الجزء الثامن والعشرون من تفسير سورة النساء لابن كثير
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة النساء
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الجزء الثامن والعشرون من تفسير سورة النساء لابن كثير
الَّذِينَ
يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا
أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا
أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ
اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا (141)
يخبر تعالى عن المنافقين أنهم يتربصون بالمؤمنين دوائر السوء، بمعنى ينتظرون زوال دولتهم، وظهور الكفر
عليهم، وذهاب ملتهم ( فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ ) أي: نصر
وتأييد وظَفَر وغنيمة ( قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ ) ؟ أي: يتوددون
إلى المؤمنين بهذه المقالة ( وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ ) أي:
إدالة على المؤمنين في بعض الأحيان، كما وقع يوم أحد، فإنّ الرسل تبتلى ثم
يكون لها
العاقبة ( قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ ) ؟ أي: ساعدناكم في الباطن، وما ألوناهم خبالا وتخذيلا حتى
انتصرتم عليهم.
وقال السدي: ( نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ ) نغلب عليكم، كقوله: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ
[المجادلة: 19] وهذا أيضًا تودد منهم إليهم، فإنهم كانوا يصانعون هؤلاء
وهؤلاء؛ ليحظوا عندهم ويأمنوا كيدهم، وما ذاك إلا لضعف إيمانهم، وقلة
إيقانهم.
قال الله تعالى: ( فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) أي: بما يعلمه منكم -أيها المنافقون-من البواطن
الرديئة، فلا تغتروا بجريان الأحكام الشرعية عليكم ظاهرًا في الحياة
الدنيا، لما له [تعالى] في ذلك من الحكمة، فيوم القيامة لا تنفعكم ظواهركم، بل هو يوم تبلى فيه السرائر ويُحَصَّل ما في الصدور.
وقوله: ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
سَبِيلا ) قال عبد الرزاق: أنبأنا الثوري، عن الأعمش، عن ذَرّ، عن يُسَيْع
الكندي قال: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب، فقال: كيف هذه الآية: ( وَلَنْ
يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا ) ؟ فقال
علي، رضي الله عنه: ادْنُه ادنه، ثم قال: ( فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا )
وكذا روى ابن جريج عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: ( وَلَنْ يَجْعَلَ
اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا ) قال: ذاك يوم
القيامة. وكذا روى السدي عن أبي مالك الأشجعي: يعني يوم القيامة. وقال
السدي: ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
سَبِيلا ) أي: حجة.
ويحتمل أن يكون المراد: ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا ) أي: في الدنيا، بأن يُسَلَّطُوا عليهم استيلاء
استئصال بالكلية، وإن حصل لهم ظفر في بعض الأحيان على بعض الناس، فإن
العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ] [غافر: 51، 52]. وعلى هذا فيكون ردا على المنافقين فيما أملوه وتربصوه
وانتظروه من زوال دولة المؤمنين، وفيما سلكوه من مصانعتهم الكافرين، خوفا
على أنفسهم منهم إذا هم ظهروا على المؤمنين فاستأصلوهم، كما قال تعالى: فَتَرَى
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ [ يَقُولُونَ
نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ
بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا
فِي أَنْفُسِهِمْ] نَادِمِينَ [المائدة: 52] .
وقد استدل كثير من العلماء
بهذه الآية الكريمة على أصح قولي العلماء، وهو المنع من بيع العبد المسلم
من الكافر لما في صحة ابتياعه من التسليط له عليه والإذلال، ومن قال منهم
بالصحة يأمره بإزالة ملكه عنه في الحال؛ لقوله تعالى: ( وَلَنْ يَجْعَلَ
اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا )
إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا
إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ
اللَّهَ إِلا قَلِيلا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلا (143)
قد تقدم في أول سورة البقرة قوله تعالى: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا
[البقرة: 9] وقال هاهنا: ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ
وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) ولا شك أن الله تعالى لا يخادع، فإنه العالم بالسرائر
والضمائر، ولكن المنافقين لجهلهم وقلة علمهم وعقلهم، يعتقدون أن أمرهم كما
راج عند الناس وجَرَت عليهم أحكامُ الشريعة ظاهرا، فكذلك
يكون حكمهم يوم القيامة عند الله، وأن أمرهم يروج عنده، كما أخبر عنهم
تعالى أنهم يوم القيامة يحلفون له: أنهم كانوا على الاستقامة والسداد،
ويعتقدون أن ذلك نافع لهم عنده، فقال تعالى: يَوْمَ
يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ
لَكُمْ [وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ
الْكَاذِبُونَ] [المجادلة: 18].
وقوله: ( وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) أي: هو الذي يستدرجهم في طغيانهم
وضلالهم، ويخذلهم عن الحق والوصول إليه في الدنيا وكذلك في يوم القيامة كما
قال تعالى: يَوْمَ
يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا
انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ
فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ
فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ
أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ
أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ
حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ] وَبِئْسَ الْمَصِيرُ . [الحديد: 13-15] وقد ورد في الحديث: "من سَمَّع سَمَّع الله به، ومن راءى راءى الله به" وفي حديث آخر: "إن الله يأمر بالعبد إلى الجنة فيما يبدو للناس، ويعدل به إلى النار" عياذًا بالله من ذلك.
وقوله: ( وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى [يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إَلا قَلِيلا] )
هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها، وهي الصلاة. إذا قاموا
إليها قاموا وهم كسالى عنها؛ لأنهم لا نية لهم فيها، ولا إيمانَ لهم بها
ولا خشية، ولا يعقلون معناها كما روى
ابن مردويه، من طريق عُبَيد الله بن زَحْر، عن خالد بن أبي عِمْران، عن
عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال: يكرَه أن يقوم الرجلُ إلى الصلاة وهو
كسلان، ولكن يقوم إليها طلق الوجه، عظيم الرغبة، شديد الفرح، فإنه يناجي
الله [تعالى] وإن الله أمامه يغفر له ويجيبه إذا دعاه، ثم يتلو ابن عباس هذه الآية: ( وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى )
وروي من غير هذا الوجه، عن ابن عباس، نحوه.
فقوله تعالى: ( وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى ) هذه صفة ظواهرهم، كما قال: وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى
[التوبة: 54] ثم ذكر تعالى صفة بواطنهم الفاسدة، فقال: ( يُرَاءُونَ
النَّاسَ ) أي: لا إخلاص لهم [ولا معاملة مع الله بل إنما يشهدون الصلاة
تقية من الناس ومصانعة لهم]
؛ ولهذا يتخلفون كثيرا عن الصلاة التي لا يُرَون غالبًا فيها كصلاة العشاء
وقت العَتَمَة، وصلاة الصبح في وقت الغَلَس، كما ثبت في الصحيحين أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: "أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء
وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حَبْوًا، ولقد هممت أن آمر
بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال، معهم حُزَم
من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرّق عليهم بيوتهم بالنار " .
وفي رواية: "والذي نفسي بيده، لو علم أحدهم أنه يجد عَرْقًا سمينًا أو مَرْمَاتين حسنتين، لشهد الصلاة، ولولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقت عليهم بيوتهم بالنار" .
وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمد -هو بن أبي بكر المقدمي
-حدثنا محمد بن دينار، عن إبراهيم الهَجَري، عن أبي الأحوص، عن عبد الله
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحْسَنَ الصلاة حيث يراه
الناس، وأساءها حيث يخلو، فتلك استهانة، استهان بها ربه عز وجل" .
وقوله: ( وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا ) أي: في صلاتهم لا يخشعُون [فيها] ولا يدرون ما يقولون، بل هم في صلاتهم ساهون لاهون، وعما يراد بهم من الخير معرضون.
وقد روى الإمام مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أنس بن مالك قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك
صلاة المنافق: يجلس يَرْقُب الشمس، حتى إذا كانت بين قَرْنَي الشيطان، قام
فَنَقَر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا".
وكذا رواه مسلم، والترمذي، والنسائي، من حديث إسماعيل بن جعفر المدني، عن العلاء بن عبد الرحمن، به. وقال الترمذي: حسن صحيح .
وقوله: ( مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى
هَؤُلاءِ ) يعني: المنافقين محيرين بين الإيمان والكفر، فلا هم مع المؤمنين
ظاهرًا وباطنًا، ولا مع الكافرين ظاهرًا وباطنًا، بل ظواهرهم مع المؤمنين،
وبواطنهم مع الكافرين. ومنهم من يعتريه الشك، فتارة يميل إلى هؤلاء، وتارة
يميل إلى أولئك كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا الآية [البقرة: 20].
قال مجاهد: ( مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى
هَؤُلاءِ ) يعني: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ( وَلا إِلَى هَؤُلاءِ )
يعني: اليهود.
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا عبيد
الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل المنافق
كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تَعِيرُ إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة، ولا
تدري أيتهما تتبع".
تفرد به مسلم. وقد رواه عن محمد بن المثنى مرة أخرى، عن عبد الوهاب،
فوقف به على ابن عمر، ولم يرفعه، قال: حدثنا به عبد الوهاب مرتين كذلك .
قلت: وقد رواه الإمام أحمد، عن إسحاق بن يوسف بن عبيد الله، به مرفوعًا.
وكذا رواه إسماعيل بن عياش وعلي بن عاصم، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن
عمر مرفوعا. وكذا رواه عثمان بن محمد بن أبي شيبة، عن عبدة، عن عبد الله،
به مرفوعا. ورواه حماد بن سلمة، عن عبيد الله -أو عبد الله بن عمر-عن نافع،
عن ابن عمر مرفوعا. ورواه أيضًا صخر بن جُوَيْرِية، عن نافع عن ابن عمر،
عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثله .
وقال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا الهُذَيل بن بلال، عن ابن
عبيد، عن أبيه: أنه جلس ذات يوم بمكة وعبد الله بن عمر معه، فقال أبي: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مثل المنافق يوم القيامة كالشاة بين
الرّبضَين من الغنم، إن أتت هؤلاء نطحتها، وإن أتت هؤلاء نطحتها" فقال له
ابن عمر: كذبت. فأثنى القوم على أبي خيرا -أو معروفا-فقال ابن عمر: لا أظن
صاحبكم إلا كما تقولون، ولكني شاهد نبي الله إذ قال: كالشاة بين الغنمين. فقال: هو سواء. فقال: هكذا سمعته .
وقال أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا المسعودي، عن أبي جعفر محمد بن علي قال:
بينما عبيد بن عُمير يقص، وعنده عبد الله بن عمر، فقال عبيد بن عمير: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المنافق كالشاة بين ربضين، إذا أتت
هؤلاء نطحتها، وإذا أتت هؤلاء نطحتها". فقال ابن عمر: ليس كذلك قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كشاة بين
غنمين". قال: فاحتفظ الشيخ وغضب، فلما رأى ذلك ابن عمر قال: أما إني لو لم
أسمعه لم أردد ذلك عليك .
طريق أخرى: عن ابن عمر، قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا
مَعْمَر، عن عثمان بن بُودِويه، عن يَعْفُر بن زُوذي قال: سمعت عبيد بن
عمير وهو يقص يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المنافق كمثل
الشاة الرابضة بين الغنمين". فقال ابن عمر: ويلكم. لا تكذبوا على رسول الله
صلى الله عليه وسلم. إنما قال صلى الله عليه وسلم: "مثل المنافق كمثل
الشاة العائرة بين الغنمين" .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبيد الله بن موسى، أخبرنا
إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله -هو ابن مسعود-قال: مثل
المؤمن والمنافق والكافر مثل ثلاثة نفر انتهوا إلى واد، فدفع أحدهم فعبر،
ثم وقع الآخر حتى إذا أتى على نصف الوادي ناداه الذي على شفير الوادي:
ويلك. أين تذهب؟ إلى الهلكة؟ ارجع عودك على بدئك، وناداه الذي عبر: هَلُمّ
إلى النجاة. فجعل ينظر إلى هذا مرة وإلى هذا مرة، قال: فجاءه سيل فأغرقه،
فالذي عبر المؤمن، والذي غرق المنافق: ( مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا
إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ ) والذي مكث الكافر وقال ابن جرير: حدثنا بِشْر، حدثنا يزيد، حدثنا شعبة
عن قتادة: ( مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى
هَؤُلاءِ ) يقول: ليسوا بمؤمنين مخلصين ولا مشركين مصرّحين بالشرك. قال:
وذُكرَ لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يضرب مثلا للمؤمن وللمنافق
وللكافر، كمثل رهط ثلاثة دَفَعوا إلى نهر، فوقع المؤمن فقطع، ثم وقع
المنافق حتى إذا كاد يصل إلى المؤمن ناداه الكافر: أن هَلُمّ إليّ، فإني
أخشى عليك. وناداه المؤمن: أن هَلُمّ إليّ، فإني عندي وعندي؛ يُحصى له ما
عنده. فما زال المنافق يتردد بينهما حتى أتى أذى فغرّقه. وإن المنافق لم
يزل في شك وشبهة، حتى أتى عليه الموت وهو كذلك. قال: وذُكرَ لنا أن نبي
الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "مثل المنافق كمثل ثاغية بين غنمين، رأت
غنمًا على نَشَزٍ فأتتها وشامتها فلم تعرف، ثم رأت غنمًا على نَشَز فأتتها
وشامتها فلم تعرف".
ولهذا قال تعالى: ( وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلا ) أي: ومن صرفه عن طريق الهدى فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا فإنه: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ
والمنافقون الذين أضلهم عن سبيل النجاة فلا هادي لهم، ولا منقذ لهم مما هم
فيه، فإنه تعالى لا مُعَقّب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ
مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ
عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلا
الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا
دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ
اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)
ينهى تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين،
يعني مصاحبتهم ومصادقتهم ومناصحتهم وإسرار المودة إليهم، وإفشاء أحوال
المؤمنين الباطنة إليهم، كما قال تعالى: لا
يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ
إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ
[آل عمران: 28] أي: يحذركم عقوبته في ارتكابكم نهيه. ولهذا قال هاهنا: (
أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا )
أي: حجة عليكم في عقوبته إياكم.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا سفيان بن
عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة عن ابن عباس قوله: ( سُلْطَانًا
مُبِينًا ) [قال] كل سلطان في القرآن حجة.
وهذا إسناد صحيح. وكذا قال مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومحمد بن كعب القُرَظي، والضحاك، والسدي والنضر بن عَرَبي.
ثم أخبر تعالى: ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ
النَّارِ ) أي: يوم القيامة، جزاء على كفرهم الغليظ. قال الوالبي عن ابن
عباس: ( فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) أي: في أسفل النار. وقال
غيره: النار دركات، كما أن الجنة درجات. "وقال سفيان الثوري، عن عاصم، عن
ذَكْوان أبي صالح، عن أبي هريرة: ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ
الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) قال: في توابيت ترتج عليهم. كذا رواه ابن جرير،
عن ابن وَكِيع، عن يحيى بن يمان، عن سفيان، به. ورواه ابن أبي حاتم، عن
المنذر بن شاذان، عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن عاصم، عن أبي صالح،
عن أبي هريرة: ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ
النَّارِ ) قال: الدرك الأسفل بيوت لها أبواب تطبق عليهم، فتوقد من تحتهم
ومن فوقهم.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن سلمة
بن كُهَيْل، عن خَيْثَمَة، عن عبد الله -يعني ابن مسعود: ( إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) قال: في توابيت من
نار تطبق عليهم. ورواه ابن أبي حاتم، عن أبي سعيد الأشج، عن وكيع، عن
سفيان، عن سلمة، عن خيثمة، عن ابن مسعود: ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي
الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) قال: في توابيت من حديد مبهمة عليهم،
ومعنى قولهمبهمة) أي: مغلقة مقفلة لا يهتدى لمكان فتحها.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو سلمة، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن: أن ابن مسعود سئل عن المنافقين، فقال: يجعلون في توابيت من نار، فتطبق عليهم في أسفل درك من النار.
( وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ) أي: ينقذهم مما هم فيه، ويخرجهم من أليم العذاب.
ثم أخبر تعالى أن من تاب [منهم] في الدنيا تاب عليه
وقَبِلَ ندمه إذا أخلص في توبته وأصلح عمله، واعتصم بربه في جميع أمره،
فقال: ( إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ
وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ ) أي: بَدَّلوا الرياء بالإخلاص، فينفعهم
العمل الصالح وإن قل.
قال ابن أبي حاتم: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءة، أنبأنا ابن وهب،
أخبرني يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زَحْر، عن خالد بن أبي عِمْران، عن
عمرو بن مرة، عن معاذ بن جبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أخلص
دينك، يكفك القليل من العمل" .
( فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) أي: في زمرتهم يوم القيامة ( وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا )
ثم قال مخبرًا عن غناه عما سواه، وأنه إنما يعذب العباد بذنوبهم، فقال: (
مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ) أي:
أصلحتم العمل وآمنتم بالله ورسوله، ( وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا )
أي: من شكر شكر له ومن آمن قلبه به علمه، وجازاه على ذلك أوفر الجزاء.
يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا
أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا
أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ
اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا (141)
يخبر تعالى عن المنافقين أنهم يتربصون بالمؤمنين دوائر السوء، بمعنى ينتظرون زوال دولتهم، وظهور الكفر
عليهم، وذهاب ملتهم ( فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ ) أي: نصر
وتأييد وظَفَر وغنيمة ( قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ ) ؟ أي: يتوددون
إلى المؤمنين بهذه المقالة ( وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ ) أي:
إدالة على المؤمنين في بعض الأحيان، كما وقع يوم أحد، فإنّ الرسل تبتلى ثم
يكون لها
العاقبة ( قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ ) ؟ أي: ساعدناكم في الباطن، وما ألوناهم خبالا وتخذيلا حتى
انتصرتم عليهم.
وقال السدي: ( نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ ) نغلب عليكم، كقوله: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ
[المجادلة: 19] وهذا أيضًا تودد منهم إليهم، فإنهم كانوا يصانعون هؤلاء
وهؤلاء؛ ليحظوا عندهم ويأمنوا كيدهم، وما ذاك إلا لضعف إيمانهم، وقلة
إيقانهم.
قال الله تعالى: ( فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) أي: بما يعلمه منكم -أيها المنافقون-من البواطن
الرديئة، فلا تغتروا بجريان الأحكام الشرعية عليكم ظاهرًا في الحياة
الدنيا، لما له [تعالى] في ذلك من الحكمة، فيوم القيامة لا تنفعكم ظواهركم، بل هو يوم تبلى فيه السرائر ويُحَصَّل ما في الصدور.
وقوله: ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
سَبِيلا ) قال عبد الرزاق: أنبأنا الثوري، عن الأعمش، عن ذَرّ، عن يُسَيْع
الكندي قال: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب، فقال: كيف هذه الآية: ( وَلَنْ
يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا ) ؟ فقال
علي، رضي الله عنه: ادْنُه ادنه، ثم قال: ( فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا )
وكذا روى ابن جريج عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: ( وَلَنْ يَجْعَلَ
اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا ) قال: ذاك يوم
القيامة. وكذا روى السدي عن أبي مالك الأشجعي: يعني يوم القيامة. وقال
السدي: ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
سَبِيلا ) أي: حجة.
ويحتمل أن يكون المراد: ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا ) أي: في الدنيا، بأن يُسَلَّطُوا عليهم استيلاء
استئصال بالكلية، وإن حصل لهم ظفر في بعض الأحيان على بعض الناس، فإن
العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ] [غافر: 51، 52]. وعلى هذا فيكون ردا على المنافقين فيما أملوه وتربصوه
وانتظروه من زوال دولة المؤمنين، وفيما سلكوه من مصانعتهم الكافرين، خوفا
على أنفسهم منهم إذا هم ظهروا على المؤمنين فاستأصلوهم، كما قال تعالى: فَتَرَى
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ [ يَقُولُونَ
نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ
بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا
فِي أَنْفُسِهِمْ] نَادِمِينَ [المائدة: 52] .
وقد استدل كثير من العلماء
بهذه الآية الكريمة على أصح قولي العلماء، وهو المنع من بيع العبد المسلم
من الكافر لما في صحة ابتياعه من التسليط له عليه والإذلال، ومن قال منهم
بالصحة يأمره بإزالة ملكه عنه في الحال؛ لقوله تعالى: ( وَلَنْ يَجْعَلَ
اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا )
إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا
إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ
اللَّهَ إِلا قَلِيلا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلا (143)
قد تقدم في أول سورة البقرة قوله تعالى: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا
[البقرة: 9] وقال هاهنا: ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ
وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) ولا شك أن الله تعالى لا يخادع، فإنه العالم بالسرائر
والضمائر، ولكن المنافقين لجهلهم وقلة علمهم وعقلهم، يعتقدون أن أمرهم كما
راج عند الناس وجَرَت عليهم أحكامُ الشريعة ظاهرا، فكذلك
يكون حكمهم يوم القيامة عند الله، وأن أمرهم يروج عنده، كما أخبر عنهم
تعالى أنهم يوم القيامة يحلفون له: أنهم كانوا على الاستقامة والسداد،
ويعتقدون أن ذلك نافع لهم عنده، فقال تعالى: يَوْمَ
يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ
لَكُمْ [وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ
الْكَاذِبُونَ] [المجادلة: 18].
وقوله: ( وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) أي: هو الذي يستدرجهم في طغيانهم
وضلالهم، ويخذلهم عن الحق والوصول إليه في الدنيا وكذلك في يوم القيامة كما
قال تعالى: يَوْمَ
يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا
انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ
فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ
فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ
أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ
أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ
حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ] وَبِئْسَ الْمَصِيرُ . [الحديد: 13-15] وقد ورد في الحديث: "من سَمَّع سَمَّع الله به، ومن راءى راءى الله به" وفي حديث آخر: "إن الله يأمر بالعبد إلى الجنة فيما يبدو للناس، ويعدل به إلى النار" عياذًا بالله من ذلك.
وقوله: ( وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى [يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إَلا قَلِيلا] )
هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها، وهي الصلاة. إذا قاموا
إليها قاموا وهم كسالى عنها؛ لأنهم لا نية لهم فيها، ولا إيمانَ لهم بها
ولا خشية، ولا يعقلون معناها كما روى
ابن مردويه، من طريق عُبَيد الله بن زَحْر، عن خالد بن أبي عِمْران، عن
عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال: يكرَه أن يقوم الرجلُ إلى الصلاة وهو
كسلان، ولكن يقوم إليها طلق الوجه، عظيم الرغبة، شديد الفرح، فإنه يناجي
الله [تعالى] وإن الله أمامه يغفر له ويجيبه إذا دعاه، ثم يتلو ابن عباس هذه الآية: ( وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى )
وروي من غير هذا الوجه، عن ابن عباس، نحوه.
فقوله تعالى: ( وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى ) هذه صفة ظواهرهم، كما قال: وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى
[التوبة: 54] ثم ذكر تعالى صفة بواطنهم الفاسدة، فقال: ( يُرَاءُونَ
النَّاسَ ) أي: لا إخلاص لهم [ولا معاملة مع الله بل إنما يشهدون الصلاة
تقية من الناس ومصانعة لهم]
؛ ولهذا يتخلفون كثيرا عن الصلاة التي لا يُرَون غالبًا فيها كصلاة العشاء
وقت العَتَمَة، وصلاة الصبح في وقت الغَلَس، كما ثبت في الصحيحين أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: "أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء
وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حَبْوًا، ولقد هممت أن آمر
بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال، معهم حُزَم
من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرّق عليهم بيوتهم بالنار " .
وفي رواية: "والذي نفسي بيده، لو علم أحدهم أنه يجد عَرْقًا سمينًا أو مَرْمَاتين حسنتين، لشهد الصلاة، ولولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقت عليهم بيوتهم بالنار" .
وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمد -هو بن أبي بكر المقدمي
-حدثنا محمد بن دينار، عن إبراهيم الهَجَري، عن أبي الأحوص، عن عبد الله
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحْسَنَ الصلاة حيث يراه
الناس، وأساءها حيث يخلو، فتلك استهانة، استهان بها ربه عز وجل" .
وقوله: ( وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا ) أي: في صلاتهم لا يخشعُون [فيها] ولا يدرون ما يقولون، بل هم في صلاتهم ساهون لاهون، وعما يراد بهم من الخير معرضون.
وقد روى الإمام مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أنس بن مالك قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك
صلاة المنافق: يجلس يَرْقُب الشمس، حتى إذا كانت بين قَرْنَي الشيطان، قام
فَنَقَر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا".
وكذا رواه مسلم، والترمذي، والنسائي، من حديث إسماعيل بن جعفر المدني، عن العلاء بن عبد الرحمن، به. وقال الترمذي: حسن صحيح .
وقوله: ( مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى
هَؤُلاءِ ) يعني: المنافقين محيرين بين الإيمان والكفر، فلا هم مع المؤمنين
ظاهرًا وباطنًا، ولا مع الكافرين ظاهرًا وباطنًا، بل ظواهرهم مع المؤمنين،
وبواطنهم مع الكافرين. ومنهم من يعتريه الشك، فتارة يميل إلى هؤلاء، وتارة
يميل إلى أولئك كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا الآية [البقرة: 20].
قال مجاهد: ( مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى
هَؤُلاءِ ) يعني: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ( وَلا إِلَى هَؤُلاءِ )
يعني: اليهود.
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا عبيد
الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل المنافق
كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تَعِيرُ إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة، ولا
تدري أيتهما تتبع".
تفرد به مسلم. وقد رواه عن محمد بن المثنى مرة أخرى، عن عبد الوهاب،
فوقف به على ابن عمر، ولم يرفعه، قال: حدثنا به عبد الوهاب مرتين كذلك .
قلت: وقد رواه الإمام أحمد، عن إسحاق بن يوسف بن عبيد الله، به مرفوعًا.
وكذا رواه إسماعيل بن عياش وعلي بن عاصم، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن
عمر مرفوعا. وكذا رواه عثمان بن محمد بن أبي شيبة، عن عبدة، عن عبد الله،
به مرفوعا. ورواه حماد بن سلمة، عن عبيد الله -أو عبد الله بن عمر-عن نافع،
عن ابن عمر مرفوعا. ورواه أيضًا صخر بن جُوَيْرِية، عن نافع عن ابن عمر،
عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثله .
وقال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا الهُذَيل بن بلال، عن ابن
عبيد، عن أبيه: أنه جلس ذات يوم بمكة وعبد الله بن عمر معه، فقال أبي: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مثل المنافق يوم القيامة كالشاة بين
الرّبضَين من الغنم، إن أتت هؤلاء نطحتها، وإن أتت هؤلاء نطحتها" فقال له
ابن عمر: كذبت. فأثنى القوم على أبي خيرا -أو معروفا-فقال ابن عمر: لا أظن
صاحبكم إلا كما تقولون، ولكني شاهد نبي الله إذ قال: كالشاة بين الغنمين. فقال: هو سواء. فقال: هكذا سمعته .
وقال أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا المسعودي، عن أبي جعفر محمد بن علي قال:
بينما عبيد بن عُمير يقص، وعنده عبد الله بن عمر، فقال عبيد بن عمير: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المنافق كالشاة بين ربضين، إذا أتت
هؤلاء نطحتها، وإذا أتت هؤلاء نطحتها". فقال ابن عمر: ليس كذلك قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كشاة بين
غنمين". قال: فاحتفظ الشيخ وغضب، فلما رأى ذلك ابن عمر قال: أما إني لو لم
أسمعه لم أردد ذلك عليك .
طريق أخرى: عن ابن عمر، قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا
مَعْمَر، عن عثمان بن بُودِويه، عن يَعْفُر بن زُوذي قال: سمعت عبيد بن
عمير وهو يقص يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المنافق كمثل
الشاة الرابضة بين الغنمين". فقال ابن عمر: ويلكم. لا تكذبوا على رسول الله
صلى الله عليه وسلم. إنما قال صلى الله عليه وسلم: "مثل المنافق كمثل
الشاة العائرة بين الغنمين" .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبيد الله بن موسى، أخبرنا
إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله -هو ابن مسعود-قال: مثل
المؤمن والمنافق والكافر مثل ثلاثة نفر انتهوا إلى واد، فدفع أحدهم فعبر،
ثم وقع الآخر حتى إذا أتى على نصف الوادي ناداه الذي على شفير الوادي:
ويلك. أين تذهب؟ إلى الهلكة؟ ارجع عودك على بدئك، وناداه الذي عبر: هَلُمّ
إلى النجاة. فجعل ينظر إلى هذا مرة وإلى هذا مرة، قال: فجاءه سيل فأغرقه،
فالذي عبر المؤمن، والذي غرق المنافق: ( مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا
إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ ) والذي مكث الكافر وقال ابن جرير: حدثنا بِشْر، حدثنا يزيد، حدثنا شعبة
عن قتادة: ( مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى
هَؤُلاءِ ) يقول: ليسوا بمؤمنين مخلصين ولا مشركين مصرّحين بالشرك. قال:
وذُكرَ لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يضرب مثلا للمؤمن وللمنافق
وللكافر، كمثل رهط ثلاثة دَفَعوا إلى نهر، فوقع المؤمن فقطع، ثم وقع
المنافق حتى إذا كاد يصل إلى المؤمن ناداه الكافر: أن هَلُمّ إليّ، فإني
أخشى عليك. وناداه المؤمن: أن هَلُمّ إليّ، فإني عندي وعندي؛ يُحصى له ما
عنده. فما زال المنافق يتردد بينهما حتى أتى أذى فغرّقه. وإن المنافق لم
يزل في شك وشبهة، حتى أتى عليه الموت وهو كذلك. قال: وذُكرَ لنا أن نبي
الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "مثل المنافق كمثل ثاغية بين غنمين، رأت
غنمًا على نَشَزٍ فأتتها وشامتها فلم تعرف، ثم رأت غنمًا على نَشَز فأتتها
وشامتها فلم تعرف".
ولهذا قال تعالى: ( وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلا ) أي: ومن صرفه عن طريق الهدى فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا فإنه: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ
والمنافقون الذين أضلهم عن سبيل النجاة فلا هادي لهم، ولا منقذ لهم مما هم
فيه، فإنه تعالى لا مُعَقّب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ
مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ
عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلا
الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا
دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ
اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)
ينهى تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين،
يعني مصاحبتهم ومصادقتهم ومناصحتهم وإسرار المودة إليهم، وإفشاء أحوال
المؤمنين الباطنة إليهم، كما قال تعالى: لا
يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ
إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ
[آل عمران: 28] أي: يحذركم عقوبته في ارتكابكم نهيه. ولهذا قال هاهنا: (
أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا )
أي: حجة عليكم في عقوبته إياكم.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا سفيان بن
عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة عن ابن عباس قوله: ( سُلْطَانًا
مُبِينًا ) [قال] كل سلطان في القرآن حجة.
وهذا إسناد صحيح. وكذا قال مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومحمد بن كعب القُرَظي، والضحاك، والسدي والنضر بن عَرَبي.
ثم أخبر تعالى: ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ
النَّارِ ) أي: يوم القيامة، جزاء على كفرهم الغليظ. قال الوالبي عن ابن
عباس: ( فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) أي: في أسفل النار. وقال
غيره: النار دركات، كما أن الجنة درجات. "وقال سفيان الثوري، عن عاصم، عن
ذَكْوان أبي صالح، عن أبي هريرة: ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ
الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) قال: في توابيت ترتج عليهم. كذا رواه ابن جرير،
عن ابن وَكِيع، عن يحيى بن يمان، عن سفيان، به. ورواه ابن أبي حاتم، عن
المنذر بن شاذان، عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن عاصم، عن أبي صالح،
عن أبي هريرة: ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ
النَّارِ ) قال: الدرك الأسفل بيوت لها أبواب تطبق عليهم، فتوقد من تحتهم
ومن فوقهم.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن سلمة
بن كُهَيْل، عن خَيْثَمَة، عن عبد الله -يعني ابن مسعود: ( إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) قال: في توابيت من
نار تطبق عليهم. ورواه ابن أبي حاتم، عن أبي سعيد الأشج، عن وكيع، عن
سفيان، عن سلمة، عن خيثمة، عن ابن مسعود: ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي
الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) قال: في توابيت من حديد مبهمة عليهم،
ومعنى قولهمبهمة) أي: مغلقة مقفلة لا يهتدى لمكان فتحها.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو سلمة، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن: أن ابن مسعود سئل عن المنافقين، فقال: يجعلون في توابيت من نار، فتطبق عليهم في أسفل درك من النار.
( وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ) أي: ينقذهم مما هم فيه، ويخرجهم من أليم العذاب.
ثم أخبر تعالى أن من تاب [منهم] في الدنيا تاب عليه
وقَبِلَ ندمه إذا أخلص في توبته وأصلح عمله، واعتصم بربه في جميع أمره،
فقال: ( إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ
وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ ) أي: بَدَّلوا الرياء بالإخلاص، فينفعهم
العمل الصالح وإن قل.
قال ابن أبي حاتم: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءة، أنبأنا ابن وهب،
أخبرني يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زَحْر، عن خالد بن أبي عِمْران، عن
عمرو بن مرة، عن معاذ بن جبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أخلص
دينك، يكفك القليل من العمل" .
( فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) أي: في زمرتهم يوم القيامة ( وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا )
ثم قال مخبرًا عن غناه عما سواه، وأنه إنما يعذب العباد بذنوبهم، فقال: (
مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ) أي:
أصلحتم العمل وآمنتم بالله ورسوله، ( وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا )
أي: من شكر شكر له ومن آمن قلبه به علمه، وجازاه على ذلك أوفر الجزاء.
|
الموضوع الأصلي : الجزء الثامن والعشرون من تفسير سورة النساء لابن كثير
المصدر : ملتقى الجزائريين والعرب
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الثامن والعشرون من تفسير سورة النساء لابن كثير
موضــــــ جميل ـــــوع
والأجمل مشاركة به معنا
لا تحرمنا مواضيعك سنكون شاكريــــ لك ـــن على جهودك الطيبة
فكن دائما كما أنت لأنك تستحق كــــ الشكر ــــــل
ولا تنسى أن تترك أثرا هنا
الموضوع الأصلي : الجزء الثامن والعشرون من تفسير سورة النساء لابن كثير
المصدر : ملتقى الجزائريين والعرب
رد: الجزء الثامن والعشرون من تفسير سورة النساء لابن كثير
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
ولا تنسى أن تزورنا دوما على عنوان واحد
هنا
الموضوع الأصلي : الجزء الثامن والعشرون من تفسير سورة النساء لابن كثير
المصدر : ملتقى الجزائريين والعرب
الزعيم- المـديـر العـــام
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 7554
رد: الجزء الثامن والعشرون من تفسير سورة النساء لابن كثير
شكرا على الموضوع
الموضوع الأصلي : الجزء الثامن والعشرون من تفسير سورة النساء لابن كثير
المصدر : ملتقى الجزائريين والعرب
أبو سليمان- المشرفون
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 3412
تاريخ الميلاد : 03/11/1996
العمر : 28
رد: الجزء الثامن والعشرون من تفسير سورة النساء لابن كثير
شكرا على الرد نورت الموضوع بمرورك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
لا تبخل علينا بجميل كلماتك
الموضوع الأصلي : الجزء الثامن والعشرون من تفسير سورة النساء لابن كثير
المصدر : ملتقى الجزائريين والعرب
aaaa- عضو نشيط
- احترام القوانين :
عدد المساهمات : 768
تاريخ الميلاد : 13/10/1983
العمر : 41
مواضيع مماثلة
» الجزء الثاني والعشرون من تفسير سورة النساء لابن كثير
» الجزء الثالث والعشرون من تفسير سورة النساء لابن كثير
» الجزء الرابع والعشرون من تفسير سورة النساء لابن كثير
» الجزء الخامس والعشرون من تفسير سورة النساء لابن كثير
» الجزء السادس والعشرون من تفسير سورة النساء لابن كثير
» الجزء الثالث والعشرون من تفسير سورة النساء لابن كثير
» الجزء الرابع والعشرون من تفسير سورة النساء لابن كثير
» الجزء الخامس والعشرون من تفسير سورة النساء لابن كثير
» الجزء السادس والعشرون من تفسير سورة النساء لابن كثير
ملتقى الجزائريين والعرب :: المنتدى العام :: الركن الإسلامي :: ملحق تفسير القرآن كاملا لابن كثير
:: تفسير سورة النساء
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى