته.
وقوله: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) قيل: معناه إذا نسيت الاستثناء، فاستثن عند ذكرك له. قاله أبو العالية، والحسن البصري.
وقال هشيم، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس في الرجل يحلف؟ قال: له أن
يستثني ولو إلى سنة، وكان يقول: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) في
ذلك. قيل للأعمش: سمعته عن مجاهد؟ قال حدثني به ليث بن أبي سليم، يرى ذهب كسائي هذا.
ورواه الطبراني من حديث أبي معاوية، عن الأعمش، به .
ومعنى قول ابن عباس: "أنه يستثني ولو بعد سنة" أي: إذا نسي أن يقول في
حلفه أو كلامه "إن شاء الله" وذكر ولو بعد سنة، فالسُّنة له أن يقول ذلك،
ليكون آتيا بسُنَّة الاستثناء، حتى لو كان بعد الحنث، قاله ابن جرير، رحمه
الله، ونص على ذلك، لا أن يكون [ذلك]
رافعًا لحنث اليمين ومسقطًا للكفارة. وهذا الذي قاله ابن جرير، رحمه الله،
هو الصحيح، وهو الأليق بحمل كلام ابن عباس عليه، والله أعلم.
وقال عكرمة: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) أي: إذا غضبت. وهذا تفسير باللازم.
وقد قال الطبراني: حدثنا أحمد بن يحيى الحُلْواني، حدثنا سعيد بن
سليمان، عن عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلم، عن جابر بن
زيد، عن ابن عباس: ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ
غَدًا * إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) أن
تقول: إن شاء الله [وهذا تفسير باللازم] .
وقال الطبراني: حدثنا محمد بن الحارث الجُبيلي حدثنا صفوان بن صالح، حدثنا الوليد بن مسلم،
عن عبد العزيز بن حُصَيْن، عن ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد، عن ابن عباس في
قوله: ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلا أَنْ
يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) أن تقول: إن شاء الله.
وروى الطبراني، أيضًا عن ابن عباس في قوله: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) الاستثناء، فاستثن إذا ذكرت. وقال: هي خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس لأحد منا أن يستثني إلا في صلة من يمينه ثم قال: تَفَرَّد به الوليد، عن عبد العزيز بن الحصين .
ويحتمل في الآية وجه آخر، وهو أن يكون الله، عز وجل، قد أرشد من نسي
الشيء في كلامه إلى ذكر الله تعالى؛ لأن النسيان منشؤه من الشيطان، كما قال
فتى موسى: وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ [الكهف: 63] وذكر الله تعالى يطرد الشيطان، فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان، فذكر الله تعالى سبب للذكر ؛ ولهذا قال: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) .
وقوله: ( وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا
رَشَدًا ) أي: إذا سئُلت عن شيء لا تعلمه، فاسأل الله فيه، وتوجه إليه في
أن يوفقك للصواب والرشد [في ذلك] وقيل غير ذلك في تفسيره، والله أعلم.
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ
اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا
يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)
هذا خبَر من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بمقدار ما لبث أصحاب
الكهف في كهفهم، منذ أرقدهم الله إلى أن بعثهم وأعثر عليهم أهل ذلك الزمان،
وأنه كان مقداره ثلاثمائة [سنة] وتسع سنين بالهلالية، وهي ثلاثمائة سنة بالشمسية، فإن تفاوت ما بين كل مائة [سنة] بالقمرية إلى الشمسية ثلاث سنين؛ فلهذا قال بعد الثلاثمائة: ( وَازْدَادُوا تِسْعًا )
وقوله: ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ) أي: إذا سئلت عن لبثهم وليس عندك [علم] في ذلك وتوقيف من الله، عز وجل
فلا تتقدم فيه بشيء، بل قل في مثل هذا: ( اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا
لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) أي: لا يعلم ذلك إلا هو أو من
أطلعه الله عليه من خَلْقه، وهذا الذي قلناه، عليه غير واحد من علماء
التفسير كمجاهد، وغير واحد من السلف والخلف.
وقال قتادة في قوله: ( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ) هذا قول أهل الكتاب، وقد رده الله تعالى بقوله: ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ) قال: وفي قراءة عبد الله: "وقالوا: ولبثوا"، يعني أنه قاله الناس
وهكذا قال -كما قال قتادة-مُطرَف بن عبد الله.
وفي هذا الذي زعمه قتادة نظر، فإن الذي بأيدي أهل الكتاب أنهم لبثوا
ثلاثمائة سنة من غير تسع، يعنون بالشمسية، ولو كان الله قد حكى قولهم لما
قال: ( وَازْدَادُوا تِسْعًا ) وظاهر الآية إنما هو من إخبار الله، لا
حكاية عنهم. وهذا اختيار ابن جرير، رحمه الله. ورواية قتادة قراءة ابن
مسعود منقطعة، ثم هي شاذة بالنسبة إلى قراءة الجمهور فلا يحتج بها، والله
أعلم.
وقوله: ( أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ) أي: إنه لبصير بهم سميع لهم.
قال ابن جرير: وذلك في معنى المبالغة في المدح، كأنه قيل: ما أبصره
وأسمعه، وتأويل الكلام: ما أبصر الله لكل موجود، وأسمعه لكل مسموع، لا يخفى
عليه من ذلك شيء.
ثم روي عن قتادة في قوله: ( أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ) فلا أحد أبصر من الله ولا أسمع.
وقال ابن زيد: ( أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ) يرى أعمالهم، ويسمع ذلك منهم سميعًا بصيرًا.
وقوله: ( مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي
حُكْمِهِ أَحَدًا ) أي: إنه تعالى هو الذي له الخلق والأمر، الذي لا معقب
لحكمه، وليس له وزير ولا نصير ولا شريك ولا مشير، تعالى وتقدس.
وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)
يقول تعالى آمرًا رسوله [عليه الصلاة والسلام] بتلاوة كتابه العزيز وإبلاغه إلى الناس: ( لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ) أي: لا مغير لها ولا محرف ولا مؤوّل.
وقوله: ( وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ) [عن مجاهد: ( مُلْتَحَدًا ) قال: ملجأ. وعن قتادة: وليًا ولا مولى] قال ابن جرير: يقول إن أنت يا محمد لم تتل ما أوحي إليك من كتب ربك، فإنه لا ملجأ لك من الله". كما قال تعالى: يَا
أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْـزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ
لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ
النَّاسِ [المائدة:67] ، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ [القصص:85] أي: سائلك عما فرض عليك من إبلاغ الرسالة.
أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ
السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ
فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ
الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)
يقول تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ) أي: أطلعنا عليهم
الناس ( لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا
رَيْبَ فِيهَا )
ذكر غير واحد من السلف أنه كان قد حصل لأهل ذلك الزمان شك في البعث وفي
أمر القيامة. وقال عكرمة: كان منهم طائفة قد قالوا: تبعث الأرواح ولا تبعث
الأجساد. فبعث الله أهل الكهف حجة ودلالة وآية على ذلك.
وذكروا أنه لما أراد أحدهم الخروج ليذهب إلى المدينة، في شراء شيء لهم
ليأكلوه، تنكر وخرج يمشي في غير الجادة، حتى انتهى إلى المدينة، وذكروا أن
اسمها دقسوس
وهو يظن أنه قريب العهد بها، وكان الناس قد تبدلوا قرنًا بعد قرن، وجيلا
بعد جيل، وأمة بعد أمة، وتغيرت البلاد ومن عليها، كما قال الشاعر:
أمــا الدّيــارُ فَإنَّهــا كَديــارهِم | وَأرَى رجــالَ الحَـي غَـيْرَ رجَالـه |
من ذلك، وإن عهدي بهذه البلدة عشية أمس على غير هذه الصفة. ثم قال: إن
تعجيل الخروج من هاهنا لأولى لي. ثم عمد إلى رجل ممن يبيع الطعام، فدفع
إليه ما معه من النفقة، وسأله أن يبيعه بها طعامًا. فلما رآها ذلك الرجل
أنكرها وأنكر ضَرْبها، فدفعها إلى جاره، وجعلوا يتداولونها بينهم ويقولون:
لعل هذا قد وجد كنـزا. فسألوه عن أمره، ومن أين له هذه النفقة؟ لعله وجدها
من كنـز. ومن أنت؟ فجعل يقول: أنا من أهل هذه المدينة
وعهدي بها عشية أمس وفيها دقيانوس. فنسبوه إلى الجنون، فحملوه إلى وليّ
أمرهم، فسأله عن شأنه وعن أمره حتى أخبرهم بأمره، وهو متحير في حاله، وما
هو فيه. فلما أعلمهم بذلك قاموا معه إلى الكهف: مُتَوَلّى البلد وأهلها،
حتى انتهى بهم إلى الكهف، فقال: دعوني حتى أتقدمكم في الدخول لأعلم أصحابي،
فيقال: إنهم لا يدرون كيف ذهب فيه، وأخفى الله عليهم خبره ويقال: بل دخلوا عليهم، ورأوهم وسلم عليهم الملك واعتنقهم، وكان مسلمًا فيما قيل، واسمه تيدوسيس ففرحوا به وآنسوه الكلام، ثم ودعوه وسلموا عليه، وعادوا إلى مضاجعهم، وتوفاهم الله، عز وجل، فالله أعلم.
قال قتادة: غزا
ابن عباس مع حبيب بن مسلمة، فمروا بكهف في بلاد الروم، فرأوا فيه عظامًا،
فقال قائل: هذه عظام أهل الكهف؟ فقال ابن عباس: لقد بليت عظامهم من أكثر من
ثلاثمائة سنة. رواه ابن جرير.
وقوله: ( وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ )
أي: كما أرقدناهم وأيقظناهم بهيآتهم، أطلعنا عليهم أهل ذلك الزمان (
لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ
فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ) أي: في أمر القيامة،
فمن مثبت لها ومن منكر، فجعل الله ظهورهم على أصحاب الكهف حجة لهم وعليهم (
فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ) أي:
سدوا عليهم باب كهفهم، وذروهم على حالهم ( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى
أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا )
حكى ابن جرير في القائلين ذلك قولين: أحدهما: أنهم المسلمون منهم. والثاني: أهل الشرك منهم، فالله أعلم
والظاهر أن الذين قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ. ولكن هل هم
محمودون أم لا؟ فيه نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله
اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد"
يحذر ما فعلوا. وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه،
أنه لما وجد قبر دانيال في زمانه بالعراق، أمر أن يخفى عن الناس، وأن تدفن
تلك الرقعة التي وجدوها عنده، فيها شيء من الملاحم وغيرها.
سَيَقُولُونَ
ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ
كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ
كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا
قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ
فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)
يقول تعالى مخبرًا عن اختلاف الناس في عدة أصحاب الكهف، فحكى ثلاثة
أقوال، فدل على أنه لا قائل برابع، ولما ضَعَّف القولين الأولين بقوله: (
رَجْمًا بِالْغَيْبِ ) أي: قول بلا علم، كمن
يرمي إلى مكان لا يعرفه، فإنه لا يكاد يصيب، وإن أصاب فبلا قصد، ثم حكى
الثالث وسكت عليه أو قرره بقوله: ( وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ) دل على
صحته، وأنه هو الواقع في نفس الأمر.
وقوله: ( قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ) إرشاد إلى أن الأحسن في
مثل هذا المقام رد العلم إلى الله تعالى، إذ لا احتياج إلى الخوض في مثل
ذلك بلا علم، لكن إذا أطلعنا على أمر قلنا به، وإلا وَقَفْنَا حيث وقفنا.
وقوله: ( مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ ) أي: من الناس. قال قتادة: قال
ابن عباس: أنا من القليل الذي استثنى الله، عز وجل، كانوا سبعة. وكذا روى
ابن جريج، عن عطاء الخراساني عنه أنه كان يقول: أنا ممن استثنى الله، ويقول: عدتهم سبعة.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار
حدثنا عبد الرحمن، حدثنا إسرائيل، عن سِمَاك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (
مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ ) قال: أنا من القليل، كانوا سبعة.
فهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس: أنهم كانوا سبعة، وهو موافق لما قدمناه.
وقال محمد بن إسحاق بن يَسَار عن عبد الله بن أبي نَجِيح، عن مجاهد قال:
لقد حُدّثتُ أنه كان على بعضهم من حداثة سنه وَضَح الوَرِق. قال ابن عباس:
فكانوا كذلك ليلهم ونهارهم في عبادة الله، يبكون ويستغيثون بالله، وكانوا ثمانية نفر: مكسلمينا وكان أكبرهم وهو الذي كلم الملك عنهم، و مجسيميلنينا وتمليخا ومرطونس، وكشطونس، وبيرونس، وديموس، ويطونس وقالوش.
هكذا وقع في هذه الرواية، ويحتمل
هذا من كلام ابن إسحاق، أو من بينه وبينه، فإن الصحيح عن ابن عباس أنهم
كانوا سبعة، وهو ظاهر الآية. وقد تقدم عن شعيب الجبائي أن اسم كلبهم حمران ، وفي تسميتهم بهذه
الأسماء واسم كلبهم نظر في صحته، والله أعلم؛ فإن غالب ذلك مُتَلَقَّى من
أهل الكتاب، وقد قال تعالى: ( فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا )
أي: سهلا هينًا؛ فإن الأمر في معرفة ذلك لا يترتب عليه كبير
فائدة ( وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا ) أي: فإنهم لا علم لهم
بذلك إلا ما يقولونه من تلقاء أنفسهم رجما بالغيب، من غير استناد إلى كلام
معصوم، وقد جاءك الله يا محمد بالحق الذي لا شك فيه ولا مرية، فهو المقدم
الحاكم على كل ما تقدمه من الكتب والأقوال.
وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)
هذا إرشاد من الله لرسوله صلوات الله وسلامه عليه، إلى الأدب فيما إذا
عزم على شيء ليفعله في المستقبل، أن يرد ذلك إلى مشيئة الله، عز وجل، علام
الغيوب، الذي يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، كما
ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه [قال] قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة على سبعين
امرأة -وفي رواية تسعين امرأة. وفي رواية: مائة امرأة-تلد كل امرأة منهن
غلامًا يقاتل في سبيل الله، فقيل له -وفي رواية: فقال له الملك-قل: إن شاء
الله. فلم يقل فطاف بهن فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان"، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لو قال: "إن شاء الله" لم
يحنث، وكان دركا لحاجته"، وفي رواية: "ولقاتلوا في سبيل الله فرسانًا
أجمعون
وقد تقدم في أول السورة ذكر سبب نـزول هذه الآية في قول النبي صلى الله
عليه وسلم، لما سئل عن قصة أصحاب الكهف: "غدًا أجيبكم". فتأخر الوحي خمسة
عشر يومًا، وقد ذكرناه بطوله في أول السورة، فأغنى عن إعادته.
وقوله: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) قيل: معناه إذا نسيت الاستثناء، فاستثن عند ذكرك له. قاله أبو العالية، والحسن البصري.
وقال هشيم، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس في الرجل يحلف؟ قال: له أن
يستثني ولو إلى سنة، وكان يقول: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) في
ذلك. قيل للأعمش: سمعته عن مجاهد؟ قال حدثني به ليث بن أبي سليم، يرى ذهب كسائي هذا.
ورواه الطبراني من حديث أبي معاوية، عن الأعمش، به .
ومعنى قول ابن عباس: "أنه يستثني ولو بعد سنة" أي: إذا نسي أن يقول في
حلفه أو كلامه "إن شاء الله" وذكر ولو بعد سنة، فالسُّنة له أن يقول ذلك،
ليكون آتيا بسُنَّة الاستثناء، حتى لو كان بعد الحنث، قاله ابن جرير، رحمه
الله، ونص على ذلك، لا أن يكون [ذلك]
رافعًا لحنث اليمين ومسقطًا للكفارة. وهذا الذي قاله ابن جرير، رحمه الله،
هو الصحيح، وهو الأليق بحمل كلام ابن عباس عليه، والله أعلم.
وقال عكرمة: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) أي: إذا غضبت. وهذا تفسير باللازم.
وقد قال الطبراني: حدثنا أحمد بن يحيى الحُلْواني، حدثنا سعيد بن
سليمان، عن عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلم، عن جابر بن
زيد، عن ابن عباس: ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ
غَدًا * إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) أن
تقول: إن شاء الله [وهذا تفسير باللازم] .
وقال الطبراني: حدثنا محمد بن الحارث الجُبيلي حدثنا صفوان بن صالح، حدثنا الوليد بن مسلم،
عن عبد العزيز بن حُصَيْن، عن ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد، عن ابن عباس في
قوله: ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلا أَنْ
يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) أن تقول: إن شاء الله.
وروى الطبراني، أيضًا عن ابن عباس في قوله: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) الاستثناء، فاستثن إذا ذكرت. وقال: هي خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس لأحد منا أن يستثني إلا في صلة من يمينه ثم قال: تَفَرَّد به الوليد، عن عبد العزيز بن الحصين .
ويحتمل في الآية وجه آخر، وهو أن يكون الله، عز وجل، قد أرشد من نسي
الشيء في كلامه إلى ذكر الله تعالى؛ لأن النسيان منشؤه من الشيطان، كما قال
فتى موسى: وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ [الكهف: 63] وذكر الله تعالى يطرد الشيطان، فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان، فذكر الله تعالى سبب للذكر ؛ ولهذا قال: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) .
وقوله: ( وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا
رَشَدًا ) أي: إذا سئُلت عن شيء لا تعلمه، فاسأل الله فيه، وتوجه إليه في
أن يوفقك للصواب والرشد [في ذلك] وقيل غير ذلك في تفسيره، والله أعلم.
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ
اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا
يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)
هذا خبَر من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بمقدار ما لبث أصحاب
الكهف في كهفهم، منذ أرقدهم الله إلى أن بعثهم وأعثر عليهم أهل ذلك الزمان،
وأنه كان مقداره ثلاثمائة [سنة] وتسع سنين بالهلالية، وهي ثلاثمائة سنة بالشمسية، فإن تفاوت ما بين كل مائة [سنة] بالقمرية إلى الشمسية ثلاث سنين؛ فلهذا قال بعد الثلاثمائة: ( وَازْدَادُوا تِسْعًا )
وقوله: ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ) أي: إذا سئلت عن لبثهم وليس عندك [علم] في ذلك وتوقيف من الله، عز وجل
فلا تتقدم فيه بشيء، بل قل في مثل هذا: ( اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا
لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) أي: لا يعلم ذلك إلا هو أو من
أطلعه الله عليه من خَلْقه، وهذا الذي قلناه، عليه غير واحد من علماء
التفسير كمجاهد، وغير واحد من السلف والخلف.
وقال قتادة في قوله: ( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ) هذا قول أهل الكتاب، وقد رده الله تعالى بقوله: ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ) قال: وفي قراءة عبد الله: "وقالوا: ولبثوا"، يعني أنه قاله الناس
وهكذا قال -كما قال قتادة-مُطرَف بن عبد الله.
وفي هذا الذي زعمه قتادة نظر، فإن الذي بأيدي أهل الكتاب أنهم لبثوا
ثلاثمائة سنة من غير تسع، يعنون بالشمسية، ولو كان الله قد حكى قولهم لما
قال: ( وَازْدَادُوا تِسْعًا ) وظاهر الآية إنما هو من إخبار الله، لا
حكاية عنهم. وهذا اختيار ابن جرير، رحمه الله. ورواية قتادة قراءة ابن
مسعود منقطعة، ثم هي شاذة بالنسبة إلى قراءة الجمهور فلا يحتج بها، والله
أعلم.
وقوله: ( أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ) أي: إنه لبصير بهم سميع لهم.
قال ابن جرير: وذلك في معنى المبالغة في المدح، كأنه قيل: ما أبصره
وأسمعه، وتأويل الكلام: ما أبصر الله لكل موجود، وأسمعه لكل مسموع، لا يخفى
عليه من ذلك شيء.
ثم روي عن قتادة في قوله: ( أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ) فلا أحد أبصر من الله ولا أسمع.
وقال ابن زيد: ( أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ) يرى أعمالهم، ويسمع ذلك منهم سميعًا بصيرًا.
وقوله: ( مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي
حُكْمِهِ أَحَدًا ) أي: إنه تعالى هو الذي له الخلق والأمر، الذي لا معقب
لحكمه، وليس له وزير ولا نصير ولا شريك ولا مشير، تعالى وتقدس.
وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)
يقول تعالى آمرًا رسوله [عليه الصلاة والسلام] بتلاوة كتابه العزيز وإبلاغه إلى الناس: ( لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ) أي: لا مغير لها ولا محرف ولا مؤوّل.
وقوله: ( وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ) [عن مجاهد: ( مُلْتَحَدًا ) قال: ملجأ. وعن قتادة: وليًا ولا مولى] قال ابن جرير: يقول إن أنت يا محمد لم تتل ما أوحي إليك من كتب ربك، فإنه لا ملجأ لك من الله". كما قال تعالى: يَا
أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْـزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ
لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ
النَّاسِ [المائدة:67] ، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ [القصص:85] أي: سائلك عما فرض عليك من إبلاغ الرسالة.
رد: الجزء الرابع من تفسير سورة الكهف
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الرابع من تفسير سورة الكهف
شكرا على الموضوع
لا تبخل علينا
لا تبخل علينا
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
رد: الجزء الرابع من تفسير سورة الكهف
بآرك آلله فيكـم ونفع بكـم
اسأل الله العظيم
أن يرزقكم الفردوس الأعلى من الجنان
وأن يثيبكم البارئ على ما طرحتـم / خير الثواب
في انتظار جديدكم المميز
مواضيع مماثلة
» الجزء التاسع من تفسير سورة الكهف
» الجزء العاشر من تفسير سورة الكهف
» الجزء الحادي عشر من تفسير سورة الكهف
» الجزء الثامن من تفسير سورة الكهف
» الجزء الثاني من تفسير سورة الكهف
» الجزء العاشر من تفسير سورة الكهف
» الجزء الحادي عشر من تفسير سورة الكهف
» الجزء الثامن من تفسير سورة الكهف
» الجزء الثاني من تفسير سورة الكهف
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة الكهف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى